الجماعات غير الرسمية في العمل






لا نريد أن نناقش موضوع الجماعات الرّسمية وغير الرسمية في العمل حسب العنوان السابق، لأنّ ما سبق يطبّق في المنظمات الحكومية والخاصة بصورة يرضى عنها ربّ العمل أو المسؤول، بل نريد أن نناقش الجماعات غير الرسمية في العمل وغير المرغوب فيها من قبل إدارة المنظمة، والخفية بمعنى آخر.



الجماعات غير الرسمية وما سأسمّيه "الجماعات الرّمادية" التي هي ظاهرة إدارية بحته قديمة.. وهي مرتبطة بسلوكيات الأفراد بالمنظمة التي تؤدّي إلى سوء استعمال موقع ما لمصالح شخصية.. ويندرج تحتها انحلال الأخلاق وتجاوز القانون.. وسوء استخدام الوظيفة العامة أو الخاصة للكسب الخاص، وهو أحد المعايير الدالّة على غياب الثقافة المؤسّسية الفعالة، بالإضافة إلى الاتجار بالوظيفة العامة، والتعدّي على المال العام أو الخاصّ.. وكمثال بسيط من الواقع: (تعيين الأقارب والأصدقاء في مواقع متقدّمة في الجهاز الوظيفي دون كفاءات ودون وجه حق).
والأسئلة المطروحة للنقاش حول الموضوع هي:
ما هو تعريف الجماعات غير الرّسمية في العمل؟
- هل الجماعات غير الرّسمية في العمل موجودة في المنظمات الحكومية (الوزارات) فقط، أم أنّ الجماعات غير الرّسمية في العمل موجودة أيضاً في المنظمات الخاصة (الشركات)؟
- ما هي صور وأشكال الجماعات غير الرّسمية في العمل في المنظمات الحكومية؟
- ما هي صور وأشكال الجماعات غير الرّسمية في العمل في المنظمات الخاصة؟
- لماذا تعَدُّ ظاهرة الجماعات غير الرّسمية في العمل قضية مهمّة؟
- ما هي أشكال امتلاك القوة في الجماعات غير الرّسمية في العمل؟
- كيف يمكن الحدّ من هذه الظاهرة السيّئة؟
- هل يمكن الاستفادة من الجماعات غير الرّسمية في العمل؟
الجماعات غير الرسمية في العمل _بصورة مبسطة_ تعني: طغيانَ المصالح الشخصية على جماعة من الموظفين في المراتب العليا مع آخرين في المراتب الوسطى والدّنيا، وذلك لتحقيق مآربَ وسيطرةٍ لهذه الجماعة على حساب الموظفين المستقلّين، والمجاميع الأخرى المغلوبة على أمرها، والرّاغبين في الوصول إلى ذات المكانة الكمية والعددية للمجاميع المسيطرة فيَسوْء سير العمل، ومنه فقدان المصلحة العامة لخدمة الوطن والشعب.
والجماعات غير الرسمية في العمل موجودة في المنظمات الحكومية (الوزارات) وموجودة أيضاً في المنظمات الخاصة (الشركات)، وواضحة ولا يحدّها شكل أو حجم للمنظمة، مع إمكانية امتداد هذه الجماعات لحدود خارج نطاق المنظمة نفسها، مثل ما نراه من وجود مصالح بين مجموعة تعمل في المنظمات الحكومية مع منظمة خاصّة، بهدف الحصول على منفعة متبادلة بينهم، وكثيرة هي قصص الفساد في هذا السّياق مع الأسف الشديد.



