في إدارتنا لأنفسنا ومواردنا، لا بد أن يكون المعول الأول والأخير هو الضمير. فإذا ما غاب الضمير؛ غامت الرؤية، وفشلت الإدارة، وسادت الفوضى.
في حوار مع أستاذ جامعي، قال بأنه يشارك في تنفيذ برنامج ماجستير في الأعمال "ميني إم بي إيه" وبرعاية جامعة أمريكية. وعندما سألته عن معنى كلمة (Mini) لم يحر جوابًا. فأخبرته أنها تعني: قصير أو مختصر. فهو يحاضر في برنامج ناقص أو (مصيف)، يعني "بالشورت".

في منتصف القرن الماضي انتشرت موضة نسائية تسمى "ميني جيب"، يعنيالجيبة القصيرة." ولأنها كانت قصيرة إلى درجة فاضحة، فلم تدم طويلاً، وتخلص منها العالم طلبًا للستر. ومن المؤكد أنه لم يدر في خلد مخترعها أن يستعيرها الأكاديميون، فيختصروا المناهج ويشوهوا البحث العلمي ويقدموا: "ميني ماجستير" و "دكتوراة تيك أويه" و "دبلوم عالريحة." وقد نرى قريبًا من يروجون لاستشارات بنظام: "اشتر واحدة والثانية مجانًا."
كليات الإدارة ليست مطاعم وجبات سريعة. وبرامج تأهيل المديرين التنفيذيين ليست رحلات صيفية إلى ماليزيا وتركيا، تسافر إليها نائمًا لمدة أسبوع، فتعود متوجًا بشهادة "مدرب معتمد في البرمجة العصبية " أو دبلوم "القيادة الإبداعية للسياحة الصيفية."
معظم الجامعات العالمية افتتحت كليات لها حول العالم. وترى مجلة "الإيكونومست" البريطانية أن كليات الأعمال تعولمت أكثر من الأعمال ذاتها. فما الذي يدفع جامعة أمريكية محترمة لتبيع ماجستير غير ناضج، أو Half Done بلغة المطاعم – سوى لغة المال؟!
بحثت عن عبارة "الجامعة الأمريكية" على جوجل فوجدت 2.5 مليون نتيجة. فكل من هب ودب بدأ يدعي أن تخرج في جامعة أمريكية، مع أن الجامعات الأمريكية فشلت في تخريج قيادات ناجحة في إدارة الأعمال، والدليل هو ما يعانيه الاقتصاد الأمريكي من ويلات.


ولأن التعميم خطأ خطير في التفكير، فإننا نشير إلى الحالات الناجحة في عولمة كليات البيزنس. ففي عام 2000 افتتح معهد "إنسيد" الفرنسي المحترم فرعًا في سنغافورة، لكن الفرنسيين ذهبوا إلى هناك ليتعلموا لا لكي يبيعوا. فحوالي 40% من الطلاب الذين يبدأون برامج الـ MBA في سنغافورة، ينهونها في باريس؛ والعكس أيضًا صحيح. فهو برنامج لتبادل الخبرات ودراسة بيئات الأعمال المختلفة. وحتى عندما بدأت كلية موسكو للأعمال بتقديم برامج الماجستير الجادة، فقد أضفت على برنامجها طابعًا خاصًا؛ فركزت على مساقات مكافحة الفساد لتكافح مافيا الأعمال في روسيا. وبالمثل؛ تعاونت كلية إدارة الأعمال الصينية الأوروبية في "شانغهاي" CEIBS مع جامعة هارفارد و كلية "وارتون" للأعمال في بنسلفانيا، لتقدم تجربةً ثريةً ميزتها عن أكثر من 2700 برنامج للماجستير في الهند والصين. ثم نقلت نفس التجربة إلى "غانا" مضفيةً على برامجها روحًا أفريقيةً.

عندما تبحث الفرق الرياضية عن مدربين، فإنها تبحث عن الخبرة، والجودة، وعن مدرسة مختلفة في التدريب. فلماذا لا نأتي للأسواق العربية بمناهج إدارية تركز على الأخلاق والشفافية والتفكير الحر والإبداع!؟ لقد بدأت الجامعة الألمانية في القاهرة مؤخرًا تنافس الجامعة الأمريكية، وأصبح خريجوها يسبقون منافسيهم في التعيين. والسبب واضح قطعًا. فالألمان يدرسون باللغة الإنجليزية؛ لكنهم يتفوقون بالجدية والانضباط ويعتبرون الجودة أساسيات لا كماليات.

برامج "الميني ماجستير" المذكورة ليست دسمة؛ بل أعدت على عجل مع إضافة البهارات والمشهيات فأصبحت "سبايسي"؛ ولذا فهي ضارة لمعدة الفرد، ولصحة المؤسسة، ولمستقبل المجتمع. وهذه وصفة غذائية سامة يجب أن نلفظها جميعًا.