تقول: لا ادري بأي كلمات سوف اكتب قصتي؟ أم بأي عبارات الذكرى الماضية التي أتمنى أنها لم تكن سوف أسجلها؟
فقد كان إقبالي على سماع الغناء كبيرا حتى إني لا أنام، ولا استيقظ إلا على أصوات الغناء، أما المسلسلات والأفلام فلا تسل عنها في أيام العطل لا افرغ من مشاهدتها إلا عند الفجر.
في ساعات يتنزل فيها الرب سبحانه إلى السماء الدنيا فيقول: ((هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من سائل فأعطيه سؤله)) (متفق عليه).
وأنا ساهرة على أفلام الضياع أما زينتي وهيئتي فكهيئات الغافلات أمثالي في هذه السن قصة غريبة، ملابس ضيقة وقصيرة، أظافر طويلة، تهاون بالحجاب، إلى آخره.

اثر المعلم الصالح القدوة

وفي الصف الثاني ثانوي دخلت علينا معلمة الكيمياء، وكانت معلمة فاضلة صالحة شدني إليها حسن خلقها، وإكثارها ذكر الفوائد، وربطها مادة الكيمياء بالدين.
حملتني أقدامي إليها مره لا ادري ما الذي ساقني إليها؟ لكنها كانت البداية.
ثم جلست إليها مره ومرتين فلما رأت مني تقبلا واستجابة نصحتني بالابتعاد عن سماع الأغاني ومشاهدة المسلسلات.
قلت لها: لا استطيع
قالت: من اجلي.
قلت: حسنا من أجلك وصمت قليلا ثم قلت لها: لا ليس من أجلك بل لله إن شاء الله.
وكانت قد علمت مني روح التحدي.
فقالت: ليكن تحديا بينك وبين الشيطان فلننظر لمن ستكون الغلبة.
فكانت آخر حلقه في ذلك اليوم فلا تسل عن حالي بعد ذلك وأنا اسمع من بعيد أصوات الممثلين في المسلسلات، أأتقدم وأشاهد المسلسل؟ إذا سيغلبني الشيطان.
من تلك اللحظة تركت سماع الغناء ومشاهدة المسلسلات، ولكن بعد شهر تقريبا عدت إلى سماع الغناء خاصة، واستطاع الشيطان على الرغم من ضعف كيده كما اخبرنا الله أن يغلبني لضعف إيماني بالله.
وفي السنة الثالثة وهي الاخيره دخلت علينا معلمة أخرى كنت لا أطيق حصتها وعبارتها الفصيحة ونصائحها، إنها معلمة اللغة العربية وفي أول امتحان لمادة النحو فوجئت بالحصول على درجة ضعيفة جدا، وقد كتبت المعلمة في ذيل الورقة عبارات عن إخلاص النية في طلب العلم وضرورة مضاعفتي للجهد، فضاقت بي الأرض بما رحبت فما اعتدت الحصول على مثل هذه الدرجة ولكن وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم.
ذهبت أحثوا الخطى إليها فبأي حق توجه علي هذه العبارات؟ فأخذت تحدثني عن إخلاص النية في طلب العلم و.... و...

