هناك مصطلح يسمى "جودة الحياة"، فطول الحياة بدون جودتها معنى أجوف، ومعنى جودة الحياة أن تجد جودة لحياتك الجسدية والنفسية والاجتماعية والصحية، وهذا هو تعريف الصحة العالمية، وأن تستطيع تذوق المعاني الجميلة في هذه الدنيا، وللأسف هناك الكثيرون الذين يعيشون ويموتون دون أن يشعروا بمعنى جودة الحياة، فهناك على سبيل المثال مقبرة في إحدى المدن الإيطالية لا يكتب عليها تاريخ الوفاة والميلاد، وإنما يكتبون عليها المدة التي عاشها المتوفى في حب، فيكتب عاش فلان شهرين أو ثلاثة شهور أو أربع سنوات، وحينما تم إجراء دراسة عن هذه المقبرة وجد أن 40% ممن دفنوا داخلها لم يعيشوا أبدا لأنهم لم يعيشوا الحب.

وأثبتت الأبحاث والدراسات أن وجود الحب والعاطفة والمساندة الاجتماعية تساعد جميعها على تكوين الخلايا العصبية وزيادة الاتصال بينها، في حين أن الانعزال والوحدة يسببان ضمورا في المخ، كما ثبت أيضا أن الوحدة والحرمان تسبب سلوك التحطيم الذاتي غير المباشر.

* هل معنى ذلك أن الحب والعاطفة كفيلان بالقضاء على الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية؟ ومن ثم إنقاذ شبابنا من الضياع والاكتئاب والامراض النفسية

- الإنسان غير القادر على الحب هو إنسان يفقد جزءا كبيرا من حياته وإنسانيته، وتتحول حياته إلى ما يشبه الحيوانية، فالحب هو الذي يلون الحياة، والإنسان الذي تحول الظروف بينه وبين الحب هو إنسان لا يتذوق طعم الحياة، يحيا ولكنه لا يعيش.

ولا شك أن حنينا إلى الماضي أو ما نسميه "الزمن الجميل" سببه أن الحب والمشاعر الجميلة والرقي الأخلاقي كانا يملآن حياتنا، أما الآن فالإنسان يشعر بالفراغ العاطفي والروحي، والأفلام معظمها ضرب وقتل وصراعات دموية، لذلك التف كل العالم حول فيلم "قصة حب" وبكى على هذه القصة الرومانسية الجميلة.




روشتة السعادة

- يقول المولى عز وجل في القرآن الكريم "ولقد خلقنا الإنسان في كبد"، أي في تعب ومشقة، وهذا معناه أن الراحة التي يسعى إليها الإنسان لن تحدث إلا في العالم الآخر بعد الموت، ولكن الذي يمكننا أن نبحث عنه هو "رضا النفس" الذي يحقق قدرا من السعادة يكفي الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهنا نقول إنه كلما كان هناك أقارب وأصدقاء وجيران بينهم مودة ورحمة وتضحية كان الإنسان في حالة رضاء وسعادة.

وقد كشفت دراسة دولية -عن مقدار تحقق الرضا عند الإنسان- أن رضا النفس موجود في البلدان الإفريقية الفقيرة بنفس الدرجة الموجودة في الدول الإسكندينافية والأمريكية، وهذا يعني أن السعادة ليست كلها في رأس المال المادي، وإنما في رأس المال الاجتماعي أيضا.



التكاتف الاجتماعي تاثيره على الضغوط والأزمات النفسية؟

- اتضح أن سبب رضا النفس في البلدان الفقيرة هو ذلك التكاتف الأسري والنسيج الاجتماعي المترابط الذي يعيشه المواطن مع الأشخاص المحيطين به، وذلك مقارنة بالارتياح المادي الذي يُشعر الإنسان بالرضا في الدول الغنية، وعلى هذا كان مقدار السعادة الذي يعشيه المواطن في الدول الفقيرة والدول الغنية واحدا، فالذي يعوض الثراء المادي هو النسيج الاجتماعي المتماسك الذي قد يمثل الوقاية الوحيدة من الاكتئاب وغيره من الأمراض النفسية.

وقد كشفت الدراسات أن الشخص الذي يجلس في نسيج اجتماعي به ثراء تزيد خلاياه العصبية الموصلة إلى المخ مما يشعر الشخص بالثراء في داخل نفسه، بعكس إذا ما كان الإنسان يعيش في عزلة أو نسيج اجتماعي سيئ، فهنا يحدث ضمور في خلايا المخ، مما يؤدي إلى شعور الشخص بمزيد من الانطوائية.