نمر في حياتنا بعديد من المشكلات، وتقابلنا العديد من المصائب، وبعض الناس لا يتمكن من مواجهة هذه المشكلات، وبعضهم يفشل في الوقوف أمام العقبات، ولا ينجح الكثيرون عند تجاوز العقبات، وبعض الناس يستسلم للمصائب وتكون سببا للوصول لحالة من اليأس والإحباط أو الانهيار.
وهناك عدد من القواعد التربوية المستمدة من القرآن الكريم أو السنة النبوية، أو الأمثال العربية، ومنها قاعدة تربوية مهمة تساعد في النجاح في التعامل مع المشكلات، أو تساعد في تجاوز العقبات، أو مواجهة المصائب وتقبل المحن، ومن تلك القواعد :"انظر لمصيبة غيرك فسوف تهون عليك مصيبتك"، إضافة إلى الاعتاف أن الحياة الدنيا دار ممر والآخرة إليها المستقر والدنيا دار للاختبار والتعب والعمل(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ) سورة البلد،والدنيا لا بد فيها من الابتلاء، (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور)سورة الملك، ولا بد في الدنيا من وقوع المشكلات ليكون للحياة طعم خاص، وليحاول الإنسان التغلب على الصعاب، وإذا نجح، و خرج منتصرا سوف يزداد خبرة ويكتسب صلابة تمكنه من الوقوف في وجه مشكلات أقوى، وعقبات أشد.
ومن المشكلات المشهورة أن كثيرا من الناس يقع في المقارنة بينه وبين الآخرين، وهذه المقارنة إذا كانت محمودة فهي تدفع صاحبها للتنافس الشريف، والتسابق للوصول لمعالي الأمور، فمن يتمنى مثلا أن يكون غنيا ليحقق أهدافه المشروعة، ويتمنى أن ينفق المال في إرضاء الله تعالى، وأداء الحقوق المطلوبة منه، وأما إذا كانت المقارنة لحسد أصحاب النعم، أو للحقد على الآخرين، فهي مقارنة مذمومة، وتودي لمزيد من الوقوع في المشكلات.
و يعيش كثير من الأزواج في نكد أو يسيطر عليه الهم وعدم الرضا بسبب المقارنة الظالمة، فالزوج قد يقارن زوجته بغيرها من الزوجات الأكثر جمالا منها مثلا، أو يقارنها بمن هي أفضل من زوجته في أي مجال آخر، فتكون هذه المقارنة من أسباب وقوع المشكلات، وعدم الرضا بما قسم الله له، وكذلك الزوجة قد تقع في هذه المقارنة، بأن تفاضل بين زوجها وبين غيره، وتنظر لعرض من أعراض الدنيا، كمسكن أفضل أو ركوب أفخم، أو إنفاق أكثر، أو تقارن بين زوجها وبين غيره ممن يتفوق عليه في بعض الأمور كجمال الشكل أو حلاوة المنظر، وهذه المقارنة تسبب الكثير من المشكلات في تماسك البيوت، واستمرار الحياة الزوجية بسلام، بل إذا استمرت قد تؤدي لانهيار الأسر وضياع الأبناء.
فلا بد في البداية، من الاعتراف أن الابتلاء بالمصائب من السن الإلهية المعروفة، والقواعد الربانية المشهورة، فمِن سننِه سبحانه أن يبتليَ عبادَه ويمحِّصَهم، ثمّ يجعل العا`قبة لهم، وقال تعالى: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ"سورة البقرة214، وقال تعالى: "وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" سورة الشورى.
وكذلك لا بد من الإيمان بالقدر، و الاستسلام لأقدار الله تعالى و لنتذكر قوله سبحانه وتعالى قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) سورة التوبة, وفي الحديث الصحيح:" احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف"رواه الترمذي وصححه عدد من العلماء. وفي رواية: "لتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطأك وما أخطأك لم يكن ليصيبك"(راجع أيضا جامع العلوم والحكم).
ثم علينا أن ننظر لمصيبة غيرنا، فسوف تهون علينا المصائب، فالسليم إذا وقع في مشكلة أو مصيبة، وأصيب بالهم والحزن أو اليأس والإحباط، فيبحث عن مخرج أو حل، ويفكر ماذا يفعل وكيف يتصرف؟
فمن أهم الأمور التي تساعده على تجاوز هذه المحنة والخروج بسلام من هذه المشكلة أن يتذكر القاعدة السابقة ينظر لصاحب الابتلاء فيصبر، ويشكر، أو ينظر مثلا لمن أصيب بالعمى فيحمد الله تعالى على نعمة الإبصار، وبذلك قد تهون عليه المشكلة أو المصيبة التي نزلت به، بعض الأزواج يحرم من نعمة الأولاد، ويصاب بالهم والحزن، وقد يصل لليأس والإحباط، فإذا نظر لمن وهبه الله مولودا ولكنه مصاب بمرض عقلي أو بإصابة مقعدة، أو عاهة مستديمة ويعاني أهله باستمرار من علاجه ورعايته ويتحملون المشاق لتربيته، فسوف يحمد الله تعالى أنه قد يحرم من الأولاد لحكمة يعلمها الله، أو ابتلاء، وعليه أن يصبر ويتحمل ويضع هذه المبادئ نصب عينيه.
وفي الحديث الصحيح الذي أكد هذا التوجيه المهم وهذه القاعدة العظيمة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه" متفق عليه وهذا لفظ البخاري الذي رواه في الرقاق(6490)، وفي رواية مسلم: "انظروا إلى مَن أسفلَ منكم، ولا تنظروا إلى مَن هو فوقَكم، فهو أجدرُ أن لا تزدروا نعمةَ اللهِ"رواه في كتاب الزهد والرقائق(2965).فمن يقارن حاله بحال بمن تعرض لمصائب أشد، ثم صبر فهذا مما يزيد من القوة في الصبر والتحمل، فالزوج الذي يقارن بين زوجته وبين غيرها في بعض الأمور سوف يعيش في نكد دائم، وأما إذا تذكر هذه القاعدة، وعلم أنه بشر وفيه عيوب والكمال لله تعالى، وأن الزوجة التي يقارنها بغيرها من النساء يقع زوجها أيضا في مقارنة من هذا النوع، فلا تستقر البيوت بذلك، والحل في أن يصبر كل زوج على زوجته ويقبلها بعيوبها، ويرضى بما قسم الله له، و الزوجة أيضا إذا طبقت هذه القواعد، احتكمت لهذه المبادئ، فستحيا في هناء وترفرف على البيوت أعلام السعادة.