عِظم أمانة القرآن

وفي اليوم التالي أخبرتني إحدى الأخوات أن المعلمة تريدني فلم الق لذالك بالا.
ولكن شاء الله أن أقابلها عند خروجها وهي تحمل في يدها مصحفا صغيرا صافحتني ووضعت المصحف في يدي، وقبضت على يدي وقالت: لا أقول لك هديه ، ولكن أمانه، فإن استطعت حملها وغلا فأعيديها إلي.
فوقع في نفسي حديثها، ولكني لم استشعر ثقل تلك الأمانة إلا بعد مقابلة إحدى الأخوات الصالحات.
فسألتني: ماذا تريد منك؟
فقلت: أنها أعطتني المصحف وقالت لي أمانه فتغير وجه هذه الأخت الصالحة.
وقالت: أتعلمين ما معنى أمانه؟ تعلمين ما مسئولية هذا الكتاب؟ تعلمين كلام من هذا؟ وأوامر من هذه؟
عندها استشعرت عظم هذه الأمانة.
وكان القرآن الكريم أعظم هدية أهديت إلي، فانهمكت في قراءته، وهجرت وبكل قوة وإصرار العناء والمسلسلات.
إلا إن هيئتي لم تتغير قصة غربية، وملابس ضيقة، وأما تلك المعلمة فقد تغيرت مكانتها في نفسي، وأصبحت أكن لها كل حب وتقدير واحترام، هذا مع حرصها على الفوائد في حصتها وربط الدرس بالتحذير مما يريده منا الغرب من التحلل والإباحية ونبذ كتاب الله جانبا.
وفي كل أسبوع كانت تكتب لنا في إحدى زوايا السبورة آية من كتاب الله وتطلب منا تطبيق ما في هذه الآية من الأحكام.
وهكذا ظلت توالي من نصائحها، بالإضافة إلى نصائح بعض الأخوات، حتى تركت قصة الشعر الغربية عن اقتناع وأنها لا تليق بالفتاة المسلمة المؤمنة، وأنها ليست من صفات أمهات المؤمنين.
فتحسن حالي ولله الحمد، والتزمت بالحجاب الكامل من تغطية الكفين والقدمين، بعدما كنت أنا وإحدى الصديقات نحتقر لبس الجوارب حتى إننا كنا نلبسه فوق الحذاء؛ استهزاء ونضحك من ذلك المنظر.
أنهيت الثانوية العامة، والتحقت بجامعة (( الإمام بن سعود الإسلامية )).


كفى الموت واعظا

وفي يوم من الأيام ذهبت مع إحدى الأخوات إلى مغسلة الأموات؛ فإذا المغسلة تغسل شابه تقارب الثالثة والعشرين من عمرها، ولا استطيع وصف ما رأيت...
تقلب يمينا وشمالا لتغسل وتكفن وهي باردة كالثلج.
أمها حولها وأختها وأقاربها أتراها تقوم وتنظر إليهم آخر نظرة وتعانقهم وتودعهم؟ أم تراها توصيهم آخر وصيه؟
كلا لا حراك وإذا بأمها تقلبها على خديها وجنبيها، وهي تبكي بصوت وتقول: اللهم ارحمها.. اللهم وسع مدخلها.. اللهم اجعل قبرها روضه من رياض الجنة، وتقول لها: قد سامحتك يا ابنتي، ثم يسدل الستار على وجهها بالكفن.
ما أصعبة من منظر، وما ابلغها من موعظة، لحظات وتوضع في اللحد ويهال عليها التراب، وتسأل عن كل ثانيه من حياتها.
فوالله مهما كتبت من عبارات فلن استطيع أن أحيط بذلك المشهد، لقد غير هذا المشهد أمورا كثيرة في حياتي؛ زهدني في هذه الدنيا الفانية.


لاتحقرن من المعروف شيئا

واني أتوجه إلى كل معلمة وداعيه بل إلى كل مسلمة أيا مركزها ألا تتهاون في إسداء النصح، وتقديم الكلمة الطيبة، حتى لو أقفلت في وجهها جميع الأبواب، حسبها أن باب الله مفتوح.

عودي أخية

كما اتوجة إلى كل أخت غافلة عن ذكر الله منغمسة في ملذات الدنيا وشهوتها عودي إلى الله اخية.
فوالله إن السعادة كل السعادة في طاعة الله، والى كل من رأت في قلبها قسوة، أو ما استطاعت ترك ذنب ما أن تذهب إلى مغسلة الأموات وتراهم وهم يغسلون، ويكفنون، فوالله إنها من أعظم العظات، وكفى بالموت واعظا، اسأل الله لي ولكم حسن الخاتمة.