حاز دميتري ايفانوفيتش منديلييف على الشهرة في العالم بصفته صاحب الجدول الدوري للعناصر الكيميائية. لكن بحوثه العلمية لا تقتصر على الكيمياء فقط.
ولد دميتري ايفانوفيتش منديلييف في 27 يناير( 8فبراير حسب التقويم اليولياني القديم) عام 1834 بالقرب من توبولسك في سيبيريا. وكان دميتري الطفل السادس عشر والاخير في اسرته علما ان ثمانية منهم فارقوا الحياة في سن الطفولة. اما منديلييف نفسه فقد تزوج مرتين. ورزق بسبعة ابناء وبنات (توفي احد اطفاله صغيرا) من زوجتين. وتزوج الشاعر الروسي الكسندر بلوك احدى بنات منديلييف.
· في عام 1855 تخرج منديلييف من كلية الفيزياء والرياضيات في معهد التربية في سانكت بطرسبورغ.
· في عام 1855 مارس التعليم في مدرسة خاصة بالذكور في سيمفروبل.
· في عامي 1855 - 1856 مارس التعليم في مدرسة في اوديسا.
· في اعوام 1857 – 1890 – عمل مدرسا في جامعة بطرسبورغ وفي اعوام 1863 – 1872 اصبح استاذا في المعهد التكنولوجي في بطرسبورغ.
· في اعوام 1859 – 1861 – عمل في بعثة علمية بجامعة هايدلبرغ في المانيا.
· في عام 1865 ناقش رسالة الدكتوراه بعنوان " حول تركيب الكحول مع الماء" والتي تضمنت افكاره الرئيسية حول السوائل.
· في عام 1876 انتخب عضوا مراسلا في اكاديمية العلوم الامبراطورية في بطرسبورغ.
شارك منديلييف في اعداد تكنولوجيات اول مصنع لانتاج مواد التشحيم
بروسيا تم تشغيله في بطرسبورغ في عام 1879 ببلدة قسطنطينوفسكي في محافظة ياروسلافل والذي يحمل اسمه الآن.
· في عام 1890 ترك العمل في جامعة بطرسبورغ بسبب خلافه مع وزير التعليم الذي رفض في اثناء المظاهرات الطلابية تسلم عريضة الطلاب من منديلييف.
توفي منديلييف في 20 يناير (2 فبراير) عام 1907 في سانكت بطرسبورغ.
اطلق اسمه على العنصر الكيميائي رقم 101 –" منديلفيوم".
بحوثه العلمية
ألف منديلييف العديد من البحوث الاساسية في مجال الكيمياء والتكنولوجيا الكيميائية والفيزياء وعلم القياسات والتحليق في الجو وعلم الارصاد الجوية والزراعة والاقتصاد والتعليم العام وغير ذلك من الاعمال المتعلقة بمتطلبات تطوير القوى المنتجة في روسيا .
خلف منديلييف ما يربو على 1500 بحث منها البحوث الكلاسيكية- " اصول الكيمياء" (أول عرض منهجي للكيمياء غير العضوية). كما ألف منديلييف اول كتاب مدرسي روسي بعنوان" الكيمياء العضوية".
درس منديلييف(في اعوام 1854 – 1856) الظواهر التي تكشف العلاقة بين الشكل البلوري والتركيب الكيميائي للمركبات ، وكذلك تبعية صفات العناصر لمقادير ذراتها.
أكتشف في عام 1860 " درجة حرارة الغليان المطلق للسوائل" او درجة الحرارة الحرجة.
صمم في عام 1859 جهاز تحديد كثافة السوائل.
وضع في فترة 1865-1887 النظرية الهيدراتية للسوائل ، كما طور فكرة وجود مركبات ذات تركيب متغير.
كشف منديلييف لدى دراسة الغازات في عام 1874 الصيغة العامة لوجود الغاز المثالي. وفي عام 1877 طرح منديلييف فرضية نشوء النفط من كاربيدات المعادن الثقيلة ، حقا ان غالبية العلماء لا تتقبلها اليوم ، وطرح مبدأ التقطير التفتيتي لدى تكرير النفط.
وطرح في عام 1880 فكرة تغويز الفحم تحت الارض. ودرس قضايا استخدام انجازات الكيمياء في الزراعة ودعا الى استخدام الاسمدة المعدنية وارواء الاراضي القاحلة.
شارك في اعوام 1890 – 1890 في صنع البارود عديم الدخان.
