أدب الحوار
كلمة الحوار كلمة جميلة رقيقة,تدل على التفاهم والتفاوض والتجانس, وقد ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم, قال تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره) ]الكهف:37[, وقال: (والله يسمع تحاوركما) ]المجادلة:1[؛يوم أن تحاور عليه الصلاة والسلام مع المرأة الضعيفة المسكينة التي تشكو من زوجها,فسمع الله هذا الحوار – وسع سمعه السموات والأرض جل في علاه- . ونحن بحاجة إلى الحوار؛ ليفهم بعضنا بعضاً, نحاور بعضنا بعضاً, ونتحاور مع الاخرين ,فنتحاور مع أبنائنا: (يابني ) ]لقمان:13[ كما قال لقمان عليه السلام , ونتحاور مع اهل الكتاب (قل يا اهل الكتاب تعالوا الى كلمة سوآء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ) ]آل عمران:64[,ونتحاور مع المشركين : (وإن احد من المشركين استجارك اجره حتى يسمع كلام الله ثم بلغه مامنه) ]التوبة:6[.
وثمرة الحوار: الوصول الى الحق,فمن كان طلبه الحق وغرضه الحق وصل اليه باقرب الطرق , والطفها واحسنها, والطريق الواضح هو طريق الحوار الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم قبل ان يحمل السيف ,قال سبحانه : ( لقد ارسلنا رسلنا بالبينات) ]الحديد:25[,فقبل ان يرسلهم بالسيوف القاطعات والرماح المرهفات , ارسلهم بالايات والبينات, وكما يقول ابن تيمية- رحمة الله -: إن الانبياء بعثوا بالحجج والبراهين , والخلاف واقع في الامة , قال سبحانه: (ولايزالون مختلفين (118) الا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ]الكهف:119,118[,قيل ( اللام) هنا ليست القصد ولا للسبب عند بعض المفسرين وانما للصيرورة , وقيل : ان الله – سبحانه وتعالى- خلقهم ,فنوع في مفاهيمهم ومواهبهم ,فوقع الخلاف في ذلك ,فلابد ان نعترف ان الخلاف واقع في الامة , وهو على قسمين:
أ*-خلاف تنوع: وهو الذي يُسلك في الفروع ,لا فيث الاصول , وفي الجزئيات , لا في الكليات.
ب*- خلاف تضاد: وهو المذموم ,قال سبحانه وتعالى: ( ولاتطونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات واولئك لهم عذاب عظيم ) ]آل عمران:105[,وهم الذين يخالفون في القطعيات , وثوابت الامة , واصول الملة, فهذا خلاف مذموم
كذلك يجب ان يعلم ان الحق واضح وظاهر, وانه كالشمس , وانه لايُختلف فيه, وما يخالف الا عقيم , او سقيم فهم,يقول المتنبي :
وكيف يصح في الاذهان شيءُ
اذا احتاج النهار الى دليل فانت اذا قلت لانسان : هذه شمس في السماء , وقال لك : ليست بشمسٍ, هذه خيمة !:,فهذا لا يحاور, بل ليس اهلا للحوار فلا تضيع وقته معه. واما من حاور في امر يحتاج الى جدل ويقبل الخلاف فهذا الذي تحاوره . وعليك- اخي الكريم – ان تقدم نعم قبل لا وانت تحاور خصمك , قال ابن المبارك :
واذا صاحبت فاصحب ماجد ذا عفاف وحياء وكرم قوله للشيء لا ان قلت لا واذا قلت: نعم , قال : نعم
فعلينا ان نستدرج المحاور الى ان يوافقنا في (نعم) فمادام انه يقول لك : نعم , فمعناه انه قريب منك , وان قلبه قريب من قلبك, وان روحه قريبة من روحك, ولكن احذر ان يقول: لا , قال اهل العلم: عليك ان تستدرجه الى ان يوافقك في اكثر المسائل, فتبدا بالاصول التى تشاركه انت فيها, فتقول: الست انساناوانا انسان ؟ فيقول: نعم, تقول : اليس لي حق عليك- أي حق الانسان على الانسان-؟ يقول نعم , تقول : اما ينبغي ان احترمك وتحترمني ؟ فيقول : نعم , فتقول : اليس لك عقل فاخاطب عقلك وضميرك , ولي عقل وضمير تخاطبه؟ فيقول: نعم , وهكذا تقلص مسافة اللااءت , لكنك اذا بدت معه منذ البداية ب(لا) ,تهدم جدار الحوار وحينها لا يمكن ان يستمر معك وسوف يتخذ ضدك موقفاً عدائيا من اول الطريق ,فيقول بعض التربويوين : ان كلمة لا تعقب تسع عشرة عضلة في الوجه, فيعبس بسببها الوجه , ويقطب الجبين, واما كلمة (نعم) فتنطلق بسببها الاسارير والافراح , ويظهر الانشراح , وياتي معها الجواب السديد بحمد الله.
