-
مع الدكتور محمد بدرة : التنمية البشرية بين المادية والروحانية
يقدم الأستاذ محمد بدرة حالياً برنامج "التنمية البشرية بين المادية والروحانية" على إذاعة صوت الخليج.... وهذا البرنامج مكون من ثلاثين حلقة يتم بثها في أيام رمضان المباركة، يتم بث الحلقة ثلاث مرات يوميا.
فكرة البرنامج
من المعلوم أنّ عناصر الحضارة ـ أياً تكن هذه الحضارة ـ ثلاثة هي: (الكون ـ الإنسان ـ الحياة)، وهذا أمر واضح جليّ، وبناءً عليه فإنّ الحضارة هي ثمرة التفاعل بين هذه العناصر الثلاثة ـ أياً كان هذا التفاعل ـ. وقد شكل الإنسان العنصر الأبرز والأكثر تأثيراً من العنصرين الآخرين في قيام الحضارة بكافة المجتمعات، علماً أن المقصود من الحياة: عمر الإنسان، والمقصود من الكون: كلّ ما يتعامل معه الإنسان من مخلوقات حوله: (جمادات وغيرها مما هو مسخر للإنسان). والمصود من الإنسان: (تفكيره وشعوره وسلوكه).
والبرنامج سيبحث في هذا العنصر الأكثر تأثيراً في الحضارة (الذي هو الإنسان) من حيث تنميته وكيف كانت هذه التنمية في تراث حضارتنا العربية الإسلامية، وكيف آلت هذه التنمية في المفاهيم الحديثة الغربية المعاصرة.
الشريحة المستهدفة من البرنامج
كل من يعنى بالاهتمام بحضارة هذه الأمة (العربية الإسلامية) وتقدمها، وينشد مجدها. وأخصّهم من يقع على عاتقه التوجيه: كالأم والأب والمعلم؛ أو يقع على عاتقه النصح والإرشاد: كالمرشد وخطيب المسجد؛ أو يخطط لنهضة هذه الأمة: كالقائد والسياسي وصاحب القرار التنموي.
للاستفادة من البرنامج تستطيعون زيارة موقع إذاعة صوت الخليج، أما الذين لا يمتلكون انترنت سريعة: فسأقوم بنقل هذه الحلقات لكم يوميا إن شاء الله من خلال هذا الموقع وموقع النجاح نت...
تابعوني يوميا
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 1
الحمد لله رب العالمين ..... وأفضل الصلاة وأتم التسليم ..... على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ....
أيها الإخوة والأخوات .... مستمعيَّ الأعزاء ..... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .....، وبعد .....
أصحبكم وتصحبونني في هذا البرنامج .....: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... والذي أرجو فيه من الحق جلّ وعلا ...... أن يعود علينا جميعا ..... بالنفع ....... وأن يكون لبِنَة طيبة ....... على طريق العزّ والمجد لأمتنا العربية والإسلامية .......
أعزائي المستمعين .......
التنمية في اللغة العربية: هي من المصدر (نما، ينمو، نموّاً)، بمعنى زاد ، فكل تطوّر وزيادة هو نمو، وكلّ تطوير هو تنمية. وبالتالي فكل تدريب وتعليم وتربية هي تنمية. وجاء في اللغة أيضاً: ربَا بمعنى زاد ونما، وأربيته نمّيته، وبالتالي فالتربية هي تنمية. والتنمية البشرية في المصطلح المعاصر: هي بمعنى التدريب والتطوير والتعليم الذي يقدّم للناس بغية رفع سوياتهم ومهاراتهم او مفاهيمهم ..... إلخ
والتنمية في التراث كان يصطلح عليها بالتربية والإرشاد والتاديب والتعليم. ونحن اليوم سنبيّن أهمية التنمية البشرية في حياة الفرد والمجتمع.
إنّ من المعلوم أنّ كل حضارة ـ أياً كانت هذه الحضارة ـ هي نتيجة لتفاعل الكون والإنسان والحياة ... وبالتالي فإن عناصر الحضارة هي الكون والإنسان والحي... أسألك ما هو العنصر الابرز بين هذه المكونات؟؟؟؟.... العنصر الأبرز بين هذه العناصر هو الإنسان، وبالتالي ـ بكل بساطة ـ حتى يكون الإنسان حضارياً لا بد أن يخضع للتنمية فالطفل يولد صغيراً، ثم ينمّي جسده بالغذاء، ويحافظ على هذه التنمية بالدواء، ثم يضاف إليه تنمية جسده بالحركة ثم المحادثة ثم التعلم بالتجربة وهكذا ....
فكلما كبر أكثر نمّي اكثر تعليماً وتربية وهكذا ....
ويختلف هذا الأمر ـ فقط في التفاصيل ـ من مجتمع لآخرَ ... ومن بيئة لأخرى .....
وهكذا الحضارة: أياً كانت مقوماتها ومعتقداتها وتاريخها، سواء كانت حضارة لم تأتِ إلا بشرّ، أو حضارة خلطت الخير بالشرّ، أو حضارة غلب عليها الخيرُ كل الخير ...
وقد شهد كلُّ من اهتم بالحضارة وعلومها بأن الحضارة الإسلامية ... كانت حضارة خير للبشرية جمعاء. وقد استفاضت الكاتبة الألمانية (( زيغريد هونكه )) في كتابها ( شمس الله تسطع على الغرب ) استفاضت في استعراض جميل موفّق لمنجزات الحضارة الإسلامية وسموّها في عصورها الغابرة،
إذن: ما هي التنمية البشرية؟؟؟؟
التنمية البشرية هي كل ما يعنى بالإنسان على صعيد إقامته للحضارة وتقدمه فيها، طالما أنه العنصر الأساس والمؤثر بين العناصر الثلاثة التي بتفاعلها مع بعضها يتكوّن البنيان الحضاري ـ أياً كان هذا البنيان ـ فيما مضى من الأمم أو في الحاضر أو في المستقبل ...
وهنا يبرز سؤال واضح جليّ يسأله الكثير من الباحثين... يسأله الكثير منا بألم وحسرة.... ورغبة في التعلم:::: فيم كانت الحضارة الإسلامية مزدهرة، ولماذا ذبلت وتراجعت كل هذا التراجع، وأفل نجمها وحلت مكانها الأمم الغربية في قيادة الحضارة الحديثة ؟!
هذا ما سنبحثه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=2995
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 2
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده .... والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ...... وعلى كل من اتبع هديه .... أعزائي المستمعين ....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: هذه هي الحلقة الثانية من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية].
ذكرت في الحلقة الماضية أن التنمية البشرية هي كل ما يعنى بالإنسان على مستوى إقامته للحضارة وتقدمه فيها صعداً، ووصلنا إلى أن الحضارة هي ثمرة التفاعل بين العناصر الأساسية المكوّنة للحضارة التي هي (الكون والإنسان والحياة)، وذكرنا أن كل مهتمٍّ بالحضارة وعلومها أقرّ بشمس الحضارة الإسلامية؛ فكُتبت المؤلفات بذلك، وذكرنا منهم الكاتبة الألمانية (( زيغريد هونكه )) التي كتبت مؤلفاً ضخماً عنونته بـ ( شمس الله تسطع على الغرب )، استفاضت كثيراً في شرح رائع لمنجزات الحضارة الإسلامية وسموّها في عصورها الغابرة. وقلنا ـ في الحلقة الماضية ـ أننا سنجيب على تساؤل نجد أنفسنا في مواجهته كما كان في مواجهته كل من وقف على منجزات الحضارة الإسلامية؛ وهو: ما هو السر وراء ازدهار الحضارة الإسلامية، ومن ثَمّ ما هو السر وراء ذبولها وتراجعها ؟
وللإجابة عن هذا السؤال؛ أقول:
إن العنصر الأساس في البنيان الحضاري إنما هو الإنسان، والحضارة ـ كما قلنا ـ هي نتاج تفاعل عناصر الحضارة الثلاثة: (الكون والإنسان والحياة).
وإنما نقصد بالكون كل المكونات والمخلوقات التي من حولنا المسخرة للإنسان؛ كالحيوانات والنباتات والقوانين الكونية والفضاء ... إلخ
ونقصد بالإنسان كل فرد متكرر بالمجتمع، ويشكل توجه مجموع الأفراد البنيانَ الحضاري للأمة. والحياة: إنما نقصد بها عمر الإنسان، وهو مادة الزمن أو الوقت الذي منه يصرف الإنسان لبناء هذا البنيان الحضاري.
والمشكلة في الدراسات التي تناولت الحضارة الإسلامية أنها اهتمت بمنجزات الحضارة الإسلامية دون النظر إلى عمقها الخفي الذي ضرب جذوره عمقاً؛ ليثمرَ هذه الثمرة من الإنجاز الحضاري.
اليوم في العصر الحديث ـ أعزائي المستمعين ـ يقول المعنيون بالتنمية البشرية: إن أي حالة لأي إنسان إنما هي مركبة من ثلاثة عناصر هي: (التفكير والشعور والسلوك)، ويشبهونه بشعار (مرسيدس)، ويقولون بناءً على ذلك أن الذي يظهر من أية حالة جزء من السلوك والباقي من المشاعر. والتفكير الذي نتج عنه هذه الحالة لا يظهر أبداً على سطح هذه الحالة. حسناً نحن نقر مع علماء الغرب بهذا التفنيد للحالة الإنسانية، ويقولون إن أي تعديل يطرأ على أي جزء من هذه الأجزاء الثلاثة (التفكير والشعور والسلوك) فإنه يؤدي إلى تعديل وتغيير في الجزأين الباقيين، وبالتالي يؤدي إلى تغيير الحالة كلها. هذا القانون التنموي ... هذه القاعدة الرائعة فعلا للأسف يطبقها الغربيون فقط على الفرد أي (الإنسان الواحد) في حالة ما من حالاته، ويقولون: إن على هذا الإنسان إن أراد أن يغير الحالة التي هو عليها، عليه أن يجريَ التعديل حسب هذه المنظومة؛ لتعديل جزء من الأجزاء في الاتجاه الذي يريد؛ فيتعدل الجزآن الآخران؛ فتتغير حالته كلها.
أسألكم بالله: ما الفرق في هذه القاعدة إن كان الأمر يتعلق بحالة آنية، أو بهدف قصير أو متوسط أو استراتيجي على مستوى الفرد أو على مستوى الأمة .... لا فرق إنها حالة، فسواء كانت الحالة على صعيد موقف أو هدف، أو على مستوى الأمة؛ فالنتيجة سواء ... ومع ذلك نجد أن الغربيين عندما يأتون لدراسة الحضارة العربية لا ينظرون من هذه الحالة إلا إلى ثمرات السلوك الظاهر ونتائجه من المنجزات الحضارية ... دون الوقوف على (التفكير أو الشعور أو السلوك) للأفراد الذين صنعوا هذه الحضارة التليدة. وصدق الله القائل: { إن يتبعون إلا الظن }.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=2999
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 3
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالإخلاص لوجهه تؤتي أكلها وتتنامى خيراتها، والصلاة والسلام الأكملان على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. إخوتي وأخواتي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ..
فهذه هي (الحلقة الثالثة) من برنامجكم [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... ذكرنا في الحلقة الماضية أن مشكلة الباحثين الذين بحثوا في منجزات الحضارة العربية الإسلامية لم ينظروا إليها على أنها حالة تنموية كأي حالة تخضع للتنمية البشرية، مع أن الذين قاموا بهذا النتاج والإنجاز الحضاري هم بشر في النهاية ...
إذن ينطبق عليهم ما ينطبق على كل إنسان لينتقلَ من حالة إلى أخرى . ولنشرح فكرة الحالة الإنسانية ببساطة أكثر بغية الغوص في هذا المفهوم الحضاري الذي يتوقف على نهضة الأمم.
لنفرض أن إنساناً ما خرج من بيته صباحاً تملؤه الحيوية والنشاط، مسرعاً إلى عمله، غيرَ آبهٍ بمصاعب العمل، متفائلاً جدا ... غايةً في السعادة. حالة هذا الإنسان واضحة: تفكير متقائل ... شعور سعادة ورضا ... جدية وإقبال على العمل.
الآن ... وبعد مضي ساعةٍ في عمله بالنهار ... أتى صاحب العمل إلى هذا المصنع، إلى هذا المتجر، إلى هذا المكان الذي يعمل فيه هذا العامل النشيط. كان صاحب العمل ... معكرَ المزاج ... منزعجاً ... فبدأ يزعج هذا العامل غيرَ عابئ بإنجازه ... غيرَ مكترثٍ بما حقق له من أرباح ... ظلمه بنظراته بانتقاداته بالاستخفاف به ... ما النتيجة ؟ ... النتيجة أن سلوك صاحب العمل أثر سلباً على شعور هذا العامل النشيط الجديّ. في الأعم الأغلب ـ وبجزء من الثانية ـ يتحول شعورُ هذا العامل إلى إحباط يؤثر على سلوكه فيفترُ تفكيرُه، فيتوقف عن الإبداع والاجتهاد .... أليست هذه حالةً واقعية أيها الإخوة ... إذن لماذا تغيّر شعورُ هذا العامل ؟ بهذا السببِ الخارجي عنه تأثّر سلوكُه وتأثر تفكيرُه؛ فتغيرت حالته.
في التنمية البشرية المعاصرة في الغرب وبعضِ المؤسسات عندنا التي بدأت تعتني بهذا النوع من التنمية البشرية يبحثون عن الوسائل التي نستطيع فيها من المحافظة على الحالة الإيجابية المنشودة للموارد البشرية، وبالتالي تكون النتائجُ عاليةً على مستوى الإنتاج في المصنع، والنجاحِ الإداري والاقتصادي والمالي للمنشأة ككل ... ومنذ سبعينياتِ القرن الماضي وحتى اليوم يسعى الغربُ في أمريكا.... في اليابان.... في أوربا.... لزيادة هذه التنميةِ التي لا بدّ أنها ستنعكس على تحقيق الهدف أوِ الأهدافِ المنشودة.
فهل من المعقول أنه على مستوى منشأة صغيرة، ومن أجل مدة زمنية تقدّر ببضع سنوات، تحتاج هذه المنشأة إلى دعم تنمويٍّ مستمر ضمن دراساتٍ وتكاليفَ وجهود، بغية رفع الحالةِ للفرد في المؤسسة أوِ الشركةِ أو المصنع أو المتجر، وليس هناك تنميةٌ بشرية يحافَظ عليها على الأقل إن لم نقل إنها تزيد الحالة الإيجابيةَ للقائمين بأعظمِ حضارة عُرفت في التاريخ، من حيث التطورُ كماً وكيفاً وزمناً ... ففي أقلَ مِن رُبع قرن كانت رقعة الدولة الإسلامية أكبرَ من رقعةِ أيِّ دولة ... وهزمت أكبرَ إمبراطوريتين في آنٍ واحد، وتغلبت على مناوئيها. والمعدِّدُ والملاحظ والدارس للتطور الحضاري الصناعي والعلمي والتقاني والاقتصادي في الحضارة الإسلامية لَيَشهدُ العجبَ العجاب، ولولا خشيةُ الإطالةِ لخضنا في التفاصيل.
إذن نعود فنقول لا بدَّ من عملية تنمويةٍ بشرية معينة تؤسس لأيِّ شأوٍ حضاري ... هذا يعني أن الحضارة العربية الإسلاميةَ هي نِتاجُ تفاعلِ عناصرِ الحضارة: (الكون والإنسان والحياة) ضمن عملية تنمويةٍ كبيرة، خضع لها العنصرُ الأهم من عناصر الحضارة الذي هو الإنسان؛ لأنه كلما كانت الحالة الإنسانية ـ التي ذكرناها ـ المركبةُ من (التفكير والشعور والسلوك)؛ كانت الحالة الإنسانية المطلوبة والمستهدفة أكبرَ، وكان التغيير أدقَّ وأصعب. فكيف إذا كانت هذه الحالة ضمن مجموعةِ أفراد ؟... وكيف إذا كانت ضمن مجتمع ؟... وكيف إذا كانت حالةً تسري وتتجلى في أمة كاملة ؟...
هذا ما سنتابع الحديثَ عنه في القادم من الحلقات، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3001
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 4
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً يوافي نعمَه ويكافي مزيدَه، والصلاة والسلام على نِبراس الهدى محمدٍ وعلى آله وصحبه. أيها الإخوة والأخوات المستمعون ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ..
