عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
همة تحاكي القمة
بما أني ولله الحمد والمنه أعشق القرأة , فقد اتخذت نهجآ في حياتي بأن تكون قراءاتي مرتبطة بواقعي, وحيث أننا نحتفي هذه الأيام بموسم الحج,آثرت أن أقرأ قصة أمنا هاجر عليه السلام؛لأستخلص منها العبر, ولأعلن أمام الملأ فخري بها.
القصة أخذتها من صحيح البخاري, وملخصها:
قدم إبراهيم عليه السلام من فلسطين ومعه زوجه هاجر وابنهما الرضيع اسماعيل
إلى مكة
ومكة آنذاك لم تكن شيئاً مذكورا ، فهي عبارة عن واد تحيط به الجبال ، وصحراء قاحلة لا نبات فيها ولا شجر إلا أشجاراً قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع . وعند البيت بقرب شجرة جلس إبراهيم وهاجر وإسماعيل وآنذاك لم يكن في مكة أحد ، وبعد ذلك قفل إبراهيم راجعا ولكن من معه
آه لقد رجع وحيدآ … ما الأمر
هل سيترك هذه المرأة الضعيفة والرضيع ؟هل سيتركهما وحيدين في ذلك المكان المقفر …؟
نعم . . .. رجع تاركآ معهما جراباً به تمر و سقاء به ماء ، فما كان من هاجر إلا أنها تبعته وأخذت تسأله عن سبب تركهما وحيدين في هذا الوادي البهيم . . . لم تستطع أن تحصل على الإجابة . وإذا هي تسأله سؤالا واحدا . . . أالله أمرك بهذا سبحان الله . . . لماذا فكرت هاجر بهذا السؤال لماذا لم يطرق على تفكيرها من سيأتيهم بالطعام والشراب بعد نفاد ما عندها لماذا لم تسأله عن المدة التي سيتغيب فيها عنهما لماذا . ..؟ لماذا ؟. . . لماذا ؟. ..
ولكنها سألت . . . آلله أمرك بهذا ..
هذا السؤال من أدق الأسئلة التي تدل على : عمق التفكير . . . وأصالة في التدبير .. .
ولكن .. . بماذا أجابها إبراهيم عليه السلام لقد قال عليه السلام : نعم .
فما أن سمعت هاجر رضي الله عنها هذه الإجابة حتى هتفت قائلة : إذاً لا يضيعنا .
ما أعظمها من ثقة وما أجمله من اتكال ...!
على من اتكلت …؟ لقد اتكلت على رب السماوات والأرض . الذي تتضرع إليه النفوس المؤمنة . . . والجباه الساجدة ، وتنهمر الدموع عندما تناجيه .
لقد تناست هاجر الوادي الذي قد يحتضن السباع والهوام . وتناست أن الطعام والشراب سينفد بعد فترة وجيزة . وتناست الليالي المخيفة في هذا الوادي المفزع .
ياأخوتي الأفاضل... انتقلوا الآن لتتصوروا أنفسكم مكانها . ماذا أنتم فاعلين والله إنها الحقيقة . .. الحقيقة التي يجب أن تعيشيها حقيقة التربية الإيمانية . . . والعقيدة الراسخة والثقة العالية بجبار السماوات والأرض.
