هل تعتقد أن الأمر يستغرق دقيقتين أم ثلاثين ثانية؟
يؤكد المتحدثون المحترفون و المدربون المؤهلون دائماً على أن الأفراد يكونون فكرة سريعة عمن يقابلونهم من اللقاء الأول و خلال دقيقتين، بينما يرى آخرون أن الانطباع الأولي لا يستغرق أكثر من ثانيتين، إلا أن الحقيقة هي أن الأمر لا زال تحت البحث و التقييم. يقول مالكوم غلادويل في كتابه: " الرمشة: قوة التفكير دون تفكير" أن القرارات قد تتخذ بسرعة أكبر، و يعمل الفكر بوقت قياسي لا ....


يتعدى بالتأكيد الدقيقتين. لقد كان للنتيجة التي وصل إليها أثر جدي على التنظيمات والشركات.

حسب البحث الذي أجراه غلادويل فنحن نفكر دون تفكير، نحن نخطف النظرة و نعالج شخصية من أمامنا بسرعة قياسية، أو واجهنا موقف جديد، يقول غلادويل: "تكون المحاكمات الخاطفة سريعة جداً، فهي تعتمد على أقل القليل من الخبرة... بل إنها تأتي لا شعورية... نحن نختطف الانطباع اختطافاً لأنه يتوجب علينا ذلك، لأننا نجد أنفسنا في وضع يحتم علينا الاعتماد على هذه المقدرة خاصة عندما يكون هناك الكثير من القبضات المخبأة الجاهزة للانطلاق، والكثير من المواقف و الأوضاع المشحونة بالترقب الحذر لتفاصيل كل نظرة خاطفة، حتى تلك الخطفات التي تستغرق ثانية أو ثانيتين".

في كل مرة يتوجب علينا أن نستشعر أوضاعاً معقدة، أو نتعامل مع الكثير من المعلومات بسرعة، نندفع دون شعور منا نحو معتقداتنا، و مواقفنا، و قيمنا، وتجاربنا، وثقافتنا، ثم نخطف نظرة إلى الوضع لنفهمه، أو نستوعبه بسرعة.

ينطوي هذا المفهوم على معنى مدهش تعمل عليه انفعالاتنا الشخصية في معظم الحالات و المواقف. يبدو لي أن القدرة على التفكير دون تفكير لاتخاذ قرارات سريعة وخاطفة حول الأوضاع و الأشخاص "بطرفة عين" لها تأثير كبير على الطريقة التي نقابل فيها المرشحين للوظائف وتوظيفهم.

من جهة أخرى تسبب النظرة الخاطفة شيئاً من الإرباك حول الطريقة التي نرى فيها أنفسنا و قدرتنا على التعامل مع الأشخاص الذين يختلفون عنا. كما أنها تؤثر على الطريقة التي نطور فيها علاقات الصداقة مع زملائنا في العمل من جهة، وعلى بناء علاقات العمل و شبكة العملاء من جهة أخرى.

إنها تؤثر على علاقتنا مع من نعتقد أنهم يخالفوننا أو يعارضوننا.

كيف نسيطر على النظرة الخاطفة؟

إلا أن غلادويل يمنحنا بصيصاً من نور، فهو يعتقد أن قلقنا من أحكامنا التي نطلقها على الأفراد و على المواقف من خلال النظرة السريعة التي غالباً ما تكون واعية يمكن أن تعطينا فرصة للتحكم بالاستجابة للنظرة السريعة و كيفية التعامل معها.

على سبيل المثال، الاختبارات التي تجرى للموسيقيين المتقدمين للعمل في الأوركسترا تجري من وراء حجاب، بحيث لا يكون هناك أي تأثيرات أخرى يمكن أن تصدر عن لغة الجسد، أو الِعرْق، أو الجنس، أو... كل ذلك يلغى بحيث يتمكن المختبر من التركيز على السماع فقط لانتقاء أفضل موسيقي.