فهذه هي (الحلقة الرابعة) من برنامجكم [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد توصلنا في الحلقة الماضية إلى أن الحالة الإنسانية المطلوبة والمستهدفة كلما كانت أعلى؛ كان التغييرُ الذي يجب القيامُ به على صعيدِ (التفكير ـ الشعور ـ السلوك) أدقَّ وأصعب. هذا على مستوى الفرد الواحد، فكيف إذا كان التغييرُ على مستوى مجموعةٍ في مصنع ... وكيف إذا كان هذا التغيير التنمويُّ على مستوى الأمة .... هذا التغييرُ التنموي هو الذي أنجز الحضارةَ الإسلامية الباسقة .... ولِنقفَ على هذا التغييرِ التنموي، ولنتعرفَ على هذه التنميةِ البشرية التي قامت في أمتنا العربيةِ الإسلامية، ولنبسِّطَ الأمورَ؛ سنبدأ بشرح فكرةٍ تنموية معاصرة يُلجأ إليها كثيراً على صعيد الأفراد وتنميتِهم، وعلى صعيد المؤسسات والإدارات، وهي محورٌ رئيس، دائماً يُنصح به في التنمية البشرية؛ بغية تطويرٍ ما أو إنجاز ما. هذه الفكرة هي ما يسمى في الإدارة أوِ التنميةِ أو ميادين الأعمال بفكرة: (تحديدُ الأهداف أو تحديد الحصيلة)، ويقولون: إن كلَّ هدفٍ يضعُه المرء ـ إن كان هدفاً آنيّاً أو هدفاً قصيراً أو هدفاً متوسطَ المدى أو هدفاً إستراتيجياً أو هدفاً شخصياً أو هدفاً لأسرة أو هدفاً لمجموعةٍ من الناس أو هدفاً لمعملٍ أو مصنع أو وزارة ... أو هدفاً لأمة ... ـ يجب أن يتحقق فيه ثمانيةُ شروط؛ ليصبحَ صالحاً للتطبيق ... هذه الشروطُ الثمانية يجب وضعُها سلفاً قبل البَدءِ بالسير نحوَ الهدف.
يأتي إنسانٌ ما محبط ... يستشير: ماذا أفعل ؟... كيف أتخلصُ من هذا الشؤمِ الذي يلاحقُني ؟
وعند السؤال: أيُّ شؤمٍ يلاحقك يا أخي ؟ أضربُها يمين تجي شمال. نعم ... نعم هذا كلام نسمعه كلَّ يوم ... من كثير من الناس. ما المشكلة ؟... إن أهدافَه أصلاً لا تصلحُ لأنْ تكونَ أهدافاً، هو لا يدري ولا يعرف ...
أعرف قصة واقعية جرَتْ في الكويت مع طالبةٍ تحضِّر لشهادة الدكتوراه باختصاصٍ اقتصادي في لندن، لتكتشفَ وهي في نهاية دراستِها أن الجامعة التي تهدف الطالبةُ لأنْ تدرِّسَ فيها لا تقبلُ الشهاداتِ إلا من جامعاتِ أمريكا حصراً، ولا تقبلُ الشهاداتِ البريطانية .... كثيراً ما يشتري أحدُنا جهازاً من الأجهزة ذاتِ الفعالية الجيدة ... جهازاً كهربائياً ما ... ليكتشفَ أنه لا يحققُ له هدفَه الذي من أجله اشترى هذا الجهاز؛ لذلك وضع الباحثون شروطاً لتحديدِ الهدفِ أوِ الحصيلة التي يمكن تحقيقُها، وسنرى عند دراسةِ كلِّ شرط من هذه الشروطِ الثمانية ما إذا كان متوفراً في بنيانِ الحضارة العربية الإسلامية أم لا.
وهذه الشروط الثمانية هي التالية:
1ـوجوبُ أن يكونَ الهدفُ مصوغاً بطريقةٍ إيجابية.
2ـ وجوبُ أن يكونَ الهدفُ يخصُّني وضمنَ مسؤوليتي.
3ـ وجوبُ أن يكونَ الهدفُ واضحاً.
4ـ يجب أن أنظرَ كيف يؤثر هذا الهدف على الجوانب الأخرى في حياتي.
5ـ وجوبُ أن يكونَ الهدفُ قابلاً للقياس .... للمعايرة.
6ـ وجوبُ أن يكونَ الهدفُ قائماً على الحواس.
7ـ يجب أن أكونَ مؤمناً بهذا الهدفِ تماماً.
8ـ يجب أن أعملَ على وضعِ الخُطوةِ الأولى لتحقيق الهدف بالتفصيل.
وسنأتي ـ بعون الله تعالى ـ على شرح شروطِ تحديد الأهدافِ بإسهاب في الحلقة القادمة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3004
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 5
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدَ الشاكرين الأولين، وأفضلُ الصلاة وأتمّ التسليم، على سيدنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبه أجمعين. إخوتي وأخواتي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي (الحلقة الخامسة) من برنامج [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... أعزائي ... قلنا في الحلقة الماضية أن لتحقيقِ أيِّ هدفٍ أو حصيلة ما، يتطلب الأمر ثمانيةَ شروط. وقلنا أيضاً أنه يجب توافرُ هذه الشروطِ بأي هدف قبل البدءِ به، حتى يكونَ قابلاً للتحقيق بعون الله تعالى وفضله.
وأولُ هذه الشروطِ هو: الإيجابية، وثانيها: المسؤولية، والشرطُ الثالث: الوضوح، والرابعُ: التاثيرات، والخامسُ: القياس، وأما الشرطُ السادس: فالحواس، والسابع: الإيمان، والثامنُ: العمل.
إذن الشرط الأول (الإيجابية)، ويُقصدُ بالإيجابية: أن يكونَ الهدفُ مصوغاً بطريقةٍ إيجابية، أي أن أسألَ نفسيَ السؤالَ التالي: هل هذا الهدفُ الذي أريده مصوغٌ بطريقة إيجابية ؟.... ولتوضيحِ ذلك أضع الأمثلة التالية:
يقول طالبٌ في مرحلةِ الدراسة الثانوية: أريد أن أدرسَ إدارة الأعمال. ويقول طالبٌ أخرُ: أنا لا أريد أن أدرسَ إدارة الأعمال.
الطـالبُ الأول وضع هدفاً، والثاني وضع أيضاً هدفاً. ولكنْ هل كلا الهدفين مصوغٌ بطريقةٍ إيجابية ؟... الواقع لا ... فالطالبُ الذي قال إنه يريد دراسة إدارةِ الأعمال هو فقط الذي صاغَ هدفَه بطريقةٍ إيجابية. أما الطالبُ الذي أعلن أنه لا يريد دراسة إدارةِ الأعمال فلم يحققْ شرطَ الإيجابيةِ في هدفِه، هذا الشرطُ الذي يجب أن يتحققَ في جميع الأهداف، فهو إن لم يدرسْ إدارة الأعمالِ فقد تحققَ هدفُه، سواءٌ درسَ أو لم يدرسْ، وسواءٌ دخلَ كلية ما أو لم يدخل.
إذن ليس هناك هدفٌ ليتحققَ أصلاً ....
مثالٌ آخر: سامر طالبٌ مجتهد، يريد أن يتغدى، فقال إنه لا يريد أن يأكلَ التمر. هل هذا هدف ؟
لا بدّ أن تحدِّدَ تُجاهَ أي هدفٍ تركيزاً عليه، وبالتالي تريدُ هذا الذي ركزتَ عليه. أما الضياعُ والتشويش والاضطراب فلا يحققُ هدفاً ... لاحظوا الأمرَ بين أسرةٍ هدفُ أفرادِها التنزهُ، أي الذهاب لنزهة، وأسرةٍ أخرى لا تريد أن تبقى طيلة العطلةِ في البيت .... الأسرة الأولى أقربُ وأسرع إلى تحديدِ مكانِ النزهة التي تريد قضاءَ العُطلةِ فيه، أما الأسرة الثانية فما زال أفرادُها هائمين على وجوهِهم مضطربين، همُّهم فقط ألا يبقوا في البيت.
إذن الشرط الأول لتحقيقِ الأهداف (الإيجابية)، أي أن يكونَ الهدفُ مصوغاً بطريقةٍ إيجابية، ولننظر بالعودِ إلى الحضارة العربيةِ الإسلامية: هل كانت فعلاً بتفاصيلِ بنيانِها الحضاري وإجمالِه، يمكن أن تصلَ إلى ما وصلتْ إليه دون أن يكونَ الهدفُ مصوغاً بطريقةٍ إيجابية، أي ـ حسب المفهوم التراثي ـ مركزاً عليه ومحدداً، فإنك إن نظرت إلى فتوحاتِ المسلمين ... إلى اكتشافاتِهمُ العلمية ... إلى بنيانِهمُ المعماري ... إلى كلّ صغيرةٍ وكبيرة في هذه المنجزات لن تجدَ إلا ما هو ينطبقُ عليه مفهومُ الإيجابيةِ في صياغةِ الهدف.
فهل كان أهلُ تلك الحضارةِ يضعون أهدافَهم بدراسةِ شرطِ الإيجابيةِ في الصياغة ... الواقع إننا لا نجد أبداً ما يشيرُ إلى شرطِ الإيجابية ... ومثالُهم مثالُ رجلٍ ذهب ليشتريَ طماطم (بندورة) من السوق وعاد. فهو قد حققَ هدفَه وحقق شرطَ الإيجابية بحكمِ المهارةِ والممارسة، لا بحكمِ التخطيط ... لكنْ أن تجدَ أحداً ما يحققُ حضارةً بالمهارةِ والسليقة كما يحققُ أحدُنا الأمورَ بمهاراتِه البسيطة ... هنا تكمن عظمةُ الجيلِ الذي أسسَ لهذه الحضارة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3007
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 6
بسم الله الرحمن الرحيم
حمداً لله على نعمِه وآلائه، وصلاة ربّي وسلامُه على خير عباده محمدٍ النبيِّ الأميِّ وعلى آلِه وصحبه. أعزائي المستمعين ..... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
نبدأ بالحلقة السابقة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... ورحلتِنا مع شروطِ تحقيقِ الهدفِ أو الحصيلة الثمانية، وهي: (الإيجابية والمسؤولية والوضوح والتأثيرات والقياس والحواس والإيمان والعمل)، وقد شرحنا الشرطَ الأول الذي هو معنى الإيجابية، وعبرنا عنه بسؤال نسأل أنفسَنا إياه: هل ما أريدُه مصوغٌ بطريقةٍ إيجابية ؟ وطرحنا سؤالاً هنا هو: كيف استطاع بناةُ الحضارةِ الإسلامية تحقيقَ هذا الشرطِ في الإجمالِ والتفصيل لهذا البنيانِ الحضاري، رَغم أنه لا يوجد عندهم ما يشير إلى دراسةِ الأهدافِ على هذا النحوِ، وسنجيب لاحقاً عن هذا التساؤل ... أما في هذه الحلقة فسنشرح الشرطَ الثاني من شروطِ تحقيقِ الهدفِ أو الحصيلة، وهو (المسؤولية)، وهي تعني بأن الذي أهدفُ إلى تحقيقِه ... الهدفَ الذي أريد إنجازَه ... الحصيلةَ التي أريد تحقيقَها تخصني ... وأتحمل مسؤوليتَها.
مثال: يقول الوالدُ لابنِه أريدُك أن تدرسَ الطبّ ..... هل هذا الهدفُ يخصُّ الأبَ ... لا إنه يخصّ الابن ... إذن لا يمكن تحققُ هذا الهدفِ إلا إذا كان هدفاً للابن أيضاً.
ولاحظوا أيضاً إخوتي المستمعين أن كل شرطٍ من هذه الشروط لا يتحقق، ينبغي بناءً عليه أن أعدِّلَ في صياغةِ الهدف، وبالتالي بالهدفِ ذاتِه.
فيصِح أن أقولَ أريد أن أقدّمَ لابني ما يمكّنُه من دراسةِ الطبِّ إن أراد، ولا يصحُ أن أقولَ أريد لابني أن يدرسَ الطبّ ....
حاصلُ الكلام ... أن الشرطَ الثاني من شروطِ تحقيق الهدف يكون بأن يقعَ الهدفُ ضمن مسؤوليتي، وأن يكونَ الهدفُ يخصني.
أشرفتُ مرةً على منشأةٍ تعمل في مجالِ البرمجيات، وكانت تعاني من مشاكلَ إنتاجيةٍ كبيرة، وطُلب مني استشاراتٌ لإيجادِ حلولٍ لمشاكلِهم، ولدى دراسةِ الحالة والبحث؛ تبين أن المصدرَ الأساسيَّ لعدمِ تحقيقِ أهدافِ المنشأة هو أن كلَّ هدفٍ جزئي يريد أن يحققَه الموظفُ ويركزَ عليه في عمله لا يخصُّه، وغيرُ عائدٍ إلى مسؤوليته ...
وبالتالي تتصادمُ الآراء ... ويحصلُ النفور ... ويتعثرُ العمل ... وينقطع التواصلُ بين المديرياتِ والأقسام، وكلٌّ يلومُ الآخر، ولا يوجد حل ...
ورأيت أنني لو صارحتهم بهذه الحقيقة؛ لم يصدقْني أحد ... فأحدثت تدريباً فقط على أن يكونَ الهدفُ الذي يعمل كلُّ موظفٍ عليه يخصُّه ويقعُ على عاتقِه ومسؤوليتِه، فانتهتِ الإشكالاتُ بسرعةٍ عجيبة، وبدأ العملُ ينتظم .... والذي فاجأني هو أن مديرَ الشركة لم يكن مسروراً أبداً بأن يلتزمَ كلُّ موظفٍ بتحقيقِ الهدفِ الذي يقع ضمنَ مسؤوليتِه .... إلا أن الموظفِين تدربوا ولم يعودوا يريدون الاضطرابَ والفوضى التي كانوا يعيشونَها بسبب ذلك ....
وهنا، نعود لحضارتِنا العربية الإسلامية؛ فنجدُ أن المسؤوليةَ في تحقيقِ الأهدافِ كانت واضحةً جلية رُبوا عليها، وهي مهارةٌ عندَهم لا يحتاجون للتفكيرِ فيها .... بل ينفذونها بالسليقة، فالحاكمُ يعلمُ مسؤوليتَه، والمحكومُ يعرفُ مسؤوليتَه، وذلك بالمهارةِ الناتجة عن التنميةِ التي تلقَوها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتي سنأتي لاحقاً على تفصيلِها. فهم لا يفكرون أصلاً في هدفٍ ليس يخصُّهم أو لا يقعُ تحت مسؤوليتِهم، وسنشرح في الحلقة القادمة الشرطَ الثالثَ من شروطِ تحقيق الهدفِ، وهو (الوضوح)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3012
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 10
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة العاشرة من برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد أوضحنا في الحلقات الماضية أن شروطَ تحقيق الهدفِ (الحصيلة) هي: (الإيجابية: ويعني؛ هل ما أريده مصوغ بطريقةٍ إيجابية), و(المسؤولية: ويعني؛ هل ما أريده أمرٌ يخصني وأتحمل مسؤوليتًه), و(الوضوح: أي؛ أين ومتى وما ومع من أريد ما أريده), و(التأثيرات: ويعني؛ كيف يؤثر ما أريده على الجوانب الأخرى لحياتي), و(القياس: ويعني؛ كيف أعلم أنني حصلت على ما أريد). وسادساً: وهو الشرط الذي سنشرحُه هذه الحلقة، وهو (الحواس): ويعني؛ هل هذا الهدف قائمٌ على الحواس أم بعيدٌ عن الحواس, هل يمكن مشاهدة هذا الهدفِ أو لمسُه أو الشعورُ به.
وقد يستغرب بعضُ الإخوة المستمعين هذا الشرط, ويقولون: هل من الممكن أن يفكرَ أحدُنا بهدفٍ غيرِ قائمٍ على الحواس ؟!! والجواب: نعم ... قد يُتوهم أن هذا الأمرَ قائمٌ على الحواس، وهو غيرُ ذلك. ولإيضاح ذلك أقول: إن عملَ الدماغ فيما يتعلق بالتفكير ينقسم إلى ثلاثةِ أقسام؛ قسمٍ يسمى (الحافظة), وهو عبارة عن أرشيفِ معلومات، حافظة فقط، يوجد فيها معلومة. وقسمٍ يسمى (المدركة), وهو للتحليل والتركيب والتأمل والمقارنة والاستنباط، وفيه تتم العملياتُ المنطقية. وقسمٍ أخير يسمى (المتوهمة أو المصورة)، وهذا خاصٌّ بالتخيّل، ولا يوجد فيه إلا ما يرشح إليه عن طريق الحواس. فإن قلت كلمةَ (طائرة) تحضر لمخيلةِ السامع صورةُ طائرة من النوع الذي تسرب للمخيلة عن طريق رؤية مثلاً، وربما لا يعرف هذا السامعُ شيئاً عن قانون الطيران، وربما لو شرحت لإنسانٍ من غياهب الماضي قانونَ الطيران لأدركه وفهمَه وتعاملَ مع معادلاتِه، لكنْ دون أن يستطيع تخيلَ الطائرة؛ لذلك فالعقلُ البشري يدرك أشياءً، لكنْ لا يستطيع تخيلها؛ كالعدم مثلاً، أدركُ مثلاً أن العدمَ يعني عدمَ وجود أيِّ مخلوق كان قائماً قبل أن يخلقَ اللهُ الأشياء، لكن لا أستطيع تخيّلَ ذلك؛ لأن حواسيَ لا تجدُ شبيهاً بالعدم، المشكلةُ تكمنُ في أنني عندما أريد تحقيقَ هدفٍ قد أستطيع بمخيلتي بعيداً عن الحواسِ والواقع الذي أنا فيه، لذلك في استراتيجيةِ الإبداع أو استراتيجية ديزني ينبغي أن ينتقلَ الإنسانُ بين ثلاثةِ مواقعَ ليدرسَ هدفاً ما يريد تحقيقَه، هذه المواقعُ افتراضية يضعها صاحبُ الهدف، وينتقلُ فيما بينها: موقعَ الواقعي، وموقعَ الحالم، وموقعَ المراقب، ويعيد التنقلَ عدةَ مرات، وقد تطولُ جداً حسبَ الهدف، حتى يتبلورَ لديه أن الهدفَ قابلٌ للتحقيق؛ لأنه مبنيٌّ على الحواس، ولا يكون أمانيَ غيرَ قابلةٍ للتحقيق. ونعود هنا للحالةِ الإنسانية التي ذكر أصحابُ التنميةِ البشرية أنها مركبٌ من ثلاثةِ أجزاء: (التفكير والشعور والسلوك)، ونلاحظُ هنا في حالةِ تحقيق الهدف أن الشروطَ الستة الأولى لتحقيق الهدفِ: (الإيجابية والمسؤولية والوضوح والتأثيرات والقياس والحواس) تتعلقُ بالتفكير، أما الشرطان الباقيان؛ فالايمانُ يتعلق بالشعور، والعملُ يتعلق بالسلوك. وبالعودةِ والنظر في حضارتِنا الإسلامية لا نجد مشكلة تتعلق بأن الهدف يجب أن يتعلقَ بالحواس، وأن يكونَ قائماً على الحواس؛ لأن ذلك كان من خلال التنميةِ الشاملة التي غذّى القرآنُ بها متبعيه، وزرعها فيهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولننظرْ إلى شمولِ قوله تعالى: { ولا تقفُ ما ليس لك به علم }، ويعيبُ على آخرين؛ فيقول: { إنْ يتّبعون إلا الظن }، ويقول أيضاً: { إن الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً }.