آداب الحوار:
اعرض هنا ثلاثة عشر ادباً من اداب الحوار:
1- الاخلاص والتجرد:
على المحاور ان يتجرد من التعصب ؛ لان بعضهم يعقد التعصب لفرقته ومذهبه وفكرته, ثم لايقبل منك , ويريد ان تسلم وتقر له دون ان يناقشك, او يقبل منك ادلة, وهو يرى في نفسه, بدون ان يدعي النبوة انه معصوم, فيقول: الواجب عليك ان تسمع نصائحي,وان توافقني؛لان الله سددني وهداني ووفقني , وكانه يامر عليك بالحديد والنار ان تستمع له , وهذا ليس بصحيح , فالواجب عليك ان تمثل نفسك بانك مجتهد وقد تخطئ , وهو مجتهد قد يخطئ , وللشافعي كلمة عظيمة يقول فيها : راي صواب يحتمل الخطأ , وراي خصمي خطأ يحتمل الصواب , وقال – رحمه الله - : ما جادلت احدا الا وودت ان يظهر الله الحجة على لسانه, وكان يدعو لخصمه بالتسديد .
وقال الشافعي – ايضا-: ما حاورني احد فقبل الحق مني الا عظم في عيني , وما رد الحق سقط من عيني . فليكن قصدنا هو الحق , سواء جاء على لسانك , او على لساني, فمن قال لك الحق فعليك ان تقبل منه, سواء ان كان صغيرا او كبيرا, عظمااو حقيرا, امراة او طفلاً, كما قال عمر- رضي الله عنه- : اصابت امراة واخطأ عمر, فقال ضالة المؤمن , وكان بعض السلف يقول: رغم انفي للحق.
2- احضار الحجة
فان صاحب الحجة قوي,قال الشافعي : من حفظ الحديث قويت حجته , واما ان ياتي انسان بكلام فضفاض وعاطفي وانشائي ويقول بانه يحاور الناس ويجادلهم , فهذا ليس صحيحاً. والحجة اما ان تكون عقلية قاطعة, او نقلية صحيحة,فعلى المدعي الدليل , وعلى الناقل الصحة ,فاذا اردت ان تجادل في مسألة ؛كمسالة الحجاب او مسألة الوسطية في الاسلام ,فعليك ان تحضر الحجج ,برتابة وهدوء , وليعلم الانسان ان الحجة ليست برفع الصوت والمصارعة , فليس حالة الناس كحالة الثيران, انما هم اناس مركبون على الاحترام والفطرة السليمة التى تقبل الحق, وتزعن له اذا كانوا راشدين, فالمطلوب منا هو احضار الحجج والبراهين للناس, قال سبحانه وتعالى ( قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين ) ]البقرة:111[,وقال سبحانه: ( قل فاتوا بالتوراه فاتولها ان كنتم صادقين) ]ال عمران:93[, وقال صلى الله عليه وسلم: تعالوا بالتوراه نقرا واياكم , ولما اتو بها , حملها صلى الله عليها وسلم احتراماً على وسادته ومخدته عليه الصلاة والسلام, فاذا جاءك خصمك يتحدث معك فقل: اتني بالدليل اناقشه انا وانت , ولا تغضب ولا ترفع صوتك, فبعض الناس من قلة حيلته وحجته , وضعف بصيرته ودليله, يبدأ بالصراخ , وتقطيب الوجه, ثم يتحول الى عالم السب والشتم , وهذا ليس من الحوار في شيء.
