حمد لله القائل ((وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )) ، والصلاة والسلام على نبيه القائل( إذا همّ _أراد_ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة...))، وعلى آله وصحبه أجمعين .

أهمية تنمية ملكة تسلسل الأسباب
من نعمة المولى سبحانه أن جعل لكل حقيقة علامات وأسباب و نتائج ليطمئن إليها العبد في طريقه إلى الآخرة أو الدنيا ، وإذا كان لكل سبب نتيجة ، فكل نتيجة هي سبب للنتيجة التي يليها. وهكذا ، فإن تنمية ملكة تسلسل الأسباب والنتائج ؛ تكون بتدبرهما ومراقبتهما وتحليلهما ، وتمرين الذهن عليهما ... ، وكل ذلك له آثار عظيمة مثل :

1) تشخيص أي ظاهرة أو سلوك .... تشخيصا دقيقا .
2) تطوير وتنمية الذات والقدرات والمهارات .
3) وضع التصورات والمقترحات والتوصيات والحلول - سواء كانت حلولا علمية - عاجلة أو مرحلية أو إستراتيجية - أو عملية ، بجهد أيسر وزمن أقصر .


مثال على أهمية معرفة السبب الأول
مما هو معلوم لدى طلبة العلم أن الجهل والخطأ هما عذران يُرفع بهما الإثم ومع ذلك إذا تأملنا حديث ((ويل للأعقاب من النار )) ، فسوف يبرز سؤال مهم يؤكد أهمية فهم العلاقة التسلسلية للأسباب والنتائج ، فعن عبد الله بن عمرو قال رجعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة حتى إذا كنا بماء بالطريق تعجل قوم عند العصر فتوضئوا وهم عجال فانتهينا إليهم وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء)) .أخرجه البخاري ومسلم وابن حبان في صحيحه وابن خزيمة .

السؤال :
لمــاذا لم يعذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم ؛ بالجهل أو الخطأ بل توعدهم بذلك الوعيد ؟
الإجابـــــة :
السبب الأول : كان الاستعجال في الوضوء .
النتيجة الأولى للسبب الأول : عدم إسباغ الوضوء . وكانت سببا للنتيجة الثانية .
النتيجة الثانية :تتمثل في قوله عليه الصلاة والسلام (( ويل للأعقاب من النار )) .

التحليل :
الرسول صلى الله عليه وسلم نظر إلى السبب الأول الذي نتج عنه عدم إسباغ الوضوء ، وهو العجلة ، فالمسلم مأمور أن يأتي الصلاة وعليه السكينة والوقار ، فمخالفة هذا الأمر أدى إلى الاستعجال ؛ والاستعجال أدى إلى ترك واجب شرعي هو شرط لعمل آخر _الصلاة _ .
ومعلوم عند الفقهاء والأصوليين من ترك واجباً أو فعل محرماً جهلاً ؛ وكان سببه المباشر تقصير في مطلب شرعي كان بإمكانه أن يؤديه ؛ فلا يعذر ؛ ومثاله : رجل كان باستطاعته أن يتعلم الصلاة بشروطها وأركانها وواجباتها ولكنه لم يفعل .
ولتشخيص أي ظاهرة أو سلوك .... تشخيصا دقيقا ينبغي العناية بتسلسل الأسباب وصولا إلى السبب الأول ، فلكل سبب نتيجة ، وكل نتيجة هي سبب للنتيجة التي بعدها ، وهكذا ..

هذا ما يسر الله إذ استخرته والخير ما يسره الله .