[SIZE=أعمال حرة]الحاجة للتنفيس[/SIZE]

بسم الله الرحمن الرحيم.


يهرع عشرات الآلاف من الناس في بلاد الغرب حيث أعيش إلى عيادات الطب النفسي لا لشيء إلى لحاجتهم الماسة لمن يستمع إليهم ، الأمر الذي يقودنا إلى التساؤل فيما إن كان هذا الجم الغفير هو حقاً يحتاج لعلاج أم أن المسألة عادة وجرى عليها الناس؟.
في واقع الأمر أن الإنسان – أياً كان – يحتاج وبلا أدنى تردد إلى من يستمع إليه. وبما أن الأمر شبه مفقود بالكلية لدى الغربيين – لما هو عليه اتجاه نمط حياتهم – فلا مندوحة حينئذ إلا التوجه للعيادات النفسية ليجدوا بغيتهم وغايتهم المنشودة، ولعل بعضكم يعجب من أن أكثرهم أصبح مدمناً على هذه الحال، ولابد لنا من أن نعذره فقد عز لديهم الكلام بشكل يكاد ينبئ بكارثة.
في المبنى الذي أقطنه تعيش سيدة جاوزت العقد الثامن من عمرها، وجرت العادة عندي أنني كلما قابلتها عند سلم البيت أن أحييها وأحاول أن أسألها عن أخبارها، فما تكاد السيدة تصدق أن هناك من يريد التحدث معها، وبعدها تنهال المواضيع عليها من كل حدب وصوب حتى أنني أحيانا أظل عند الدرج ساعة كاملة أستمع لحديثها وما ذاك إلا لعلمي المسبق أنها تحتاج لمن يستمع إليها، ولا أكتمكم سراً فأنا من هواة قراءة التاريخ وهي تعد مصدر لمعلومات لم أتعايشها فكانت تسدي لي معروفاً بلا مقابل سوى الاستماع إليها.
و هاهنا سؤال ملح وهو: ما مدى صحة عقلية هؤلاء البشر فيما يقومون به من زيارة العيادات النفسية؟ وهل ما يحدث هناك يجدر أن يحدث هنا؟
مما لا شك فيه لدى خبراء علم النفس والاجتماع أن الإنسان اجتماعي بطبعه، وهذه الخصلة تقودنا إلى حقيقة حاجة الناس للصداقات وللترابط الأسري وإعانة بعضنا البعض, سيما وأننا نعيش فترات الاندحار هذه بشتى صنوفها، ويكاد المجتمع الإسلامي يذوب تحت وطأة الثقافات الدخيلة، كما أننا أصبحنا مدمنين لعادة الكتمان والانطواء والانكفاء الذاتي، وأدى ذلك إلى نتيجة مروعة من حالات الاكتئاب والقلق والسوداوية بل حتى الرهاب وما إلى ذلك من المشخصات.
على أن من جملة الوقائع والحقائق التي لا ينبغي للمسلم أن يتغافل عنها هي الحاجة الملحة والضرورية للثقة الذي يبادلنا أحاسيسنا ويتعامل معنا بدافع المحبة والصداقة بحيث نجد عنده المتسع لنفرغ شحناتنا السالبة من هموم ومشاكل ومسائل تؤرقنا وأحداث نمر بها، وهذه الضرورة الملجئة تقودنا بأخرة إلى الراحة النفسية التي ننشدها، إننا بذلك نبرهن لأنفسنا أن لا شيء بقي عالقاً في الصدر أو مختفياً خلف كراكيب أفكارنا وتخيلاتنا. ومن هنا نعلم الحاجة الملحة والماسة للتنفيس عن حالنا بما يوفر لنا مساحة نعبر فيها عما يجيش في صدورنا، عدا ذلك فإننا نفتح على أنفسنا وذواتنا آفاقاً تشعرنا أننا قد قطعنا ثلاثة أرباع الطريق لحل أزماتنا.
إن أكثر مما يشفق فيه الإنسان على نفسه هي حالة الجمود والانطوائية التي تقوده في أغلب الأحيان إلى حال الانهزامية والتردد مما يحيل مشاكله المتراكمة جراء التكتم والتستر إلى بعبع يوصله آخر المطاف إلى حالات متقدمة من الاكتئاب والقلق الحاد. لذا كانت المسؤولية المناطة بمن حوله من عائلته وأقاربه وأصدقائه كبيرة بكبر حجم المشكلة، ويتأكد هذا الأمر في حال الزوجة والزوج أيضاً خاصة باعتبارهما النواة الأولى للمجتمع.
إنني أشعر بالأسى والحزن حين أجد سيدة متزوجة وهي تطرح مشاكلها لغير زوجها ، مما يدلل على أن الزوج لا يستشعر هذا الأمر من جانبه المهم وهو أن زوجته حين تتحدث إليه وتبث لوعتها ومشاغلها إنما اختارته هو أولاً لثقتها التامة به ولشدة محبتها له وعظم مقداره في نفسها، إلا أنها تصدم في النهاية أنه غير متفرغ لها ولا يوجد لديه المتسع لسماع خرافاتها وتأوهاتها فلما أيها الزوج لم تعتبر بالأسباب التي دعتها لمحادثتك بما يشغل بالها وتقطع حبل الود فيما بينكما بأفقك الضيق ، وغدا بسبب أنانيتك وسلبيتك كل شيء في حياتها لا شيء ؟.
ختاماً لكل منا حاجته الضرورية لصديق أو متنفس يعبر له عما يجيش بداخله ، وهذه الضرورة من الأهمية بمكان بحيث لا يستغني عنها أحد – قاعدة لا يوجد لها استثناء- ، وبقدر حاجتنا للمتنفس نحن بحاجة لأذن واعية تحسن الإصغاء والتفهم ، خاصة إذا علمنا أن الكثير من الحالات الكتومة قد فقدت أي معنى للحياة ، وبعضها مات كمداً وحسرة بالأمراض والأوجاع الجسدية جراء انطوائيته وعزلته الغير محمودة. الأمر الذي يجعلنا نبادر إلى بث همومنا ومشاكلنا بشكل يحيل حياتنا بصورة أو بأخرى إلى نوع من الاستقرار والهدوء النفسيين، فلا ينبغي أن يذل الإنسان نفسه بتحميلها مالا تطيق.
الله أسأل أن يعمر قلوبنا بحبه وأن يشرح صدورنا ويجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر وأن يصفح عنا ويغفر لنا ما أسرفنا. آمين اللهم آمين.