عضو نشيط
- معدل تقييم المستوى
- 24
اصنع مصيرك بنفسك ...
اصنع مصيرك بنفسك ... و إلاّ فاحتمل بصمت كل ما يصنعه بك الآخرون ، " كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس " كنتم: فعل كونٍ تامّ مرفوع بالإرادة و العمل و إلاّ ...
صار ماضياً منقوصاً .
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
لقد مَنّ الله على أمتنا (أمة الإسلام) بأن جعلها خير أمة أُخرجت للناس، حيث قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}
فهي الأمة التي عجز التاريخ عن تسطير أمجادها، وهي الأمة التي رعاها ربُّها وتكفل بها خالقها، فسادت الدنيا، وصنعت البطولات، وهندست الحياة، وقادت البشرية، وحفرت بصماتها المباركة في مشارق الأرض ومغاربها، وعبرت القارات والقرون، ودانت لها رقاب الجبابرة، وارتجف لعظمتها القياصرة والأكاسرة، وصدق فيها قول القائل:
ملكنا هذه الدنيا قرونا وأخضعها جدود خالدونا
وسطرنا صحائف من ضياء فما نسي الزمان ولا نسينا
النجاح لا ينتقل بالوراثة و لا يقع وقوع الصاعقة...
و إلاّ ففيم يرتقي و يفتخر الناجحون و لماذا يخبو و يخجل الفاشلون؟
و لكن الحال لم يستمر كما كان في زمن أسلافنا، بل تبدَّل، فأصبحنا تبعاً لغيرنا، وأصبح ولاء كثير من أبناء جلدتنا لأعدائنا، وأصبح دمنا أرخص الدماء، وأصبحنا كالأيتام على مأدبة اللثام، بل أصبحنا ألعوبة بيد الشرق والغرب، إذ سُفكت دماؤنا، ودُنست مقدساتنا، وهُتكت أعراضنا، ونُهبت ثرواتنا، ويُتم أبناؤنا، وثُكلت نساؤنا، واحتُلت ديارنا، فلم يعد لنا أثر أو تأثير، ولا واقع مشرف كريم، وصدق فينا قول القائل:
وما فتئ الزمان يدور حتى مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمنـي وآلـم كلّ حـرّ سؤال الدهر أين المسلمونا
انظر إلى واقع الدول العربية و الإسلامية، و تأمّل التقارير والإحصائيات التي تنشرها المنظمات و الهيئات العربية والإسلامية والدولية لتتعرف على عمق المأساة التي تعانيها أمتنا.
من أبطأ به واقعه الحاضر لم يسرع به مجده الغابر
و من قعدت به أفعاله لم تنهض به آماله و أقواله
هل تعلم أن نصف سكان العالم العربي ممن تجاوزت أعمارهم (15) عاماً أميون (حسب تقرير المجلس العربي للطفولة والتنمية لعام2002)، وأن هناك (70) مليون مواطن عربي أمِّي ثلثاهم من الأطفال والنساء (حسب تقرير منظمة اليونيسيف)؟!!
هل تعلم أن ما تنفقه دولة الكيان الصهيوني (إسرائيل) على البحوث التطبيقية يعادل (20) ضعف ما تنفقه الدول العربية مجتمعة على البحوث التطبيقية؟!!
هل تعلم أن حصة الدول العربية مجتمعة من المقالات المنشورة في الصحف العالمية لا تتعدى (1%)، في حين أن حصة ألمانيا لوحدها من هذه المقالات تزيد على (7%)؟ّ!!
هل تعلم أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في سنة (2001) في الدول العربية مجتمعة لا يكاد يتجاوز (70) براءة اختراع، في حين أن عدد براءات الاختراع التي سُجلت في نفس السنة: في إسرائيل (1031) براءة اختراع، وفي اليابان (35) ألف براءة اختراع، وفي أمريكا (99) ألف براءة اختراع، وفي ألمانيا (12) ألف براءة اختراع، وفي تايوان (6500) براءة اختراع؟!!!