وانجز العديد من الاعمال في مجال الارصاد الجوية. واعد نظرية دقيقة للأوزان وصمم افضل التراكيب لذراع الموازنة والقامطة، واستحدث ادق اساليب الوزن. وفي عام 1892 اصبح دميتري منديلييف العالم – امين الحفظ في خزانة عيارات الوزن والميازين النموذجية التي تحولت في عام 1893 بمبادرة منه الى الهيئة العامة للمقاييس والاوزان (تطلق عليها حاليا تسمية معهد منديلييف لبحوث الارصاد الجوية).
كان مجال اهتمامات منديلييف في حينه قريبا من علم المعادن وتحفظ مجموعته من نماذج المعادن بعناية في متحف قسم علم المعادن في جامعة سانكت بطرسبورغ.
صناعة البارود
اعار دميتري مندلييف اهتماما كبيرا الى الجانبين الصناعي والاقتصادي لصناعة البارود. وطرح مهمة استخدام المواد الخام المحلية حصرا في الانتاج فدرس امكانية الحصول على حامض الكبريتيك من الخامات المعدنية الكبريتية(البيريتات) المحلية. وجرت في خريف عام 1892 أولى التجارب في هذا المجال. واستحدثت في غضون عام ونصف العام تحت اشراف منديلييف تكنولوجيا الانتشار الحراري التي اصبحت اساس انتاج البارود عديم الدخان الروسي الذي يتفوق من حيث الخواص على البارود الاجنبي.
الجدول الدوري للعناصر
ثمة تضليل شائع مفاده ان منديلييف رأى جدوله في الحلم. بيد ان الامر ليس كذلك. فأن القانون الدوري هو ثمرة عمل استمر اعواما طويلة.واجاب منديلييف مرة حين سألوه حول كيف اكتشف الجدول الدوري بقوله:"انني ربما فكرت فيه طوال عشرين عاما ، بينما تعتقدون انني جلست .. وفجأة كان كل شئ جاهزا".
أكتشف منديلييف في فبراير عام 1869 لدى تأليف " اصول الكيمياء" احد قوانين الطبيعية الرئيسية – القانون الدوري للعناصر الكيميائية ( يسود الاعتقاد في الغرب ولاسيما في المانيا ان لوتار مايير توصل الى هذا الاكتشاف ايضا). ان الاختلاف الكبير بين هذين الجدولين يكمن في ان جدول مايير هو احد صيغ تصنيف العناصر الكيميائية المعروف في ذلك الزمن ، اما الخاصية الدورية التي اكتشفها منديلييف فتمثل منظومة قادت الى ادراك الحتمية التي اتاحت تحديد مكان العنصر فيها – والتي لم تكن معروفة آنذاك، والتنبؤ ليس فقط بوجود العنصر بل تحديد خصائصه ايضا.
قام منديلييف في اعوام 1869 – 1871 بتطوير فكرة الخاصية الدورية واستحدث المفهوم حول مكان العنصر في الجدول الدوري بأعتباره اجمالا لخواصه بالمقارنة مع خواص العناصر الاخرى. واعتمادا على هذا الاساس قام بتعديل قيمة الاوزان الذرية لتسعة عناصر واورد خواص ثلاثة عناصر اخرى لم تكتشف بعد. ومن ثم تنبأ ايضا بوجود ثمانية عناصر اخرى منها البولونيوم(اكتشف في عام 1898 ) والاستاتين ( اكتشف في عامي 1942 – 1943) والتكنيتيوم ( اكتشف في عام 1937) والفرانسيوم (اكتشف في عام 1939).
وفي عام 1900 خلص منديلييف ووليام رامزي الى استنتاج حول وجوب ان تدرج في جدول العناصر المجموعة الصفرية الخاصة من الغازات النبيلة.
التحليق في الجو
عندما بدأ منديلييف بدراسة قضايا التحليق في الجو واصل بحوثه في مجال الغازات والارصاد الجوية ، فأولا قام بتطوير مواضيع اعماله المرتبطة بمقاومة الوسط المحيط وصناعة السفن.
وفي عام 1875 صمم منطادا يبلغ حجمه 3600 متر مكعب ومزودا بقمرة (غوندولا) محكمة الانسداد من اجل اطلاقه الى طبقات الجو العليا( جرى اول تحليق الى الغلاف الجوي العلوي(الطبقي) فقط في عام 1924).
كما صمم منديلييف منطادا بمحركات. وفي عام 1878 حلق العالم حين كان في فرنسا في المنطاد" جفارا" المربوط بسلك في الارض.
وفي صيف عام 1887 قام منديلييف بالتحليق في منطاد بروسيا من اجل رصد كسوف الشمس الكامل، وتم اطلاقه بمساعدة الجمعية التقنية الروسية.