وبهذا نكون قد أتممنا شرحَ الشرطِ السادس من شروطِ تحقيق الهدف، وهو وما سبقه من الشروطِ التي مرت بنا يتعلقُ بالتفكيرِ بالنسبة للحالة الإنسانية لحالة أي إنسان في آن ما او أكثر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 11
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على رسول رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الحادية عشرة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا في الحلقة السابقة إلى أن للهدف ستةَ شروطٍ تتعلق بالتفكير وهي: أولاً ـ الإيجابية: أن يكون الهدف مصوغاً بطريقة إيجابية. ثانياً ـ المسؤولية: أن يكون الهدفُ يخصني وأتحمل مسؤوليته. ثالثاً – الوضوح: أين ومتى وما ومع من أريد ما أريده. رابعاً – التأثيرات: كيف يؤثر الهدف الذي أريده على الجوانب الأخرى لحياتي. خامساً - القياس: كيف أعلم أنني حصلت على ما أريد. سادساً – الحواس: هل أن ما أريده قائمٌ على الحواس.
وسنشرح اليومَ الشرطَ السابع، وهو الإيمان، ويتعلق بالشعور ضمن الحالة المؤلفة كما قلنا. فالتفكير له الشروط الستة الأولى لتحقيق الهدف، والشعور له الشرط السابع من شروط تحقيق الهدف وهو الإيمان، والسلوك له الشرط الثامن وهو العمل. إذن الشرط السابع من شروط تحقيق الأهداف (الحصيلة) هو الإيمان، والإيمان بالمفهوم الغربي يوازي في تراثنا ما يسمى بالرغبة والرجاء في الشيء والقناعة به، أو بمعنى آخر الجذب إليه، وقد يزيد فيكون هوساً بالشيء وتعلقاً في إنجازه، وبدون هذا الشرط أو بالأحرى بدون توفر الحد الأدنى من هذا الشرط الذي يتعلق بالشعور لا يمكن تحقيقُ الهدف.
هل رأيت إنساناً يهدف إلى شيء غيرِ مقتنع به وغير مؤمن به، لعل هذا لا يمكن ... هنا الإيمان غيرُ الإيمان الذي نقصده نحن في ديننا الإسلامي، والذي يتعلق بالاعتقادِ وتوحيد الله وغيرِ ذلك مما أتى بنصوص ديننا الحنيف بمعنى الإيمان ... وإنما يتعلق بالقناعة بشيء أريده، والسؤال الذي يجب طرحُه: هل أنا مؤمنٌ تماماً بما أريده ؟ أو بعبارة أخرى هل أنا مقتنع تماماً بهذا الهدف، وإذا أردنا أن نتعمقَ أكثرَ نقول: إنه لا يمكن لإنسان من تحقيق أي نجاحٍ في دراسة أو في عمل أو في حياة أسرية أو اجتماعية أو على الصعيد الاقتصادي إن لم يكن يحب هذا الهدف، أو كما يقولون في التنميةِ البشرية: إن هذا الهدفَ يجذبه، وقد شرحوا مطولاً اكتشافَهم لقانونِ الجذب في كتاب (السر) ...
ويا للأسف ... إن في أعمالنا وحتى في أهدافنا في مجتمعاتنا الحالية ... كثيراً ما نقوم بأعمالٍ وأهداف غيرَ مقتنعين بها ـ لعواملَ شتى ـ وربما كان هذا يعد نفاقاً في العصور الغابرة من الحضارة الإسلامية التليدة .... فلم يكن مقبولاً أن يقومَ الرجلُ بعملٍ غيرَ مقتنع به .... فقد كانوا يعدّون أن من يقول لإنسان تفضل على طعام أو شراب وهو لا يريده أن يأتي من النفاق، وقد قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً }، فما الذي يستطيع إنسان أن يفيدَ به نفسَه أو أهله أو بلدته في هدف أو عمل هو غيرُ مقتنع به. لا يستطيع أن يفعل شيئاً، وإن فعل لا يفيد .... حتى نفسه ... لذلك ترى الكثيرَ من الطلاب في مجتمعاتنا قد درسوا بعد الثانوية في الكلية التي فرضتها عليهم درجاتُهم لا الكليةِ التي يرغبون بها ... أو لأن فلاناً قد دخل هذا الفرع، وهو ليس أقلَ شأناً منه ... وفلانة اشترت شيئاً هو ليس هدفاً لها ولا يحققُ لها أية حاجة ... فقط لأن منافستَها اشترت منه ... ولا أحد خيرٌ من أحد ...
وللإنصاف نقول: لعل الغربيين في وقتنا هم أكثرُ تطبيقاً لهذا الشرط في أهدافِهم من كثيرٍ من أبناءِ جلدتنا، ولعله سببٌ رئيس في نجاحهم في كثير من أهدافِهم وأعمالهم ... فترى الواحدَ منهم مستمتعٌ وهو يسعى نحو تحقيق هدفِه لأنه يحبه ... لأنه مؤمن به ... لأنه يرغب بتحقيقه، أما في مجتمعاتنا ففي الأعم الأغلبِ على عكس ذلك، وإنما تحكمنا معادلاتٌ أخرى لمحاولة القيام بأهداف لا تعنينا ولا نرغب بها، وقد ذكرنا قبل قليلٍ أن الجيلَ الذي بنى هذه الحضارة الباسقة محصنٌ من هذا المرضِ العضال، وفي الحلقة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ سنشرح الشرط الثامن الأخير من شروط تحقيق الأهداف (الحصيلة)، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3027
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 12
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ... لا شريك له ... أبدعُ مصوِّر وحكم معدل، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الثانية عشرة من برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا إلى الشرط الثامن من شروط التنمية البشرية في تحقيق الهدف والتي هي: 1- الإيجابية: أي هل هدفي مصوغ بطريقة إيجابية. 2- المسؤولية:هل إنه هدف يخصني وأتحمل مسؤوليته. 3- الوضوح: أين ومتى وما ومع من أريد ما أريد. 4- التأثيرات: كيف يؤثر ما أريده على الجوانب الأخرى لحياتي. 5- القياس: كيف أعلم أنني حصلت على ما أريد. 6- الحواس: هل ما أريد قائمٌ على الحواس. 7- الإيمان: هل أنا مؤمن تماماً بما أريده. 8- العمل: وهو الشرط الثامن والأخير من شروط تحقيق الهدف: وهو يعني ما هي بالتفصيل الخطوة الأولى لتحقيق الهدف الذي تريد.
اكتبْ وابدأ. نعم تحققت الشروط السبعة السابقة لتحقيق الهدف، إذن الشرط الثامن أن تبدأ، وإلا فلن يتحقق شيء. مهندسٌ قرّر أن يبنيَ فيلا على أرضٍ له، ما الذي يفعله بداية؛ يذهب ليأخذَ الترخيص للبناء، إلا أن البلدية لا تقبل أن تعطيَه الترخيصَ قبل أن يأتيَ بالمخططِ الذي سيبني وفقه. إذن الخطوة الأولى من العمل وضعُ مخططٍ البناء، ولابد ليتحققَ الهدف أن تبدأ العمل، ولن يبدأَ العمل بشكل صحيح ...
ولن يتحققَ الهدف كما ترسم إلا أن تبدأ بالخطوة الأولى من العمل، ولكل هدفٍ خطوته الأولى، فالبناءُ خطوته الأولى ... وضعُ المخططاتِ اللازمة ... والطبخُ خطوته الأولى أن تأتيَ بالخضار ... والدراسة لمادة معينة... خطوتها الأولى الإعداد، وهكذا .... هل رأيت إنساناً يستطيعُ أن يقطعَ الطريقَ بين مدينة وأخرى دون أن يبدأ الخطوة الأولى ... إذن البدايةُ بالخطوة الأولى.
تكون البداية بالخطوة الأولى الحقيقيةِ التي بدونها لا يمكنُ أن يتجاوزَ الطريقَ أو يبدأ به، فلكي تكونَ الخطوة الأولى يجب أن تكونَ بداية لولاها لما كانت هناك بداية ... وبهذا الشرط الثامنِ من شروط تحقيق الهدفِ (الحصيلة) نكون قد أتممنا شرحَ شروط تحقيق الهدف أياً كان هذا الهدف. هذا في التنمية البشرية المعاصرة ... فما حال أولئك الناسِ الذين أسّسوا لهذه الحضارةِ الإسلامية الرائعة، وكيف استطاعوا أن يتبوءوا صعداً على قممِ الحضارة ...
إن أيَّ متأملٍ يلاحظ بداية فرقاً واضحاً في الكليات، إن الحالة الإنسانية صحيحٌ أنها تتألف من مركبٍ ثلاثي: (التفكير، السلوك، الشعور)، إلا أن هذه الحالة التي هي هذا المركبُ إنما تتفرعُ عن أصل هو الإنسان، والإنسانُ العاقل المخاطب هو: تفكير وسلوك وشعور، إلا أن الإنسانَ قبل هذه التجزئةِ في حضارتِنا الإسلامية هو رُوح تمثل حقيقة الإنسان، وهي سرٌّ مقدس. ألم تسمع أخي المستمع قولَ الله تعالى مخاطباً ملائكته: { فإذا نفخت فيه } أي في آدم الأول { من روحي فقعوا له ساجدين }. انظر يا أخي كيف نسب الله هذه الروحَ إلى ذاتِه المقدسة ... تشريفاً لهذه الروح وإعلاءً لها، وهي سر الإنسان ... وسر تكليفه، وهي المخاطبُ من الإنسان، وهي المكافأُ من الإنسان أو المعاقب ... فمهما لبِست هذه الروح أقنعة تتقلب فيها ضمن درجات الحياة وتنقلاتها، فهي تبقى السرَّ الباقيَ من الإنسان، وهي مناط التكليف ومحطُّ الوعدِ والوعيد ... فتارة سماها القرآنُ الروح ... وتارة سماها النفس ... وتارة سماها القلب ... باعتبارات شتى. إذن بنيانُ الحضارةِ الإنسانية التنموي بدأ من نقطةٍ أغفلها الغربيون وهي أن البعدَ الروحي للإنسان هو أهم شيءٍ في كيانه { ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3029
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 13
الحلقة الثالثة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم، على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الثالثة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا في الحلقة الماضية إلى الحديث عن حقيقة الإنسان وجوهره ... بين هذه المخلوقات ... نحن نلاحظ أن الإنسان هو الكائن الوحيد بين كل الكائنات التي نراها من حولنا يتمتع بالعقل الذي يميزه عن باقي الحيوانات العجماوات .... فالإنسانُ يتكون من مركبات ثلاثة (الجسد ... والغرائز النفسية التي يشترك فيها مع كافة الحيوانات ... والروح القابعة في كيانه) ... هذه الروح هي غيرُ الروح التي يتمتع بها سائرُ الحيوانات، هذه الروح تشعُّ على الدماغ فيتشكلُ العقل، وتشع على القلب فينبضُ القلب بالمشاعر والوجدانات التي لا تشاركه فيها باقي الحيوانات، وتشع هذه الروح على الجسد فتحيلُه حركة ونشاطاً؛ فتعلمُ أن هذا الإنسانَ ينبض أمامك بالحياة ... فمهما شعتْ روحُ الحيوان على دماغه لا نجد لها عقلاً، وإنما نجد لها غرائزَ تسير وفقها وعلى هداها ...
ولنلاحظْ كيف بيّن الحق ـ جل وعلا ـ هذا التكريمَ الذي كرّم به الإنسانَ، فقال عن أبينا آدمَ عليه السلام ـ مخاطباً وآمراً ملائكته بالسجود له ـ: { فإذا سويته } أي آدمَ { ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين }، ونلاحظ هنا كيف أن الحقَّ ـ سبحانه وتعالى ـ نسب هذه الروحَ إلى ذاتِه العلية تشريفاً وتقديساً، فقال: { روحي }، وياء النسبة هنا تدل على التكريم والتشريف ـ كما يقول علماء العربية ـ بسر هذه الروح التي كرم الله بها الإنسان ... كرم الإنسان ... وصار صالحاً لتلقيَ الخطاب وصالحاً لإقامةِ الحضارة الإنسانية المثلى، قال تعالى: { إني جاعلٌ في الأرض خليفة }، وقال أيضاً: { هو الذي أنشأكم من الأرضِ واستعمركم }، أي كلفكم بعمارتها....
وما هو الإسلام ؟ ... باختصار هو مائدةٌ غنيت بكل ما يصلح لهذا الكائن البشري من غذاء ودواء، فيها طعامٌ للجسد؛ لينموَ ويصلحَ شأنُه، وفيها طعامٌ للغرائز؛ لتعتدلَ وتقضيَ هذه المهمة الإنسانية المنوطة بها، وفيها غذاءٌ للروح ... وإن شئت قلت: (غذاءٌ ودواء للعقل) ... وإن شئت قلت: (غذاءٌ ودواء للقلب) ... وإن شئت قلت: (غذاء ودواء للشعور) ... وإن شئت قلت: (غذاء ودواء للسلوك). لكنِ المطلوبُ أن يأخذَ كلُّ مركَّب من مركبات هذا الإنسان غذاءَه الخاص به، دون أن يطغى ويكبرَ هذا الجزءُ على حساب الأجزاءِ الأخرى ... ويجب أن يكونَ للروح أيضاً غذاؤها؛ ليقودَ هذا المركِبَ الكامل إلى برِّ الأمان. قال تعالى: { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً }.
نحن حقاً لا يمكن أن نتوصلَ إلى ماهيّةِ الروحِ وحقيقتِها، ولكننا نستطيعُ أن نتعرّفَ على آثارِ هذه الروحِ المتجليةِ علينا، وقصةُ هذه الروح ... قصةُ أشجان، هي من عالمٍ غيرِ عالمِ المادة ... من عالمِ الأمر كما وضعها الله تعالى في القرآن الكريم، أتى بها من عالمِ الملإِ الأعلى وأُهبطت بأمرٍ من الله تعالى إلى هذا القفصِ الجسدي لتُحبَسَ فيه إلى حين، وتخوضَ هذه التجربة البشرية { إنا عرضنا الأمانة على السمواتِ والأرض والجبال فأبينَ أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً }، فالروحُ هي سرُّ الإنسانِ وجوهرُه، وهي المخاطبُ والمكلفُ والمعاتب والمحاسب ... وهي التي سمّاها القرآنُ على اعتباراتٍ تارة: (النفس)، وتارة: (القلب)، وتارة: (العقل)، وتارة: (الروح)، وتارة: (الإنسان). فكيف كانت التنمية البشرية في جيلِ الحضارة الإنسانيةِ لمسمّى الإنسان على ضوءِ مـا ذكرناه عن الروح ؟ .... هذا ما سنبحثه في الحلقة القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3031
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 14
الحلقة الرابعة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً كثيراً كما أمر، والصلاة والسلام على خير البشر، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلاماً متلازمين إلى يوم الدين. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي .... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الرابعة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد حط بنا المطاف في الحلقة الماضية عند سؤال طرحناه وهو: كيف كانت التنمية البشرية في الجيلِ الذي أسّس للحضارةِ الإسلامية على ضوء ما ذكرناه بأن الروحَ هي سرُّ الإنسان وجوهرِه، وهي الآمرةُ في كيانِه، والباقي لها خدم وعون ...
