(تبدأ عملية اتخاذ القرارات بشعور من الشك وعدم التأكد من جانب متخذ القرار حول ما يجب عمله حيال مشكلة ما، وتنتهي باختيار أحد الحلول التي يتوقع أن تزيل حالة الشك).


عزيزي القارئ إن عملية اتخاذ القرار هي اختيار البديل الأفضل بين عدة بدائل مختفلة، ثم تعرفنا على الأنواع المختلفة من القرارات سواء التقليدية أو غيرها، ثم تخطينا تلك العوائق التي تحول دون اتخاذ القرار الفعال، والآن آن الأوان للنتعلم كيف نتخذ القرار الصائب، وكيف نُرجِّح بين تلك البدائل المختلفة للوصول إلى القرار الفعال؟ فهذا ما سنتعرف عليه في هذا المقال، ولكن قبل الشروع في ذلك هناك بعض الأسس التي لابد من معرفتها.

جماعية القرار الواحد:
إن أي قرار لا يكون نتيجة مجهود فرد واحد، فبالرغم أن مسئولية القرار تقع على عاتق فرد واحد، إلا أن العناصر المختلفة للقرار يُمكِن إرجاعها إلى أشخاص عديدين، فهناك كثير من الأفراد يساهمون في عملية القرار من خلال وضع الافتراضات والحقائق ووجهات النظر التي تمَّ على أساسها القرار، ولذا فأي قرار يكون نتيجة سلسلة أخرى متصلة من القرارات، وهذا الأمر له إيجابيات عديدة:
- فهذا الأمر يُوفَّر عدد كبير من المعلومات مما يساعد على حل المشكلة.
- كلما زاد عدد المشاركين في حل المشكلة، فإن ذلك يساعد على جعل الحلول الناتجة أكثر قبولًا.
إشراك المرءوسين في اتخاذ القرارات:
يتفق الكثير من المديرين على أنه لابد من إشراك المرءوسين في عملية اتخاذ القرار، وبالأخص في تلك القرارات التي تؤثر فيهم، وذلك ضمانًا لشعورهم الطيب، وتعاونهم الاختياري، وتحقيقًا لديموقراطية الإدارة.
وفي دراسات أخرى، وجد علماء النفس وعلماء الاجتماع أن إشراك المرءوسين في اتخاذ القرارات يزيد من كفاءة وفاعلية العملية الإنتاجية ككل، وقد يكون اشتراك المرءوسين على عدة درجات، تبدأ بالسماح بتقديم بعض الاقتراحات في أمور بسيطة إلى الإشراك التام في القرارات الكبيرة.
والآن تعال معي عزيزي القارئ لأجيبك على هذا السؤال: كيف تتخذ القرار الفعال؟

أولًا ـ حدد المشكلة:

وهذه هي خطوة جوهرية، حيث يرى البعض أن التحديد الدقيق للمشكلة يُمثل نصف الطريق للوصول إلى القرار الصائب، كما أن التحديد الخاطئ لها يجعل جميع الجهود التالية تضيع سُدًى، وهناك بعض الأمور التي يجب أن تراعى أثناء عملية تحديد المشكلة:
1. لابد من التفريق بين المشكلة الرئيسية والمشاكل الفرعية المشتقة منها.
2. لابد أن يدرك المدير أن المشكلة قد تنطوي على بعض الفرص المتوقعة يجب اقتناصها، أو بعض التهديدات المحتملة يجب تجنبها أو الحد من آثارها السلبية.
3. ينبغي تجزئة المشاكل الكبيرة إلى مشاكل فرعية مما قد يساعد على تبسيطها وسرعة حلها.
4. لا يكتفي أرآء بعض الموظفين في تحديد مشكلة ما، بل لابد من الاستعانه بالتقارير الإحصائية الروتينية والاجتماعية التي تدرس مدى التقدم.
5. لابد من صياغة المشكلة في جملة واحدة تُعرِّف المشكلة بأكبر قدر ممكن من الدقة.
وحتى تكون قد أنجزت هذه الخطوة بنجاح، لابد وأن تكون قادرًا على الإجابة على هذه الأسئلة:
1. ما هي العناصر الأساسية التي تتكون منها المشكلة؟
2. أين تحدث المشكلة؟
3. متى تحدث المشكلة؟
4. كيف تحدث المشكلة؟
5. لماذا تحدث المشكلة بهذه الكيفية وهذا التوقيت؟

