[SIZE=أكاديمي]السلوك الصحي ..عدواى تنتشر بين الأقرباء والأصدقاء .. ؟؟



فقد ظهر أن الروابط الاجتماعية قد أثرت على احتمالات زيادة الوزن، أكثر من تأثيرات القرب الجغرافي فالأصدقاء بمقدورهم نشر بعض أنماط السلوك الصحي، والعواطف والمشاعر الصحية المرتبطة به، بالشكل ذاته الذي تنتشر به فيروسات البرد، أو الإنفلونزا.


الناس اجتماعيون بطبعهم، وهم يقضون نحو 80 في المائة من أوقات يقظتهم مع أسرهم، أو أصدقائهم، أو رفاقهم في العمل .. وتفترض عدة دراسات حول التأثيرات الصحية لهذه الشبكة من العلاقات الشخصية - أو لهذه «الشبكات الاجتماعية» وفقا لمصطلحات الباحثين - أن الأصدقاء وأفراد الأسرة، بل و«أصدقاء الأصدقاء» بمقدورهم نشر بعض أنماط السلوك الصحي، والعواطف والمشاعر الصحية المرتبطة به، بالشكل ذاته الذي تنتشر به فيروسات البرد، أو الإنفلونزا.
الدكتور نيكولاس كريستاكس، عالم الاجتماع في جامعة هارفارد الطبيب المتخصص في وسائل تخفيف الألم، أضحى مهتما بالشبكات الاجتماعية، بعد مساعدته المرضى في اتخاذ قرارات حاسمة حول قضاء أيام حياتهم الأخيرة.
وقد تعاون لمرات عديدة مع الدكتور جيمس فاولر، العالم في العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا في سان دييغو.
وقام الباحثان بتحليل بيانات جمعت على مدى عدة عقود في «دراسة فرامنجهام للقلب»، التي انطلقت عام 1948 للتعرف على عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب.
ولأن المتابعة كانت مهمة في تلك الدراسة، فإن الباحثين فيها لم يقوموا بتقييم السلوك الصحي ونتائجه للأفراد المشاركين فيها فحسب، بل إنهم جمعوا أيضا معلومات مفصلة عن آبائهم، وزوجاتهم، وإخوانهم، وأبنائهم، وأصدقائهم الحميمين، ورؤساء العمل لديهم (وهي وسيلة سمحت للباحثين في «دراسة فرمنغهام للقلب» بمتابعة أي مشارك فيها، لدى انتقاله إلى موقع عمل آخر).

«عدوى» البدانة والتدخين :

انتشار البدانة: وقد وجد الباحثان أن السمنة تنتشر ضمن الشبكات الاجتماعية، إلا أنها لا تنتشر مثل انتشار الفيروسات.
وبدلا من ذلك، فقد ظهر أن الروابط الاجتماعية قد أثرت على احتمالات زيادة الوزن، أكثر من تأثيرات القرب الجغرافي، أي العيش في مناطق جغرافية متقاربة. وعلى سبيل المثال، فعندما أصبحت الزوجة بدينة، فإن زوجها كان معرضا لخطر كبير، وهو أن يصبح بدينا أيضا. وعلى المنوال ذاته، فإن احتمال أن يصبح الشخص سمينا ازدادت عندما أصبح صديقه سمينا، ولكن الاحتمال لم يزدد عندما أصبح أحد معارفه أو جيرانه بدينا.
التدخين الاجتماعي: الروابط الاجتماعية تؤثر أيضا على سلوك التدخين، فعندما يتوقف أحد الزوجين عن التدخين، فإن الآخر سيتوقف عنه على الأغلب.
وأيضا، عندما يتوقف شخص عن التدخين، فإن أصدقاءه وإخوانه سيتوقفون عن ممارسة هذه العادة على الأغلب.
إلا أن توقف الجار عن التدخين ليس له تأثير على قرار الشخص، أما تأثير رفاق العمل فيعتمد على حجم الشركة، فالعاملون في الشركات الكبيرة يظلون يمارسون التدخين، أو يتوقفون عنه، بغض النظر عن رفاقهم. إلا أن الموظف في شركة صغيرة (تضم 6 عاملين أو أقل، وفق تعريف «دراسة فرمنغهام للقلب»)، يتوقف، على الأغلب، عن التدخين إذا توقف رفيقه عنه.

السعادة والوحدة :