قلنا: هذه الروحُ هبطت من عالم الملإ الأعلى ... عالمِ طهرٍ ونقاء ... قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ كلّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواهُ يهودانِه أو ينصرانه أو يمجسانه ]، ولم يقل أو يسلمانه... لأنه على الفطرة، ولو خليت الروحُ وما كانت عليه لم تحتج لأي عناءٍ على طريق الاستقامةِ والهدى والدين ... لكنْ لما أُنزلت هذه الروحُ إلى عالم الملك ... إلى عالم الشهادة كما بيّن ذلك القرآنُ الكريم اختلطت بها غرائزُ النفس، وصارتِ الغرائزُ النفسية مع الروحِ تسمى بالنفسِ الإنسانية ... تماماً كما لو أتينا بكأسِ ماءٍ عذب رقراق وألقينا فيه شيئاً من الأتربة، يتغيرُ الماء بهذا الوافدِ عليه ... لكنه يصبح معه كتلة واحدة.
هذه الأتربة هي بمثابةِ الغرائز النفسية، وهذا الماءُ الصافي هو بمثابةِ الروح، وأصبح اسم المركب كله النفس ... مع أخذ العلم بأن الغرائزَ النفسية وُجدت في الإنسان لحكمةٍ بالغة ... فميلُ الذكر للأنثى هو لحفظ بقاءِ العنصر البشري ... والجوعُ لقيام الجسدِ والحفاظ عليه... وهكذا فالصفاتُ النفسية ... يُطلب منها أن يكون الإنسان على حدِّ الاعتدال لا يُفرِط ولا يُفرِّط، وعند الاعتدالِ في هذه الصفات يكون الإنسانُ عندئذٍ على خُلقٍ حسن، فالإنسانُ ذو هيئةٍ ظاهرة له، وله هيئةٌ باطنة ... أما هيئتُه الظاهرة فقوامُها في الوجه مثلاً أربعةُ أركان ... العينان والأذنان والفمُ والأنف ... فلو افترضنا أن رجلاً ما أوِ امرأة كان غاية في الجمال أو كانت غاية في الجمال ... ثم طرأ معه أو معها طارئٌ ـ والعياذ بالله ـ خسرَ معه ركناً من هذه الأركان الأربعة، كأن قُطع أنفُه أو ذهبت عينه، فما الذي يبقى من هذا الذي يسمى جمالاً ...
إذن أُوْلى درجات الحسْن الذي لا حسْن دونه أن توجدَ هذه الأركانُ الأربعة وباعتدال، ثم تأتيَ بعد ذلك الزيادةُ في درجات حسن الوجه ... وكذلك للهيئة الباطنة للنفس أربعةُ أركان. هذه القوى هي: قوة العقل - قوة الشهوة - قوة الغضب - وقوة العدل: أربعة قوى: ـ عقل ـ شهوة ـ غضب ـ عدل ... هذه القوى في باطن النفس البشرية هي بمثابة أركانٍ لهذه الهيئة الباطنة للإنسان ... كما أنّ للهيئة الظاهرة للإنسانِ أركاناً أربعة؛ هي قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل، فلو اِجتثت أية قوة من هذه القوى من الإنسان ... لو نقص أي ركن من هذه الأركان الأربعة ... أو لو تضخم كثيراً أي ركن من هذه الأركان الأربعة: العقل والشهوة والغضب والعدل، لو تضخم أو تلاشى لكان هناك تشوهٌ وقبح في الهيئة الباطنة للنفس الإنسانية، وسنشرح ما تعنيه هذه الأركانُ الأربعة، وكيف اعتدالُها في الحلقةش القادمة ـ إن شاء الله تعالى ـ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3034
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 15
الحلقة الخامسة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الخامسة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في الحلقة الماضية أن الإنسانَ ذو هيئةٍ باطنة كما هو ذو هيئة ظاهرة، ولهيئتِه الباطنة أربعةُ أركان هي: قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل ... والحقيقة أن هذه الأركانَ الأربعة للهيئة الباطنةِ لنفس الإنسان هي التي إن اعتدلت وجمُلت؛ كان الإنسان ذا خلقٍ حسن، وهي التي إن قبُحت وانحرفت ذات اليمين أو ذاتَ الشمال؛ ضلت وساءَ خلقُ الإنسان. وإن أيَّ عمل أو سلوكٍ يتجلى من الإنسان إنما هو صادر عن خُلقِه المستكِن في نفسه، وليس دائماً شكلُ السلوك ينبئُ عن حقيقة الخُلق؛ فقد تجد إنساناً سخياً في دفعِ المال، لكنْ لعلة غيرِ صفة الكرم؛ حتى يقالَ إنه كريم ... وقد ورد في الحديث الشريف أنه يؤتى برجلٍ عالم تعلّم وعلّم دينَ الله في الدنيا ... يقول يارب ... نشرتُ دينَك ... علّمت الناس، فيأتيه الجواب ...
إنك علمت: ليقالَ وقد قيل ... أي ليقال إنك عالمٌ، وقد قيل ... ويؤتى برجل آخرَ ... يقول يارب ... جاهدت في سبيلك ... فيأتيه الجواب ... إنك قاتلت ليقالَ إنك شجاع، وقد قيل ... إذن فالخُلق الحسَن هو صفة مستكنة في النفس قبل أن تكونَ سلوكاً ... فلنبدأْ بشرح القوةِ الأولى من القوى الأربعة التي هي أركانُ الهيئةِ الباطنة للنفس: القوة الأولى هي قوة العقل ... ويقال لها أيضاً قوة العلم ... وهي ملَكة وقوةٌ مكّن اللهُ الإنسانَ منها ... كي يستطيعَ سياسة أمورِه في الدين والدنيا ... فلا تجدُ إنساناً مكلفاً لم يُمتّعْ بهذه الملَكة وهذه الصفة إلا إنساناً ذا قصورٍ عقلي اقتضت حكمةُ الله أن يكونَ كذلك ... والمطلوبُ من الإنسان أن ينمّيَ هذه الملكة ... هذه الصفة ... هذه القوة، وتبدأ مسؤولية تنميتِها على الوالدين في المنزل، ثم بعد ذلك على عاتقِ المعلم والمعلمة في المدرسة، ويشترك كل من له علاقة بصياغة مفاهيم الإنسان عما حوله من الكون والإنسان والحياة ... يساهم مساهمة ما في صياغة وتنمية هذه القوة العاقلة ... حتى إذا بلغَ الإنسان أشُدَّه صار التكليفُ ملقىً على عاتقه، ولا يَعذره عاذر في تقصيره في رعايتِه لهذه القوة لهذه الصفة لهذه الملكة التي وكله الله إياها ... فبعد أن كانت هذه الملكة للتكرار فقط .. للحفظ فقط .. للتلقين فقط .. يكون التمييزُ بين الأشياءِ ثم شيئاً فشيئاً يكتملُ عقدُ هذه الملكة عند كل مكلف ... ويتفاوتُ الناسُ بعد ذلك في تنميتهم لقوةِ العقل أو قوة العلم كما قلنا ... ونحن هنا لا نتكلم عن فروقاتٍ في الذكاءِ قضى الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يتفاوتَ الناسُ بها { ليتخذَ بعضهم بعضاً سُخرياً } كما قال ربنا جل وعلا ...
ولكننا نتكلمُ عن قوةِ العقل وقوة العلم ... وليس عن الذكاءِ، فقد تجدُ إنساناً ذكياً جداً، ولكنه لم يستخدمْ ذكاءه هذا فيما ينفعُه ... لا يدرك من ذكائه هذا ... إلا شقاءً ومصائبَ عليه وعلى من حوله ... ذكيٌّ جداً لكنه لا يدرسُ في مدرسته ... ما نفعُ ذكائه ... ذكيةٌ جداً ... لكنْ لا تستغلُ ذكاءها إلا بالإيقاع بين الناس ... إلا بالنميمةِ بينهم ... ذكيٌّ جداً لكن لا يستغل ذكاءه إلا في كيفيةِ غشِّ المجتمع بالبضائع الفاسدة ليتوصلَ بذلك للربح المادي ... ثم يقول لك: (حلال على الشاطر) ... نعم حلال إذا كان بطريق حلال ... وقد تفردتِ التنمية الإسلامية ... وإن شئتَ قلت: (التربيةُ الإسلامية) ... وإن شئت قلت: (علمُ السلوك في الإسلام) ... وإن شئت قلت منه القرآن ... تفرد بصياغة قوة العقل وصيانتها ...
ونتابع شرحَ قوةِ العقل هذه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3037
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 16
الحلقة السادسة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... الرحمن الرحيم ... مالك يوم الدين، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
أيها الأخوة والأخوات... فهذه هي الحلقة السادسة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... قلنا في الحلقة الماضية أن الله متّعَ الإنسانَ بأربعةِ قوىً تشكل له الهيئة الباطنة للنفس وباعتدال، هذه القوى الأربع ... التي هي قوة العقل وقوة الشهوة وقوة الغضب وقوة العدل ... باعتدالها يتشكلُ حسْنُ الخُلق عند الإنسان ... الذي هو المفتاحُ الحقيقي والنواةُ الأولى لتشكيلِ الحضارة الإنسانية المثلى التي متّع الله بها أجدادَنا في ما مضى، ...
باعتدال قوةِ العقل تتشكل الحكمة عند الإنسان ... وهي الوسيطة ... وإفراطُ هذه القوة ... يتولد عنه الخبثُ والمكر والخديعة ... وتفريطُ هذه القوة ... يتشكل عند الإنسان الغباوة والحمق والبلادة ... وقلة الخبرة في الحياة .. والسطحية في الأمور ... وعدم التبصر والطيش ... فترى الانسانَ الحكيم يضعُ الأمورَ بموازينِها ... يتصرّف التصرّفَ اللائق، وكلما اعتدلت هذه القوة قوةُ العقل ... كلما اعتدلت واستقامت أكثر ... وكلما كان صاحبُها ذا حكمةٍ أكثر ... والحقيقة أن نورَ البصرِ كنورِ البصيرة، نورُ البصر يحتاج إلى نور من جنسِه يتحدُ معه عملية الرؤيا في حدقة العين ... فلو أن إنساناً دخل كهفاً مظلماً لن يرى ـ ولو كان بصره حاداً ـ إن لم يكن هناك نورٌ يرى من خلاله .... فلا بدّ من وجود نورٍ في البصر ونور في البيئة والمحيط حتى تتمَّ عملية الإبصار، وكذلك نورُ البصيرة ... الذي هو العقل ... لا بدَّ من نور يناسبه من خلاله يتبصر ... هذا النور هو العلم ... وأولُ علم ... كان في هذه الدنيا ... علمُ الوحي ... هو الذي يمكن أن يخبرَك بما يهمُّك مما حصل ماضياً ... أو يخبرُك بما سيأتيك غداً ... من الذي يستطيع أن يعرِّفَ الإنسانَ على رحلته التي قضاها ... قبل أن يولد ... عن نشأته عن مهمته عن مستقره ... إلى أين يذهب ... ما الذي بانتظاره ... ما هو الموت ... ماذا بعد الموت ... لا يستطيعُ أن يقوِّمَ هذا ويدلَّ عليه ويطمْئنَ العقلَ إلى أنه أتاه حقيقة إلا الوحي الصادق ...
ولذلك أمر الإسلامُ أبناءه بداية أن يتحققوا بما يعتقدونه، ورسم لهم قصةَ النشأةِ ونهايةَ القصة ... الرحلة بكل فصولها ... لا تتخلف ... وكان هناك الخطابُ الإلهي للإنسان: { ولا تقفُ ما ليس لك به علم ... إن السمعَ والبصر والفؤاد ... كلُّ أولئك كان عنه مسؤولاً } ... إن الإسلامَ لم يُردْ من الإنسان أن يقيمَ اعتقادَه بالدين الحنيف نفسِه إلا على أساس العلم ... فكم أكرم بذلك الإنسانُ ... ولطالما حاججَ القرآنُ بشكل منطقي الذين يبحثون عن الحقيقة بشكلٍ منطقي وبحوارٍ رائع ... انظر عندما يقول لهم: { لو كان فيهما آلهة إلا اللهُ لفسدتا }، انظر عندما يعدد الخلق ... وأنواعَه وإعجازه ثم يقول: { فتبارك الله أحسنُ الخالقين }، انظر عندما يقول: { ألم ترَوا أن الله سخّر لكم ما في السموات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمّه ظاهرة وباطنة ومن الناسِ من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير }، ويقول أيضاً: { هو الذي جعل لكم الأرضَ ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقِه وإليه النشور } .... كل ذلك ليدلَّه على الاحتكام ... للعلم على الاحتكام ... للتدبر ... على التروي في أموره ... وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مرة لسيدٍ في قومه ... [ إن فيكَ لخصلتين يحبهما الله ورسوله الأناةَ والحلم ] ...
خلاصة القول: إن قوة العقل ... إذا اعتدلت هدتْ صاحبَها إلى الحكمةِ والتبصُّر، وإن أفرطت أوصلتْ صاحبها على المَكر والخديعة ... وإن فرّطت أوصلت صاحبها إلى الحمق والغباوة والطيش، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3040
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 17
الحلقة السابعة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... حمداً طيباً مباركاً فيه ... والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة السابعة عشرة من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وما زلنا نشرح الهيئة الباطنة للنفس الإنسانيةِ التي باعتدالها وتنميتها على هذا النحو يتكوّنُ حسْن الخُلق ... الذي هو مفتاح الحضارة الإنسانية المثلى التي كلف الله عبادَه بإنشائها على وجه الأرض ... وقد قلنا أن أركانَ الهيئةِ الباطنة للإنسان أربع: قوة العقل ... وقوة الشهوة .... وقوة الغضب ... وقوة العدل ...
وقلنا أن قوةَ العدل ... أو قوة العلم ... هي التي باستقامتها تتشكل الحكمة ... وبإفراطها يتشكل الخبث والمكر ... وبتفريطها يتشكل الحمق والغباوة في النفس البشرية ... ويتفرع عن ذلك صفاتٌ كثيرة هي بمثابة الفروع لها ... قال تعالى: { ومن يؤتَ الحكمة فقد أوتيَ خيراً كثيراً } ... وقد حرص الإسلامُ على إقامةِ القاعدة العريضة لقوة العلم لكلِّ الناس، ثم يتفاوتون باجتهادِهم وبذلهم في سبيل تحصيل التفاصيل ... والعلمُ: وهو معرفة الأمور على ما هي عليه في الواقع. لذلك حرص الإسلامُ على توفير القاعدة العريضة للعلم التي لا يمكنُ للإنسان الوصولُ إليها من خلال مجهودِه الفكري ... وخلاصة الأمرِ أن العلومَ والمعارفَ الجزئية لا تتمُّ على وجهِها الصحيح ... إلا إذا أسّست هذه المعرفة ضمنَ قاعدة واسعةٍ من العلم ...
مثال: أنا مهما تخصصتُ بمعرفةٍ مدينة ما على الخارطة؛ لا يمكن أن تأتي معرفتي بثمرتِها المرجوة منها .... ولا يمكن أن أستخدمَ معلوماتي هذه إلا في نطاقٍ عام من موقع هذه المدينة في أي بلد، وأي قطر في أي قارة يقع، وهذه القارة تقع على الأرض ...هذه المعلوماتُ البسيطة تعطي لتخصصي بعداً آخرَ من المعرفة يستوي فيه ... ويتحققُ عندئذٍ قولُه تعالى: { إنما يخشى اللهَ من عبادِه العلماءُ } ...
فإن العلمَ الذي يورثُ الخشية هو هذا العلمُ الذي يكون ضمن المعرفةِ الإنسانية، كالإطارِ الجامع لجزئياتِ هذه المعرفة ... وهذا قد تجلى في القرآنِ بشكل واضح ... وسنأخذ بعضَ المعارفِ والعلومِ التي تشكّل عند الشريحةِ الأوسع ... القاعدةِ الأكبر من الناس علوماً ومعارفَ لا يمكنُ أن يحصلَّها الإنسانُ إلا من خلال الوحي، سنأخذ مثالاً على هذه التنميةِ المعرفية (التي تتعلق بالتفكير بدايةً قبل الشعور والسلوك) ... تعريفُ القرآنِ للإنسانِ بعناصر الحضارة التي هي (الإنسان – الكون - الحياة) ... عندما تتعرّف الشريحة الأوسعُ من الناسِ فكرياً على عناصر الحضارة فهم يصبحون حضارياً بشكلٍ كبير ومعجِز قادرين على التعاملِ الحضاري والنهضةِ بحضارة هذه الأمة ... فنحن نعلمُ أنه لكي يعمَّمَ مفهومٌ حضاريٌّ ما ... يجب أن يقتنعَ به معظمُ الناس ... يجب أن يُذاعَ على كل الناس، وقد كان القرآنُ ينمّي مُتبعيه ... ويعرّفهم على هذه القاعدةِ العريضة العلمية للحضارة الإنسانية التي ينبغي أن تشملَ جلَّ أبناءِ الحضارة إن لم نقل كلَّهم ... لا بدّ أن تكون أيُّ معرفة ... أي عملية تعليمية ... أيُّ عملية تربوية ... تلحظُ عدمَ وجودِ أيِّ تعارضٍ أو تشاكس في العمليةِ العلمية. ومشكلتُنا اليوم أننا نعاني كثيراً من هذه التناقضاتِ والاضطراباتِ المعرفية التي تؤدي في المحصلة عند الطلاب ... وأبناءِ المجتمع إلى عدم الاستقرارِ النفسي ...
