يصدر في منتصف شهر مايو 2011 كتاب بعنوان: "أين شهادة الميلاد؟ "باراك أوباما" لا يستحق الرئاسة". وقد سبقت صدور الكتاب أغبى حملة علاقات عامة عرفها التاريخ.

في وقت تعاني فيه أمريكا من أزمة ثقافية وأزمة أخلاق وهوية، شغلت أكبر دولة في العالم نفسها أسبوعًا كاملاً بمناقشة قضية سخيفة تثبت بأن هذه الأمةالعظيمة التي صنعت الكمبيوتر وبرامجه والموبايل وتطبيقاته، وغزت الفضاء، وكشفت أسرار الذرة وتقنيات النانو، قد ضلت طريقها إلى غير رجعة. فقد كان السؤال الذي يطرحه الإعلام الأسود على البيت الأبيض هو: "أين شهادة ميلاد الرئيس؟".

بعد سنتين من الحكم تذكرت ماكينة العلاقات العامة أن الرئيس ربما لا يكون مولودًا على الأرض الأمريكية الطاهرة! ومع صمت الرئيس وقرب صدور الكتاب المذكور، تنطع "دونالد ترامب" وطلب من البيت الأبيض نشر شهادة ميلاد الرئيس ليتأكد أنه أمريكي المولد. واستمر البحث في السجلات حتى خرجت الشهادة وعقدت لها المؤتمرات الصحفية وقرأها العالم أجمع لتصبح أشهر شهادة ميلاد رجل وأشهر شهادة وفاة أخلاق.

لا غرابة في أن تتفوق أمريكا على العالم في العلم والإعلام، وتتخلف عنه في الأدب والفلسفة والفن. ويبدو أن الأديب الأمريكي "مارك توين" كان يعبر عن بلده فقط عندما قال: "هذا العالم يتصف بوفرة الشجاعة المادية، وندرة الشجاعة الأخلاقية." نعم، فكما قال "آينشتاين": "النسبية تنطبق على الفيزياء ولا تنطبق على الأخلاق والأحياء." ويبدو أن مجتمع العلاقات العامة الأمريكي بدأ يأكل نفسه. فمن يأخذ بالأخلاق دون العلم يعيش ضعيفًا ولا ينفع نفسه، ومن يأخذ بالعلم دون الأخلاق يصبح أكثر خطرًا على نفسه.

يحمل "جيروم كرسي" مؤلف الكتاب إياه، درجة الدكتوراه من جامعة "هارفارد"، ورغم ثبوت أن شهادة الميلاد صحيحة فإنه لم يعتذر، بل ويصر على توزيع الكتاب ليثير تساؤلات عما تعلمه الدكتور "كرسي" في "هارفارد": هل درس العلم أم الأخلاق؟ وبالمثل، يتمسك "دونالد ترامب" بنظريته حول عدم أهلية الرئيس، مما عرضه لهجوم ساحق واتهم بالكذب كونه يفكر بالترشح للرئاسة، ولأن برنامجه التلفزيوني حول المشاهير الجدد فقد بريقه وجمهوره وهو يحاول استعادة الأضواء بأساليب غير أخلاقية.

تعاني أمريكا اليوم من انخفاض تصنيفها الائتماني، واستمرار ركودها الاقتصادي، وهزائمها في الخارج، وخلافاتها حول الضرائب والميزانية والخدمات الصحية في الداخل. فلماذا لم تلق دعوة الأمريكيين العقلاء - وهم قلة - أن تواصل القافلة الأمريكية سيرها رغم نباح الكلاب آذانًا صاغية؟

طبقًا لنظرية "ستيفن كوفي" فإن شخصيات قادة أمريكا ظلت حتى الحرب العالمية الثانية تتسم بالأصالة وتنطلق من الداخل وتعبر عن الجوهر. وصارت بعد الحرب تصنع في الخارج وتتسم بالنذالة وتعبر عن المظهر. صعدت أمريكا على أكتاف قيادات عظيمة، وها هي تسقط بأيدي شركات الإعلام والعلاقات العامة السقيمة. البحث عن شهادة ميلاد الرئيس، هو بحث عن شهادة وفاة أمة.