وبعد أن قالت هاجر" إذا لا يضيعنا " انطلق إبراهيم عليه السلام إلى الثنية ، وهو مكان مرتفع في مكة . وفي ذلك المكان استقبل البيت . . . ورفع يديه متضرعاً إلى الله تعالى ودعا قائلا
" رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ "
ومن ثم تحرك إبراهيم عليه السلام مستجيباً لنداء رب العالمين . وبقيت هاجر ورضيعها إسماعيل وأخذت تأكل من ذلك التمر وتشرب من ذلك الماء وترضع طفلها . . . . . . . وتمر الأيام والليالي . .. .. فنفد التمر الذي في الجراب . .. والماء الذي في السقاء . والإنسان قد يصبر على الطعام فترة . . . ولكنه لا يستطيع الصبر على العطش . فعطش الطفل . . . وأخذ يتلوى . . . وهاجر أيضا عطشت . فمن أين تحصل هاجر على الماء لكي تسقي طفلها ونفسها ولكن طاقة هذه المرأة لم تهدأ إنما أرادت أن تسعى .. . باحثة عما يبقي حياتها وحياة طفلها الرضيع . وهي قد توكلت على الله منذ البداية عندما قالت " إذا لا يضيعنا "
توكلت عليه هو القائل :
" هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ "
سبحان الله . . . كأنها قرأت هذه الأية الكريمة . .. فانطلقت ماشية على قدميها لتبحث عن المجهول . وعندما تحركت . . . حركت أيضا فكرها . ومشت حتى وصلت إلى جبل الصفا فارتقت الصفا ... حتى أصبحت في أعلاه ثم أخذت تنظر لعلها تجد أحدا .. . ولكنها لم تر أحدا . . . نزلت من الجبل . . . ومشت .. . حتى إذا وصلت سعت سعي المجهد المتعب حتى جاوزت الوادي ووصلت إلى المروة ، فاعتلته ، وعندما أصبحت في أعلى جبل المروة نظرت .
وأيضاً لم تجد أحداً
فها هي قد بذلت السبب .. . وتحركت . .. ولكنها لم تجد أحدا . . . فهل تنزل من المروة وتعود إلى طفلها يائسة ..... أبدآ ياأخوتي.. . إن صاحب الهدف والرسالة لا يضجر و لا يمل ولا يقنط من رحمة الله تعالى ويتحرك بأقصى طاقة أودعها لها الله تبارك وتعالى ...
إذا هل أعادت هاجر الشوط مرة ثانية من الصفا إلى المروة نعم أعادته مرة .. . ثانية وثالثة … ورابعة …. وخامسة …. وسادسة …. وسابعة!
سبحانك يا رب . . . سبحانك يا من أودعت هذه القوة في تلك الضعيفة .
يا أخوتي الأفاضل إنها حركة المتوكل على الواحد . . . وهذه الحركة لا تذهب سدى .
أشرفت هاجر على الشوط السابع . .. إذ سمعت صوتاً فإذا هي بالمَلَـك . . الملك الذي أرسله اللطيف الخبير الرحيم بعباده, جل شأنه وتقدست أسمائه..
فبحث ذلك الملك بجناحه حتى ظهر الماء . . . نعم الماء الذي أجهدت نفسها لكي تحصل عليه . الفرج . . . الفرج . . . اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك!
" وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا َيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا.
" فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًاً "
وأخذت تغرف بسقائها وهو يفور بعدما تغرف ، فشربت وسقت طفلها .
وبعد ذلك . .. بعد أن طويت السنون وجاء خاتم الأنبياء والمرسلين بالشريعة السمحاء أمره الله تبارك وتعالى أن يجعل ذلك المكان الطاهر من القربات التي يتقرب بها العبد لله تعالى .
وها هي الجموع الإسلامية ... . . . متجهة للبيت العتيق . يؤدون العمرة والحج لله رب العالمين وعند ذلك .. . لا بد أن يطوفوا ويسعوا . . . يسعون . .. كما سعت هاجر بين الصفا والمروة فهذا إكرام لهاجر رضي الله عنها ..
ويشربون من ماء زمزم .. . وهذا أيضا مكرمة لهاجر رضي الله عنها .
وأتمنى من إخوتي عندما يوفقون للذهاب لذلك المكان أن يستحضروا في أنفسهم قصة هاجر . . . قصة المرأة العظيمة التي تصدت لكل التحديات بقوة وثقة ويقين بالله تعالى فما أعظمها من امرأة ..
ما رأيك في موقف هاجر؟
إذاً حدث بها عالمك الكبيروالصغير وافخر أمام الملأ بهذه السيدة العظيمة . . واستخلص من قصتها العبر والعظات التي لم يتطرق إليها قلمي
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لو أنكم تتوكلون على الله تعالى حق توكله ، لرزقكم ، كما يرزق الطير ، تغدو خماصاً ، وتروح بطاناً"[/size]
المفضلات