ثانيًا ـ حدد البدائل:

تأتي هذه المرحلة بعد تحديد المشكلة، وهي تنطوي على تحديد كل الطرق والمسارات للوصول إلى حل للمشكلة، وهناك طريقة لتوليد بدائل جديدة ومبتكرة وذلك بأسلوب العصف الذهني Brainstorming، وسنحاول فيما يلي أن نُبين بإيجاز الخطوات اللازمة لاستخدام هذا الأسلوب:
1. اجتمع مع مرءوسيك واطلب من كل واحد منهم أن يضع حلًّا للمشكلة.
2. قم بتسجيل تلك الأفكار على سبورة.
3. لا تنتقد أي فكرة مطروحة، ولا تسخر منها بأي وسيلة كانت.
4. حاول التوصل إلى أكبر عدد ممكن من الأفكار.
5. قم بتشجيع الأفكار التي يتم طرحها حتى تُشجِّع الآخرين لطرح أفكار أخرى.
6. بعد جمع جميع البدائل التي قد تحقق الهدف، قم بتحليل مبدئي لإمكانية النتفيذ.
7. استبعد البدائل الضغيفة التي تم التأكد من عدم إمكانيتها للتنفيذ.

ثالثًا ـ اختر البديل المناسب:

بعد القيام بمقارنة أولية بين البدائل، قم باستبعاد بعض الخيارات الضغيفة، ويبدو أن الخيارات الباقية يتوازن كل منها مع الآخر، فالبديل (أ) مثلًا أفضل من البديل (ب) في أهداف معينة ولكنه أسوأ منه في أهداف أخرى، ولذا فعليك أن تتخلى عن شيء من الأهداف؛ لتحقيق المزيد في هدف آخر.
فمثلًا في أوائل التسعينات، وضعت الولايات المتحدة حدًّا أقصى للسرعة 55 ميلًا في الساعة؛ من أجل انقاص استهلاك البنزين، وأدى هذا القيد إلى إنقاص حوادث السيارات، وفي المقابل، طالب بعض سائقي السيارات بزيادة حد السرعة حتى يتمكنوا من الوصول إلى مقاصدهم بسرعة أكبر.
ويظهر في هذا المثال أن كل رأي من هذه الأرآء يُركِّز اهتمامه على هدف مختلف، وهذا يجعل عملية الترجيح بين البدائل أمر صعب، بخلاف ما إذا كان هناك هدف واحد، فالقرار حينها يكون بسيطًا ومباشرًا، فإذا كنت تريد السفر من بلدة إلى أخرى بأرخص الأثمان فحينها ستبحث عن خط الطيران الذي يعرض أقل سعر وتشتري التذكرة.
لذا إذا أردت تختار البديل الأفضل فعليك:
1. أن تحدد الهدف من هذا القرار.
2. وضع معايير للتقييم تبعًا لهذا الهدف الذي تم تحديده.
3. وضع أولويات نسبية للمعايير.
4. دراسة كل بديل وفقًا للمعاييرالموضوعة.
5. التوصل إلى البديل الذي يحقق أفضل النتائج.

