أنواع الذاكرة لدى البشر !
أنظمة الذاكرة الواعية واللاواعية
النوع الأول: إن نظام الذاكرة التحليلية الذي يحفظ معرفتنا الواعية بالحقائق- اسم أمنا الأول، اسم عاصمة سويسرا- مصمم على نحو يستبق على المعلومات ويتخلص من التفاصيل الأخرى الفرعية المرتبطة بتلك المعلومات والمتمثلة في: متى، وأين وكيف اكتسب المرء هذه المعلومات. وهذا يفسر السبب في نسياننا لبعض الأمور، أما النوع الثاني، وهو الأمر المثير للفضول بدرجة أكبر، فهو المتمثل في أن انتحال الأفكار البريء. قد يكون هذا النوع في بعض الأحيان نتاجًا لتلك الحقيقة التي تقول إن لدينا أنظمة ذاكرة منفصلة ومستقلة تمامًا داخل عقولنا، بعضها واع والآخر غير واع. بعبارة أخرى، إننا عندما نقوم بسرقة بعض أفكار الآخرين ببراءة، ربما نكون في واقع الأمر نتذكر شيئًا ما دون أن ندرك أن ذلك مجرد ذكرى داخلنا وليس من بنات أفكارنا.

النوع الأول من النسيان
من السهل علينا فهم هذا النوع الأول من النسيان، حيث إن ما نعلمه، أو نعتقد أننا نعلمه عن العالم من حولنا قد يأتي إلينا من مصادر نسيناها منذ وقت طويل. فمتى تعلمت معنى كلمة يانع مثلاً؟ من أول من أخبرك عن مكان مولدك؟ كيف علمت الآجر الذي تتقاضاه المطاعم مقابل الطعام الذي تقدمه؟ لا يهم على الإطلاق الكيفية التي خزنت بها ذاكرتك التحليلية تلك المعلومة أو المعرفة، فكل ما يهم هو أن المعلومة قابعة في ذاكرتك. وهكذا، فربما تكون عملية نسيان الظروف المحيطة بتعلم الأشياء مجرد آلية فعالة للحفاظ على المعلومات المهمة دون استخدام المخ ببيانات فرعية.

النوع الثاني من النسيان
ولكن النوع الثاني من النسيان والذي يمكن أن يؤدى إلى سرقة الأفكار دون وعى، هو أقل وضوحًا، كما أن اكتشافه قد استغرق من الباحثين أعمالاً بحثية أطول قليلاً. فعلى نقيض وجهة النظر القديمة بأن الذاكرة نظام واحد متعدد التعبيرات (ذاكرة للأماكن، ذاكرة لضرب كرة التنس، وذاكرة للعادات الواعية والأعمال الروتينية)، فقد أثبت الباحثون الآن وجود أنظمة ذاكرة، منفصلة غير واعية وضمنية والتي تلقى بظلالها على معارفنا وذكرياتنا الواعية. وقد أثبتوا كذلك أن تلك الأنظمة المختلفة تعتمد على شبكات عصبية مختلفة والتي تعمل في أجزاء مختلفة عن المخ.

كيف يعمل نظام "التلقين" أو "التحفيز"؟
أحد أنواع الذاكرة الضمنية أو غير التصريحية والذي تمت دراسته جيدًا يعرف بالتلقين أو التحفيز. وتقدم هذه التسمية على فكرة أن المعلومات التي تم استرجاعها من قبل يمكن أن "تلقن" أو "تحفز" المخ بحيث يسترجع ويتذكر بشكل صحيح أنه مر بهذه المعلومات من قبل. ويحدث ذلك حتى ولو كانت البيانات التي تم استرجاعها مخزنة أساسًا تحت مستوى الوعي.


أحد الأمثلة على التلقين الواعي ذلك التمرين والذي يطلب منك دراسة قائمة من الكلمات، ثم بعد أخذ وقت مستقطع، يطلب منك أن تنظر إلى قائمة من الكلمات غير مكتملة الأحرف ويكون عليك استكمالها. وسوف تساعدك ظاهرة التلقين تلك على استكمال الكلمات التي وردت في القائمة السابقة. وسوف يعمل المخ على هذا النحو سواء رأت ذاكرتك التصريحية تلك الكلمات وردت في القائمة الأولى أم لا. وفقاً لبعض التجارب التي أجريت بواسطة الباحثين في مجال الذاكرة، فإن تأثير عملية التلقين لها نفس القوة سواء بعد أسبوع أو بعد ساعة واحدة، حتى لو كانت الذاكرة التصريحية الخاصة بقائمة الكلمات قد ذبلت وذوت.


إن التلقين إذن، هو نوع من أنواع الذاكرة الذي يسمح لنا بالتعرف على الأشياء التي ربما لا نتذكر بشكل واع أننا كنا قد رأيناها. ولكن قد تصبح الأمور أكثر غرابة من ذلك. تخيل السيناريو التالي: قام مريض يعانى من حالة فقدان مؤقت للذاكرة أو نسيان شديد بزيارة طبيب. غادر الطبيب الغرفة. وبعد عشر دقائق قام احدهم بعرض صور لعدة أشخاص على المريض، بمن فيهم وجه الطبيب الذي قابله لتوه. وتم سؤاله ما إذا كان قد التقى بأي شخص من الذين تم عرض صورهم عليه، وكانت إجابته بالنفي. ولكن عندما تم الضغط عليه للإشارة إلى وجه ربما يكون قد رآه من قبل لو كان قد قابل أيًّا من هؤلاء الأشخاص، أشار المريض إلى صورة الطبيب الذي كان قد رآه منذ عشر دقائق. (بالمناسبة، يعد الاختبار الوارد ص 248 والقائم على استكمال الأحرف الشاغرة مناسبًا كذلك لمرضى فقدان الذاكرة المؤقت).


وتؤثر آليات الذاكرة غير التصريحية، مثل التلقين، على سلوكنا بشكل مستمر حتى ولو لم تدرك ذلك. وإذا طلب من المريض الذي تم وصفه أعلاه الحكم على تلك الأوجه من حيث مدى "تقلبه" لها، لكان هذا المريض سيفضل على الأرجح وجه الطبيب. وهكذا فإن مجرد التعرض إلى شيء ما يمكن أن يقودنا إلى تقلبه أو حبه سواء كنا نتذكره بشكل واع أم لا- وهى الحقيقة التي أدركتها وكالات الإعلان منذ وقت مضى، ولكن إذا كان هذا الطبيب تصرف على نحو غير محبب تجاه المريض، لكان المريض قد حكم على وجهه بوصفه وجهًا غير ودود. وعلى غرار ذلك، فإن التعرض لتجربه غير سارة يمكن أن يولد رد فعل مخيفًا لدى الشخص حتى بعد انتهاء التجربة نفسها بوقت طويل ونسيانها، الأمر الذي يؤكده الأشخاص الذين يعانون من الفوبيا. -