مثال: يدخل أستاذُ مادة التربيةِ الإسلامية إلى الفصل ليقرأَ للطلابِ قِسطاً من آياتِ الله عن قصةِ نشوءِ الإنسان ... وأنه خلقه من تراب ... ومن طين ... إلى آخر ما يعرفه كلُّ مسلم ... ثم يدخل أستاذُ البيولوجيا .... ليمليَ عليهم النظرية الداروئية ... نظريةَ النشوءِ والارتقاء، وأن الإنسانَ تدرج في الخلق بطفرةٍ تحوّلَ فيها قردٌ من ملايين السنين إلى الإنسان ... هذا مثال لحالةٍ من حالاتِ التناقض والتشاكس ... وهناك أمثلة كثيرة ... طبعاً أنا لا أبالي بأي حوارٍ حول أيةِ فكرةٍ أو نظرية ... لكن أن توضعَ في إطارِها الصحيح ... فلا أعرِّضُ الطفلَ للجراثيم قبل أن ألقحَه بلقاحِ المناعة من هذه الأمراض ... كيف أعتني بالجسد ... العنايةُ بالعقول وبجوهرِ الإنسان أهمُّ وأعظم ... وكما أن الأطباءَ يقومون بخدمةِ ورعاية الأجسادِ وتحصينِها، كذلك المربُّون يقومون بواجبِ تحصين العقولِ وحمايتها، وإلى اللقاء في الحلقات القادمة إن شاء الله تعالى والحمد لله رب العالمين.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3043
-
خبر أسعدنا كثيرا ،سلسلة مفيدة إن شاء الله ، أدامك الله علما ونفع بك الأمة
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 18
الحلقة الثامنة عشرة
بسم الله الرحمن الرحيم
أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ... فأحمدُ إليكمُ الله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبالإخلاص لوجهه تؤتي أكلَها وتتنامى خيراتها، وأصلي وأسلم على حبيب رب العالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصلنا إلى الحلقة الثامنة عشرة من حلقات برنامجكم: [مفاهيمُ في التنمية البشرية بين لأصالة والمعاصرة] ..... وقد قلنا فيما مضى أن التنمية البشرية في تراثِ الحضارة الإسلامية على الصعيد الفكري والمعرفي أتت نسجَ شبكةٍ عريضة واسعة. أتت لتشملَ كلَّ الناس، مما يؤهلهم بعد ذلك أن يسعَوا بدورهم لتقديم ما لديهم حسب مهاراتِهم وتخصصاتهم ضمن هذه الشبكة المثلى.
الإنسان كما قلنا هو عنصرٌ من عناصر الحضارة ... اهتمَّ القرآنُ بالإنسانِ ما لم يهتمَّ بكائنٍ آخرَ فنزلت أولُ آيةٍ على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم: تشرح له أصلَ وجودِه: { اِقرأ باسمِ ربك الذي خلق خلق الإنسانَ من علق } ... وخاطبَ القرآنُ الناسَ جميعاً بقصةِ نشأتِهم فوقَ هذه الأرض، وكيف خلقَ اللهُ أباهم آدمَ عليه السلام، ومنزلته بين سائر مخلوقاته. والتكريمُ الذي حصل عليه حتى على ملائكته ...
والواقع لدى التأملِ في هويةِ الإنسان وكيف أتت في ديننا، وبالتالي رُبيَ عليها الفردُ المسلم ونمّيَ ذاتياً على أساسها هو أمام صورتين ... صورةٍ تشدُّه إلى الأعلى ... وصورةٍ تشدُّه إلى الأسفل؛ كأن تشجع المدرسة الطالبَ للتفوق ... وبالوقت ذاته تتوعدُه على تقصيره ... الصورةُ الأولى، بل الحقيقة الأولى أن يركز البيانُ الإلهي في القرآنِ بأساليبَ شتى على أن الإنسانَ مخلوقٌ تافه، أصله الأولُ من تراب؛ قال تعالى: { فإنا خلقناكم من تراب }، وأصله الثاني بالتوالد؛ قال تعالى عنه: { ثم من نطفة }، بل أكثر من ذلك يقول تعالى: { من ماء مهين } ... { فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماءٍ دافق يخرج من بين الصلب والترائب } ...
ويقول أيضاً: { قتل الإنسانُ ما أكفره من أي شيءٍ خلقه من نطفة خلقه فقدّره ثم السبيلَ يسره } ...
{ إنا خلقنا الإنسانَ من نطفةٍ أمشاجٍ نبتليه ... فجعلناه سميعاً بصيراً } ...
ثم وإن طالت به الحياةُ سيعودُ إلى أرذلِ العمُر { لكي لا يعلمَ بعد علمٍ شيئاً } ...
فإن أيَّ متأملٍ لتعريف الهويةِ لتعريف الذات ..... يذل ويطامن ... وينمحي منه الكِبرُ والشموخ والأنفة ... بل على العكس ... لن يعاند ... لن يخاصم ... هذا علاوة على عدم وقوعِه في شركِ التخمينات وإضاعةِ الوقت بها فيما يتعلق بنشأته ... وبنظرياتٍ ما أنزل اللهُ بها من سلطان ... لا تغني عن الحق شيئاً، ثم يضعه أمامَ حقيقتِه الثابتة التي ذكرناها سابقاً في الحلقات الماضية ... بأنه المخلوقُ المكرّم على سائر المخلوقات ... وأن اللهَ أسجدَ إليه ملائكتَه ... متمثلاً في شخص أبيه آدم عليه السلام ... وقد شرّفه الله بالخلافةِ ليقومَ ببنيان الحضارةِ على أسسِ العدالة ...
وقلنا أنه الكائن الوحيدُ الذي شرّفه الله بالعقل والتفكيرِ والقدرة على إدارةِ الأمور قال تعالى: { وعلم آدمَ الأسماءَ كلها }، نعم علمه الله كلَّ الأسماء { ثم عرضهم على الملائكةِ فقال أنبئوني بأسماءِ هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم }، وقال تعالى: { علم الإنسان ما لم يعلم } ... وقال أيضاً { ولقد كرّمنا بني آدم } ... وقال أيضاً: { وفضلناهم على كثيرٍ ممن خلقنا تفضيلاً } إذن ... فالله عزّ وجلّ عرّف الإنسانَ بقصةِ نشأته وأعلمه أنه مخلوقٌ تافه من حيث النشأة، قال تعالى: { هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً } ...
فهو لا شيءَ بالنسبة حتى لوجودِه من ماءٍ مهين ... من تراب ... من طين لازب ... ثم عرّفه بأنه قد نفخَ فيه من روحه وأعلن أنه كرّمه ... ثم جمع بين الأمرين في قوله: { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم .... ثم رددناه أسفل سافلين ... إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات } ... إلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 19
الحمد لله رب العالمين ... وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه الحلقة التاسعة عشر من برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في الحلقة الماضية أن الإنسانَ في ذاتِه عبد مملوك لله تعالى خُلق من ضَعف، وينتهي إلى ضعف ... ولكنه نظراً للرسالةِ التي حمّله الله إياها يتمتعُ بصفاتٍ نادرة خصّه اللهُ بها...
وعن ذلك قال تعالى: { إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً } ... أورث الله الإنسانَ العقلَ والتفكير، وسخّر له كثيراً من الحيوانات والمخلوقات ... وغرس في كيانه حبَّ الذات ... والأنانية ... حبَّ التملك ... حريةَ اختيار الأشياء ... زوده بالطاقة والقوة ... والتخطيطِ والترتيب ... والقدرةِ على اتخاذِ القرار بعكس ما تقتضيه الغريزة ... وهذا أمر لا يتوفر في باقي المخلوقات ... والواقعُ أن هذه الصفاتِ التي تمتعُ بها الإنسانُ هي فيوضاتٌ من صفاتِ الربوبية ... أنعم الله بها على الإنسان ... ليستعينَ بها على القيام بمهمته ... هذه المهمةُ هي في قوله تعالى: { هو أنشأكم من الأرضِ واستعمركم فيها } ...
وحاصل هذه التبصرةِ والرؤية عن عنصر الحضارةِ الأبرز (الإنسان)؛ أن الإنسانَ الذي يعيشُ وهو لا يدركُ إلا ضعفَه وعجزَه وتفاهته وهوانَه، وهو أنه ... مع مرورِ الوقتِ يركنُ إلى الضعفِ والذل والهوان ... ويكون ضحيةً لأي طغيان ... ويستخفُ به الناس ... وتراهُ لا يعرف كيف ينقلُ نفسَه من حالِ ذلها هذا ... ذلك لأنه يعيش فيه ... في داخلِه ... وتراه عاجزاً ... عن القيامِ بأي خدمةٍ إنسانية ... وعاجزاً عن القيامِ بأي بنيانٍ حضاري ... يعيش على هامشِ الحياة ... وأيضاً من عاش ... وهو لا يعرفُ من ذاتِه إلا صفاتِ التكريمِ التي في كيانه ... وما يعطيه الحقَّ بأن يبسطَ نفوذه وسلطانَه على كل ما حوله وما دونه ... حريٌّ به أن يسكرَ بنشوة تلك الصفاتِ التي هي فيوضاتٌ من صفاتِ الربوبية ... ثم يبسطَ قهرَ ربوبيته الزائفة على سائر المستضعفين ... وهنا يكمنُ التطرُفُ في حالة الإنسانِ الأول ... إلى الذلِّ والمهانة ... والخضوعِ، وفي حالة الإنسانِ الثاني إلى الصلفِ والتجبُّر. وانطلقتِ القصةُ كلها من أنه لم يفهمْ هويتَه بشطرَيها الأرضي والعلوي ... وبالتالي لن يعيَ مهمته الحضارية الملقاةَ على عاتقه ... ونلاحظُ أن القَصصَ القرآني كثيراً ما ذكر هذه الحالة الإنسانية ... قال معبراً عن حالةِ فِرعونَ وكبْرِه وحالِ قومه معه: { فاستخفَّ قومَه فأطاعوه } ... فهو يرسمُ صورةً لاستخفافِ فرعونَ بالناسِ وتكبرِه عليهم ... وذلك لشعوره بتكريمِه ... وعدم الانتباهِ للشطرِ الأول من حقيقتِه التي تتمثلُ بتفاهته وضعفِه ... وكذلك قومُه يرسمون صورةً أخرى أطاعوه من خلالها ... هي استشعارُهم لحقيقةِ ضعفهم ومهانتهم ... وعدم انتباهِهم للشطر الثاني من حقيقتهم التي تتمثلُ بتكريمِ الإنسان ... وفيوضاتِ صفات الربوبية التي متّعه الله بشيءٍ منها ... فما فسدت هذه الأرضُ يوماً بسببِ كوارثَ طبيعيةٍ ... ولا بسوءٍ ألمَّ بها من هياجِ الحيواناتِ والوحوش ... وإنما استشرى بها الفساد ... يوم تاه بنو آدم عن هويتهم بشقّيها ... فتألّه الأقوياء ... وذلَّ الضعفاء ... وخرج بذلك كل فريقٍ عن حدودِ إنسانيته، الأول نحو التعالي والتجبرِ على الأرض ... والعتوِّ والطغيان ... والثاني نحو الخنوعِ والخضوع وتقبلِ الهوان ... فتقطعت سبلُ التعاون ... وظهرتِ الحروب ... وكثرتِ الضغائنُ بين الناس ... وكثرَ الحسدُ والحقد وهكذا دائماً في الماضي ...
والحاضر ... وفي المستقبل ... في الغرب ... والشرق ... وفي الشمال والجنوب ... هكذا دائماً هي قصةُ الفساد ... يتعددُ شكلُ الفسادِ ويتنوّع ... إلا أن جذورَه هي هذا الضياعُ عن الهوية ... إذن أول تنميةٍ بشرية كانت للجيلِ الذي بنى وأسس للحضارةِ الإسلامية ... كانت تعريفَه بهويته، وإلى اللقاء في الخلقة القادمة إن شاء الله تعالى، واسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3048
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 20
الحمد لله وحده ... والصلاة والسلام على من لانبي بعده ... وعلى كل مؤمن اتبع هديَه. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه الحلقة العشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد شرحنا في المرةِ الماضية كيف عرّف القرآنُ الكريم الإنسانَ بهويتِه ... كيف كانت تنميتُه الفكرية المعرفية عن الإنسانِ وهويته .... ولننتقلِ اليوم إلى تعريفِ العنصر الثاني من عناصرِ الحضارة، وهو الحياة ... والتي نعبّر عنها عادةً بالعمُر ... ومن المعلوم أن أشدَّ ما يتعلق به الإنسانُ من دنياه إنما هو عمرُه ... أي حياته التي يتعلق بها ... والإنسانُ يعمل ويكدحُ في سبيلِ رزقٍ أو بناءِ دارٍ أو من أجلِ كساء ... أو التلذذِ بطعام ... كلُّ ذلك يعدّ سبباً للعناية بعمرِه وحياتِه ... بغية أن يبقيَ على حياته أكبرَ قدرٍ ممكن ... قال تعالى: { وجاءت سكرةُ الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد }...
والواقع أن الحياةَ أقدسُ رأسِ مالٍ يملكه الإنسانُ على الإطلاق ... فالغريزة منطبعة على حبِّ البقاءِ في أصل النفس الإنسانية ... وخلقَ الله الحركاتِ المنعكسة اللاإرادية لتأمينِ المزيدِ من الحمايةِ للحياة الإنسانية كالحركة الانعكاسية التي تعملُ بدون أي قصد ... فعرّف القرآنُ الإنسانَ على حقيقةِ العمرِ الذي يتمتعُ به من حيث البدايةُ والنهاية ... والأحداث التي تنتظر الإنسانَ بعد الحياة ... فبعد جوهرِ الإنسان يأتي أهمية الحياةِ أو العمر الذي هو رأسُ مال الإنسان، قال تعالى: { إنما الحياة الدنيا لعبٌ ولهو ... وزينة وتفاخر بينكم ... وتكاثرٌ في الأموال والأولاد } ... ويقول أيضاً: { لا يغرّنك تقلبُ الذين كفروا في البلاد متاعٌ قليل ثم مأواهم جهنمُ وبئس المهاد }، ويقول أيضاً: { قل متاع الدنيا قليل والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }، ويقول أيضاً: { ولكم في الأرضِ مستقرٌّ ومتاع إلى حين }.
فيسلط الضوءَ كثيراً عن تفاهةِ هذه الحياة الدنيا ... وصغرِها وقصر طولِها، يقول تعالى: { ويوم يحشرهم كأنْ لم يلبثوا إلا ساعة من نهار }، ويقول تعالى: { كلا بل تحبون العاجلة } ... كل ذلك تعريفٌ على تفاهةِ هذه الدنيا ... وقصرها ... ولو بقي القرآنُ لا يذكرُ إلا هذا الجانبَ من الحياةِ الإنسانية ... ولا يعترفُ إلا بهذا الجزء منها ... لكان الإنسانُ لا يقيم وزناً لحياته ... ولا يهتم بساعاتِ عمرِه ... الذي يمر به، ولكان الإنسانُ لا يرعى حياتَه ... مادامت بهذه التفاهة ... وربما فكّر بإنهائها والخلاصِ منها ... وربما قال ما ينتجُ عن التافه من الأمور هو تافهٌ أيضاً ... لكنِ القرآنُ لم يقتصرْ على هذا الجانب، بل عرّف الحياة الإنسانية: { من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناسَ جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً }، وقال أيضاً: { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة }، وقال أيضاً: { من عمل صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينَّه حياة طيبة } ... وقال أيضاً: { ولكم في القصاصِ حياةٌ يا أولي الألباب }، { ولا تنس نصيبَك من الدنيا وأحسنْ كما أحسن الله إليك } ... بل أكثر من ذلك، فقد رخّصَ الله للإنسانِ للحفاظِ على حياته عند الإكراه ولو أدّى به أن ينطقَ كلمة الكفر: ( ... إلا من أكره وقلبُه مطمئنٌ بالإيمان } ... وحذّره بأن يزهقَ روحه مهما كانت المخاطرُ والبلاءات التي به، ولا يجوز له أن يقدِم على الافتخار ... كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم.