رابعًا ـ اتخذ قرارك:

بعد التوصل إلى البديل الأفضل قم بوضع خطة بالاجراءات التي سيتم اتخاذها، والأشخاص الذين سيقومون بها، ثم ضع معايير لتقييم النتائج حتى تتمكن من مقارنة النتائج المحققة وفق المعايير المطلوبة، وتذكر دائمًا أن المتابعة على نفس الدرجة من الأهمية كالقرار ذاته، يقول ويليام جيمس: (إنه عندما تصل إلى القرار، وتشرع في تنفيذه، عليك بأن تصرف النظر عن كل المسئوليات وتهتم فقط بالنتيجة).
لا تنس:
فبعد أن تعرفنا أيها القارئ على عملية اتخاذ القرار، هناك بعض النصائح التي ستساعدك على اتخاذ قرارات صائبة:
1. كن جريئًا وخذ قرارك، وتذكر دائمًا ما قالته هيلين كيلر: (الحياة إما أن تكون مغامرة جريئة، أو لا شيء على الإطلاق).
2. تعلم من خبراتك السابقة، فحاول أن تستفد من القرارات الخاطئة التي تمَّ اتخاذها في الماضي، وعليك أيضًا أن تتعلم من النجاحات السابقة.
3. عليك باستشارة الخبراء، تعلم منهم كيف يصنعون قراراتهم، واعلم أن تلك القرارات ليست إلا وجهت نظر لمن هو أكثر خبرة منك، لذا قفد تكون ذو عون كبير ولكنها ليست بالضرورة الإجابة النهائية الشافية التي تسعى للحصول إليها.
4. انظر من وجهة نظرٍ أخرى، فتخيل أنك شخص آخر ثم حاول أن تنظر للموقف أو المشكلة من وجهة نظر مختلفة، فذلك سوف يزيد من البدائل المتاحة أمامك.
5. كن مرنًا، فإذا ما اتخذت قرارًا وشرعت في تنفيذه فكن مستعدًّا أن تجري التغيرات إن تتطلب الأمر ذلك لنجاح خطتك.
6. خذ وقتك الكافي قبل أن تتخذ قرارك، فمن المفيد أن يأخذ المدير وقتًا للتفكير، ويطلب قائمة بالموضوعات والمشكلات التي يجب أن يَبُتَّ فيها، وذلك قبل الميعاد المحدد لإتخاذ القرار بوقتٍ كافٍ، ومن الناحية الأخرى، لا يمكن للمدير أن يؤجل اتخاذ القرار إلى ما لا نهاية.
والآن...هل أنت قادر على اتخاذ القرار؟
كثير من الشباب يعتقد أنهم لم يصلوا بعد إلى تلك المرحلة التي يجب فيها معرفة كيفية اتخاذ القرارات؛ وذلك بناء على الاعتقاد أنهم ليسوا في مناصب إدارية عليا، ولكن عملية صنع القرار ليست مقصورة فقط على المديرين، ولكن أي تصرفٍ بعد تفكير يُعدّ قرارًا.
لذا تعوَّد على اتخاذ القرار يوميًا وبصورة مكررة، فعملية صنع القرار تعد كـ (العضلة) التي تحتاج إلى تدريبات وممارسة لكي تُبنى وتقوى، وبذلك تكون قد هيأت نفسك لتكون صانع قرار متميز.
وختامًا:
وبذلك أيها القارئ تكون قد امتلكت كل ما تحتاجه لتعرف كيف يمكن أن تتخذ قرارًا فعالًا، ويبقى عليك أن تضع كل ذلك موضع التنفيذ، يقول كونفيشيوس: (عندما يتعلق الأمر بالإمتياز، فإنه لا يكفي أن تعرف، بل يجب أن تحاول أن تحصل على المعرفة، وأن تستغلها).

أهم المراجع:
1. مبادئ الإدارة بين النظرية والتطبيق، د.محمد إسماعيل بلال.
2. الإدارة، د.محمد سويلم
3. الإدارة ... الأصول والأسس العلمية، د.سيد محمود الهواري.
4. تطوير الفعالية الشخصية والأداء الوظيفي، معهد الإدارة-لندن.
5. الخيارات الذكية، جون هاموند ورالف كيني وهوارد رايفا.
6. موقع كنانة أون لاين، www.kenanaonline.com.
7. القرارات الذكية، د.سيد الهوَّاري.
8. أسرار قادة التميز، د.إبراهيم الفقي