3-السلامة من التناقض:
فان من الواجب على المحاور ان لا يناقض كلامه بعضه بعضا ؛لان بعض الناس – لقلة بصيرته-, ياتي بكلام ينقض بعضه بعضا , فمثلا قول المشركين عن الرسول صلى الله عليه وسلم : ساحر او مجنون, هذا ليس صحيحاً؛لان الساحر من اذكياء الناس؛ ولان السحر مركب على الذكاء والفطنة والخديعة والعبقرية , والمجنون لا عقل له, فيكيف يكون- في ان واحد- ساحر او مجنونا؟! فهذا تناقض في الدليل لذلك قال سبحانه: ( ساحر او محنون ) ]الذاريات:39[,حكاية عن قولهم المتناقض, او قولهم: (سحر مستمر) ]القمر:2[,فالسحر لا يستمر اصلا ومعروف عند عقلاء العالم ان السحر لا يستمر وان المستمر لا يكون سحراً, فالله سبحانه وتعالى استهزئ بهم في رد هذه المقالة فقال سبحانه: ( وان يروا اية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) ]القمر:2[.
فكيف يكون سحر مستمر وهو يقول : (وما صاحبكم بمجنون) ]التكوير:22[؟! وقد كانت الامانات توضع عنده عليه الصلاة والسلام.
4-الحجة لا تكون هي الدعوى:
البعض من الناس يجعل دعواه حجة , ويقول: ما دام اني قلت هذا القول , فقولي هذا حجة ودليل , ويزكي نفسه , وبعضهم يحسب قوته بطول عمره ,ويقول: الفت أربعين كتاباً, وشهد لي فلان وفلان , ودائماً الحق معي والحمد لله, ودائماً الله يسددني ! فهذا ليس صحيحاً وليس الانسان نبياًمعصوماً, وقد يعيش سبعين سنة ثم يضل , فليست المسالة بالعمر ولا بالسن, حتى إن شاباً وقف عند عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه- يريد ان يتكلم قبل الناس ,قال له: اجلس , في الناس من هو اكبر منك سناً,فقال الشاب : يا امير المؤمنين لو كان الامر بالسن لكان غيرك من المسلمين اولى بالخلافة منك , فتبسَّم عمر بن عبد العزيز واقرَّ له ؛لان هذه حجة ,فعمر بن عبد العزيز عمره-آنذاك – اربعون سنة , وفي الناس من عمره تسعون ومائة , ولكنهم لم يتولوا الخلافة ,فالخلافة تاتي بالعقل والعلم والايمان .
5- الاتفاق على المسلمات
فالاصول لا يُناقش فيها ولايُحاور ,عندنا ثوابت في الملة فلا ينبغي ان نضيع اوقاتنا بالجلوس لمناقشة الاصول الثابتة؛كالوهية الباري سبحانه وتعالى, واستحقاقه للعبودية جل في علاه , وان محمداً- صلى الله عليه وسلم – رسول, وان اركان الاسلام خمسة, وصلاة الظهر اربع ركعات, فهذه امور مسلمات ومررات مجمع عليها , وفي مناقشتها تشويش على الناس , وتضييع لوقتك واوقات الاخرين, فهذا ليس صحيحاً, لان الحوار يكون في مسائل اختلف فيها الناس ,مثل مسالة ( الحجاب) – مثلاً- فقد تقرر في الكتاب ان الله امر بالحجاب , لكن مثلاً يُختلف في حجاب وجه المرأة , وهذا مما يقبل الخلاف ,فلايظننِّ انسان ان هذا من المسلمات ,ولايقبل الخلاف , والقول الصحيح كما هو معلوم انه يُحجب الوجه , ولكن القصد ان نفرق بين اصل مشروعية الحجاب –فهذه مسلمة- وحجاب وجه المرأة وهذا مختلف فيه, خلافاًقويا بين اهل العلم ,ذكره ابن جرير الطبري في سورة النور , فمن اراد ان يحاور فليحاور في مسائل تقبل الخلاف والجدل , وهذا هو خلاف التنوع ؛كدعاء الاستفتاح بانواعه , والتشهد بانواعه, وكثير من المسائل في كتب الفقه
6- ان يكون المحاور أهلاً للحوار :
فلا تاتِ برجل مشهور عنه الجهل والنزق والطيش وتحاوره, لان هذا اذاه اكثر من نفعه , وقد يحرجك امام الناس , اما ان يتعرض لك , او يتعرض لنفسه بالاذى وللمسلمين , حتى ان حاتماً- وهو جاهلي – يقول:
وأُعرض عن سبِّ الكريم ادخاره
واعرض عن شتم اللئيم تكرما
يقول: انا لا اسب الكريم لاني ادخره للازمات , والئيم يسبني لانه ليس له عرض يصونه ,فاهل الحوار الحق هم اهل العلم واهل البصيرة واهل العقل, والمعروف عنهم التجرد وطلب الحق , اما ان تاتي الى سفيه وتعرض نفسك وعرضك له , فانه لن يصون عرضك ولا عرضه, وإذن فاهلية الحوار مطلوبة , والواجب اننا اذا اردنا ان نحاور الاخرين ان نختارهم من العلماء الصالحين العميقين الراسخين, يقول ابن تيمية : ان بعض اهل البدع لما حاوروا اهل السنة حاورهم اناس ضعفاء من اهل السنة , فغلب اهل المبتدعة اهل السنة ,فظن العوام ان الحق مع المبتدعة, فذهبوا مع المبتدعة , والسبب ان من يحاور كان ضعيفاً, فعلينا ان نعد للحوار ما استطعنا من قوة , ومن القوة في الحوار ان نكون اقوياء في الامة.