والحقيقة أن المعنى الأول ... الذي يشيرُ إلى قصرِ الحياةِ وتفاهتها هو الذي ينبِّه إلى المعنى الثاني ... أن الحياة هي رأسُ ماله الذي عليه استثمارُه، وأن معنى الحياةِ الطيبة هو الذي ينبهُه لكي لا ينفرَ منها ولا يتعلقَ بها ... فلو لم يعرّفِ الإنسانَ ضالةَ الحياة التي يمرُّ بها لما أفادَه شيئاً علمه بأنه رأسُ مالٍ عظيم متّع اللهُ به الإنسان ... ولو لم يفهمْ أيضاً معنى القدسيةِ فيها وحرفتَها لما فهمَ من معاني تفاهتِها سوى التخلصِ منها لأي ضيقٍ يصيبُه أو محنةٍ تنزلُ به، وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3049
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 21
الحمد لله رب العالمين حمداً طيباً مباركاً فيه ... ملء السموات وملء الأرضين ... والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه الحلقة الحادية والعشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد ذكرنا في الحلقة الماضية أن تعريف القرآنِ التنموي لحقيقة هذه الحياة ... ولجناحَي هذه الحقيقة ... أن الحياةَ تافهة قصيرة ... وبنفسِ الوقت هي رأسُ ماله الذي يقدِم بها غداً على الله تعالى ... فكان من نتيجةِ هذه الرؤية المتكاملة ... لا المتشاكسةِ كما يظن الناظرُ بشكل سطحي ... كان من نتيجة ذلك أن رسم من تلقَوا هذه التنمية واصطبغوا بها من الرعيل الأول ... رسموا حضارة إنسانية مثلى ... الخنساء شاعرة من شعراءِ العرب منذ الجاهليةِ قبل الإسلام، فراحت تملؤ الدنيا صراخاً وعويلاً ونحيباً لفقدها أخيها ... وراحت تندبُ وتحزن عليه وحدّثت نفسَها بالانتحارِ، وقالت:
ولولا كثرةُ الباكين حولي على إخوانهم لقتلتُ نفسي
فلما شرّفها الله بالإسلام ... وأقبلتْ إلى القرآنِ تُصغي ... وتتعرّف على حقيقةِ الدنيا بشطريها كما قلنا، وأنها معبَرٌ لمستقر ... وكان لها أربعة أبناء ... فلما كانت حربُ القادسية ... دفعتْ بهم جميعاً إلى المعركةِ وقالت لهم توصيهم: ( يا بَنيَّ ! إنكم أسلمتم اللهَ طائعين، وهاجرتم مختارين، واللهِ الذي لا إله إلا هو إنكم لبنو رجلٍ واحد وامرأةٍ واحدة، ما خنتُ أباكم ولا فضحت خالكم، وقد تعلمون ما أعدّ الله للمجاهدين، امضوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله على أعدائه مستنصرين ) .... وبعد أنِ انجلت غبارُ المعركة؛ جاءها النبأ بمقتل واستشهادِ أبنائها الأربعة ... فكيف استقبلتِ الخبر ؟!! تلك التي ملأتِ الدنيا عويلاً على مقتلِ أخيها صخر .... لم تزد على قولها: ( الحمد لله الذي شرّفني بقتلهم جميعاً، وأرجو اللهَ أن يجمعني بهم في مستقر رحمته ) .... وهكذا كان حالُ جميعِ الذين ضحَّوا بحياتهم من أجل المثل القدسية العليا ... وهذا سر اللغز في الفتح واستبسال المسلمين فيها ... فاستبسال المسلمين في القتال من أجل الهدف الأكبر الذي تم اليقين به ... على حين أن مصدر استبسال عدوهم ... لم يكن إلا حرصهم على تلك الحياة وشدة تعلقهم بها .... والخوف على ما استمرؤوه من نعيمها ولذائذها ... وشتان بين من يقاتل مستهينا بالحياة وما فيها ... ومن يقاتل متعلقا بالحياة ومتاعها وهكذا تمت تنمية ذلك الجيل ...
بدؤوا بداية فصححوا مفاهيمهم المغلوطة عن معنى الحياة الدنيا ... بعد أن صححوا مفهومهم حول ذواتهم ...وبدؤوا يتعاملون مع هذه المفاهيم على وهم ... كما قال تعالى عن أولئك الذين لم يعوا هذه الحقائق ( يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا)... صورة مقابلة أخرى في حالة أخرى واحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه عمران بن حصين رضي الله عنه ... أصاب هذا الصحابي مرض ألزمه الفراش اثنين وثلاثين سنة... وأي فراش إنه قد اضطجع لمرض الم به في ظهره على سرير من سعف النخيل ... جريد النخل... ضجعة واحدة اثنين وثلاثين سنة لا يتحرك قبيل وفاته دخل عليه أخوه العلاء ...فبكى العلاء فبكى العلاء عندما رأى أخاه عمران... فقال عمران المريض المصاب للعلاء ما الذي يبكيك يا أخي ... قال هذه الحالة التي أنت عليها منذ أكثر من ثرثين سنة ... وقد أصبح مهزولا ضعيفا مجموعة عظام يغطيها الجلد... فأجابه عمران ... إن أحبه إلى الله أحبه إلي أليس الله هو الذي اختار لي هذه الحالة ... إذن أنا صابر بل أنا شاكر لم يكن ضجرا من هذه الحياة التي يحياها ... لم يكن مكتئبا بل قال (إن أحبه إلى الله أحبه إلي) ... ما الذي يجعل عمران بن حصين يضن بحياته ... يصبر رغم كل الصعوبات ... فهمه لحقيقة الحياة ... الخنساء تضحي بحياة أولادها الأربعة ... وعمران يعانق الحياة كأنه شاب في ريعان شبابه ... هذا ما يورثه فهمهم للحياة الدنيا ... حقا الدنيا مزرعة الآخرة أو كما قال صلى الله عليه وسلم ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3051
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 22
الحمد لله رب الأرض والسما ... والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى ... وأخصّ منهم سيدَنا محمداً وآله وصحبه أجمعين. إخوتي وأخواتي ... أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه الحلقة الثانية والعشرون من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... بعد أن تكلمنا عن عنصرّي الحضارة (الإنسانِ والحياة)، بقي أن نتكلمَ عن العنصرِ الثالث المكوِّن للحضارة، وهو الكون من حولنا ... فنجدُ أن القرآنَ الكريم يعرّفنا على هذا العنصرِ الأخير بحديث من أربعة جوانبَ أساسية: أولُ هذه الجوانبِ التي يربّي وينمّي القرآنُ الإنسانَ على حقيقتها أنها لسانٌ ناطق، وبيانٌ قاطع ... ينادي كلَّ من يفهمُه ... وينادي كلَّ ذي عقلٍ وفكر ... أنّ هذه المكوناتِ من حولنا من صنعِ صانع ... وتدبيرِ مدبِّر ... فهو عنوانٌ بارزٌ واضح ... على وجودِ هذا الخالقِ والصانع ووحدانيته، وكمال صفاته ... لأنك أخي المستمع عندما تتأملُ في هذه المظاهرِ الكونية تجدُها منطويةً على أبرزِ مظاهرِ الحكمةِ في الابداع ... ابتداءً من أصغرِ مخلوق ... إلى الأجرامِ السماوية العملاقةِ الكبيرة ... من الذرةِ وحتى الأفلاك ... في النبات ... وأسرارِه ... وعالمِ الحيوان وعجائبِه ... وعالمِ البحار وغرائبِه ... في الجبال ... في الوديان ... { قل انظروا ما في السمواتِ والأرض } ...
وقال تعالى: (أوَلم يرَ الذين كفروا أن السمواتِ والأرضَ كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماءِ كلَّ شيءٍ حي أفلا يؤمنون وجعلنا في الأرضِ رواسي أن تميدَ بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون } ... وقال أيضاً: { وهو الذي خلقَ الليلَ والنهار والشمسَ والقمر كلٌّ في فلك يسبحون } ... وقال أيضاً: ( إن الله فالقُ الحبِّ والنوى يخرج الحيَّ من الميت ومخرجُ الميتِ من الحي ذلكم الله فأنّى تؤفكون، فالقُ الإصباح وجعل الليلَ سكناً والشمسَ والقمر حسباناً } ... والكثرَ الكثير من الآيات ... والتي تدل على أن هذه الآياتِ التي تتحدث عن هذه المظاهرِ الكونية تأتي في سياقِ الاستدلال على وجودِ خالق هذا الكون جل جلاله، ونحن نلاحظ أنه لا بد من هذا التأملِ، وهذا التبصرِ بما حول الإنسان من آياتٍ كونية ... لتورثَ يقيناً وإيماناً بوجودِ خالقِ هذا الكونِ ومدبرِه جل وعلا، وهذه الخطوةُ الأولى الضرورية إحداثُ أولِ خطواتِ التنمية الإنسانية الرشيدة؛ بغيةَ تكوينِ الأسرةِ الإنسانية السليمة ... أو ـ إن شئت ـ قيامِ الحضارة الإنسانيةِ المثلى ... فمن دون هذه الخطوةِ الأساسية التي تعدُّ بالنسبة إلى ما يليها بمثابةِ الجذورِ من الشجرة، لا يستقيم شيءٌ من الخطواتِ أو المراحلِ التالية على أي نهجٍ مفيد .. إذ من الطبيعي أن الإنسان لن يلقيَ أذناً صاغية إلى التعليماتِ التي يتلقاها عن هويته وحقيقة العمرِ الذي يحياه ... وكيفيةِ استفادتِه من المكوَّناتِ التي حوله على الوجه الصحيح ... إلا إذا وقرَ في عقله ولبِّه أن الذي يصدِر إليه هذه التعليماتِ وهذه الأوامرَ إنما هو خالقُ هذا الكونِ كله ... ربُّ العالمين الواحدُ الأحد ... من له صفاتُ الكمالِ كلها ... ونلاحظ أن العميلةَ التنموية ... وإن شئت قلت: التربوية ... وإن شئت قلت: المعرفية ... وإن شئت قلت: الحضارية ... تنطلق مع انطلاقتِها الأولى التي تتمثلُ بالإيمانِ بالله تعالى القائمِ راسخاً في أعماق الإنسان ... والذي يأتي بعد محاكماتٍ ذهنية منطقية، وإزالةٍ لكافة الشكوك ... ولكل بيئةٍ إشكالاتُها وشكوكها، وقديماً قال ذلك الأعرابي في ذلك السياق: ( البعرةُ تدلُ على البعير ... والأثرُ يدل على المسير ... لسماءٌ ذاتُ أبراج ... وأرضٌ ذات فجاج ... ألا تدل على الصانعِ الخبير ؟!! )، ولقد بيّن القرآنُ مصرحاً بأن الإيمانَ بالله تعالى وما يتبعُه من عقائدَ لا يمكن أن يبنى إلا على أساسٍ من الحرية الشخصية ... والتفكير والدراسة التي لا يمكن أن تنشأ في مناخٍ لا تسود فيه الحريةُ الفكرية والشخصية، فقد قال تعالى: { لا إكراهَ في الدين قد تبيّن الرشدُ من الغَي } ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
http://annajah.net/arabic/show_article.thtml?id=3054
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 23
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمداً طيباً مباركاً ... كما ينبغي لجلال ربنا وجمالِه وكماله ... وكما يحب ربنا ويرضى ... وأفضلُ الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الثالثة والعشرون من حلقات برنامج: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد وصلنا في كلامنا عن العنصرِ الأخير من عناصر الحضارة، وهو الكون, وقلنا أن القرآن ... قد سلّط الضوءَ على أربعةِ جوانبَ من الكون؛ أولها: أن مظاهرَ المكوَّنات تدل على المكوِّنِ ووحدانيته واتصافِه بصفاتِ الكمال.
وسنشرح اليوم الجانبَ الثاني من المعرفةِ القرآنية عن الكون ... وهو يلي مباشرةً الجانبَ الأول في الأهميةِ والتريُّث؛ وهو أن القرآنَ ينبِّهُ الإنسانَ أن جُلَّ ما يراه من حولِه من أشياءٍ ومخلوقاتٍ ومظاهرَ كونيةٍ ...إنما هو مسخّرٌ من قبَلِ اللهِ عز وجل ... لخدمةِ الإنسان ... وتدبيرِ أسباب عيشِه ... وتحقيقِ شروط رفاهيته وأمنِه ... وعلى الإنسانِ أن يُعمِلَ فكرَه وعقله للبحثِ والنظرِ فيها ... وهذه المكوَّنات والمخلوقاتُ خاضعةٌ للتأمُّلِ والبحث ... بل أكثرُ من ذلك هو مكلفٌ بالتأملِ والبحث فيها ... ويلفت نظرَ الإنسانِ إلى أن أكثرَ هذه المظاهرِ الكونية خاضعٌ للتطويرِ والتحوير حسبَ ما يقتضيه السيرُ مع مصلحةِ الإنسان ... إذا ما اتجه الإنسانُ بما أوتيَ من فكرٍ وقدرات إلى ذلك ...
لنتأملْ في هذه الآيات: { ألم ترَوا أن اللهَ سخّر لكم ما في السمواتِ وما في الأرض وأسبغَ عليكم نعمَه ظاهرة وباطنة ومن الناسِ من يجادل في الله بغيرِ علم ولا هدى ولا كتابٍ منير }، ولنلاحظْ عبارة: ( سخّر لكم ) ... ويقول تعالى أيضاً: { هو الذي أنزلَ من السماءِ ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تسيمون يُنبت لكم به الزرعَ والزيتون والنخيلَ والأعناب ومن كلِّ الثمرات إن في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون }، ويقول تعالى أيضاً: { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً } ... ذللناها لكم ... مكناكم ... سخرنا لكم ... كلماتٌ تدل على الخضوعِ والخدمة ... هذا يدلنا على أن اللهَ تعالى قد أخضعَ الكونَ وسخره لخدمةِ الإنسان ... نظامُ الأفلاكِ وحركتها ... نظامُ الكواكب ... الأرضُ ودورانُها ... السحبُ وأمطارُها ... المياه ... البحار ... الدواب ... الأنعام ... الرياح ... النبات ... الأشجار .... حتى تصلَ نقطةُ الماء هذه ... صافيةً عذبة ليتذوقَها الإنسان ... حياةٌ آمنة ... نظامُ الإمطار ... الشمسُ وأشعتها ... القمر ... نظام المدِّ والجزر ...
نعم الأمرُ واضح ... أذلَّ الله هذه المكوَّناتِ لخدمة الإنسان ... ومكّن الإنسانَ من معرفةِ هذه الأنظمةِ التي تعملُ بموجبِها ... والأكثرُ أن الله قد مكّن الإنسانَ من الدخولِ إلى نظامِ عملها للتحكمِ بها وتطويرِ عملها ... واستخراجِ الجديد من وجوه الفائدةِ منها ... وهذا واضح. أما التمكينُ فهو يدلُّ على التحكمِ أكثر، واستغلالِه على الوجهِ الذي يريد ... والآياتُ تدل بشكلٍ واضح جلي على أن الله تعالى أخضعَ هذه المكوَّنات لكلا القدرتين: (العضلية والفكرية) في الإنسان ... أذلها لكثيرٍ من آمالِه ومطامحه ... تجدُ البغالَ والأبقار بل حتى السباعِ الخطيرة ... التي تفوق قدرتَها وطاقتها ومع ذلك تنقاد لطفلٍ صغير ... وهنا بشكل واضحٍ يبيّن لنا اللهُ تعالى أن هذه المكوَّناتِ المختلفةَ ليست إلا خدماً وحشماً له. فهي تنتظر إشارتَه وتسعى في خدمتِه ورعايته ... فقد تميّز عنها بالعقل والعلومِ التي هي تحت سلطانه ... مما يجعله يبدّد عنه آثارَ أيِّ وَحشةٍ أو ظلام، وبهذا نعلم أن العلاقةَ ما بين الإنسانِ وهذه المكوَّناتِ لم تكن يوماً ما علاقةَ تحدٍّ وصراع ... لا في الماضي ولا في الحاضر ... ولا عبر التاريخ ... وما كان الإنسانُ في يومٍ من الأيامِ في حالةِ صراعٍ مع هذه المكوَّنات ... بل كلُّها مسخرةٌ له ولخدمته بواسطة أسبابِ العلم والمعرفة ... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 24
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... حمد الشاكرين العارفين ... والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه. أعزائي المستمعين ... إخوتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد ...
فهذه هي الحلقة الرابعة والعشرون من حلقات برنامجكم: [التنمية البشرية بين المادية والروحانية] ..... وقد قلنا في تعريف العنصر الثالث من عناصر الحضارة ( الكون ): أن هذا الكون يدلك بمظاهره ودقائقِ تفصيله على خالقِه العظيمِ الواحد، وأن هذا الكونَ مسخرٌ للإنسانِ وخدمته وحاجياته، ومع ذلك فإن القرأنَ استثنى طائفةً من الظواهرِ والأنظمة الكونية من عمومِ هذا التسخير للإنسان ... وأكد لنا القرآنُ أن هذه الطائفةَ مستثناةٌ وباقية عصيةً على أي تبديلٍ وتغيير ... فهي لا تدخلُ ضمن ما سخّره الله للإنسان ... وأذله له ... وأخضعه لإمكاناتِه الفكرية أو قدراتِه العضلية ... من هذه المظاهرِ الكونية الموتُ الذي جعله الله قضاءً مبرماً في حق كلِّ من دخل في عالم الأحياء ... فليست هناك أيُّ سبيل للتحررِ منه، والقضاءِ عليه مهما كانت الوسائلُ والأسباب ... وليس من سبيلٍ لصرفِ الموت على من نزل بساحته ... وليس هناك أيُّ تصورٍ لنجاةِ الإنسانِ من الموت، بل هو مدركُه لا محالة ... يقول تعالى: { أينما تكونوا يدرككمُ الموتُ ولو كنتم في بروجٍ مشيدة }.
ومن هذه المظاهرِ الكونية التي هي عصية على التغيير؛ الضَّعف الذي يمرُّ بالإنسان ثم إلى القوة ثم إلى ضعفٍ وشيبة ...هذا قانونٌ لا يتغير: { الله الذي خلقكم من ضَعف ثم جعل من بعد ضَعف قوةً ثم جعل من بعد قوةٍ ضعفاً وشيبة }.