هل تعلم أن إجمالي الناتج المحلي لإسبانيا فقط أكبر من إجمالي الناتج القومي لجميع الدول العربية (حسب تقارير 2001)؟!!
هل تعلم أن مبيعات شركة جنرال موتورز أكبر من الناتج المحلي لأندونيسية (لسنة 2001) والتي يبلغ تعداد سكانها (200) مليون مسلم؟!
هل تعلم أن مبيعات شركة سوني أكبر من الناتج المحلي لمصر (لسنة 2001) والتي يبلغ تعداد سكانها (70) مليون عربي؟!!
هل تعلم أن مبيعات شركة (ibm) تكاد تقارب الناتج المحلي لماليزيا؟!!
هل تعلم أن مؤشر الشفافية (الذي كلما ارتفع دلَّ على أن الفساد قليل، وكلما قلَّ فإنه يدل على انتشار الفساد بجميع أنواعه) لأحسن دولة إسلامية (ماليزيا) لا يتجاوز 5 من 10، في حين أن كثيراً من الدول الإسلامية لا يتجاوز هذا المؤشر لديها 2 من 10 حسب تقرير المنظمة الدولية للشفافية، والتي مقرها في ألمانية؟!!
ألا تثير العجب دلالة هذا المؤشّر على أن كثيراً من الدول العربية و الإسلامية تسبح في محيطات مظلمة من الفساد!!
إنكار المرض هو المرض الأشدّ
و أشدّ منه موت الهمّة و الانشغال بالشكوى أو بتوافه الغايات
إنّني بذكر هذه المعلومات لا أريد أن أصيب القارئ بالإحباط أو باليأس، فليس هذا – يعلم الله – مقصدي، و من أُصيب بالإحباط فهو مسكين يحتاج إلى من يعزيه، إذْ ليس هذا من شأن العظماء ولا العمالقة الفضلاء، إنما هو شأن الأقزام الذين أُجِلُّ القارئ أن يكون منهم.
إنني بذكر هذه المعلومات أريد أن أُشعل الحماس في نفوس أبناء هذه الأمة المباركة، هذه الأمة التي ستبقى بإذن الله نابضةً بالحياة، محدقة ببصرها إلى السماء، منتظرة اللحظة التي تمزق فيها أغلالها، وهي آتية، بإذن الله، لا محالة.
إنني أذكر هذه المعلومات لأستنهض هذه الأمة من جديد، مردِّداً ما كان يردِّده شاعر الهند محمد إقبال رحمه الله إذ كان يقول:
كل شعب قام يبني نهضة وأرى بنيانكم منقسماً
في قديم الدهر كنتم أمة لهف قلبي كيف صرتم أمماً
وكم تعجبت من قصة عجوز من بني إسرائيل، أبت إلا أن تكون مع نبي الله موسى عليه السلام في الجنة، في موقف ناهض للهمة، مشعل للحماس، فما أروع هذه النماذج، وما أحوج الأمة إلى أمثالها.
فعن أبي موسى الأشعري قال: أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعرابياً، فأكرمه فقال له: (ائتنا)) فأتاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سلْ حاجتك)، فقال: ناقة نركبُها، وأعْنُزاً يحلبها أهلي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجزتُم أن تكونوا مِثل عجوز بني إسرائيل؟)
قالوا: يا رسول الله، وما عجوز بني إسرائيل؟
قال: (إن موسى لما سار ببني إسرائيل من مصر، ضلُّوا الطريق، فقال: ما هذا؟ فقال علماؤهم: إن يوسف لمَّا حضره الموتُ، أخذ علينا موْثقاً من الله أن لا نخرج من مصر حتى نَنْقُل عظامه معنا.
قال: فمن يعلم موضع قبره؟ قالوا: عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فأتته، فقال: دُلِّيني على قبر يوسف، قالت: حتى تُعطني حكمي، قال: ما حكمك؟ قالت: أكونُ معك في الجنَّة.
فكَرِه موسى أن يُعطيَها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعْطِها حُكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماءٍ، فقالت: أنضِبُوا هذا الماءَ، فأنضَبُوا، قالت: احْتفِرُوا واستخرجوا عظام يوسف، فلمّا أقلُّوها إلى الأرض، إذا الطريقُ مِثْل ضوءِ النهار))(1).
