عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
التعصب آفة الجهلاء
التعصب.. آفة الجهلاء
تحقيق - منقول احترام الرأي الآخر.. ضرورة وفريضةنعاني من آفة التحيز لمذهب، والتعصب لفكرة، والتشبث برأي. ويؤدي هذا التعصب في كثير من الأحيان إلى الغضب والاختلاف. وتحمل الضغينة نحو الآخرين بعض النفوس التي لم تتعود على المناقشة والتآلف والتكيف مع المختلفين. هذا على مستوى الفرد، أما على مستوى الدول؛ فتقوم العديد من الحروب والمناوشات السياسية بناء على اختلاف الرؤساء والمبعوثين الدبلوماسيين في الآراء، وعدم اتفاقهم على ضرورة العيش المشترك.
ويثور أي نجم مشهور في أي مجال من مجالات الحياة كالرياضة أو الفن إذا ما انتقده أحد من أجل البناء لا الهدم، ويظن أنه ليس بحاجة إلى تعليقات أو انتقادات، وأنه الأفضل. وتدخل الكثير من المعارك الصحفية في الجدال غير البناء؛ لا من أجل الفكرة، ولكن من أجل التعصب للذات، فينشغل الرأي العام بموضوعات ونقاشات ليس لها أهمية.
ونحاول في هذا التحقيق التركيز على أهمية سعة الصدر في التعامل مع الآخر-دينا أو جنسا أو فكرا- ونرصد من خلف الستار التحليل النفسي للشخصية المنغلقة على ذاتها، وكيف يمكن أن تعدل من خُلقها، وتستقوي على ذاتيتها.
سماحة التعامل
يقول محمد علي -مهندس- عن فهمه للسماحة التي أمرنا بها الإسلام في التعامل مع الآخر: "علمنا الإسلام احترام وجهات النظر المختلفة، وتقبلها برحابة صدر، وإن كان الفرد مختلفا مع آخر فليناقشه بالتي هي أحسن، وهذا المبدأ يكفل لي احترام رأيي لدى الآخرين".
ويقول هشام عبد الرحمن -مدرس لغة إنجليزية: "إنني بالطبع أقدر وأحترم الرأي الآخر حتى وإن كان هناك تعارض بينه وبين وجهة نظري، ومن عادتي تقبل المعارضة إلى أبعد الحدود.
ولكن ما يثيرني هو التشدد في وجهات النظر، فأنا أضيق بهؤلاء الذين يسعون إلى فرض آرائهم، وعند هذه النقطة يقف النقاش، ويبدأ أطراف المناقشة في التعصب لذاتهم دون التوصل إلى نقاط التقاء، والتركيز على نقاط الخلاف، والانحياز لها".
كما يتحدث عبد العظيم -مدرس اللغة العربية- عن طريقته في إدارة الحوار مع الآخرين: "إنني أقدر الرأي الأخر إلى أقصى درجة ممكنة، ولا أطغى على الآخر، ولا أحجر عليه، فمهما كان مخالفا لي وغير موافق لمبادئي فإنني أناقشه فيه إلى أن يقتنع برأيي، أو أقتنع برأيه، وقد يبقى الخلاف ويدوم الود، المهم الطريقة التي نتحاور بها".
وتقص لنا مروة عبد القيوم -ربة بيت- حكايتها مع العصبية للذات: "كنت على خلاف مع زوجي دائما لأنه لا يقبل الرأي الآخر، ويظن أن دوري هو التأمين على آرائه أمام الآخرين، وعدم مناقشته أبدا.
وقد أودت عصبيته بنا إلى الطلاق؛ لأننا كنا نتناقش في موضوع (سياسي) بين محيط الأسرة، وطرح هو طرحا، واختنق من آرائي المختلفة، حتى تجرأ وسبني أمام الضيوف، لأني لم أكن امتدادا لآرائه في موضوع عام، الكل يتحدث فيه بحرية!!".
تربية خاطئة
أما عن التفسير النفسي لسبب تعنت البعض لآرائهم؛ توضح د.سحر طلعت -المستشارة الاجتماعية بموقع إسلام أون لاين: "يحب الإنسان احترام رأيه، وقد يفقد الثقة بالنفس إذا لم يتقبله الآخرون احتراما له، ويؤدي الشعور بالظلم والمهانة في التربية إلى تكوين شخصيات غير قادرة على اتخاذ القرار في حياتهم".
وتتفق معها د.داليا مؤمن -أستاذة علم نفس جامعة عين شمس- قائلة: "إن الشخص إذا لم يستطع التعبير عن نفسه يشعر بالإحباط وفقدان الهوية، فلا بد أن يختار الوقت المناسب، والمكان المناسب، والشخص المناسب لكي يجري الحوار حتى لا تظهر هذه الآثار عليه.
والمتعصب لرأيه مصاب بغموض فكري؛ وليس لديه استعداد أن يستمع إلي آراء الآخرين، ويكون ذلك نابعا عن سوء في التربية؛ كالذكور الذين يتم تمييزهم عن الإناث، أو أنه يكون ولدا وحيدا على مجموعة من البنات، ولم يتعود منذ صغر سنه على أدب التحاور مع الآخرين".