7- نسبة القرب والبعد من الحق :
فالامر نسبي , لايشترط دائماً ان يكون مائة بالمائة : اما ان يوافقني في كل شيء فهو اخي اتولاه وادعو له في ادبار الصلوات , او يخالفني فهو عدوي واتبرأ منه وادعو عليه , لا! يقول ابن قدامة في المغني: واهل العلم لا ينكرون على من خالفهم في مسائل الاختلاف , وقال ابن تيمية: وقد اختلف اصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام في مسائل,فلم يكفر بعضهم بعضاً, ولم يقاتل بعضهم بعضاً في مسائل الخلاف , وصلى بعضهم خلف بعض. فقد تختلف معي , في اربع مسائل او خمس , لكن انا اخوك وانت اخي , ونصلي مع بعض , وهذا امر معلوم عند اهل المذاهب الاربعة ؛ الاحناف والشافعية والنمالكية والحنابلة ,ففي مسائل الخلاف لا تطلب مائة في الماة , وكن متوسطاً في اختلافك مع خصمك ,فاذا رفض يبقى كل رايه في المسائل التى تقبل الخلاف ,فالالوان لا يكون جميعها ابيض او اسود ,بل فيها رمادي وبنفسجي , وكذلك النسب مائة بالمائة او صفراً بالمائة , يوجد ستين بالمائة , واربعين بالمائة, والله- عز وجل – ذكر ذلك فقال : (ليسوا سواء) ]ال عمران :113[,فمنهم من يقترب , ومنهم من يبتعد , والنصارى اقرب من اليهود , فهذه مسائل في الاجناس وفي اهل الاديان , لكن الذي يحاورك قد يختلف معك , وان ظفرت بعشرة في المائة فانت الرابح ؛لان بعض الناس يريد ان يحقق في اعماله الدعوية الرقم النهائي ,وهذا ليس صحيحاً, بل اقبل مايسره الله – عز وجل- وما تعسَّر فاتركه, يقول الشافعي لبعض من حاوره في مسالة اختلفوا فيها : اليس من الحق ان نبقى اخوة ولو اختلفنا في مسالة ؟ قالوا: بلى, قال : فنحن اخوة ,او كما ورد عنه في سيرته.
8- التسليم بالنتائج :
فاذا توصل المتحاورون في حوارهم الى امور, فعلى المغلوب ان يسلم للغالب, وهذا من طلب الحق , يقول عبد الرحمن بن مهدي : ان اهل الخير واهل السنة يكتبون مالهم وما عليهم , واهل البدع لا يكتبون الا ما كان لهم . فالذي يريد الحق يسلم بالنتيجة ؛ أي اذا كنت مغلوباً في مسالة , فان كان قصدي الحق اسلم , واقول لك: جزاك الله خيراً, فمن فعل ذلك فهو المخلص المأجور , ومن كابر فهذا – والعياذة بالله- لا يريد الحق, ولا يريد أن ينصاع له,وهو غاوٍ,قال عليه الصلاة والسلام في صحيح مسلم:"الكبر بطر الحق وغمط الناس", وبطر الحق: رده . فالتسليم بالنتائج واجب ,سواءً على المحاوِر ,او على المحاوَر ,وهذا يسهل الاتفاق في اول الجلسة , ومن راي ان يتقوى في الحوار فليتفق هو ومن يحاوره على مسائل خلافية , ويكون القصد هو الحق وطلب ما عند الله ,بشرط اذا كان الحق معي وظهر ذلك لك فعليك ان تتبعني , واذا كان الحق معك اتبعتك : (وانااو اياكم لعلى هدى او في ضلال مبين) ]سبا:24[, ومعلوم ان الحق مع المؤمنين .
