عضو نشيط
- معدل تقييم المستوى
- 24
كيف تربين مجرمــًا محترفــًا؟!...
ليس أسهل عليك من تربية مجرم محترف، والنجاح فى هذا المشروع مضمون 100%، وليس فيه فرصة واحدة للفشل، والتكاليف زهيدة جدًا تدفعينها ضمن فاتورة الكهرباء أو مصروف طفلك وألعابه، وإليك الأدوات الميسرة المتاحة (تليفزيون - دش - كمبيوتر - نت - أتارى رخيصة - بلاى استيشن).
الطريقة: اتركى لطفلك الحرية الكاملة لمشاهدة أىشيء واللعب بأى شيء.
يومًا ما كنت أعد طعام الغذاء لأولادى، وفجأة سمعت صرخة مروعة انخلع لها قلبى، خرجت .....
مسرعة مفزوعة من المطبخ، وقبل أن أصل إلى مصدر الصوت وجدت أبنائى الثلاثة يجلسون فى هدوء شديد يتابعون التلفاز، حولت نظرى عنهم إلى ما يشاهدونه فإذا بطفل فى فيلم كارتون يجلس على كرسى كهربائى، وتعذبه عصابة بصعق الكهرباء، صدمت، ما هذا الذى يقدم إلى الأطفال؟ ولماذا؟
وما هذا الهدوء الذى يخيم على أطفالى، وعلامات اللامبالاة البادية عليهم، رغم مشاهد التعذيب المروعة؟
تحدثت مع صديقة لى عما رأيت، فقالت: إن ابنها ذا السنوات السبع حين يلعب مع إخوته أو يداعب أمه يمثل كأنه يخرج شيئًا من تحت لسانه، أتدرين ما هو؟ إنه «البشلة» وهى نصف شفرة حلاقة، وقد تعرف عليها من زملائه فى المدرسة الذين يشاهدون الأفلام العربية والأجنبية على حد سواء.
أما ألعاب الكمبيوتر والأتارى فقد أصبحت مليئة بالدماء والقتل، بل روت لى صديقة أنها اكتشفت أن اللعبة التى يلعبها أخوها الهدف منها قتل المنافس، ونزع قلبه، وأكله، وتجرع دمائه حتى يفوز فى اللعبة.
لملمت أفكارى المضطربة، وذهبت إلى الدكتورة رحاب لطفى - المدرسة المساعدة بكلية التربية النوعية بجامعة عين شمس - التى أعدت رسالتى الماجستير والدكتوراه عن أثر أفلام العنف على اتجاهات الأطفال المصريين نحو العنف، وتأثير المسلسلات الكارتونية على إدراك الأطفال للواقع الاجتماعى.
سألتها عن رأيها فقالت: إن الطفل يتوحد مع أبطال أفلام ومسلسلات الكارتون بتقليدهم فى حركاتهم وكلامهم، ففى عينة شملت (400) طفل كانت نسبة من يقلدون أبطال الكارتون دائمًا ومن يقلدونهم أحيانًا 62% - 250 طفلاً، أما نسبة من لا يقلدون فلم تتجاوز 5،36% - 124 طفلاً.
الاستعداد للجريمة
وتعلق د. رحاب على هذه النسبة بقولها: إنها تعنى أن ما يقدم فى وسائل الإعلام والفضائيات يدمر أطفالنا، ويحولهم إلى شحنات عنيفة لا تبالى بالقيم والأعراف، فالإعلام يوحى لهم بأن الحياة هى الرفاهية والقوة هى المنتصرة دائمًا، وعند مواجهة الحياة الواقعية يصدم المشاهد، فتظهر عليه مظاهر العنف والاستعداد للجريمة نتيجة هذا الكم الكارتونى العنيف، وتكرار أنماط السلوك فيه، حتى لو كان المسلسل جيدًا بشكل عام، فما يقدم مثلاً فى مسلسل بكار من أفكار وقيم أكثرها رسوخًا فى عقل الطفل هو شخصية اللص، ذلك طبقًا لدراسة أظهرت أن شخصية اللص ظهرت بكثافة 7،23% مقابل ظهور شخصية الشرطى 1،8%.
وشخصية المعلم ظهرت بنسبة 4،6%، والطالب بنسبة 8،5%، ورجل الدين ظهر بنسبة 7،1%، والطبيب ظهر بنسبة 1،1%.
