عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 30
دعونا نعيش
لأننا على الأرض ضيوف إلى حين.. ولأننا نحب الفرحة والاستبشار ونكره الأنين.. نحاول الإبحار بين أطراف الليل و آناء النهار في ملكوت الحليم الغفار.. حيث تكمن في النفس تساؤلات كثيرة لا يمكن لأحد أن ينكرها أو يتجاهلها مهما كان.. وفي كل زمان ومكان يطرح ذلك السؤال الفيصل الدقيق، وجوابه كما نريد كذلك، واضح المعالم، وبيّن الملامح، وصادق المحيا، وجميل الإطلالة لا تضليل فيه ولا أقنعة. سؤالنا المركزي هنا اليوم: "لماذا نعيش على البركة في كل شيء؟" ربما نكره النظام والالتزام والانضباط، ولا نحبذ إلاّ أن نعيش بعشوائية في أصغر الأمر وأكبره، النمل والنحل مدرستان في النظام وهما كائنان لا يقارنان بالإنسان صاحب العقل المعجز والروح التواقة والقلب النابض بالحياة، ولكن أين الخلل؟ ومع إطلالة إجازة صيفية هي فرصة كبيرة لأصحاب الأرواح العظيمة والأنفس التواقة للجمع بين الاستفادة والراحة، وهي ذاتها فرصة لأصحاب الهمم الخائرة والأنفس المهزومة للاستزادة من الراحة والنوم بلا حد أو عدد؛ فهم مجهدون جداً من تراكم الراحة والهروب من العمل والإنجاز والتبرير عن الفشل الذي يلي الفشل والإسقاطات التي لا تنتهي عن ذلك السقوط والانهيار في عالم لا يعترف إلاّ بالواحد الصحيح، ولا يلقي بالاً للأجزاء أو الهوامش والبقيا مع الأسف الشديد!! من أرض الواقع إن أردنا أن نعطي إنساناً ما موعداً فهو مفتوح بلا حد، فنقول بعد العصر أو بعد العشاء، ولا نحب تحديد ساعة بعينها، وإن كان بالأيام نحب أن نقول خلال الأسابيع القادمة، وإن كان بمشروع فالافتتاح قريباً، وهي التي تمتد بنا لسنوات، وإن صرح المسؤول فيقول الموضوع تحت الدراسة، ويكون الحل بعد عقود، وإن حلّت كارثة شكّلنا لها لجنة تجتمع لعدة أشهر، وربما سنوات، ولا نركز على المخرجات بل على الإعلام وصورنا التي يبثها كل صباح، وعلى الضفة الأخرى عندما انطلق نظام ساهر المروري، وقامت القيامة لمن تعوّدوا على الفوضى، وعانوا من حساسية من النظام، وعليه أعلنوا الحرب العالمية الثالثة على ساهر، وامتلأت المواقع والإميلات بطرق التحايل عليه بكل أسف، على الرغم من أن خسائرنا من حوادث المرور أو إرهاب الطرق وفوضى الشوارع حوالي (20) قتيل يومياً بكل أسف وهي الأعلى في العالم!! إنها ثقافة شعبية خطيرة جداً تحارب النظام والانتظام والجودة والالتزام وتشرع للفوضى والضياع تسلّلت إلى المؤسسات والهيئات والشركات والوزارات والجامعات وأصبح التخطيط الاستراتيجي و الرؤيا المحددة و الهدف الواضح والنظام الدقيق والجودة في المخرجات من أصعب الأمور علينا، ونحن من أمرنا بالإتقان والإجادة والإنجاز والتفاني والإخلاص بكل صوره فأين الخلل؟ قال صلى الله عليه وسلم: "من عمل منكم عملاً فليتقنه" "إنه ولا شك في طريقة التفكير" نحب أن تسير حياتنا في بعض الأحيان على البركة، أو بالأحرى يسيرها لنا الآخرون فما لم يحصل اليوم سوف يحصل خلال الخمس سنوات القادمة بكل تأكيد، وما يواجهنا من تحديات سوف تحلها الحلول الشخصية والارتجالية والاعتباطية البعيدة عن الأسلوب العلمي والمنهج الفكري الرصين والشورى التي ذكرها الله في قرآنه الكريم بأفضل الصور وأجمل المقامات، وفي الجانب الآخر هناك الدور الهام للخطط والاستراتيجيات التي قامت عليها أعظم نجاحات الدنيا وأسمى إبداعات التاريخ، نريد النجاح على كل الصعد ولكن نتهرب من الاستشارة رغم أنها حضارة وهو سلوك محمدي رائع يجب أن نسقطه على واقعنا المعاصر، ونتخلى عن إيماننا بأننا نفهم في كل شيء وأي شيء!! نريد أن نتقدم ونحب أن نتطور ونتوق إلى النهضة وهذا جميل حسن، ولكن ذلك كله يحتاج إلى عمل وجهد وصبر وثبات وعقيدة راسخة وقيم إيجابية ومنطلقات خلاقة وأفق رحب لا يضيق، ننتقل معه نحن وأهلونا ومجتمعاتنا ومؤسساتنا وشركاتنا ومشاريعنا وأوطاننا، واقعنا وأماكن علمنا وعملنا من الفوضى إلى النظام والفردية إلى الكلية ومن الأنانية إلى العمل الجماعي ومن التنافر إلى التكامل ومن التخبط إلى التخطيط ومن المزاجية في القرار إلى التعقل والحكمة وبعد النظر، ومن الهروب من النقد والتحسس منه إلى طلبه والسعي وراء التصحيح والتطوير مهما كلف الأمر. ألا تستحق حياتنا