من ذلك أيضاً التنكيسُ في الخَلق: { ومن نعمِّرْه ننكِّسْه في الخلقِ أفلا يعقلون }، وأيضاً من ذلك حركةُ الأفلاك: { لا الشمسُ ينبغي لها ان تدركَ القمر ولا الليلُ سابقُ النهارِ وكل في فلك يسبحون } ... ثم أوضحَ القرآنُ أن التطويرَ والتبديل والتغييرَ يخضعُ لقانونٍ عام يخدمُ مصلحةَ الإنسان، فهناك انسجامٌ بين المتغيراتِ والثوابت، والمتغيراتُ تدور في ساحةِ النظام العام الثابت ... فهذا البيانُ الإلهي ... القرآنُ يدل الإنسانَ على ما لا يمكن محاولة تغييره ... ولا فائدةَ في إضاعة الوقتِ بمحاولة تطويره ... وزحزحته ... ويعرضه على المتغيراتِ التي أخضعها الله تعالى لقدراتِ الإنسان وعلمِه ... ووجودِ الحيلة لديه لذلك ... كي لا يضيعَ عمرَه سدىً دون موجِب ... ولا يذهبَ جَهدُه سدى ... لا يعني هذا أن نغلقَ معاهدَ البحث ... وعن حرمة القيامِ بالدراساتِ والمحاولات العلمية والبحثية ... بل العكس ... عليهم أن يبحثوا ويجربوا ليزدادوا بالنتيجة يقيناً فوق اليقين ... وإيماناً فوق الإيمان ... فإذا عرف الإنسانُ ذلك أيقن أكثر ... ولنا في إبراهيمَ عليه السلام أسوة: { قال ربي كيف تحي الموتى قال أولم تؤمنْ قال بلى ولكن ليطمئنَ قلبي } ... فأراه الله كيفيةَ إحياءِ الموتى ليزدادَ يقيناً، فإذا عرَف الإنسانُ ذلك، وعرف أن هذه المكوَّناتِ مسخرةٌ لخدمته، يبدأ القرآن فينبهُه إلى حقيقةِ قيمتِها وإلى مدى أهميتِها، ويحذِّرُه من أن ينخدعَ بهذه المظاهرِ الكونية ... فيضعُها فوق مرتبته الحقيقية أو دونها على حد سواء ... لا فوق مرتبتها ... ولا دون مرتبتها ... فيعرفُ هذا الذي تستهويه الأعين ... وتتلذذُ به النفس ... سراباً باطلاً ... وظلاً زائلاً ... وخيالاً عابراً ... وأنه يشبه الرؤيا التي يراها النائم ... [ الناس قيامٌ فإذا ناموا انتبهوا ] ...
يقول تعالى: { زينَ للناسِ حبُّ الشهواتِ من النساءِ والبنينَ والقناطير المقنطرة من الذهبِ والفضة ... }، ثم يقول: { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقَوا عند ربهم جناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواجٌ مطهرة ورضوانٌ من الله }، { قل متاعُ الدنيا قليلٌ والآخرة خيرٌ لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً }، ويقول تعالى أيضاً { المالُ والبنونَ زينةُ الحياةَ الدنيا والباقياتُ الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً } ... وهنا يجدُ الإنسان نفسَه إلى ضرورة نبذ الدنيا ... وعليه أن ينفُضَ يديه منها لكن ... سنتابع لكن هذه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
جمييييييييييييييل جدا ولكن مع الأسف فاتنا سماع الحلقات من أول رمضان
بس أختي موزة ممكن تقولي لنا في أي وقت البرنامح؟
تحياتي لك
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 25
الحمد لله رب العالمين...حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه...و أفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين...أعزائي المستمعين : إخواتي وأخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد: فها نحن في الحلقة الخامسة والعشرون من حلقات برنامجكم " التنمية البشرية بين المادية والروحانية " ومازلنا في تفصيل العنصر الثالث من عناصر الحضارة الثلاث (الانسان – الحياة- الكون )...
قلنا أن الكون في تعريف القران ...له وجوه اربعة أساسية:
1- المكونات بدقائقها وتفاصيلها وأجزائها ومركباتها تدل على الخالق الحكيم الواحد ذو الكمال.
2- المكونات مسخرة للانسان مؤتمرة بأمره على أساس علمي وبعضها مكّن الانسان من تطويره وتغييره وبعضها عصّي على الانسان تطويره وتغييره وليس إليه سبيلاً في ذلك.
3- هذه المكونات هذه الدنيا رغم كل مافيها تافهة ... سراب باطل... وظل زائل... وهذه الدنيا هي هينة على الله ومن هوانها قال الله عنها ... [كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربّكَ وما كان عطاء ربّكَ محظوراً]... ويحذرنا الله أن ننخدع بها أو نركن إليها وقلنا ذاك لو أن الإنسان ركن إلى التحذير من الدنيا فقط وعزف عنها لبطل معنى إقامته للحضارة ... -ولما وجدت أصلاً الحضارة الإسلامية على وجه الأرض – وهنا نتكلم عن الوجه الرابع لتعريف القرآنُ الإنسانَ بالكون وهي: أن القرآن يعود فيدفعنا دفعاً... وبإصرار إلى استخدام الدنيا والمكونات التي فيها والاستفادة منها... ويبصرنا بأنها ذات أهمية لإقامة أسباب عيشنا وترسيخ مجتمعنا ... ويحذرنا من تجنبها أو التحرج من التمتع بها ...
قال تعالى: [هو الذي أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها] أي كلفكم بعمارتها ... كلفكم بتشييد الحضارة فوقها... ويقول أيضاً: [قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ]...وقال أيضاً: [هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً] ...ويقول تعالى أيضاً:[يا أيها الذين آمنوا لاتحرموا طيبات ما أحلّ الله لكم]... ويقول تعالى أيضاً:[هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور]...وقال أيضاً: [لاتاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم]...
وهل يتحقق تنفيذ مضمون هذه الآيات إلا بعد أن يقبل الإنسان إلى سائر المكونات فيتعامل معها تعامل المستفيد من خيراتها...المعتصر لمكتشفاتها... المسخر والمستثمر لها...إذن هناك مد وجزر ...مذ يامر الانسان أن يتعامل مع هذه المكونات بكل مايملك وما يستطيع... وجزر بالإحجام عن الدنيا وعدم التعلق بها والتعريف بحقيقتها...الحكمة من ذلك تنموية بحته أن ينغرس في نفس الإنسان القناعة التامة بان هذه الدنيا بكل ما فيها ظل زائل وعرض حائل وسراب باطل ووهم لايجوز الانخداع به، ثم يقبل في سلوكاته عليها متتبعاً خيراتها...مستفيداً من ذخرها لإشادة الحضارة الإنسانية المثلى التي لاتحمل في داخلها أسباب فنائها بل تحمل في داخلها أسباب بقائها...ولايمكن أن يتنبه لهذا الأمر إلا من تربّى وتزكى وتنمّى ضمن المنهج الرباني ...منهج الذي خلق الدنيا ويعلم مضارها ومنافعها وخلق الانسان ويعلم مايصلحه...[ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير]...فلا يمكن لمن لم يقف على هذه الحقيقة من عناصر الحضارة الثلاث وفهم تعريف القرآن لها ولو إجمالاً...لايمكن أن يتوصل لمعرفة السرّ الذي يكمن وراء ازدهار الحضارة العربية الإسلامية... فقد ربي الانسان المسلم من خلال كتاب الله... وهو يتدبره ...على معرفة هويته بأنه عبدٌ تافه في نشأته لكنه مكرّم بفيوضات الله عليه...والحياة قصيرة تافهة صغيرة لكنها رأسماله وعليه المحافظة على رأسماله ووضعه في محلّه ..والحيلولة دون أن يتسرب الخطر إليه...والكون الذي يعيش فيه يدله على خالقه...وأن هذا الكون مسخّر له وممكن من بعضه دون بعضه وان هذه المكونات تافهة مقارنة بالاخرة لكن عليه عمارتها...فيكمل عندئذ في فكر الانسان مفهوم عبوديته لله في هذا الكون والمهمة المناطة به في أوسع عملية تنموية من خلال القرآن وتدبره الذي هو كمسلم ملزم بقراءته دائماً وبذلك أوضحنا جانب من تنمية قوة العقل في باطن النفس وكيفية اعتدالها. وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 26
الحمد لله وحده...والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وكل من اتبع هديه...أعزائي المستمعين: إخوتي وأخواتي:...السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...وبعد فهذه هي الحلقة السادسة والعشرون من حلقات برنامج" التنمية البشرية بين المادية والروحانية "...
فقد تحدثنا إخوتي في مامضي:عن دور التنمية البشرية في إقامة أي حضارة... وأتينا بمثال معاصر يتمثل في الادارة والتنمية المعاصرة ...هي شروط تحقيق الأهداف وتحقيق الحصيلة...ثم عدنا لذكر عناصر الحضارة التي يتعامل معها الانسان معرفياً: الانسان – الحياة- والكون وقد ذكرنا ان الهيئة الباطنة للنفس هي العمود الأساس لحسن الخلق الذي تبنى عليه الحضارة...
وعددنا أركان الهيئة الباطنة للنفس الأربعة التي هي: قوة العقل- قوة الشهوة- قوة الغضب- قوة العدل ... وشرحنا كيف نمّى القرآن مفهوم المعرفة للعقل لاقامة البنيان الحضاري... وقلنا أن الانسان في القرآن مخلوق تافه ، عبد ضعيف، أفاض الله عليه ظلالاً من صفاته وأن الحياة...العمر الذي يتمتع به الانسان في تعريف القرآن له... قصير واجله محدودلاقيمة له ...وهو أيضاً رأسمال هذا الانسان وعليه يتحدد مصيره وقلنا أيضاً أن تعريف الكون في القرآن... هو تامل فيه يؤدي لامحالة الى توحيد خالقه ومعرفة صفات الكمال له...والكون أيضاَ مسخر للإنسان ومكن الانسان من تطوير بعض آلائه وتغييره ..وبعضه عصيٌ على التغيير ... والدنيا هذه بكل مكوناتها تافهة سراب... ظل مؤقت... سيخسرها قريباً... لكن رغم ذلك هي خلقت من أجل الانسان وعلى الانسان استعصار كل أسباب المتعة المفيدة له منها وقد حددها له القرآن...
وقلنا أيضاً أن المعرفة في القرآن من خلال رؤية جامعة... فتكون الاكتشافات الجريئة الفرعية...والعلوم والمعارف الجزئية منتظمة ضمن الرؤية الكلية الجامعة عن الانسان والحياة والكون...لذلك تبنى الحضارة من خلال هذه المعرفة القرآنية.. تنمّي تفكير الانسان أولاً ليدرك ويتصور ويحفظ هذا المخطط البياني للحضارة... فهو في دورة تنموية لابّد منها قبل الدخول الى تنفيذ مهمته في هذا المصنع الضخم الذي هو بناء للحضارة وانظروا كيف ينمّى هذا المعنى في تفكير الانسان بأساليب شتى ليرشح من ذلك على شعوره فينهض سلوكه بما عليه القيام به... فإنه كلما قرأ وتدبر في القرآن أكثر كلما ترسخ هذا المعنى في عقله ووجدانه أكثر... فهو في عملية تنموية مستمر... كل ذلك ليعتدل في قوة العقل...أو قوة العلم... لتستقيم النفس ... ويورث عند ذلك الانسان الحكمة والخبرة في الحياة ... هذه التنمية يتدرّب فيها كل من يقول عن نفسه أنه مسلم يريد أن يطبق إسلامه... فبمجرد أن يقرأ القرآن بتدبر هو يتنمّى شيئاً فشيئاً بهذا الاتجاه ... وأنا لا أنكر أهمية التنمية الجزئية على مهارات ما... يحتاجها في حياته ... يوماً بعد يوم ... في وظيفته في عمله... في إبداعه لكن على أن يكون جزءاً في كلية هذه المنظومة... عند ذلك لن تجد عنده هدف لايتحقق فيه شروط تحقيق الأهداف ...تلقائيا... وبالسليقة... لأنه تعود في تفكيره أن يفكر بطريقة صحيحة وصحيّة استقاها وتعلم فنونها من القرآن الكريم... وما عليه إلا أن يقرأ ويتدبر... عندئذ بعد هذه التنمية لقوة العقل والعلم لديه... لن يتعامل مع هذه الحضارة تعامل العاشق لها المعانق لها... الهائم في لذائذها ونعيمها ... ولن يخدع بزخرفها مهما وصلت...
لما دخلت الكنوز بعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس على الخليفة عمر بن الخطاب محمولة على الجمال طيلة هذه المسافات إلى المدينة المنورة... قال عمر إن قوماً ادوا هذا لأميرهم لأمناء ... ثم قال: اللهم إنك قد منعت هذا الخير (أي هذا المال الوفير)رسولَ الله وكان خيراً مني ومنعته أبا بكر وقد كان خيراً مني... وتعطيني إياه : اللهم إني أعوذ بك أن تمكر بي ... فعمر يعلم أن واجبه أن يقوم بهذا الفتح و أن يوظف هذا الخير بازدهار الحضارة ... لكن لايعده ميزان فضيلة ويستدل بذلك بخيرية النبي صلى الله عليه وسلم وخيرية أبي بكر رضي الله عنه وعليه . وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
-
مشكوووورة أختي موزة على مواصلتنا بالحلقات
تحياتي
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 27
الحمد لله رب الأرض والسما... والسلام على عباده الذين اصطفى...اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ... أعزائي المستمعين...إخوتي..وأخواتي.. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته... وبعد: فهذه هي الحلقة السابعة والعشرون من حلقات برنامجكم " التنمية البشرية بين المادية والروحانية "
وقد انتهينا في الحلقة الماضية من كيفية تنمية قوة العقل والعلم بالمعرفة القرآنية وماهو السبيل لاعتدالها وبعدها عن الافراط والتفريط لكي يصبح الانسان حكيماً خبيراً ... بعيداً عن المكر والخداع ... وبعيداً أيضاً عن الحمق والغباوة ... واليوم سنتحدث عن الركن الثاني من أركان الهيئة الباطنة للانسان والتي هي قوة الشهوة... والتي باعتدالها يكون الانسان عفيفاً وبافراطها يكون الانسان حريصاً شبقاً محباً للدنيا والهوى... وبتفريطها يكون الانسان جامداً ...
وقوة الشهوة هي ملكة جامعة متأصلة في النفس يتلخص فيها كل ما تشتهيه النفس البشرية من شهوة الطعام والشراب وشهوة النظر وشهوة الكلام... وشهوة ميل الذكر للانثى... ولها حكمة عليا في ايجادها.. أوجدها الله في هذا الكيان البشري فإذا فرطت أصبح الانسان حريصاً طماعاً شبقاً ... أكولاً جداً ... نؤوماً ... متعلقاً بالمال... شغوفاً به... وهكذا عند ذلك تتحول الوسائل في حياته الى غايات...فتراه يزجي وقته بتحقيق شهواته ورغائبه ...فلا أحد من العقلاء يجهل أن الغاية من شهوة الطعام دفع الانسان ليأكل فيحافظ على جسمه بالتغذي... ولاأحد يجهل أن الافراط ضارٌّ ضرراً وأيما ضرر ...ولا أحد يجهل أن المال ضروري ليقضي الانسان حاجاته فيه... فليس مقصودا لذاته... بل هو وسيلة يحصل بها الانسان على مايريد... فكيف لو تحول هذا المال لغاية مقصودة بذاته وأصبح الانسان يركض ويلهث لهدف تحصيل المال...ويصبح الطمع سجية هذا الانسان وطبعه الغالب عليه... والعكس صحيح... كيف لو أحجم الانسان عن أي ميل لحب المال وتحصيله ... إذن لتعطلت شؤونه وتعطل معها مهمته في عمارة الأرض التي أناطها الله بالانسان...ولكن غالب شأن الانسان أنه يعاني من افراط في شهوته أكثر مما يعاني من تفريط ...فهو متعلق بما يشتهيه أكثر مما يعزف عنه...
رأى عمر رضي الله عنه مرة رجلاً وقف على باب قصاب..يعني جزّار...لحّام.. يومين متتابعين...فسأله مستغرباً عن سبب شرائه يومين متتاليين اللحم فقال له اشتهينا ياأمير المؤمنين ... فقال له: أكلما اشتهيت اشتريت... مرمى القصة أن الانسان يضر بصحته وبنفسه وبدينه من تنفيذه لمشتهياته دون النظر بصالحه وما يصلح شأنه... ويعود عندئذ من ذلك بأمراض ومشاكل يحتاج معها لمعالجة مشاكل جديدة وقع فيها بسبب ذلك... أما إذا اعتدلت الشهوة ، فيتناول الانسان من دنياه ماينفذ فيه شهوته من دون زيادة.. باعتدال فيفيد ويستفيد...أما اعتدال الشهوة فيحتاج الى شيء من مجاهدة النفس وذلك بربط النعم التي تتراءى للانسان أمامه بمصدرها الحقيقي المنعم عز وجل...مع شيء من منع النفس عنها وأخذ النفس بسياسة شيئاً فشيئاً... من هذه الشهوات شهوة الكلام... وماأدراك عزيزي المستمع ماشهوة الكلام... حتى لترى الانسان يقع بسبب هذه الشهوة ... بالغيبة والنميمة والبهتان ...فالشهوة دافع للفعل... إن استقامت واعتدلت... تعدل الكثير من السلوك بسهولة وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أهمية شهوتي اللسان والفرج فقال: [من يضمن لي مابين لحييه وفخذيه أضمن له الجنة]..وسأل معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحن مؤاخذين بما نتكلم به يا رسول الله ،فقال له عليه السلام: وهل يكب الناس على وجوههم في النار يوم القيامة إلا حصائد ألسنتهم...