9- المحاورة بالحسنى:
ومن اداب الحوار كما يقول العلماء –كابي حامد الغزالي في الاحياء- ان تحاوره فلا تتعرض لشخصه ,ولا لنسبه وحسبه واخلاقه, وانما تحاوره على القضية , لان بعض الناس يترك الكلام ويتهجم على خصمه المحاور امامه ,فيقول: قليل ادب, وبخيل, وليس لهذا علاقة بالمسالة , فانت تحاور – مثلاً- في زكاة الحلي وفيحاورك ,قائلاً: انت اصلاً لا تحترمني فكيف اجلس معك ؟! والواجب عليك ان تعترف بمكانتي , وانت دائماً يقل ادبك مع العلماء ! والسؤال: ما علاقة هذا الكلام بزكاة الحلي ؟! .. إن عليك ان تعرض تماماً عن كل كلام اخر الا عن المسالة التي امامك , والمحاورة بالتي هي احسن ( وجادلهم بالتي هي احسن ) ]النحل:1257[.
ومن الأفضل ان تختار لخصمك لقباً او كنية ولو كان مخالفاً لكفتقول: ياابا فلان! وتعطيه من الكلام المبجل المحترم الذي يليق بالناس , فمن احترم الناس احترموه ,فيقول بعض العوام العقلاء في المرادة والمحاورة في الشعر والقصائد : خصمك كالقنفذ فإذا أصبحت عند جحره اخرج لك الإبر التي فيه مستعدا للمقاومة , لكنه قال : إذا نهنهته ودعوته بالحسنى خرج واستقر وتشمس وأحس بالدفء ,ثم اصطدته, فهذا مثل المحاوَر .
يقول اسحاق نيوتن: كل فعل له رد فعل يساويه في القوة ويعارضه في الاتجاه ,فلذلك كل إنسان تحاوره ترفع صوتك يرفع صوته , ويوم تحترمه يحترمك
, ويوم تكنيه يكنيك ,يقول احدهم وهو يحاور خصمه :
اكنيه حين اناديه لاكرمه
ولا القبه والسوءة اللقبُ
كذلك اُدبت حتى صار ادبي
اني وجدت ملاك الشيمة الادبُ
فبقدر ما تحترم الناس يحترمونك , وقد كان سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم يحترم الناس , وهو الذي غير التاريخ ,فكان صلى الله عليه وسلم يسلم على الاعراب , ويناديهم بكناهم , ويحاورهم بالتي هي احسن.
10- الانصاف في الوقت
فاذا حاورت انساناً لابد ان تتفق معه وتقول له : تصبر لي وتسمع مني حتى انتهي , واصبر واسمع منك حتى تنتهي , لك خمس دقائق ولي خمس دقائق –مثلاً-او لك نصف ساعة ولي نصف ساعة , لا تقاطعني ولا اقاطعك , لان بعض الناس ظالم وجائر , يتكلم ثم لا يترك لك مجالاً لتتكلم , واذا اردت الكلام تكلم هو ,يقول ابن الجوزي : نزل عشرة حمقى يشترون حماراً من السوق ,الوا: يتكلم منا تسعة ويسكت واحد , يريدون ان يحرجوا على الحمار ,فهولاء هم الحمقى , والواجب في اصل الاسلام , وفي اداب النملة انك تنصت له مثل ما انصت لك , وهذا ادب المتحاورين , وكان مثل هذا الادب عند علماء الاسلام السابقين المعاصريين- رحمهم الله- كابنوالالباني وغيرهما , فقد كان عندهم من ادب الحوار , بحيث ينصت الواحد منهم حتى تنتهي ولا يقاطعك ابداً, وكأن على راس الواحد منهم الطير ,فاذا انتهيت قال: لا, المقصود كذا وكذا ,ثم يبين لك رايه .بعد ان تاخذ نصيبك من الوقت .