أن تكون منظمة ذات معالم واضحة ومرسومة بلا تخبط أو اجتهادات تضيع العمر والعمل؟! ألا تستحق بيئات أعمالنا أو بيوتنا أن يكون لها سقف وأرضية، وأن نعطي كل عمل حقة من الوقت والجهد والتفكير بدل أن تسيطر علينا ثقافة العيش بلا هدف والإنتاج على أي حال والبقاء للأقرب وليس للأكفاء، و المجاملات السلبية التي لا حدود لها على حساب المصالح الكبرى والأهداف الرئيسة؟!! ولأننا نتوق إلى التطوير والتقدم، ونلحظ ذلك -ولله الحمد- في الكثير من المجالات وعلى مختلف الأصعدة، وهذا مما يسر ويفرح أذكر هنا بعض المشاهدات الرائعة من المجتمع الياباني الرائد في النشاط والدقة واستغلال الوقت واستثماره والانضباط الحياتي اللافت للنظر؛ حيث إنه من العادات الرائعة هناك تقدير فرصة الحياة بشكل نموذجي؛ حيث تجد (3) أشخاص يتشاركون في العمل على سيارة أجرة، والهدف من ذلك هو الاستفادة الكبرى من هذه الثروة. فيعمل كل واحد منهم (8) ساعات عليها، وهذه هي طاقته، ثم ينوبه عليها الشريك الآخر، ثم الثالث، وهنا تكمن الاستفادة الكبرى من الفرصة والاستثمار الأمثل والذكي للوقت وتقديره كما ينبغي، وكل ذلك يجرى بنظام وتنسيق عالٍ؛ إذ تعمل السيارة (24) ساعة في اليوم. من المألوف أن تجد اليابانيين يقرؤون في الشوارع وهم سائرون من عملهم إلى بيوتهم؛ لأيمانهم بأنه لا يوجد وقت يهدر أو جهد يقتل إطلاقاً، ولا مكان للاستهتار واللامبالاة، ناهيك أنهم من أقل شعوب الأرض أخذاً للإجازات أو تغيباً عن العمل، بل إن العمل والإبداع عندهم مقدسان هناك إلى أبعد الدرجات لإيمانهم باليابان كوطن وحضارة وتاريخ، وانضباطهم فيه، ومن خلاله، وحبهم للنظام والالتزام والعمل الجاد والتفوق في كل المجالات وتقدير قيمة الحياة. ومن الطرائف في هذا الباب أن إحدى الشركات حققت أرباحاً كبيرة فصرف لموظفيها مكافأة وإجازة يوم، فقام الموظفون بمظاهرات حاشده طلباً لإلغاء هذا اليوم والاكتفاء بالمكافأة. إنهم رغم صغر دولتهم إلاّ أنهم أصحاب ثاني أقوى اقتصاد في العالم والقوة التي لا تقهر في الصناعة والتجارة والتكنولوجيا، ولم يأت هذا من فراغ، وليس حظاً عابرًا كما يؤمن أهل الأحلام التي لا تتحقق.. هم لا يملكون موارد طبيعية إطلاقاً باستثناء الصيد، ولكنهم قرروا الاستثمار في الإنسان وجعله هو المورد الأهم والأبرز على كوكب الأرض بلا منازع، ونجحوا في ذلك. إنها كفاءة مميزة، ونتاج دقيق وحماس متوقد، ونظام ملهم وخطط مرسومة، ورؤيا طموحة و شفافية كبيرة وجهد عظيم، وتحفيز لا ينتهي، وإيمان وعقيدة عملية لا تكل ولا تمل وقبل كل شيء بالإيمان بأن الإنسان هو المورد الأهم الأبرز على هذا الكوكب، وعليه كان الاستثمار في تنميته وتطويره كبيراً جداً، وكل ذلك أتى بأكله كما نرى. إنها طريقة التفكير الإيجابية والخلاقة التي تصنع الثراء والمجد والعزة، وتضعنا على القمة دائماً، فهل ننفض غبار الروتين والحياة العادية المملة، ونقبل على الإبداع والتجديد والتطور الدائم؟ وهل نتخلص من طرق التفكير السلبية التي زرعت فينا الهزيمة والإحباط والقلق والتوتر وقلة الثقة في النفس وإدمان الشكوى والخوف من العمل والاستسلام لتحديات الحياة؟! هل نعاهد أنفسنا على التخلص من الدكتاتورية في الرأي والعشوائية في القرار والتخبط في التنفيذ والمزاجية في الممارسة وتزكية النفس واتهام الآخرين والحساسية من النقد والآراء المخالفة؟! هل نعاهد الله أولا وأخيراً على أن ندينه سبحانه في القول العمل بعيداً عن هوى يحكمنا وشيطان يسيرنا ومصلحة ضيقة تسيطر علينا؟!! إنها الحياة التي هي منحة الوهاب سبحانه. فهل نعيشها كما اتفق وحيثما كان في استهتار ولامبالاة، أم أنها تكون ساحة لعملنا القيم وطرحنا الرائع والتزامنا الكامل وإنتاجنا النير وصنيعنا المشّرف وبصماتنا الخالدة؟! دعونا نعشْ حياة جديدة جميلة برّاقة مشرقه مشعة، خالية من الملل والرتابة واللامبالاة، فيها الإقبال والإقدام والشجاعة والالتزام والإنجاز والإعجاز، ولنقدر قيمة الحياة وفرصة العيش ونعمة العقل والدين والصحة، ولنعلم أنها فرصة لن تتكرر مرة أخرى. فأعط كل ما عندك الآن، وابذل كل ما بوسعك بلا تردد أو كسل، فلا ليت تنفع ولا لعل تفيد، ولا يمكن ليوم غابت شمسه أن تشرق من جديد، فالحياة أمامكم فانطلقوا
المفضلات