العلاقة بين الجسم والعقل
بدأ في الأربعينيات من القرن الماضي تطوير إجراءات معملية في الولايات المتحدة الأمريكية تم فيها تدريب الأشخاص الذين شملهم البحث علي تغير بعض وظائف الجسم اللاإرادية مثل نشاط المخ، وضغط الدم، وتوتر العضلات، ومعدل ضربات القلب. وفي نهاية الستينيات تمت صياغة مصطلح جديد هو " التغذية الاسترجاعية الحيوية " لوصف هذا الأسلوب التدريبي الذي أمكن من خلاله تعليم الأشخاص كيف يحسنون صحتهم و أداءهم باستخدام إشارات تصدر عن أجسامهم. ومن أمثلة الوظائف البيولوجية التي تعلم الأشخاص التحكم فيها باستخدام " التغذية الاسترجاعية الحيوية" : درجة حرارة الجلد والألم (بما في ذلك الألم الكاذب أو توهم الألم)

وفي إحدى جلسات " التغذية الاسترجاعية الحيوية " تم توصيل المتدرب بجهاز يقوم بالتقاط الإشارات الكهربية الصادرة من العضلات وترجمتها إلي إشارة مرئية أو مسموعة علي جهاز " التغذية الاسترجاعية الحيوية ". وفي كل مرة تتوتر فيها عضلات المتدرب، فإن هذا الجهاز يصدر ومضات ضوئية أو صفيراً. وتعطي للمتدرب تعليمات بأن يجد طريقة، سواء من خلال الأفكار أو التنفس،لإبطاء الومضات الضوئية أو أصوات الصفير. وبهذه الطريقة،فأنهم لم يتعلموا فقط الربط بين الإحساسات الصادرة من العضلة ومستويات التوتر الفعلي، ولكنهم تعملوا أيضاً كيف يستخدمون أفكاراً معينة لمساعدة العضلات علي الاسترخاء. ويعتبر هذا من الأمثلة الأولي التي تم فيها استخدام التفكير الإيجابي!

التفكير الإيجابي
وهذه في الحقيقة التي يعمل بها التفكير الإيجابي أو العلاج بالتنويم وبدون أجهزة أو أدوات. ويمكن للمعالج باستخدام طريقة التنويم أن يساعد المريض في السيطرة علي نوبات الربو ويساعد في تعجيل الشفاء بعد العمليات الجراحية أو الحوادث، أو يقلل من الأعراض المصاحبة لحمي القش، ويخفف من التوتر العصبي، وغير ذلك كثير، وذلك بأن يساعده علي الاسترخاء ويدربه علي ما يسميان يركز تفكيره. من الواضح تماماً أننا نستطيع السيطرة إلي حد كبير علي ما يسمي وظائف الجسم اللاإرادية وبدرجة أكبر مما كنا نعتقد في الماضي، والعقل هو آلية التحكم التي تمكننا من تحقي ذلك.

ومعظم الناس لديهم خبرات شخصية تؤكد قدرة العقل علي التأثير في الجسم. فقد تضطر في يوم ما إلي إجراء عرض تقديمي أمام زملائك، ولكن مجرد التفكير في هذا الموقف يجعلك تشعر بالغثيان. وعندما تكون خائفا من الذهاب لطبيب الأسنان، فقد تنام في الليلة السابقة نوماً متقطعاً بسبب ما تحس به من توتر. إن التفكير في حدث سوف يقع في المستقبل قد يؤدى إلي إثارة رد فعل جسماني، رغم أن هذا الحدث لم يقع بعد.
ويعتبر الخوف أقوى جانب من جوانب التفكير يمكن أن يسبب المرض، وهذا لأن القلق يضعف جهاز المناعة.
وإليك قصة عربية قديمة تشرح هذه النقطة بوضوح شديد :
في أحد الطريق الصحراوية، قابل الطاعون قافلة وهو في طريقة إلي بغداد. فسأله الأعرابي المسئول عن القافلة: "لماذا أنت ذاهب إلي بغدد؟"، فأجاب الطاعون: " لكي أقضي علي خمسة آلف شخص". وفي طريق عودته من المدينة، التقي الطاعون بالقافلة مرة أخرى، فصاح فيه الأعرابي في غضب: " لقد كذبت عليّ وبدلاً من أن تقتل خمسة آلاف قتلت خمسين ألفاً! " فرد عليه الطاعون : هذا غير صحيح وأنا لم أكذب عليك لقد قلت لك إنني سوف أقتل خمسة آلاف، وهذا هو العدد الذي قتلته لا أكثر ولا أقل. أما الباقون فقد قتلهم الخوف".

الجسم أيضاً يؤثر في العقل
وليس العقل فقط هو الذي يؤثر في الجسم، بل إن الجسم أيضاً يؤثر في العقل. فعندما تجرح نفسك، مثلاً، فإن هذه الإصابة يمكن أن تؤثر على عقلك ومشاعرك.
ويختلف هذا التأثير تبعاً لخطورة الإصابة، كما أن شخصيتك وخلفيتك الثقافية هما ما يحددان كيفية تكفيك معها. فبعض أنماط الشخصية تتميز بالجلد وشدة الاحتمال وعتبة الألم لديهم أعلى بكثير من الآخرين. وهؤلاء لن يشعروا فقط بأن الجرح أقل إيلاماً بل إن حقيقة أنهم قد جرحوا في حد ذاتها لن تسبب لهم ضيقا أو انزعاجا ً كالآخرين الأكثر حساسية منهم. وعلي العكس من ذلك، فالأطفال الذين ينشئون في ظل ثقافة يكون رد الفعل فيها علي أي جرح أو إصابة بالصراخ والعويل سوف يتعلمون أن الجروح والإصابات الجسدية تسبب ضيقاً وانزعاجاً شديدين، وبالتالي فإن عتبة الألم لدى هؤلاء الأطفال سوف تكون منخفضة جداً، لدرجة أنهم سوف يشعرون بأن الإصابات الطفيفة مؤلمة جداً بالنسبة لهم.
كما إن الجروح التي تصيب الجسم يمكن أن تؤثر علي حالتنا العقلية، فأن الأمراض وحالات الحساسية يمكن أن يكون لها نفس التأثير أيضاً. ففي الوقت الذي يكافح فيه الجسم لصد هجوم المادة الغربية – سواء كانت مادة مسببة للحساسية أو بكتريا أو فيروساً – فإن حالتنا المعنوية تنخفض ونشعر بالإحباط والتشتت والارتباك وبعدم القدرة علي التنسيق أو اتخاذ القرارات. إن الأمراض وحالات الحساسية يمكن بالفعل أن تكون معوقاً للعقل.