اصبح تشغيل العقول هذه الايام نقمة يعاني منها كل عاقل .... فعند النظر للامور برجاحة عقل وبمنطق ، وعند الالمام بكل الظروف المحيطة ، وعندما تجعل المنطق والعقل اساسا لتوقعاتك ، ستكتشف الفاجعة ، ستكتشف انك اصبحت في قمة التشائم .... خاصة في هذه الايام "الوردي" .
والتفائل يعتبره الكثيرون سذاجة محضة خاصة عندما تتضح الامور وتظهر ظهور الشمس في وقت الظهيرة ... ، ولا احد يستطيع ان يقر ان كل شئ يدعوا دعوة صارخة الى التشائم بكل انواعه وميوله وتطبيقاتها ، ومهما يحاول الشخص ان يرتدي عباءة التفائل الا ويجد نفسه مرتديا عباءة التشائم ، ليس ذلك فقط ولكنه يرى امامه مرآه ليرى ما البسه من خيبة وهم وحسرة !

مبدأ التفائل دائما اضعه في أول الليستة .. ورغم ما اكتشفه من خيبة امل من هذا المبدأ الا وانني اتفاجأ بالكثير والكثير ..

فلنأتي بالعقل
تعتبر حباة أي شاب "عادي" هذه الايام مغلقة ... او متقفلة زي الدومينو... شاب متخرج من جامعة بعد حوالي 16 سنة دراسة ليخرج الى عالم "البشر" .... ليرى الصدمة ، ليرى ان ما تعلمه في ال 16 سنة تقريبا لم يحصل منها على شئ الا القليل !

ولنرى مثلا شاب تخلص من هم الثانوية العامة واراد ان يدخل اي كلية علمية ، اول شئ يفكر فيه قبل الدخول الى الجامعة ان يأخذ كورس لغة حوالي شهرين او ثلاثة في مكان "محترم" ... في حين انه كان يأخذ نفس اللغة في المدرسة منذ حوالي 8 سنين ! " طبعا انا بتكلم على المدارس العادية مش اللغات "

والذي يدعي للتفائل ان من يخرج الى سوق العمل يجد ان عليه ان يبدأ بالتعلم مرة اخرى وكأن ما درسه وكأن عمره ضاع في ال "باي باي " ، والظريف انه في اوقات كثيرة جدا لا يجد هذه النعمة "نعمة الشغل" الذي اذا وجدها سرعان ما هايتبتر عليها ، لأن ما سيدخله له مجرد ملاليم تكاد تأكله عيشا حافا ، وعليه ان يبعد كل البعد عن فكرة "الزواج" لأن هذا سيحطم ما تبقى له من بقايا أمل وتفائل ، فلو حسبها المسكين بالعقل والمنطق وادخل نفسه في دوامة الزواج ، فليستبشر وليتفائل فاذا امد الله في عمره سيكون عريسا أنيقا وهو في ربيع العمر !

صراحة مازلت متفائل جدا ... بجد والله متفائل جدا جدا ..

في احد الشهور القريبة الماضية جاء الينا أحد اقرابي وهو حاصل على بكالوريس علوم من نفس كليتي ونفس جامعتي من 3 سنين بالظبط ، وكانت سبب زيارته لنا هو ان لديه مقابلة في احد شركات الادوية وطبعا كان مربط مع احد الوسايط التي جائت عن طريقة معارف المعارف اللي هما اصحاب معارف المعارف !
هذا الشاب "للاسف" كان ومازال لا يعلم الا ما درسه في المدرسة وما بعدها في الكلية ، وهو حاصل على البكالوريس بدرجة "جيد جدا" وكان الثالث على دفعته .... ، والذي يدعنى اكثر تفائلا -مادمت لا احسبها بالعقل- ان هذا الشاب مازال لا يجد شغل حتى كتابة هذه الكلمات !

صراحة انا في قمة التفائل ... مادمت لا احسبها هكذا ... ومادمت لا احسبها بالعقل ....

في هذه السنة خاصة جاءت اليّ خواطر ووساوس كثيرة اثناء الامتحانات خاصة ، لا انكر ان هذه الوساوس اراها عقلانية جدا ومنطقية جدا جدا ، فكادت هذه الوساوس ان تجعلني اغيب عن بعض الامتحانات لمجرد عدم اقتناعي بكون هذه المادة لها قيمة بالنسبة لي وبكون المادة مجرد مادة اصمها كما هي واخش "أكب" ما حفظته ... تمام زي الكارريكتير ده



وبغض النظر عن التعليم وسنينه واللي خدناه منه واللي مخدنهوش منه واللي خدوه مننا واللي معرفش ياخدوا مننا ... فانا فعلا متفائل عادي ، بدليل اني بخش الامتحانات عادي اهوه ، طبعا مبذكرش اوي بس بضغط على نفسي وبذاكر ، لغاية لما نشوف اخرتها !

