عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 33
"نزيف عقلي": كيف ننجح إنسانياً؟
لا بد أنّ التجارب اليومية لمن يحاول إعتناق العقلانية والتفكير النقدي في البيئة العربية التقليدية، "قاسية جدا" إذا لم تكن "تعيسة" لأبعد الحدود، فبيئة إجتماعية يبدو أغلب مبادئها بني على إعطاء الأولوية للعاطفة وللمشاعر وللأنطباعات البدئية بدلاً من التفكير العقلاني والمنطق لا بدّ أنها ستعّود من ينتمون اليها على المجازفة في الأختيار بين الصح والخطأ وستدور أغلب نشاطاتهم اليومية حول أمور لا تحكمها الأرجحية العقلية بل الصدفة، فيالها من حياة إنسانية غريبة لا تعتمد على نظامية التفكير بل على العشوائية وخلط الحابل بالنابل!
التجارب اليومية للعقلاء وذوي البصيرة والمتنورين والمثقفين في العالم العربي تشير حسب ما نظن الى أنّ من سيحاول أن يستخدم عقله بشكل مكثف في بيئته العربية التقليدية لا بد له أن سيتحمل كل ما سيجلبه هذا النوع من الممارسات "المشبوهه" من صداع شبه يومي، وفي سياق كيف يستخدم البعض التفكير العقلاني والبعض الاخر العاطفة، أتذكر محادثة طريفة مع أحد الأصدقاء الغربيين ممن يعملون في دولة عربية حول كيف قضي إجازته في بلده الأم وكيف هو حاله الآن بعد أن وصل الى الشرق الأوسط! نظر الي صاحبنا بقليل من التردد ومن ثم أشار بعفوية بيده اليمني ناحية رأسه وقال بالحرف الواحد:" سوف يتطلب الأمر بعضاً من الوقت حتى أبدأ أتعوّد على البيئة الجديدة...كثير من الأمور هنا تعتمد على المشاعر والعواطف وليس على التفكير...الخ." ما فهمته من صاحبنا أنه كغربي يجب عليه أن يمر بعملية تكييف أو أقلمة، أذا صح التعبير هنا، حتى يبدأ يغيّر من مفاهيمه الغربية لكي يعيش بشكل "مناسب" في البيئة العربية التقليدية، ولا زلت أتذكر ذلك الموقف الطريف عندما أفكر في ماهية العلاقة بين أي فرد عربي والذي يحاول قدر إستطاعته أستخدام التفكير العقلاني للتأمل في مختلف الأمور الحياتية التي ينهمك فيها أثناء يومه وبين ردود فعل الآخرين تجاهه، فتجربة العربي في هذا السياق هي بالطبع أقسى وأكثر مرارة!
فإذا كانت العاطفة والمشاعر هي النقيض الشرعي، على الأقل نظرياً، للعقلانية والتفكير فلا بد أنها ستتصادم كثيراً وسيسبب هذا التصادم المستمر الكثير من النزيف العقلي والصداع لمن يحاول تغليب العقل على القلب أملاً في عيش حياة منتجة ومثمرة وطبيعية.
عقل الفرد العربي الذي يحاول إعتناق مبادئ التفكير العقلاني والنقدي أو من يحاول إستخدام نوع معين من المبادئ والوسائل الفكرية النظامية عند التعامل مع العالم الخارجي لا بدّ أنه عقل ينزف ويتألم ويعاني بشكل يومي؟! فهل سينفع في هذه الحالة تناول مزيد من حبوب الأسبرين لمعالجة هذا النوع من الصداع اليومي أم هل سيفضل بعضنا حلولاً أخرى للتعامل مع هذه المشكلة المزمنة. التجارب الأنسانية التاريخية المشابهة تخبرنا أنّ العقلانية والنظام والتناسق والتفكير النقدي والمنطق هي الوسائل التي يستخدمها الناجحون إنسانياً وهم بالطبع من يقع تحت مسؤوليتهم بنا الأمم والحضارات، ولا احد سواهم!
life is either bold adventure or nothing at all
المفضلات