أما الركن الثالث من أركان الهيئة الباطنة للنفس فهو قوة الغضب ...هذا ما سنشرحه في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 28
الحمد لله رب العالمين... حمداَ يوافي نعمه ويكافئ مزيده.. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أعزائي المستمعين...أخوتي وأخواتي. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد: فهذه هي الحلقة الثامنة والعشرون من حلقات برنامجكم " التنمية البشرية بين المادية والروحانية ".
ذكرنا في الحلقة الماضية أهمية اعتدال الشهوة في باطن النفس... واليوم سنذكر الركن الثالث من أركان الهيئة الباطنة للنفس وهي قوة الغضب ... وفي الحقيقة أن قوة الغضب في الكيان البشري متع الله الانسان بها لحكمة جلية.. للذود عن نفسه وحماية ما يمت إليه بصلة كعرضه...وشرفه... وشخصيته... ولولاها لتقبل الانسان كل هوان ينزل به ...
وقديماً قال الشافعي رحمه الله تعالى: [من استغضب ولم يغضب فهو حمار] فالحمية من الغضب.. والشجاعة من الغضب.. والنجدة والشهامة كلها من الغضب.. لكنها من وسطية الغضب ..اما افراط الغضب فهو الذي أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم السائل الذي قال للنبي أوصني : قال لاتغضب حتى كررها ثلاث مرات...فالافراط في هذه الصفة يتكون منه التهور والطيش وبتفريطها يتشكل الجبن عند المرء والخور... قال تعالى مادحاً أناساً لأنهم متقون... وصفهم بصفات فيهم فقال: [والكاظمين الغيظ] حازوا على هذه المرتبة من الفضل واستحقوا الجنة لأنهم لم ينفذوا غضبهم... حبسوا غضبهم داخل أجنتهم..وأثنى على آخرين فقال : [وإذا ماغضبوا هم يغفرون] ...إنهم يصفحون عن الناس ...
رغم أن هؤلاء الناس أغضبوهم... وقد جاء في الأخبار عن عمر رضي الله عنه أنه كان وقافاً عند حدود الله ولو استغضب .. جاء في شمائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان لايغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله... إذن للغضب مهمة أن يكون لاقامة الحق ... للدفاع عن حرمات الله ... للذود عن حمى الأوطان ... فالغضب مهمة وأي مهمة ..وأيضاً إكسير طيش وتهور وشؤم ... إن كان لا يضبطه ضابط ...فكم من طلاق يقع بسبب الغضب ..وكم من قتيل وقاتل ... كان المادة التي أوغر الشيطان بها القلوب هو أن مادة الغضب مفرطة لديهم ... وكم من أناس يفتخرون بالغضب ... والحلم كما نعلم سيد الأخلاق ... قال تعالى آمراً بذلك:[خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين] وهنا تكمن ووضوح التنمية الانسانية التي تلقاها أولئك الذين صنعوا الحضارة الاسلامية الراسخة ... فالغضب من الشيطان ... والشيطان من نار...
إخوتي الأعزاء ... كلما ترسخت لدى الانسان المعرفة الانسانية والوجدانية ودرج نفسه بالسلوك... على ضوء ما مر معنا ...كلما ازداد في التنمية الانسانية صعداً ... وحسن خلقه أكثر.. وكلما حسن خلقه ... كان أصلح لأن يكون رجل الحضارة الانسانية المثلى... فمن عرف قيمة هذه الدنيا وعاش على هذا المعنى ... وعلم أن لا قيمة لها ... فما الذي يجعله غضبان... عرف القران الانسان أن [كل شيء هالك إلا وجهه]الا الله عزوجل فهل يحزن على شيء فان ... بل أكثر من ذلك فالانسان المسلم العاقل الذي فهم هذه المعارف واصطبغ وجدانه بمعانيها.. لايمكن أن يحرك قوة الغضب لديه عرض زائل ... عندئذ يكون على منهج النبوة... لايغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله... هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ... لايغضب الا اذا انتهكت حرمات الله ...والأخطر من ذلك أن الغضب ربما دفع الانسان إلى شرور كثيرة... إلى شتم من غضب عليهم... أو الاعتداء عليهم بالضرب ... أو الحسد أو الحقد أو التكبر على عباد الله تعالى ، والغضب أشبه بنبتة في داخل الانسان فكلما كظمه الانسان ذبل وذوى وضعف ... وكلما استجاب لشعور الغضب ... واقتص لغضبه أو أطاع غضبه كلما زاد المرء سوءاً وأصبح يصعب التخلص منه أكثر ويصبح هذا الخلق مصاحباً للانسان ولايستطيع التخلي عنه ...
ولايهدء الغضب إلا تذكر قدرة الله وغضبه ...وذكرالله ... والتعوذ من ناره ... ومعرفة الانسان عبوديته ....فيتواضع حتى يكون الكل في حالة من التسليم والانقياد لله تعالى رب العالمين... وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
-
مشكورة على مجهوداتك أختي موزة
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 29
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم... مالك يوم الدين ... وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أعزائي المستمعين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد: فهذه الحلقة التاسعة والعشرون من حلقات برنامجكم " التنمية البشرية بين المادية والروحانية " ...
في حديثنا عن الهيئة الباطنة للنفس قلنا أن لها أربعة أركان ... قوة العقل و العلم ...قوة الشهوة... قوة الغضب ... ووصلنا الى الركن الرابع وهو قوة العدل : فقوة العقل والعلم ... تنير الطريق وهي تبصر الانسان بطريقه .. فهي تؤثر ضمن قاعدة ( التفكير-السلوك- الشعور) الحالة الانسانية .. تؤثر على التفكير فتنير له الطريق.. أما الشعور فينسجه قوة الشهوة وقوة الغضب وقد مرّ معنا الحديث عنهما... وتأتي قوة العدل لتضبط قوة الشهوة وقوة الغضب على مقتضى ماتقرره قوة العقل والعلم ... والشعور يدفع عندئذ للسلوك على مراد التفكير ... وكلما زاد نمو التفكير صعداً ... وانضبطت قوتا الشهوة والغضب وفق مراد قوة العقل ...أصبح الانسان أكثر استقامة واعتدالاً .
فقوة العدل باعتدالها يكون الانسان عادلاً ويتمتع بصفة العدل أما إفراط العدل أو تفريطه فإنه جور .. فليس له طرفان إلا الجور والظلم ... فالعدل لايناقضه إلا الجور ... وهذه القوة في باطن الانسان الذي تؤدي إلى العدالة في كل شيء ... إذن الهيئة الباطنة للنفس الانسانية لها أربعة أركان : قوة العقل والعلم – قوة الشهوة – قوة الغضب – قوة العدل ... وهي التي ترسم حسن الخلق أو سوء الخلق ... وهي التي تؤدي لفوز النور في الباطن أو فوز الظلام ... وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:[ ألا و إن في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب] ..ونلاحظ كيف عني الاسلام بالتنمية الشخصية لكن في شكلها ومضمونها في عمومها وشمولها ... فعندما باتي أي تنمية في جزئية من جزئيات الحياة يختص بها من تلقى هذه التنمية فإنها تأتي منسجمة كل الانسجام وترى تكاملاً في الصورة بين الجزء والكل ...
بينما التنمية البشرية المعاصرة فإنها تعنى بالجزء حسب هدف محدد ... إن جاءت متوافقة أم متعارضة لايهم ... فنجاحهم ينطبق عليه قول الله تعالى:[ يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا] وهذا يؤدي لديهم الى التناقض الباطني.. يؤدي إلى عدم الاستقرار النفسي... وبالتالي يقع الانسان الغربي فريسة للتناقض الثقافي والمعرفي والتناقض في المشاعر والتناقض في السلوك... أليس التناقض حالة إنسانية إذن فكما يقولون هم في الغرب (تناقض في التفكير – سيعكس تناقضاً في السلوك- وبالتالي تناقضاً في الشعور) ... وطالما أن التنمية ليس لها أي بعد إلا بعداً مادياً فإن النتيجة .. احباط.. فاكتئاب... فأمراض نفسية .. وقد تصل ببعضهم للانتحار ليريح نفسه من هذه المشاعر المزعجة والمضربة ... بينما السلام الباطني كما يقولون فهم يلهثون وراء الحصول عليه... في منعرجات هي أبعد ما تكون عن العلم ... والاسلام كما قلنا هو المائدة العامرة الوحيدة ... الذي يقدم لكل جزء من مركب الانسان ...غذاؤه الذي يطلبه ويحتاجه ... يغذي الروح بغذائها العامرة... وما غذاؤها إلا وصلتها مع عالم الملأ الذي هبطت منها ... ووصلتها مع عالمها أن تسمع في دنياها هذه ذكر الله تعالى ... وأن تعيش حبه والخشية منه كما كانت... لا أن تتكتم الغرائز عليها وتمنع عنها شوقها لمولاها وخالقها جلّ وعلا . وإذا كانت القيادة والروح ... أصبح الانسان من أهل السموّ من اهل القيم ..من اهل الحكمة ... من أهل التقوى... ألست ترى معي أخي المستمع العزيز ان التنمية البشرية المعاصرة قاصرة جداُ عما بلغت شاو التنمية البشرية التي صنعت حضارتنا الاسلامية المثلى.. ولكن هل هذا يجعلنا لانقبل بهذه التنمية المعاصرة التي كما قلنا تتعلق بالشكل دون المضمون ... وعلى صعيدي الأعمال الحديثة والبرامج المعاصرة ... بل على العكس الحكمة ضالة المؤمن ...فآخذ تنميتي في الجزئية بشرط أن أكون على تواصل دائم للتنمية الكلية القرآنية الشاملة ..والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
-
الأستاذ محمد بدرة على إذاعة صوت الخليج 30 والاخيرة
الحمد لله حمداً طيبا مباركاً فيه.. والصلاة والسلام على سيد المرسلين و إمام النبيين و رسول رب العالمين... محمد وعلى آله وصحبه أجمعين... ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أعزائي المستمعين .. إخوتي و أخواتي ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فنحن اليوم في الحلقة الثلاثون والاخيرة من حلقات هذا البرنامج " التنمية البشرية بين المادية والروحانية "
بعد ان صحبتكم وصحبتموني في هذه الحلقات الثلاثنن من هذا البرنامج أختتم هذا البرنامج في هذه الحلقة التي ساذكر فيها سرا من أسرار التنمية... أو إن شئت قلت التربية ...أو إن شئت قلت التزكية ...امتاز به جيل الصحابة فكان واحدهم بعد أن يدخل الاسلام ... بخطوتين أو ثلاث يبدأ يترقى صعداً في مراقي مراتب الاحسان ... ولدى التامل نلاحظ أمرين تجليا في عصر الصحابة رضوان الله عليهم ، الأول من الامرين: أن الدنيا وزخارفها في شبه الجزيرة العربية آنذاك... كانت لاتتراقص كأيامنا هذه .. فلا يكاد يوجد من مظاهرها إلا شيئاً يسيراً ... ولايوجد فيها مايسكر الرؤوس ويعكر استقرار النفوس ويملؤ حياة الناس بالصخب والمادة... هذه هي الميزة الأولى ...
أعود فأقول الميزة الاولى التي متع الله بها جيل الصحابة رضوان الله عليهم هي أن الدنيا كانت بسيطة أيامهم مما يسهل التغلب على التعلق بها ... أما الميزة الثانية: التي متّع الله بها جيل الصحابة ... هم رؤياهم لنور النبوة في شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم ... نورالنبوة هذا يجعل قلب المسلم الداخل الجديد في دين الله تعالى... سرعان ما يحب رسول الله ويتعلق به ويكون قدوة له ومثلاً ... وقد جعله الله على أعلى وصف ظاهر وعلى أعلى صفة باطنة ... حتى أثنى عليه ربه فقال:[ وإنك لعلى خلق عظيم] ...فما كان المسلم بعددخوله الاسلام ... يرى ويشاهد رسول الله ... حتى يزداد تعلقاً بنور الاسلام وهديه وتعاليمه وقرآنه وبنبيه حتى يفتديه بنفسه ...والانسان عادة يحب الجمال والكمال والاحسان ... وكل ذلك قد تجسد في شخص الله صلى الله عليه وسلم ...وإن أحدنا ليشعر باليتم لو تأمل ملياً ...لعدم لقائه رسول الله صلى الله عليه وسلم ورؤيته ...
فهل هناك من سبيل لاستخدام هذا الأمر التنموي ... كيف نعالج النقص في الميزتين اللتين امتاز بهما جيل الصحابة ... يستطيع أحدنا أن يسير على درب هؤلاء الصحابة ... هؤلاء جيل القرآن...اذن يستطيع اي منا أن يسير على درب الصحابة بوسيلتين اثنتين فإن ربنا أجلُّ من أن يكرم جيلاً ويحرم آخرين ... السبيل الأول الى ذلك : ذكر الله ... كيف ... تذكر الله عند كل نعمة ...أدعية الآداب عند كل سلوك ...أدعية الصباح والمساء ... ادعية الخروج من المنزل ..الخ ...الداب على قراءة القرآن فهو أفضل أنواع الذكر... إذن قراءة القرآن وبتدبر ... السبيل الثاني : هو العكوف على دراسة شمائل النبي صلى الله عليه وسلم وتفهمها وتشربها ... شمائله الخَلْقية والخُلُقية ...وتكرار هذه الشمائل ... أعكف على دراسة كتاب شمائل ... وعندئذ صحيح أني لم أره بعيني رأسي ... لكنني كأني أراه ببصيرتي ... ويصبح لي رسول الله مثلي ... وصفاته نور في قلبي ... وعندئذ تبدأ التنمية الانسانية تفعل فعلها بكياني بأسلوب هادئ ولطيف .. ودون الكثير من العناء ... وكلما زدت زاد الله لي .. وصدق الله القائل في الحديث القدسي: ( إذا تقرب عبدي مني شبراً .. تقربت منه ذراعاً ... وإذا تقرب مني ذراعاً تقربت منه باعاً ... وإذا أتاني يمشي... أتيته هرولة)...إذاً هما أمران: العكوف على ذكر الله وتلاوة القرآن ... ودراسة شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم ... وهنا التنمية تراكمية ... والمعرفة تراكمية ...(وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض).. كان الله لي ولكم .. وسدد خطاي وخطاكم ...ورزقنا عوداً حميداً جميعاً إلى سالف عز الأمة ومجدها ... وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
-
جزاك الله كل الخير استاذ محمد
كل عام و انتم بخير و انشالله يكون هذا البرنامج مفتاح دخولك استاذ محمد لعالم الاعلام العربي و العالمي ......اسأل الله ان نراك على شاشة خاصة بإيلاف ترين تزين الشاشات الاعلامية لتكون صرح بناء في عالم التغيير الايجابي....
كل الشكر موصول للشيخة موزة العبدلي على الجهود التي اولتها لتنقل لنا كل جديد و مفيد....جزاها الله عنا خير الجزاء .....تحياتي للجميع
-
تغطية رائعة
جزاك الله كل خير أختي الفاضلة : مــوزة
على هذه التغطية الرائعة والفائدة العظيمة التي استقيتها من هذه
المشاركة الطيبة والثرية بهذا الزخم الهائل من المعلومات القيمة
والشكر موصـــــــــول لمدربنا المتميز : الأستاذ محمد بدرة
على جهوده الحثيثة وخطواته المباركة في مجال التدريب
وفقكم الله وسدد خطاكم لما يحب ويرضى
-
رغم قدامة الموضوع الا انه حديث الهمة والقوة
شكرا جزيلا اختي موزة
والشكر موصول لمبدع القرن الاستاذ / محمد بدرة ، واضع خطاي نحو الانطلاق والتميز
-
موضوع شيق وجميل ومفيد للجميع
وأتمنى أن يدخل عليه جميع المدربون المحترفون
وأن نعمم هذا الموضوع على أمتنا الإسلامية كل في مجاله
وجزاكي الله خيرا أختنا موزة العبدلي على هذا المجهود الكبير
وجعله الله في ميزان الحسنات ونفعك به في الدنيا والآخرة
-
مفيد وواضح
رمضان مبارك،الإستفاذة حاصلة مع الدكتور ولو عبر الأثير
شكرا موزة العبيدلي على التغطية
يوسف
مراكش
المغرب
-
ذكر الله والتعرف على شمائل رسول الله
نعم النصيحة
لك أطيب تحية
-
اكثر من رائع وفقك الله لما يحب ويرضى
-
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك ... لك مني أجمل تحية