الأفكار القوية.. تصمد
ويؤكد د.محمد المهدي -مستشار نفسي بموقع إسلام أون لاين- على أهمية التشبث بالآراء الصحيحة والمبادئ إذا كان الشخص ذا حجة وشخصية قوية؛ مضيفا: "ولو كانت أفكار الشخص هشة، وليست نابعة عن فكر يحس أنه لا قيمه له؛ يستسلم ويصير سلبيا".
ويصف د.المهدي الشخص المتسلط والمتعصب لرأيه: "إنه فقير علميا ولكنه طموح جدا بأن يظهر بمظهر المفكر مثله مثل السطو، فاحذروا التمسك بالرأي فإنه آفة من آفات الجهل، وأثرها يكون سلبا لا على الفرد فقط بل على المجتمع ككل".
ويشير د.عمرو الشوبكي -الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية إلى الشخص الذي يلقى تقديرا من الآخرين: "هناك فرق بين الرأي المبني على فروض نظرية صحيحة، والمبني على فروض أهواء.
فالمبني على قاعدة من المعلومات ووجهة نظر من حقه طرح آرائه، والتشبث بها -خاصة في حالة السياسة- لأنه يحدث داخل المجتمع نوعا من أنواع الجدل والتنوع في الآراء. ولكن في حالة تغير الحقائق التي اعتمد عليها؛ يجب أن يعدل".
ادعاء العصمة
ويرفض د.إبراهيم البيومي لفظ التمسك بالرأي وينعته بالتعصب؛ قائلا: "إن التعصب يميت الأفكار، ويحرم الاجتهادات الإيجابية التي تساهم في التصدي الفعال للمشكلات، والتي تساهم في تطوره؛ لأن الذي يصر على رأيه يدعي العصمة لنفسه، وادعاء العصمة يعني ادعاء الحقيقة.
ويرتكب المتعصب لرأيه خطأ كبيرا في حق نفسه لأنه يحرمها من اكتشاف أشياء صائبة في الرأي الآخر، ولا تتأتى الآراء الصواب إلا باستماع ووضع الأفكار الذاتية على ضفاف البحث، وإلا فهو يحرم نفسه بالدرجة الأولى".
عبر وعظات
</SPAN>التعصب من أسباب النزاع بين الدول
ولقد تحدث القرآن والسنة النبوية عن مبدأ احترام الرأي الآخر. فقد سمع الله جل شأنه دعاء المشركين رغم فساد حجتهم: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام:112).
ويدلل على أهمية احترام الآخر د.عبد المنعم البري -أستاذ الدعوة بكلية أصول الدين جامعة الأزهر- مؤكدا أنه لا يصح أن نأتي على عقيدة الآخرين، وهي أعلى درجات الاختلاف، ولا إلغائها لأنه تعالى هو القائل: {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}(الأنعام:108).
ويأخذ د.البري مواقف من السيرة ليدلل على ذلك؛ حيث "أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لوفد نجران أن يؤدوا طقوسهم في الحرم، وقام المسلمون بحراستهم وخدمتهم لأنهم ضيوف، رغم أنهم كانوا يعلقون الصلبان في الحرم. وقد كان الرسول يحترم آراء الشباب ويأخذ آراءهم، ولا يصادرها لصالح فئة ما".
ويفرق د.عبد الرازق محمد فضل -وكيل كلية اللغة العربية بالأزهر- بين الرأي والهوى، فيقول: "تعني كلمة الرأي اعتقادَ النفس أحدَ النقيضَين عن غلَبة الظن، فالذي يُطلب منه إعطاء رأيه في أمر ما، أصواب هو أم لا، يُجيب بما هو مُستقر في ضميره، إنْ كان المُستقِرُّ في نفسه عن هذا الأمر أنه صواب قال بذلك، وإنْ كان العكس قال العكس، وهكذا.
وأمَّا الهوى فهو آفة الرأي، ذلك أن المَطلوب مِن صاحب الرأي أن يُعلن جهارةً بما هو مُستقر في نفسه ثابت، أن يقول بلِسانه ما يَعتقده قلبه ويَنطوي عليه فُؤاده، وكثير مِن الناس في كل زمان ومكان قالوا ويقولون شيئًا، ومُعتقدهم ومُستقر أفئدتهم شيءٌ آخر.
لذلك كان الأمر القرآنيّ في سورة النساء: {يا أيُّها الذينَ آمنوا كُونوا قوَّامِينَ بالقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ ولو علَى أنْفُسِكُمْ أوِ الوَالِدَيْنِ والأَقْرَبِينَ إنْ يَكُنْ غَنِيًّا أوْ فَقِيرًا فاللهُ أولَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أنْ تَعْدِلُوا وإنْ تَلْوُوا أو تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
وللرأي آفات أخرى غير الهوى؛ فالجهل مع الكِبْر آفة مِن آفات الرأي، ولذلك أوصَى الحُكماءُ المُستشيرَ في حاجةٍ له أن يَستشير حَكيمًا وألاّ يَعْصيه".
المفضلات