لكلّ مجتهدٍ نصيب...
هل همّتك كبيرة بقدر النصيب الذي تطمح إليه؟
شتان بين همة وطموح وسمو هذه المرأة رغم كبر سنها وبين همة وطموح ذلك الأعرابي الذي أحب جارية فهام في حبها، حتى إن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قال له: تشتهي أن تكون الخليفة وتموت أَمَتُك؟ فقال الأعربي: لا، فقال عبد الملك: ولم؟ فقال الأعرابي: تموت الأمَةُ وتضيع الأمَّةُ. فقال عبد الملك: ما تتمنى؟ قال: العافية، فقال: ثم ماذا؟ قال: رزق في دعة لا يكون لأحد فيه منَّة، فقال: ثم ماذا؟ قال: الخمول، فإني رأيت لحوق البوار بذوي النباهة أسرع.
وانظر كذلك إلى مستوى طموح ذلك الأعرابي الذي شهد سباقاً للخيول، فسبق فرسٌ، فطفق يكبّر و يثب من الفرح، فقال له من بجانبه: أهذا الفرس فرسك؟ قال الأعرابي: لا، ولكن اللجام لي!!
إن هذه المستويات المتواضعة لا يمكن أن تبني أمة، أو تصنع حضارة، أو تُحدث تأثيراً، وصدق صالح بن عبد القدوس حينما قال:
إذا أنت لا تُرجى لدفع مُلِمَّةٍ ولم يكُ للمعروف عندك موضعُ
ولا أنت ذو جاهٍ يُعاشُ بجاهه ولا أنت يومَ البعث للناس تشفعُ
فعيشك في الدنيا وموتك واحد وعُودُ خِلالٍ منْ حياتك أنفعُ
لقد تأملت كثيراً في واقع هذه الأمة، و آلمني ما آل إليه أمرها، كما تأملت في كتاب الله و في سنة رسوله و في تاريخ المسلمين فأيقنت أن ثمة خلل أودى بهذه الأمة، و أن أمتنا أمة قوية بقوة الله ثم بقوة المنهج الرباني و ما فيه من حق و صلاح، وأن نهوضها من جديد أمر ممكن و يسير بإذن الله تعالى.
من هذا المنطلق تأتي سلسلة هذه المقالات التي تفصّل مقوّمات و طرق تناول هندسة الحياة وصناعة التأثير.
أوضحنا في مقالاتٍ سابقة من هم مهندسو الحياة وصُنّاع التأثير، ثم بدأنا نعرض كيفية هندسة الحياة وصناعة التأثير، وذكرنا كثيراً من الطرق و الوصايا التي ترشد و تعين كل صاحب كي يكون مهندساً للحياة، وصانعاً للتأثير، ورقماً صعباً في دنيا الناس. بهذه الوصايا و الطرق يمكنك عزيزي القارئ أن تترك بصماتك في هذه الحياة، وأن تشعر بأهميتك ودورك وقيمتك، فضلاً عن مضاعفة الأجر والثواب من قبل الله تعالى إن صاحب ذلك إخلاص وصواب.
وفي المقالات الآتية سنتابع -بإذنه تعالى- عرض طرق أراها مهمة لصناعة التأثير وهندسة الحياة. حيث أعرض فيها للقارئ الكريم كيف أننا أخيار و علينا تجنب عقدة النقص، ثم أبيّن لكل صاحب همّة كيف و لماذا يجب عليه أن يكون صقراً، و أن يتمسك بسيد التأثير، و أن يفهم واقعه.
وفي هذه المقالات الآتية بإذنه تعالى أدعو كلّ راغبٍ في أن يكونَ مهندس حياة فاعلاً مؤثراً إلى أن يتعلم كيف يفكر الفاشل كي يتجنب هذا النوع من التفكير، وأن يكون خزاناً للتفكير، و أبيّن ضرورة استثمار المؤثرين بالتواصل معهم و الالتصاق بهم.
المفضلات