إحدى نقاط الخلاف بين الآباء والأمهات وأبنائهم وبناتهم في سن المراهقة هي قضية الأصدقاء واختيارهم وطبيعة العلاقة بينهم، حيث يكون اختيار الأصدقاء هو أحد نقاط التعبير عن الاستقلال والشعور بالذات لدى المراهق، حيث يعتبر اختياره لصديقه وعلاقته به أمرًا شديد الخصوصية ليس من حق أحد أن يتدخل سواء في اختياره أو في طبيعة العلاقة معه.
وفي المقابل يقف الآباء يصرخون ويحتجون على اختيارهم أولادهم للصداقة ولهم أسبابهم التي يرون أنها وجيهة وصحيحة، فإما اختلاف المستوى الاجتماعي، أو عدم الرضا عن المستوى الأخلاقي، أو الالتصاق الشديد بين الأصدقاء والانتماء لهم وسماع نصائحهم وآرائهم وعدم الاكتراث برأي الآباء في المقابل.
ويتدخل الآباء بقوة السلطة والقانون متصورين أن لديهم القدرة وأن لهم الحق في إثناء أولادهم عن هذه الصداقات، وأنه طالما أظهر الآباء للأبناء سلبيات هذه الصداقة فعلى الابن أو الابنة المراهقة أن يذعنوا لهذا الطلب؛ لأنهم يرون مصلحتهم في ذلك... ويفاجأ الآباء بالصدام الرهيب مع الأبناء ورفض الأبناء لهذه الطلبات، والسبب المعلن هو عدم إقناعهم بما يسوقه الآباء من مبررات.
والسبب الحقيقي هو أن المراهق يشعر أنها معركة لإثبات ذاته وإعلان استقلاله (إنني لي عالمي الخاص الذي ليس من حق أحد أن يتدخل فيه.. والأصدقاء جزء من هذا العالم.. إنهم يفهمونني ويشعرون بي يشاركونني آلامي وآمالي، فلماذا تريدون أن تحرموني منهم.. إنهم يشعروني بكياني وشخصيتي.. أشعر في وسطهم أنني صاحب رأي وصاحب موقف... هناك من يحتاجني وأحتاجه في عالمنا الخاص بعيدًا عن رقابة الكبار وتطفلهم، وهكذا... يكون لسان حال المراهق)، وهو في سبيل ذلك مستعد لخوض معارك طويلة تزيده عنادًا وإصرارًا على هؤلاء الأصدقاء وصداقتهم؛ لأن المعركة تزيد إحساسه بالتفرد... منها هو صاحب قضية يدافع عنها وهي فرصته لإثبات ذاته وكيانه المستقل، والأهالي يتعجبون لهذا الإصرار وهذا الارتباط ويفسرونه كضعف في شخصية أبنائهم المنقادين لأصدقائهم.. والكل يشكو نفس الشكوى وهم لا يجدون لمن ينقاد هؤلاء المراهقين.. فكلهم منقاد لبعضه البعض لرغبتهم في الانتماء أيضًا لمجموعة أو جماعة يقفزون بها ويجدون في هؤلاء الأصدقاء هذه المجموعة يبحثون عنها للانتماء لها.
الخروج من إطار الأسرة إلى إطار جديد هم الذين يحددونه ويختارونه؛ لذا فإن الأسلوب الصحيح للتعامل مع هذه القضية هو الخروج من هذه المواجهة والعودة إلى الأصل المعتمد في التعامل مع المراهقة وهو الحوار والتفاهم في إطار الصداقة معه... بحيث نتحدث معه في مسألة أصدقائه... كصديق يتحاور معه ويبدي رأيه في علاقته به كقضية مطروحة للنقاش وليس كأمر لا بد أن ينفذه.
مع الوضع في الاعتبار أننا في بعض الأحيان يكون لنا مبررات غير منطقية في رفضنا لصداقات أبنائنا؛ لذا فيجب أن نكون موضوعيين ومنطقيين بحيث نستطيع أن نقنع أبناءنا بما نريده، فإذا فشلنا في ذلك فالمشكلة عندنا وليست عندهم؛ لأننا لم نجد ما نقنعهم به.
ويجب أن نصبح جزءًا من مجموعة الأصدقاء، بمعنى أنك بصورة طبيعية تتعرفين على أصدقاء أو صديقات ابنك أو ابنتك المراهقين.. عن طرق دعوة لحفل ميلاد أو رحلة ترفيهية أو مذاكرة مشتركة.. فتتعرفين عليهم وتصادقينهم عن قرب وتستمعين لأفكارهم بحيث يكون رأيك بعد ذلك مسموعًا لدى ابنتك المراهقة؛ لأنك تتحدثين عن واقع وليس انطباعات شخصية.. بهذه الطريقة القائمة على عدم المواجهة وإبداء الرأي في إطار التفاهم والحوار مع التعرف على الأصدقاء عن قرب بصورة طبيعية تحل جميع المشاكل.
منقول