في الوقت نفسه، قد تنقذ هذه المقدرة التي نمتلكها كبشر في إجراء محاكمات سريعة من النظرة الخاطفة صديقاً من خطر محدق، كما أن لها تأثيراً لا يستهان به على بناء العلاقات الشخصية، أو هدمها... هي تجعلنا نميز المزيف من الصادق، تمكننا من تقييم المواقف و انتهاج سلوكيات معينة على وجه السرعة، بل إننا نستطيع في بعض الأحيان أن نتنبأ بمستقبل علاقتنا بشخص معين أو بمجموعة معينة، حتى لو كانت هذه المحاكمة الخاطفة خاطئة، ولكنها ستثبت لك فيما بعد أنها كانت ذات فائدة!

خطر المحاكمة السريعة في التعامل مع الموظفين:
تطبيق قوة التفكير دون تفكير:

علينا أن ننتبه إلى هذا الأسلوب في التواصل، والذي -عن غير إرادة منا- نتعامل به مع الأفراد والمواقف في كثير من الأحيان مما يؤثر على مواقفنا و مشاعرنا تجاههم، و هذا بالتالي ينعكس على قراراتنا، فالمتقدمين إلى العمل على سبيل المثال يجب ان تتم معاملتهم بشكل متكافىء و متساوٍ بغض النظر عن الشكل، اللون، العرق، الجنسية، الحجم، اللباس، والدين... إلا أن هذا لا يطبق على أرض الواقع.

عندما نريد اتخاذ أي قرار معتمدين على النظرة الأولى علينا أن ندرك أننا بهذا القرار نكون قد اعتمدنا على عملية لا إرادية و غير مدروسة!

خذ وقتك في جمع المعلومات و البيانات الضرورية قبل أن تمضي مع ردة الفعل الأولية الضيقة، فإمكانية كونك محقاً في محاكمتك الأولية تتساوى مع إمكانية كونك مخطئاً.

في بعض الأحيان أنت معرض مع هذا النوع من المحاكمات اللاإرادية، و التي يعلو فيها صوت الداخل دون قصد منك، ربما، إلى اتخاذ قرارات متحيزة، و التي تؤدي إلى الوقوع في مطب اختيار موظفين غير كفء، ومنح الثقة أو سحبها من هذا الموظف أوذاك و محاكمة القصص و المواقف المروية بشكل خاطىء. نحن دائماً نواجه تحديات العمل مع أفراد يختلفون عنا.

هل يمكننا أن نثق بالنظرة الأولى؟
ومع خطورة هذا النوع من المحاكمة، يخبرنا غلادويل أنه في بعض الأحيان يكون انطباع النظرة الأولى صحيحاً، بل من الضروري الاعتماد عليه و اتخاذ قرارات بناء عليه. و يسوق غلادويل مثالاً عن قصة متحف جيتي الذي اشترى تحفة إغريقية ليكتشف أنها لم تكن سوى تحفة مزورة. كان العديد من الخبراء قد فحصوا التحفة وأجروا اختبارات على مادتها ليُجمعوا في النهاية على وثوقيتها ويؤكدون أنها تمثال موثوق، إلا أن آخرين مهتمون بالفن، ويعملون بالآثار ربما كان لديهم تحفظات على هذه التحفة. فقد أدلى أحدهم بتصريح يفيد بأنه يشك بأن هذه التحفة لا تبدو قديمة بل إنها تحمل علامات تشير إلى أنها صنعت حديثاً، بينما أظهر آخر شكوكه بشكل غير مباشر عندما وجه سؤاله للقائمين على المتحف قائلاً: "أنتم لم تشتروه، بعد أليس كذلك؟"

يشجعنا غلادويل على صقل قدرتنا على المحاكمة السريعة، و ذلك من خلال التأني قبل إطلاق حكمنا على الأفراد الذين لا يشبهوننا... ولا يحملون أفكارنا.

إذا كانت "المحاكمة السريعة" جيدة في بعض الأمور، مثل الأعمال الفنية أو حالات معينة كاحتراق مبنى، أو مواجهة متهم خارج القانون، أو تقييمات فورية لحالات الأمان في العمل، فإن الاهتمام العميق في هذا المجال يساعدك لتصبح محترفاً في هذا النوع من المحاكمات، كما تساعدك سنوات من الخبرة و الدراسة.