وتستشهد د. رحاب بدراسة عالم النفس ليونارد إيرون التى أكد فيها أن الذكور الذين كانت لديهم مستويات ضعيفة من السلوك العدوانى، وتم تعريضهم لمشاهدة كثيفة للعنف التلفازى أصبحوا أكثر عنفًا من الأطفال الذين كانوا عدوانيين، ولم يشاهدوا هذا العنف.
ولقد أسفرت إحصائيات الدكتورة رحاب حول إدراك الأطفال لواقع مختلف عن واقع الحياة تمامًا عن طريق الأدوار المقدمة للأطفال بالمسلسلات الكرتونية أن 75،50% منهم يرى أن ما يحدث فى الكارتون واقع لحد ما، وأن 25،21% يرون أنه واقع تمامًا، ولم يستطع 75،20% منهم تحديد موقفهم، وذكر 25،7% منهم أن هذه الأفلام غير واقعية.
سمة أساسية
وحول التأثير النفسى لأفلام العنف والجريمة على أطفالنا يقول الدكتور إلهامى عبد العزيز - أستاذ علم نفس الطفولة إن نماذج العنف الشديد كثيرة الشيوع أمام الأطفال يوميًا سواء فى ألعاب الكمبيوتر أو أفلام الكارتون أو الأفلام الدرامية، بالإضافة إلى نوعية الألعاب المطروحة لهم فى الأسواق من مسدسات، وخناجر، وسيوف، تجعل العدوان سمة أساسية فى شخصية الطفل، فالطفل يحدد سلوكه بناء على ما يقبله المجتمع أو يرفضه، وإذا وجد أن السلوك العنيف لا يثير استهجانًا ولا رفضًا من المحيطين به استمر فى ممارسته مختزنًا بداخله تأييد المجتمع لسلوك العنف، وبالتالى يقل بداخله أو ينعدم الإحساس بالذنب، وهذا بعض ما يفسر تلك الجرائم البشعة التى تحدث الآن، فالعنف السائد ليل نهار فى الأفلام والألعاب رسخ فى ضمير الطفل والشاب أن الطيب ضعيف، وأنه يجب أن يكون متنمرًا دائمًا، وفى حالة استعداد للدفاع عن نفسه حتى لا يصبح مطية.
ويضيف د. إلهامى أن حالة التوتر الدائمة عند الطفل بسبب تعرضه لأفلام العنف تصيبه بحالة من اضطراب الزمن الرجعى، أى زمن الاستجابة للفعل برد فعل، فيصبح هذا الزمن أقل، ومن ثم تكون الاستجابة أسرع.
بالإضافة إلى أن تلك المشاهد تستفز كافة عضلات الجسم أثناء اللعب أو المشاهدة، وقد يحرك الطفل يده ليسبق البطل فى الضرب، أو يركل بقدمه بشكل لا إرادى فيصبح لدينا طفل ذو جسم مضطرب، وأعصابه متوترة، واستجابته لما يشاهده متسارعة، إذن فالمحصلة ليست مجرمًا فقط، بل مجرمًا محترفًا يقتل أرحامه، بل يقتل ويمثل بالجثث أيضًا.
حصص لعب
سألت الدكتورة رحاب: أين المفر؟
فقالت: إن الكارتون شكل من أشكال الدراما التى لا غنى عنها فى الترفيه، لكن يجب أن تستخدم الاستخدام الصحيح، وعلى الأسرة أن تعلم أطفالها التفكير النقدى المبنى على القيم الدينية والأخلاقية، وعليها ألا تجعل التلفاز بمثابة جلسة أطفال، فمشاركة الأب والأم الأطفال فى المشاهدة ينتج عنها حوار يرد الطفل إلى واقعه، ويضع ما يشاهده فى حجمه الطبيعى، كما أن التحاور على معلمى الكمبيوتر يكفل عدم تحول حصص الكمبيوتر إلى حصص لعب.
وينصح الدكتور إلهامى كل أسرة بـ:
1 - تقليل مشاهدة الأطفال لأفلام الكارتون وألعاب الكمبيوتر، والأتارى إلى ساعة فقط يوميًا.
2 - تدريب الأطفال على أى من الرياضيات العنيفة؛ لأن هذا سيخرج الشحنة العدوانية فى نفسية الطفل فى إطار قواعد منظمة للعبة الرياضية، يصل من خلالها إلى الطفل أن العنف المطلق بدون قواعد وأهداف مرفوض.
3 - التحاور مع الطفل واحترام عقله، وتنمية الفكر النقدى لديه، بحيث ينشأ واثقًا فى نفسه وفى قدراته، ويستطيع أن يفرق بين الغث والسمين، ولا يلجأ إلى العنف فى سلوكياته اليومية.
المفضلات