أشكال الجماعات غير الرسمية
ومن صور وأشكال الجماعات غير الرّسمية في العمل في المنظمات الحكومية سيطرة فئة معينة، سواء أكانت عرقية مذهبية أم عائلية أم قبلية على القرارات والتحرّكات والوظائف في وزارة أو إدارة ما، كي يتوارثها الأجيال أو المحسوبون على هذه الفئة سواء أكانوا كوادر تصلح لهذه الوظائف أم لا تصلح، وفي الوقت نفسه السيطرة على المناقصات والعقود الرّاسية على هذه الوزارة، ومحاولة تشكيل جماعة ضغط تحوّلهم إلى فرض الرأي القويّ الذي يلزم الجميع، بشكل قد يوحي بأنّه ديمقراطي، لكنّه شكل زائف غير حقيقي، تخدع الجماعة به نفسها، وتحاول إسكات من حولها، كي تسود وتصول وتجول مدةً من الزمن طويلة كيفما تشاء، ومثال ذلك سيطرة أي مسؤول كبير قبلي على مؤسّسة ما، ومحاولة توظيف عدد من الأشخاص في وظائف مصطنعة غير مفيدة، وبنفس الوقت ترقية من لا يصلح في أماكن حساسة تتطلّب المؤهلات العليا.
ومن صور الجماعات غير الرّسمية وأشكالها في العمل في المنظمات الخاصّة عادة ما تكون من مجهودات شخصية أو جماعات مقنّنة، مثال ذلك: طغيان المصلحة الشخصية على مصلحة المؤسّسة الخاصة، من خلال محاولة سرقة الأموال بطرق النّصب والاحتيال المتنوعة، وما إلى ذلك من تعيين وإفادة كلّ من يساعد على نموّ المصالح الشخصية للمجموعة!
وتعَدُّ ظاهرة الجماعات غير الرّسمية في العمل قضية مهمّة، لأنها تؤرّق إدارات المنظمات وتقلقها، وتؤخّر تقدّم البلاد في جميع القطاعات العامة والخاصّة، وتخلق جوّاً سيئاً مبنيّاً على الشللية والجهوية والعشائرية في العمل، فيرتفع مستوى الفقر والتفاوت ما بين الطبقات الاجتماعية في مستويات المعيشة.
وكلّما قلّت المتابعة والمحاسبة زادت قوة الجماعات غير الرّسمية في العمل، ومن ثم زادت حاجتها إلى السيطرة من خلال زيادة الاستئثار بأكبر قدر من مصادر القوّة لنفسها التي تتمثل بأنواع قوة تأخذ شكلاً رسمياً، منها على سبيل المثال:
• القوة الشرعية: وهي القوة التي تمنحها المنظمة للشخص.
• قوة الخبرة: وهي قوة الشخص صاحب الخبرة والمهارة.
• قوة المنصب: وهي التي يحصل عليها الشخص من منصب خارجي.
• القوة الذاتية: وهي القوة الناجمة عن الثقة بالنفس.
• قوة المصالح: وهي القوة التي تجمع أشخاصاً مختلفين لتحقيق غاية مشتركة فيما بينهم.
• قوة العلاقات: وهي القوة المبنية على حجم العلاقات في المستويات الوظيفية المختلفة.
• قوة ضعف المتابعة والمحاسبة من المنظمة.
ويمكن الحدّ من هذه الظاهرة السيئة من خلال ما يأتي:
• تقوية الوازع الأخلاقي ومحاولة إحياء الضمير الميّت في النفوس المريضة.
• تفعيل مبدأ المحاسبة والمتابعة من أصحاب القرار في المنظمة.
• وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
• إيجاد قوانين رادعة تساعد على ضبط القرارات وتحديد المسؤوليات.
• خلق بيئة معززة للحدّ من الشللية والجهوية والعشائرية.
• صياغة وثيقة رسمية حول أخلاقيات العمل الحكومي أو الخاص، هدفها "توعوي" محدّد للمسؤوليات.
• طرح مقرّرات دراسية ذات صبغة أخلاقية، تساعد على تكوين تراكمات في عقول الطلبة في مقررات المرحلة المتوسطة والثانوية وطلبة الجامعات.
• قدرة الفرد على اتخاذ القرارات في المنظمة في حدود مسؤوليّته وسلطته، وعدم تجاوز هذه الحدود بالوسائل غير المشروعة كالواسطة والرّشوة.
• التأكيد على الأمانة والصراحة والشفافية بالاتصال بالآخرين.
• توجيه الدولة وتوعية الناس إعلامياً بمضارّ هذه الجماعات في الاقتصاد الوطني.
• تفعيل جهاز محاربة الفساد في الدوائر الحكومية للمساهمة في الحدّ من هذه الظاهرة.
• تصميم برامج تدريبية وإرشادية للمسؤولين في المنظمة حول كيفية معالجة ومحاربة هذه الظاهرة.
وبالرّغم من أنّ الجماعات غير الرّسمية لا تعد جزءاً من البنية التنظيمية للشركة، لكنها تعد جزءاً مهمّاً من كلّ تنظيم، بل يمكن أن نقول: إنّها العمود الفقري الخفي للشركة "للأسف"، والمديرون الناجحون يعرفون خطورة الجماعات غير الرّسمية، ويدركون قوتها الحقيقية عندما يتخذون القرارات التي تؤثر في كيان الشركة، ومقدار توخّيهم الحذر في معالجة أي موضوع أو التصدّي لأيّ مجموعة، يكون بالمقدار الذي يتبعه المدير المحنّك بالمعالجة المتأنّية للمشكلة، دون أن يؤثّر ذلك في نشاط المنظمة أو يضرّ بها، وعدم اتباع طريقة استئصال المجموعة غير الرّسمية، بل نحاول أن نوجّههم بعدة طرق تحافظ على سمعة المنظمة والخبرات المتراكمة لديهم، وفي حال استفحل الأمر فآخر العلاج الكيّ.
وفي الختام لا بدّ من خلق ثقافة متميزة للمنظمة من خلال دمج ثقافتها في ثقافة العاملين فيها، للمساعدة على رفع قيمة المنظمة لتكون بيت الموظف الثاني، حتى ينعكس أداؤه وإخلاصه على هذه المنظمة بتبنّي ثقافتها منهجاً وعملاً.


عصمت المصطفى
مجلة الافكار الذكية