تجاذبت أطراف الحديث في الأسبوع المنصرم مع أحد أصدقائي حول نِعَم الله علينا التي لا تعد ولا تحصى، وكيف أنَّ الله قد أنعم علينا بالصحة والعقل والمال وأغنانا عن سؤال الناس، وقد دار هذا الحديث بالتحديد أثناء مشاهدتنا لمن يجوب الشوارع والطرقات سائلاً العباد من فضلهم، وخلال حديثنا الشيق أفصح لي صديقي عما يجول في خاطره من مخاوف إزاء المستقبل المجهول وما يخبؤه القدر، وما الذي من الممكن أن يحدث لو جار عليه الزمن واضطر إلى سؤال الناس – أعاذنا الله وإياكم من مثل ذلك. في الحقيقة أنا نفسي كنت أعاني من تلك الهواجس اليومية لوقت قريب، مما أدى بي إلى تصرفات أثرت سلباً في أموري الشخصية والمهنية، لكني تمعنت في الأمر كثيراً وإلى الأسباب المؤدية إلى مثل تلك الحالة، وتوصلت في نهاية المطاف إلى نظرية عملية أجزم بصحتها والتي سأطرحها عليكم اليوم، فهي خلاصة مشاهداتي الإجتهادية لما علمتني الحياة، فهنالك سنن ثابته سنَّها الله سبحانه وتعالى يوم خلق الدنيا، ولن أتعرض للموضوع من الناحية الدينية، ليس لعيب في الدين لا سمح الله، ولكني واثق من أنَّ الجميع مدرك لرأي الدين في ذلك، فالجميع يعلم قول الله تعالى: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا } سورة هود من الآية 6، بينما المسلمون اليوم يحتاجون إلى تفسير دنيوي عملي يمكنهم من فهم مقاصد الشريعة الإسلامية من خلال آلية عمل يستشعرونها في حياتهم اليومية. سأبدأ باستفهامات قد تبدو مألوفة لأغلبكم ولكن لابد من طرحها: هل وقف أحدنا يوماً على معنى النجاح والأسباب المؤدية إليه؟ هل فكر أحدنا يوماً لماذا يكون النجاح حليف أشخاص معينين لا يفارقهم، ونفير أشخاص آخرين لا يقربهم؟ لعلكم تتساءلون ما علاقة الفقر والمستقبل الغامض بالنجاح وآلياته؟ أقول لك عزيزي القارئ أنَّ فهم النجاح وآلياته وكيفية عمل قوانينه تجنبك الخوف من المستقبل المجهول، دائماً ما نسمع مقولة: ( إصنع مستقبلك بنفسك )، هل فكر أحدنا بمعنى هذه الجملة؟ كيف يمكن للفرد أن يصنع مستقبله بنفسه؟ هنا يكمن السر.سأنطلق من هذه النقطة … صناعة المستقبل، ولفهم مرادي دعوني أشرح معنى « الفقر » والتي هي فحوى صناعة المستقبل، ماذا يعني الفقر؟ الفقر بمفهومي يعني الفشل … نعم الفشل، فلو تدبرت عزيزي القارئ في الفقر وأسبابه لوجدت أنَّ الفقر ناتج عن سوء التخطيط وضعف العمل، الفقر يعني أنَّ الإختيارات في الحياة لم تكن صائبة والقرارات لم تكن في محلها، الفقر يعني أنَّ المال الذي تم تحصيله لم يُدخر للمستقبل، كما أنه لم يُنفق على النحو السليم، الفقر يعني أنَّ هنالك عادات سيئة كانت تُمارس بشكل يومي والحياة اليومية كانت خالية من أي إدارة، والفقر يعني أنَّ الإحباط هو سيد الموقف ولا مكان للتفاؤل، الفقر يعني أنَّ النوايا سيئة وسوء الظن بالآخرين هو الغالب، الفقر يعني صحبة طالحة كئيبة لا تتجاوز رؤيتها أخمص قدميها، الفقر يعني الحسد والغيرة، الفقر يعني التقليد الأعمى وعدم القدرة على فهم مجريات الحياة، الفقر يعني إنعدام الطموح والرضا الدائم بما هو قائم، الفقر يعني أداء مهام غير مرغوبة، الفقر يعني الكسل، الفقر يعني نقص الكرامة، الفقر يعني الفشل. إذا كان الفقر كذلك، فهل النجاح هو الطريق لصناعة المستقبل؟ نعم وبكل تأكيد، قل لي بالله عليك كيف يُخزي الله إنساناً يتمتع بالصفات التالية:يعمل الأمور الصحيحة بالشكل الصحيح وفي الوقت الصحيح.يتخذ القرارات الصائبة.يعمل على أداء ما يُحب.يمارس العادات الحميدة بشكل يومي.متفائل بشكل مستمر.يعمل بنشاط وتفاني.لا ينجرف وراء بهارج الدنيا الزائفة ويدخر ماله للمستقبل.ليس بإمعة يفعل إن فعل الناس ويمسك إن أمسك الناس. يرى نفسه في مرتبة أعلى وطموح لا ينقطع.يعتزل الحسَّاد والفاشلين والمحبطين حتى وإن لم يبقى له أصدقاء. هل من الممكن أن يصبح إنسان بمثل هذه الصفات متسولاً يسأل الناس من مال الله؟ العقل والمنطق والتاريخ يثبت أنَّ ذلك مستحيل، من المستحيل أن يعمل الإنسان بجد ومن ثم ينتهي به المطاف في العراء دون مأوى، لذلك من يتبنى مثل تلك المبادئ في حياته لا ريب من أنه سيصنع مستقبله بنفسه.الله سبحانه وتعالى أعطى الدنيا للمسلم والكافر على السواء، فمن تمام عدل الله أنه لم يجعل الإسلام من مسببات المال، والدليل على ذلك أنه يوجد مسلمون فقراء وكفار أغنياء، ولكنه وضع سُنناً لكسب المال وصناعة المستقبل من فهمها وعمل بها يحظى بنتيجة إيجابية سواء كان مسلماً أو كافراً، ومن اعتقد أنَّ إسلامه سيأتي له بالمال … فقد أخطأ خطأً كبيراً ولم يفهم معادلة النجاح أبداً، ولك عزيزي القارئ أن تختار بنفسك، إما أن تبني مستقبلك أو أن تهدمه:الفقر = فشل = خوف من المستقبلالغنى = نجاح = ثقة في المستقبل