11- حسن الانصات
فكما تطلب من محاورك ان يحسن الانصات , والاستماع اليك – وهو من الادب – فعليك ان تستمع له اذا حاورك ؛لان بعضهم ينقصه حسن الانصات , وحسن الانصات من حسن الخلق, يقويل ابو تمام يمدح الخليفة المتوكل :
وتراه يصغى للحديث بقلبه
وبلبِّهولعله ادرى به!
ويقول احد السلف : والله إني كنت انصت للحديث وقد سمعته عشرات المرات كانني سمعته لاول مرة, وهذا من الادب , فاذا قص عليك انسان قصة قد سمعتها من قبل فلا تشعره بانك قد سمعتها , بل اظهر له انك لم تسمعها وانك معجب بها , واذا قال بيت شعر معلوماً لديك ,فاظهر له انك احتفيت به, فهذا من خلق المؤمنين ,لان بعض الناس عبوس لا يريد الا الذي عنده , وبعضهم اذا تكلمت لا ينصت لك ابداً, فتراه شارد الذهن , وهذا ليس من الاحترام , فمادام انك تحاور فاقبل بقلبك وبعينيك الى من تحاوره؛ ليعلم انك تحترمه , وانك تريد الحق .
وتجنب في الحوار الهزل , والتعليق, والتنكيت؛لان ذلك قد يُحمل على انك تحتقر خصمك, وانك لا تريد الوصول الى الجدِّ والحق.
وقد ذكرت ان الحق ليس بالصراخ؛ لان بعضهم عنده فن في الزعيق والصراخ اذا فقد الحجة, اما صاحب الحق فيتكلم باطمئنان وبادلة ميسرة , وبصوت هادئ وقور , وكما يقول لقمان عليه السلام: ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك ان انكر الاصوات لصوت الحمير) ]لقمان:19[.
12- احترم المحاوَر:
فالشخص الذي تحاوره اما ان يكون مسلماً فينبغي ان تخحفظ له حق الاسلام , واما ان لا يكون مسلماً, فهذا يعامل معاملة انسانية ,يُجادل بالتي هي احسن ؛لان هناك اموراً نسبية تَصِلنا بالناس, فالرسول صلى الله عليه وسلم حاور ,لكن لايوجد في قاموس محمد صلى الله عليه وسلم كلمة واحدة نابية ,ايتوني من كتب الرة ان محمدا صلى الله عليه وسلم قال لاحد الناس : يا حمار , او يا خنزير , الان يصف المسلم اخاه المسلم بذلك اذا غضب عليه على امر تافه, اين اخلاق النبوة ؟! إن محمداً e لايوجد في قاموسه سب اولا شتم , ولا اسفاف في الكلام ,ولا خداع في الخطاب ,لماذا؟
لان الله ادبه فاحسن تاديبه, وهو المرشح لقيادة البشرية عليه الصلاة والسلام , فاخلاقه e موزعة على البشرية جميعها , والخلق كله عنده عليه الصلاة والسلام ,ذهب بالحسن والشجاعة والكرم , ومابقى توزع علينا كلنا منذ ان بعث الى وقتنا هذا عليه الصلاة والسلام ,يقول ربه : ( وانك لعلى خلقٍ عظيم ) ]القلم:4[.
وفي حواره e لم يكن فظاً,يقول سبحانه: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) ]ال عمران:159[, وكان يأمر اصحابه ان يكون مبشرين لا منفرين , وميسرين لا معسرين .
