أحد أعز أصدقائي خسر ثروته التي جمعها طوال 10 سنوات والسبب هو دخوله إلى سوق الأسهم بسبب نصيحة من أحد أصدقائه,

يقول لي محمد : في ذلك الوقت جلست مع أحد أصدقائي فذكر لي الأرباح الهائلة التي يجنيها من تجارة الأسهم ونصحني بالدخول, راقت لي الفكرة لكنني لم أتحمس لها كثيرا , بدأت بالبحث والسؤال وكان كل شيء يقول لي في ذلك الوقت "ادخل في سوق الأسهم" , دخلت وكانت النهاية المأساوية لكل ما أملك.

السؤال الهام : لماذا كان كل شيء يقول لمحمد "ادخل في سوق الأسهم" ؟

الحقيقة أنها "أين تضع وعيك" أو مايسمى "التحيز الخفي للرأي" فقد كان محمد لا يسأل ولا يبحث إلا في المواقع أو المواضيع التي تقدم اجابات تقول له "ادخل", فقد كان بحث أخينا محمد متوافقا مع مايريده عاطفيا لذلك جائته الاجابة التي يريدها.

تعريف التحيز الخفي Confirmation Bias

يمكن أن نعرف التحيز الخفي للرأي بأنه الاتجاه التلقائي للبحث عن الأدلة التي تتفق مع رأينا وتدعمه بغض النظر عن دقتها, وإهمال تلك الأدلة التي تخالفه أو غض النظر عنها. يعتبر التحيز الخفي للرأي أحد أشكال التحيزات اللاواعية التي نقع فيها دون وعي مباشر.

ينتج عن هذا التحيز الخفي أن نبحث أو نتذكر تلك المعلومات التي تؤيد رأينا وكذلك نقوم بتفسير أي شيء بما يتناسب مع رأينا.

نبه كثير من علماء المسلمين قديما وحديثا وحذروا من هذا التوجه الخاطئ في التفكير ولعل من أبرزهم الشيخ ابن عثيمين حيث ذكر في نصيحته لطالب العلم حين يريد أن يبحث عن حكم مسألة ما "أن يبحث وذهنه خال من الحكم المسبق حتى لا يتأثر أثناء بحثه بالتركيز على الكلام الذي سيساند رأيه"

والحقيقة أن أغلب الناس وبشكل غريزي يتجنبون الآراء والأدلة التي تخالف آراءهم لأنها قد تسبب الإحباط والتشويش , خصوصا ممن تعود منذ صغره على رأي واحد., فالاعتراف وبشكل صريح بأننا مخطئون قد يكون مهينا لدى البعض.

يعتبر هذا العيب في التفكير من العيوب القوية والتي حتى بعد أن نفهمها سنواجه تحديا كبيرا في تصحيحها.

مثال :

هل اشتريت سهم أو جائتك رغبة ملحة بشراء سهم وبعد ذلك أصبحت تبحث عن كل أخباره الايجابية ؟

هل لاحظت نفسك تتجاهل المواضيع التي تتحدث عن المخاطر حول هذا السهم ؟



مثال :

- هل تذكر وبكل أمانة, في الماضي أنك بحثت في قوقل عن موضوع خلافي مثل حجاب المرأة أو فوائد الحجامة أو الصعود إلى القمر أو قيادة المرأة ؟

مالرأي الذي كنت متحمسا له ؟ هل تذكر كيف كنت تركز على المواقع أو النتائج والأدلة التي تدعم رأيك ؟

هل كنت تتجاوز الحجج التي تخالفك رأيك وتمر عليها مرور الكرام ؟

هل كانت هناك مغالاة في الربط بين ما تعتقد وأمور ايجابية يمكن أن تحدث ؟ وبين الرأي الآخر وأمور سلبية يمكن أن يسببها ؟

مثال آخر :

إذا كنت ممن يؤمن بفكر مثل التخاطر وكنت تفكر في أحد أصدقائك وفجأة وإذا به يتصل بك.
أنت سوف تفسر هذا الاتصال بأنه تأكيد لفكرة التخاطر , بينما سيفسره شخص آخر بأنه جزء بسيط جدا من الاحتمالات لا يرقى لدرجة التفسير المنطقي.

نتائج للتحيز الخفي

إن هذا البحث أو التذكر المتحيز هو أحد التفسيرات لسلوكيات خاطئة مثل

الرأي المتطرف, التعنت على الرأي مع ضعفه, الربط الضعيف بين المعلومات , القفز إلى النتائج

التحيز الخفي يبعدنا عن الموضوعية

التحيز الخفي للرأي يخالف التفكير الناقد لأنه يجعلنا :

- نجعل وعينا وتركيزنا منصبا على مصادر الأدلة التي تؤيد موقفنا.
- نفضل ونختار الأدلة التي تدعم رأينا ولا نقيمها بشكل علمي.
- نعتقد بأن المستقبل كفيل بإظهار حقائق جديدة سوف تؤكد رأينا.
- نتشبث بإصرار وإلحاح برأينا.
- نتمسك بآراء وجدنا عليها آباءنا بغض النظر عن صوابها.

التحيز الخفي ومهارة اتخاذ القرار :

يشكل التحيز الخفي تأثيرا سلبيا على مهارة اتخاذ القرار لأنه :

- لا يجعلنا منفتحين على أفكار الآخرين ولا يساعد على رؤية الخيارات الأخرى بدقة وعناية.
- لا يبحث عن سلبيات ومخاطر القرار بسبب الرغبة الداخلية الملحة لاتخاذه.