نقطة البداية للحياة الجديدة ؟






التوبة النصوح:
إن فرحة الله بعودتكم إليه فوق كل وصف. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ` `لله أفرح بتوبة عبده المؤمن من رجل نزل فى أرض دوية مهلكة . معه راحلته . عليها طعامه وشرابُه . فوضع رأسه فنام نومة . فاستيقظ وقد ذهبت راحلته!! فطلبها . حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش . أو ما شاء الله . قال: أرجع إلى مكانى الذى كنت فيه فأنام حتى أموت... فوضع رأسه على ساعده ليموت . فاستيقظ فإذا راحلته عنده عليها زاده وشرابه . فالله أشد فرحا بتوبة المؤمن من هذا براحلته ` . ألا يبهرك هذا الترحاب الغامر. أترى سرورا يعدل هذه البهجة الخالصة؟. إن أنبل الناس عرقاُ وأطهرهم نفساً قلما يجد فؤاداً يتلهف على لقائه بمثل هذا الحنين. فكيف بخطاء أسرف على نفسه وأساء إلى غيره؟. إنه لو وجد استقبالا يستر عليه ما مضى لكان بحسبه ذلك الأمان المبذول! ليستريح ويشكر. أما أن يفاجأ بهذه الفرحة . وذلك الاستبشار . فذاك ما يثير الدهشة. لكن الله أبر بالناس وأسر بأوبة العائدين إليه مما يظن القاصرون!!.
وطبيعى أن تكون هذه التوبة:
نقلة كاملة من حياة إلى حياة .
وفاصلاً قائما بين عهدين متمايزين . كما يفصل الصبح بين الظلام والضياء.
فليست هذه العودة زورة خاطفة يرتد المرء بعدها إلى ما ألف من فوضى وإسفاف.
وليست محاولة فاشلة ينقصها صدق العزم وقوة التحمل وطول الجلد . كلا.. كلا.
إن هذه العودة الظافرة التى يفرح الله بها هى:
انتصار الإنسان على أسباب الضعف والخمول
وسحقه لجراثيم الوضاعة والمعصية .
وانطلاقه من قيود الهوى والجحود .
ثم استقراره فى مرحلة أخرى من الإيمان والإحسان . والنضج والاهتداء.
هذه هى العودة التى يقول الله فى صاحبها : “وإني لغفار لمن تاب و آمن و عمل صالحا ثم اهتدى” .


إنها حياة تجددت بعد بلى .
ونُقلة حاسمة غيرت معالم النفس . كما تتغير الأرض الموات بعد مقادير هائلة من المياه والمخصبات .


إن تجديد الحياة لا يعنى:
إدخال بعض الأعمال الصالحة . أو النيات الحسنة وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة . فهذا الخلط لا ينشئ به المرء مستقبلا حميدا . ولا مسلكا مجيدا. بل إنه لا يدل على كمال أو قبول . فإن القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير . والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء.


والله عز وجل يصف بعض المطرودين من ساحته فيقول : “أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا و أكدى “ . ويقول فى المكذبين بكتابه : “وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن





قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين “ .
فالأشرار قد تمر بضمائرهم فترات صحو قليل ثم تعود عد ذلك إلى سباتها . ولا يسمى ذلك اهتداء . إن الاهتداء هو الطور الأخير للتوبة النصوح .


إن البعد عن الله لن يثمر إلا علقما . ومواهب الذكاء والقوة والجمال والمعرفة تتحول كلها إلى نقم ومصائب عندما تعرى عن توفيق الله وتحرم من بركته . ولذلك يخوف الله الناس عقبى هذا الاستيحاش منه . والذهول عنه .
قد تكون سائراً فى طريقك فتقبل عليك سيارة تنهب الأرض نهبا وتشعر كأنها موشكة على حطم بدنك وإتلاف حياتك . فلا ترى بداً من التماس النجاة وسرعة الهرب... إن الله يريد إشعار عباده تعرضهم لمثل هذه المعاطب والحتوف إذا هم صدفوا عنه . ويوصيهم أن يلتمسوا النجاة على عجل عنده وحده: “ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين”.
وهى عودة تتطلب كما رأيت أن يجدد الإنسان نفسه . وأن يعيد تنظيم حياته . وأن يستأنف مع ربه علاقة أفضل . وعملاً أكمل . وعهدا يجرى على فمه هذا الدعاء: `اللهم أنت ربى لا إله إلا أنت . خلقتنى وأنا عبدك . وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت . أعوذ بك من شر ما صنعت . أبوء لك بنعمتك على . وأبوء بذنبى . فاغفر لى . فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.