التناغم بين المشاعر والقيم

ملصق أسرتنا
أحياناً كثيرة عندما تناقش (العادة الثانية: ابدأ والمنال في ذهنك) في شكل صياغة رسالة حياة شخصية أو عائلية أو مؤسساتية يُخيِّم على الجميع جو من الكآبة والملل, قد اشترك الكثيرون في حلقات تصورية لا يُعد بها إطلاقاً؛ لأنه قد عُجل بها وأعلنت في صورة عبارات خيالية، ولكنها سريعان ما راحت طي النسيان, فإذا ما تم أداؤها على هذا النحو فإنها تودي إلى تولد شعور بالاستخفاف بكل شيء, وإليك فيما يلي قصة أب ابتكاري عملي ضمن نطاق مراجعة أطفاله لصياغة رسالة حياة عائلية. كنت أحاول لسنوات طويلة أن أجد طريقة سهلة لوضع رسالة لحياتي مع أسرتي، وكانت أعمار أبنائنا الأربعة هي عشرة, وسبعة, وأربعة, وعام واحد, ولذلك لم يكن بمقدورهم تماماً الجلوس لمناقشة الأمر بجدية باستخدام جميع المصطلحات اللازمة, حتى زوجتي لا تُحبذ الدخول في المناقشات النظرية, ورغم إعجابها بالأفكار إلا أنها أحياناً لا ترغب في أن أقوم بدور المدرب الأسري. لحد قرأنا معاً كتاب "العادات السبع للأسرة" واستمتعنا حقاً بما تضمنه من أفكار رائعة, ولكن عندما جلسنا لتطبيق تلك الأفكار وصياغة رسالة لحياتنا انتهى الأمر بابني "جوردون" البالغ من العمر أربعة أعوام إلى أن يقوم ببعض الحركات البهلوانية فوق رأس أخيه.


أحياناً أحاول أن أتناول الموضوع من جانب آخر كتوجيه أسئلة مثل: ما الذي يُميز أسرتنا؟ أو ما نوع الأسرة الذي ينبغي أن تندرج تحته أسرتنا؟ ووجدت نفسي موقف لا أحُسد عليه, عندما أدار أطفالي الكبار أعينهم بامتغاض ثم صاح "جوردون" قائلاً: "أعتقد أنه ينبغي علينا أن نتناول البيتزا في العشاء كل ليلة". وبعدها قررت أن أجرب شيئاً أكثر ملاءمة لتفكير الأطفال, فأحضرت لوحة إعلانات كبيرة ومجموعة كاملة من المجلات والكتالوجات ومقصاً وغراءً, ثم جمعت الأطفال وأخبرتهم أننا سنقوم بصنع مُلْصَقَّة أسرية نقوم فيها بالبحث عن صور وقصاصات المجلات التي ترمز وتعبر عن أسرتنا, فأعجبتهم الفكرة وشرعوا على الفور في تنفيذها, وفي غضون دقائق قليلة عثرت ابنتي على صورة لأسرة تسير في الغابة بصحبة أطفالها الثلاثة, فصاحت: "أبي، أبي أتذكر عندما قمنا بنزهة خلوية سيراً على الأقدام إلى "silver lake" قبل أن يولد "تريفور"؟ سيكون ذلك ممتعاً لو قمنا به مرة أخرى".


ثم عثر "تانر" البالغ من العمر سبعة أعوام على صورة لحزام به حقيبة ممتلئة بالطعام فصاح: "أبى, أبي انظر هذا حزام مثل الذي كنت ترتديه عندما ذهبنا للتزلج على الجليد". وكان يوم السبت هو اليوم الذي تقضيا الأسرة في التزلج على الجليد, وكنت أرتدي حزاماً به حقيبة مملوءة بالفاكهة والحلوى, وعندما نشعر بالجوع نقوم بخلع مزلاجينا ونجلس على الجليد لتناول بعض الوجبات الخفيفة. أدركت أنه يرمز بهذه الصورة المحسوسة إلى مشاعر الود والصداقة التي نشعر بها عندما نتزلج معاً، ولذلك قمنا بلصق هذه الصورة على لوحة الأسرة، وهكذا عثر طفلانا الأكبرين سناً على صورتيهما بسهولة, وجاء دور "جوردون" الذي كان متردداً إلى حب ما في اختيار الصورة التي يريدها، ولكنه سرعان ما وقعت عينه على صورة تجمع دباً قطبياً وذئباً وظبية, ورغم أنه لا يعيش الآن بالقرب من القطب الشمالي إلا أن الحياة البرية جعلته يتذكر ما كنا نقوم به من نزهات في المساء، ولأننا نعيش في منطقة تُغطيها الأشجار, فأحياناً ما تخرج الظباء وقت الغسق بحثاً عن الطعام، ولذلك قال "جوردون": "أبي, أبي أتذكر حينما أقبل عليك ذلك الوعل بقرونه الُمتشعبة وأبَى أن يفسح الطريق؟ وبذلك عثر "جوردون" على صورته. ويمكنني القول بأنه: بينما كان أطفالي يبحثون ويختارون ويقصون ويلصقون الصور نجد أنهم قد بدأوا يشعرون بمدى تفرد وأهمية الأسرة التي ينتمون إليها, ورغم أننا لم ننته بعد من ملصقنا إلا أن الفرصة لا تزال قائمة للقيام بذلك, هي الواقع, فإنه قد بلغ من إعجاب "تانر" بهذه الفكرة أنه وَدّ لو يصنع ملصقته الخاصة والتي تضم كل ما يرغب في تحقيقه خلال حياته, فهل يمكنك أن تتخيل ذلك؟ طفل في السابعة من عمره يرغب في صياغة رسالة حياته!


بالطبع أنه لا يدرك معنى ما يرغب القيام به, ولكني لن أُخبره الآن بمغزى ذلك حتى يكبر وينتهي منه, فلا أريده أن يُدير عينيا مرة أخرى امتعاضاُ مما أقوله. لكل منا أهداف في حياته, لكن لا يُدون منها إلا القليل, ولا يُنمَّي منها شعورناً إلا القليل, لكن لكل شخص أهداف متبلورة في صورة قيم راسخة يهتدي بها في اتخاذ قراراته, وبدون شك أن أهم قرار نتخذه في حياتنا هو ذلك القرار الذي يؤثر على كل القرارات الأخرى, ويُطلق البعض على هذا القرار "رسالة الحياة" بينما يُسميه البعض الآخر فلسفة الحياة أو عقيدتها أو مجموعة القيم أو ببساطة أهداف الحياة, لكن أياً كان الاسم فإنه يشير بشكل أساسي إلى تلك المعايير التي نهتدي بها شعورياً أولاً شعورياً في اتخاذ جميع قراراتنا. وإن رسالة الحياة هذه يمكن أن تُصاغ في صوت صورة أو أغنية أو شعار أو صورة أو كلمات قليلة أو كثيرة. أو ما في الأمر هو الاندماج بشكلِ عميق وفعال خلال فترة كافية من الوقت؛ حتى يتحقق التناغم بين المشاعر والقيم والدوافع والرغبات والآمال والمخاوف والشكوك, وهناك تعبير يستخدمه رواد الفضاء مناسب لذلك وهو. كل الأنظمة تعمل بنجاح. وعندما تتم صياغة رسالة الحياة هذه، ويتم استخدامها على نحو دائم كمعيار أساسي لكل القرارات. فإنها تًصبح مصدراً هائل القوة للشجاعة التي تساعدك على رفض ما لا يتناسب معها وقبول ما يناسبها.