ان الظروف التي جرى فيها التحضير للتحليق تدل مرة اخرى على ان دميتري منديلييف كان عالما تجريبيا فذا( ويمكن ان نعيد الى الاذهان بهذا الصدد قوله:" ان البروفيسور الذي يقرأ المحاضرات بموجب المقرر الدراسي فقط دون ان يمارس العلم ولا يمضي قدما الى الامام – هو عالم لا نفع منه بل انه ضار حقا"). وابدى منديلييف ولعا كبيرا بأمكانية رصد الاكليل الشمسي لأول مرة من منطاد في فترة الكسوف الكامل لها. واقترح ان يستخدم في ملء المنطاد ليس غاز الاستصباح بل غاز الهيدروجين الذي يتيح الارتفاع الى مسافات عالية ، مما يوسع قدرات الرصد.
كما ابدى منديلييف اهتماما كبيرا بالاجهزة الطائرة التي يزيد وزنها عن وزن الهواء.
صناعة السفن. ارتياد مناطق اقصى الشمال
تواصلت اعمال منديلييف في مجال مقاومة الوسط المحيط والتحليق في الجو في بحوثه المكرسة لصناعة السفن وارتياد البحر في المناطق القطبية. وطرح العالم فكرة بناء حوض تجريبي لأختبار السفن. كما إلتحق منديلييف ببعثة في محطمة جليد توجهت الى المحيط المتجمد الشمالي. ووجد في هذه المبادرة السبيل الواقعي لحل الكثير من المشاكل الاقتصادية الهامة مثل ان ربط مضيق بيرنغ بالبحار الروسية الاخرى من شأنه ان يكون بداية استخدام الطريق البحري الشمالي مما يجعل من اليسير بلوغ مناطق سيبيريا واقصى الشمال.
في فترة 1901 – 1902 اعد منديلييف مشروع ارسال بعثة قطبية بواسطة محطمة جليد. ورسم العالم الطريق البحري " الصناعي" في المناطق
الشمالية لكي تمر فيه السفن بالقرب من القطب الشمالي.
منديلييف .. باحثا اقتصاديا
كان منديلدييف ايضا باحثا اقتصاديا بارزا حدد الاتجاهات الرئيسية لتطور روسيا الاقتصادي.
وكان منديلييف من اشد انصار فرض الحماية الجمركية للسلع الروسية الصنع واستقلال روسيا اقتصاديا. ودافع منديلييف عن الصناعة الروسية من منافسة البلدان الغربية ، وربط تطور الصناعة في روسيا بالسياسة الجمركية العامة. واشار العالم الى وجود اجحاف في النظام الاقتصادي الذي يسمح الى البلدان التي تقوم بمعالجة لمواد الخام جني ثمار عمل العمال في البلدان المصدرة لهذه المواد الخام.وبرأيه ان هذا النظام " يعطي الافضلية الى الفئة المالكة على حساب الفئة المحرومة".
البعثة الى الاورال
فى عام 1899 ترأس العالم بعثة الى الاورال وشارك في دراسة صناعة الحديد في الاورال- وكانت من أهم مراحل نشاط منديلييف كباحث اقتصادي. وذكر في كتابه :" نحو ادراك روسيا" قائلا:" لقد شاركت في حياتي في تحديد مصير امور ثلاثة : صناعة النفط وصناعة الفحم الحجري وصناعة الحديد". وجلب العالم من بعثة الاورال مادة لا تقدر بثمن ادرجت لاحقا في كتابيه" آراء حول الصناعة "و" نحو ادراك روسيا".
نحو ادراك روسيا
كتب منديلييف في عام 1906، حين شهد احداث الثورة الروسية الاولى وتأثر بحس مرهف فيما جرى ورأى اقتراب فترة التغيرات الكبرى، كتب آخر مؤلف كبير له بعنوان " نحو ادراك روسيا". واحتلت مكانة الصدارة في هذا العمل دراسة القضايا الديموغرافية.
والامر الهام في هذا الكتاب ايراد مركزين في روسيا هما – الاراضي(السطح) والسكان. وكشف منديلييف لأول مرة ان استبيان مركز الاراضي في الدولة يعتبر أهم معيار جيوسياسي بالنسبة الى روسيا.وأرفق العالم كتابه بخريطة ذات رؤية جديدة عكست فكرة التطور الصناعي والثقافي الموحد لشطري البلاد الاوروبي والاسيوي، الامر الذي من شأنه ان يساعد على تقارب المركزين.
توفي منديلييف في 2 فبراير/شباط عام 1907 في سانكت بطرسبورغ