- السعادة: وقد توصل البحث إلى تحديد جوانب السعادة والوحدة، من خلال إجابات المشاركين على أسئلة عن جدول الكآبة لمركز دراسات الأوبئة Center for Epidemiologic Studies Depression Scale. ووجد الباحثان أن القرب الجغرافي، وكذلك الروابط الاجتماعية، أثر على انتشار البهجة - ربما تأكيدا لحقيقة أن المقابلة وجها لوجه، مهمة لمشاعر التواصل البشري.
وظهر أن الأشخاص الذين عاشوا ضمن دائرة ميل واحد (1.6 كلم تقريبا) بالقرب من صديق سعيد، يلتقطون «جوانب» السعادة على الأكثر، بينما لا يلتقط ذلك الآخرون الذين يعيشون في دائرة يزيد قطرها على ميل واحد.
أما الأخوة الذين عاشوا ضمن ميل واحد فقد أثر بعضهم على سعادة بعضهم الآخر. كما أن الجار المباشر السعيد زاد من فرص زيادة البهجة، إلا أن الجار البعيد لم يكن له أي تأثير.
- الوحدة: يقال عن الوحدة إنها تكون ذاتية وفردية بطبيعتها، إلا أن الباحثين وجدا أنها قد تنتشر عبر الشبكات. وقد رصدا، على سبيل المثال، أن المشاركين في الدراسة يصرحون بأنهم غالبا ما يشعرون بالوحدة عندما كانوا متصلين مباشرة بشخص يشعر بالوحدة.
وكما في الدراسات الأخرى، فإن النتيجة هنا هي أن كلا من قوة الروابط الاجتماعية والقرب الجغرافي، مهمان للشعور بالوحدة، إلا أن هناك استثناء ملحوظا، وهو أن الأصدقاء يؤثرون أكثر من المعارف على شعور الشخص بالوحدة. كما أن الجار المباشر له تأثير أكبر من الجار البعيد على هذا الشعور.
وفي جانب مثير للدهشة، ظهر أن الأخوة - مهما كانت مواقع سكنهم - ليس لديهم أي تأثير على كيفية شعور أخيهم بالوحدة. وقد فسر الباحثان ذلك بافتراض أن الوحدة تعكس العلاقات بين الناس، انطلاقا من دواخل الفرد، وليس من أفراد أسرته(*).

ثلاث نظريات:

توجد الآن ثلاث نظريات حول كيفية انتشار السلوك الصحي والمشاعر الخاصة به بين أعضاء الشبكة الاجتماعية، وهي:
1- الحث: وهنا يقوم عضو في الشبكة بالمساهمة في تغيير سلوك ومشاعر عضو آخر فيها، أو التسبب المباشر في هذا التغيير.
2- حب الشخص المماثل: الأشخاص الذين يتسمون بخصائص متشابهة يحاولون البحث عن أمثالهم، ويؤثر بعضهم في بعض.
3- التشارك في الوسط المحيط: الأفراد المرتبطون بواقع جغرافي، أو بروابط شخصية، يتشاركون أيضا في الوسط المحيط بهم، وهو الأمر الذي يفسر انتشار سلوكهم ومشاعرهم.
وعلى الرغم من أن هذه النظريات تتوجه لفهم هذه الآليات، فإن الباحثين كريستاكس وفاولر يعتقدان أن نظرية الحث تؤكد وجود تأثيرات صحية للشبكات الاجتماعية.
ولا يكمن الأمر أساسا في أن الشبكات الاجتماعية تتسبب في حدوث البدانة والسمنة، أو ممارسة التدخين، أو إحداث تغيرات في المزاج، بل إنه يكمن، حسبما يقولان، في أن الشبكات الاجتماعية تقوي تأثيرات عوامل الوسط المحيط والعوامل الأخرى.
وعلى سبيل المثال، فإن الجينات والبيئة يسهمان بوضوح في وزن الشخص. لكن الأمر الذي تسهم فيه الشبكات الاجتماعية، هو «حس المعيار»، أي الإحساس الطبيعي بالمعايير.
والأشخاص الذين يلاحظون زيادة وزن صديقهم في أول مقابلة معه منذ أيام الدراسة الجامعية مثلا، يمكنهم أن يغيروا، بشكل غير واع، من مفاهيمهم حول الوزن الطبيعي للجسم.

تساؤلات وانتقادات :

تجدر الإشارة إلى أن المنتقدين يقولون إن الباحثين يبسطان، بشكل كبير، ظاهرة معقدة. ويشير آخرون إلى أن المشاركين في «دراسة فرمنغهام للقلب»، ربما يكونون أكثر تشابها في عاداتهم ومستقبلهم، مقارنة بأفراد من عينات عشوائية للمجموعات السكانية الأخرى - وهذا يفترض أن نظريتي حب الشخص المماثل، والوسط المحيط، وليس نظرية الحث، ربما هما اللتان تؤكدان على انتشار السلوك المتشابه.
وقد جابه الباحثان كريستاكس وفاولر هذه الانتقادات بدفاعات تفصيلية، وذلك بطرحهم النماذج الرياضية، وطرائق البحث، ودراسات السكان.
ورغم أن نظرية الشبكات الاجتماعية ليست، من وجهة النظر الإكلينيكية، سوى نظرية، إلا أن هذين الباحثين يؤكدان ما يعرفه كثير من أطباء الصحة النفسية من خلال تدريبهم وتجربتهم: فالسلوك الصحي وأنواع السلوك الأخرى لا تقوم بإحداث تأثيرات شخصية فحسب، بل تقوم بإحداث تأثيرات جماعية أيضا.
وتساعد نظرية الشبكات الاجتماعية في تفسير الكيفية التي تساعد فيها وسائل العلاج الجماعي ووسائل التدخل للمساعدة الذاتية، مثل مجموعات علاج الإدمان للكحول التي تضمن سرية المعلومات حول أسماء المدمنين، أو مجموعات «مراقبة الوزن».
وعلى الرغم من أن هذه الشبكات مصطنعة وليست طبيعية، فإنها تظل شبكات اجتماعية.[/SIZE]