عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 29
يوميات حجر في ميدان التحرير
البداية 2005
أنا بلاطة صنعت في أحد ورش البلاط ... بالسيدة زينب ..
طبعا امتاز بالصبر والقدرة على التحمل ..
حيث تعرضت لأقسى دراجات الحرارة والرطوبة ..
وتعرضت أيضا لأقسى معاملة ..
فالناس تعاملني كالجماد ..
لا يعلمون أن لدى مشاعر حساسة ..
لا يتفهمون أن لي جسد رغم صلابته قد يتشقق وينهار ..
هذا قدرنا .. ماذا نفعل ؟
عام الرحيل 2006
كانت سعادتي لا توصف .. عندما جاء (متهجما)
المعلم رشاد (صاحب الورشة): يا جماعة عندنا شغل حكومة ..
عندنا أوامر ننزل ميدان التحرير نبلط الرصيف ..
أحد العمال: متهللا ... تمام يا ريس ..
المعلم رشاد: أنت فاكره شغل بجد ده غصب وحياتك ..
ومحدش يعشم نفسه بيومية إضافية ده شغل ميري .. ميري ..
أحد العمال يضعني بغلظة .. وكأنة ينتقم منى ..
ويدق على رأسي .. لأستوي بجانب أصدقائي ...
ولكنى أقول في نفسي ... يمكن الوضع يكون أحسن هنا ..
تمر السنين ... تنحلني
واستقر بى الحال في أحد أركان الميدان .. وقضيت أياما روتينية ..
ينحل الناس فيها تفاصيلي ..
يدوسون بأرجلهم على كأنهم ينتقمون ..
لم أدرى ماذا أفعل هل أقاوم ؟ أم أستسلم ..
فأنا أرغب في البقاء أطول فترة ..
كانت الوحدة التي أعيش بداخلها تجعلني ..
أنصت لما يقوله الناس .. أستمع إلى همومهم .. رغم أنه مكرر إلا أني أتسلى ..
قائل لزوجته: حنتغدى أيه النهارد ... يييييه هو مفيش غيره في السوق ..
آخر: الدنيا حر جدا يارب الشتاء يجى ..
مثقف: إحنا إما محشورين عنقك زجاجة ... أو على الأقل في منحنى تاريخي..
أنسه: ياماما أنا عايزة أتجوز وخلاص .. أنا عديت الثلاثين ..
متزوجة: هو الرجالة مش حيرحمونا من شغل البيت ..
ام : معقولة حيجييبوا كل العفش من المناصرة؟
أب: والله لا جديد تحت الشمس ..
طفل: بابا نفسي في جزمة جديدة !
ابن: الله يرحمه مات إمبارح في القصر علشان ما فيش دم كفاية ..
شاب: هو في فيلم أيه النهارده ... شفته كانوا لسه جايبينوا على ميلودي ...
شاب آخر : ها .. كام .. كام أيه يا عم هو أنا عمر ما حعيش لغاية ما ياخد الدوري .
بعد 25 يناير 2011 بلاطة التغير ..
لا أنسى هذا اليوم وشوش الناس اتغيرت..
وسمعت كلام عن التغير ..
قلت لنفسي .. يا جماعة تغيير ايه ؟
يعنى يمكن ييجي اليوم اللي البلاطة هي اللي تدوس على إنسان ؟
الأيام تمر واسمع كلام جديد ..
- حرية ..
- عدالة اجتماعية ..
- الدستور ..
- قانون الطوارئ ..
- أمن الدولة ..
- مش حانمشى .. هو يمشى ..
- الشعب يريد إسقاط النظام ..
قلت في نفسي .. هو أيه النظام بالظبط ... ماذا يجري من حولي ؟
28 يناير ساحة حرب
كان يوم ولا ألف ليلة وليلة ..
كنت حاسس إني في ساحة حرب ..
حجارة تسقط من حولي ... تصيب الناس ..
يتساقطون بجانبي ..
لم أكمل دهشتي ... أصبت إصابات بالغة ..
فتتني الحجارة إلى أربعة أجزاء ..
لم أكن أتوقع أن تكون هذه نهايتي ..
اختلط جسدي بدماء الشباب ..
شممت رائحة زكية .. لم أشمها في حياتي .. كأنها رائحة المسك ..
تسألت عن مصيري .. ومصير هؤلاء ..
هل ستكون نهايتي بين أكوام القمامة ؟
هل سأفقد موقعي الاستراتيجي ؟
هل سأغادر الميدان ؟
أنا لا أعرف أي مكان أخر ..
النهاية أم .. العودة للحياة ..
فجأة تناولتني يد حانية ..
كأنها تلم جراحي .. تضم نفسي إلى بعضها ..
كان صاحبها يديم النظر .. فـألمح في عينيه الذكاء ..
تركت نفسي بيديه ... اطمأن لحالي معه ..
جمعني بأصدقائي الذين لم أراهم منذ سنوات ..
وقد تفتتوا مثلى ..
جمعنا بشكل لم أعهده من قبل ..
الناس كلما رأوني وأصدقائي ..
يضحكون ... لأول مره لم يدوسوني بأقدامهم ..
كانوا يتبادلون الصور معنا .. لماذا هذا الاهتمام ؟
فرحتي لم تكتمل ..
أحد الأطفال نزعني من بين أصدقائي ..
يلهو بي ..
يقذفني إلى الهواء ..
لأول مرة أحلق ... أطير ... أتحرر ... ينتابني شعور جديد ...
انظر إلى الأسفل ..
أدعوا الله أن استقر مكاني مرة أخرى ..
في لوحة أرضية .. أنا جزء منها .. مكتوب عليها ..
أرحــل ..
د/ياسر فاروق
yasserfarouq@gmail.com
المفضلات