قرات في السيرة لابن اسحاق انه لما انتهى المسلمون من معركة بدر ,وقتل الصحابة سبعين من كفار قريش ,رجع الصحابة مع الرسول e الى المدينة, ولقيهم اهل المدينة فقالوا لهم : كيف فعلتم بالقوم – أي كفار قريش- ؟ قال احد الصحابة من البهجة بالنصر والافتخار بالانتصار: ما وجدنا احداً. وجدنا انعاماً ودواباًذبحناها ورجعنا, مع العلم ان كفار قريشكانوا اشرافاًوسادة , ومن اعقل الناس , لكن الله اضلهم , فقالe : "مه!اولئك الملأ " أي لماذا تقول مثل هذا الكلام ؟ اولئك الملأ , اولئك الاشراف على كل حال , فالواحد منهم يساوي قبيلة , ولكن الله اضلهم ,ابولهب ,وابوجهل , والوليد بن المغيرة, والعاص بن وائل ,كانوا مقدمين , وعندهم كرم وشجاعة وراي, لكن اتبعوا الشيطان فاضلهم , فاخزالهم الله , فلا تظهر لخصمك انك تحطمه تحطيماً , وتلقي عليه بالكلام الجاف الذي لايليق به , يقال ان عيسى عليه السلام راي كلباً تزاحم في طريقه , واراد عيسى عليه السلام ان يدخل من الطريق ,فقال عيسى للكلب مر بسلام ! قالوا: يا روح الله تقول للكلب مر بسلام ! قال: لا اريد ان اعود لساني البذاءة , ويقول عليه الصلاة والسلام : " ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش البذئ " المسلم مثل النخلة ترميها بحجر فترد عليك رطباً, تسب المسلم يقول: سلاماً, (واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما) ]الفرقان:63[. وانظر الى حاتم الطائي الجاهلي , فقد كان دستوره الاخلاق بالفطرة ؛يقول
وكلمة حاسدٍ من غير جرم
سمعتُ, فقلت مُرّي فانفذيني
وعابوها عليَّ ولم تعبني
ولم يندي لها ابداًجبيني
فمن سبك فسامحه وقل:سلاماً؛ فان الله سوف يعوضك بالمكانة والعزة, ويدافع عنك, لان الله يدافع عن الذين امنوا , والناس يقفون مع المشتوم ولا يقفون مع الشاتم. قرات في سيرة الامام العظيم الزاهد امير المؤمنين عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه وجمعنا به في جنات النعيم – انه قام يصلي الليل في مسجد بني امية , وكان حينها خليفة المسلمين ويحكم ثنتين وعشرين دولة, وكانت السراج مطفأة ,فداس برجله رجلاً نائماً فقام النائم وقال: احمار الذي وطأني ؟ قال : لا , انا عمر بن عبد العزيز ولست حماراً !
وسالم بن عبد الله بن عمر العالم الكبير زاحمه رجل في الطواف فنظر اليه الرجل ,فقال لسالم: انت رجل سوء , قال : ما عرفني الا انت ! ومن ضمن ذلك يقول ابوبكر الصديق حين اراد رجل سبه فقال له: والله لاسبنك سبا يدخل معك القب – أي مع ابي بكر رضي الله عنه- , قال ابوبكر : بل يدخل معك في قبرك ولا يدخل معي في قبري ! هذه اخلاق المؤمنين التى وصفها الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز , وحري بنا ان نتخلق بها ما دام اننا نحمل هذا الكتاب الكريم , ونتبع هذا الرسول العظيم e .
13- اختيار المكان المناسب للحوار:
والاحسن ان يكون الاجتماع في حلقة ضيقة من اهل العلم والراي السديد والرشد, ولا يكون في مكان عام : ( قل انما اعظكم بواحدة ان توقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة ان هو الا نذير لكم من بين يدى عذاب شديد) ]سبإ:46[.
والمقصود ان يجلس الانسان منفرداً ويفكر, لانك اذا فكرت وحدك هدأ ذهنك , وعاد لك الراي , وفكرت في القضية ,ووضحت لك الصورة , او اثنين اثنين,(مثنى وفرادى) ]سبإ:46[, انت وزميلك على حدة, ولذلك يستجن ان يكون الحوار في مكان مهيّأ يجتمع فيه اهل الراي والعلم , واهل الرشد والبصيرة , ولايجتمع في الاماكن العامة ,فيدخل الكباروالصغار والحمقى ,فتحصل امور منكرة, ثم لايكون حوار بل شغب وفوضى ! فهذا ليس محموداً,فاذا كان في الحوار شغب فليجتنب المسجد؛لان المسجد للعبادة .
وقد حاور eبعض الناس في المسجد لكن حواراً هادئاً مراده الحخق, وكان الذين امامه من العقلاء , الذين لايصدر منهم السباب والشتائم في بيت من بيوت الله ز وجل , او يسيئون الى قداسة هذا المكان الطاهر .