طبعا احنا متفقين أهم شرط للتفائل انك متحسبهاش بالعقل ...... أقولك تحسبها ازاي ؟؟ احسبها بالتوكل على الله ..... بس لو اخدتها بالعقل والمنطق أمانة هاضيع

وليس هذا فقط الذي يجعلني اتفائل .. واتفائل بنفس كمان ...

فإن مظاهر التفائل في الحياة عندي كثيرة لا يحصيها العد ولا يحيط بها علمي الصراحة

فايام الانتخابات سواء الرئاسية او ما بعدها من انتخابات مجلس الشعب .... فقد كنت متفائل جدا جدا ... وجريت وعملت بطاقة انتخابية وروحت شفت حقوقي السياسية ايه .... راجل متفائل بقا ..... في حين عندما تحسبها بالعقل والمنطق ستجد ان الانتخابات معروف نتائجها مسبقا .... وان اي فطن يستطيع ان يتوقع ما سيحدث وسيصيب توقعه بدرجة كبيرة .... فنجح السيد الرئيس مبارك باكتساح .... ونجح الحزب الوطني ان يحصل على اغلبية المجلس ليقتل دائما وابدأ اي تفائل يأتي عن طريق تشغيل عقل او منطق ... ولنفتح الباب على مصرعيه دائما للعقول المستنيرة لتدخل الى حقل التشائم ! ... ومن يريد ان يتمتع ببلاهة وهبل وعبط المتفائل فعليه ان يتفائل تفائل أهل النعيم الذي ينطبق عليهم مثل " المجنين في نعيم "

ورغم كل شئ فإني متفائل جدا واجد شعاع أمل لا يأتي الا من مكان واحد فقط وهو " التوكل على الله " فقط بعد ما نعمل ما نستطيع عمله ..

والذي يجعل تفائلي يزداد أكثر واكثر هو حال هذا السعب الذي اعيش بداخله ، وحال المجتمعات التي احتك بها بصفة يومية ، نعم فبرغم كوننا نعيش على ارض واحدة الا ان بداخلنا مجتمعات مختلفة ، وليست طبقات ، بل مجتمعات ...
ويشاء القدر اني على احتكاك مباشر بجميع المجتمعات تقريبا ، وبكوني اجتماعي نوعا ما يجعلني اكثر تفائلا عندما أسمع وأرى !

كنت أتحدث في الامس القريب مع أحد الاشخاص ، هو لا اعتبره أكثر من شخص من الاشخاص ، موظف مرموق في مبنى الاذاعة والتليفزيون ، فتح معي الكلام ليزيد تفائلي تفائلا ، وجلس يكلمني عن أمور هذا الشعب وكأنه يحدثي عن شعب بلد الواق واق الذي مابه من كسل وتواكل وعته و....و... و.... الخ، الصفات التي تجعل اي فرد يدفن هذا الشعب بالحياة ليرتاح البشرية منه .... ليجعلني في نهاية الحديث اقول له انت منين ؟!!

طبعا لا انكر ان الشعب بطبقاته ومجتمعاته اكبر عامل من عوامل تفائل - التفائل المقترن بالهبل - فما اروع حافز من حوافز التفائل عندما ترى الشعب مصتف صفوفا صفوفا في المقاهي ليرى 22 "بني آدم" يخبطون شمالا ويمينا في قطعة من الجلد .... في حين ان هذا الشعب يعاني من الهموم التي تكفي ان تغرقه في بحر من الافكار لكي يطلع من هذه البلاوي التي تلحق به يوما بعد يوم ، وكأنه وضع الحلول لكل ما يقابله وما سوف يقابله من مصير محتوم ، أو لعله تمتع بالتفائل المنتظر !

ولا اجد نفسي اكثر تفائلا ، واستغرب من نفسي جدا عندما ابحث عن أحد الجرائد الحكومية لأراها تحدثني كأبله ، مختل عقليا ، وصراحة يعملون بكل جهدهم ليبعثوا وينشروا روح التشائم بين الشعب بأثره ، لكن على مين انا هافضل متفائل كدة

للاسف رغم غربتي في هذا الوطن ، واكاد اكون غريبا في هذا العالم كله بأثره ، سأظل متفائل

سأظل متفائل ، تفائلا قد يراه البعض "تفائل الهبل " ، ولكني اراه تفائل التوكل على الله ، حتى لو كان كل ما يحدث منطقيا وعقلانيا يدعوا الى التشائم ، سأظل متفائلا حتى لو جاء اليوم ليكون شعاري
أنا متفائل وأهبل لكن مش متشائم وعاقل


واختم كلامي بكلما للرائع محمد سعيد


يا زمان الانسانيه
حق ليك تفرح كتير
تبدر البسمات غناوى
والحروف حبة عبير
والايدين جناحات ترفرف
كسرت قيدنا اللى كتف
حلمنا علشان يطير
يا زمان الانسانيه
البشر لساه بخير
لسه فينا قلوب بريئه
عارفه خطاويها المسير
رغم لسه شويه ضلمه
قادر تنسج نورها ..
من قلب الضمير