الاستراتيجيات العسكرية في فن التسويق .. بناء الماركة أهم من المنتج




لقد تم استيراد معظم مفردات التسويق من المصطلحات العسكرية للجيش ، فهناك حديث عن "التسويق الدفاعي" و"التسويق الهجومي" و"التسويق الفدائي" ، إلا أن "المراوغة" أحد أهم الاستراتيجيات العسكرية .

ففي عام 1940 فاجأت ألمانيا فرنسا بالدوران حول خط دفاعها Maginot ، والتي طالما تفاخرت به، حيث قامت ألمانيا بمهاجمة فرنسا عن طريق بليجكا، وبعد مرور 6 أسابيع انتهت الحرب بهزيمة فرنسا .

ومع بداية حرب العراق الأولي في عام 1991، تمركزت القوات الأمريكية وقوات الحلفاء بالكويت وشرق السعودية، فكان طبيعياً أن يعتقد العراقيون أن الهجوم عليهم سيكون من الشرق، إلا أن الجنرال "نورمان سكوارزكوف" قام بتحريك 150 ألفاً من جنود الحلفاء لمسافة 100 ميل ناحية الغرب، وقام بشن هجومه الرئيسي والفجائي علي العراق من ناحية الجنوب، وما هي إلا 100 ساعة فقط وانتهت الحرب بإعلان الولايات المتحدة عن انتصارها.

وربما يتجاهل الكثير من المسوقين التعلم من تاريخ الحروب العسكرية، ويستمرون في مهاجمة منافسيهم بطريقة "مباشرة من الأمام "، وهي الطريقة التي نادراً ما تنجح، لذلك يجب أن يتبعوا طريقة " الالتفاف والمناورة ".

ماركة "مرسيدس"
ولنأخذ ماركة "مرسيدس" كمثال لتطبيق استراتيجية المناورة، حيث قامت شركة "مرسيدس" بزيادة إنتاجها للسيارات بالولايات المتحدة في السنوات الثلاث عشرة الأخيرة، من 61.889 سيارة عام 1994 إلي 247.934 سيارة عام 2006 ، بزيادة 300% ، وبحلول نوفمبر من العام الماضي قامت بزيادة إنتاجها بنسبة 2.8 % مرة أخري، وجاءت هذه الزيادة علي الرغم من الدعاية السيئة التي تعرضت لها الماركة التجارية لـ"مرسيدس"، حيث تعرضت للكثير من الانتقادات في وسائل الإعلام المختلفة، حول مدي كفاءة وإمكانيات سياراتها .

وتصدر عناوين الصحف مانشيتات منها :
• "أخطاء هندسية .. انخفاض ترتيب جودة ماركة مرسيدس في الكثير من استطلاعات الرأي" صحيفة وول ستريت جورنال "The Wall Street Journal" في 4-2-2002

• استطلاع للرأي : "انهيار جودة ماركة مرسيدس "صحيفة بيزنس ويك " Business Week " في 21 -6-2003

• " ماركة مرسيدس تنحدر إلي الهاوية .. المالك يشتكي من هبوط الأسعار " مجلة فورتشن " Fortune" في 27 -10-2003

وباستمرار الدعاية السيئة، جاءت نتيجة استطلاع الرأي في 2007 عن الماركات التجارية الــ 36 الرائدة في مجال صناعة السيارات، لتؤكد هبوط ماركة "مرسيدس" للمركز الأخير !!

إلا أن ذلك غير مهم بالمرة، فماركة "مرسيدس" هي أفضل ماركة تجارية في مجال السيارات، وإلا كيف استطاعت تحقيق انتصاراتها التسويقية ؟!

لقد قامت بالمناورة وباغتت ماركة كادلاك "Cadillac" - منافسها الرئيسي - في الوقت المناسب، وذلك عندما بدأت "مرسيدس" تسويق منتجها داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت سياراتها أعلي سعراً من ماركة "كادلاك" ، وأدي ارتفاع السعر إلي خلق مفهوم أن ماركة "مرسيدس" تتفوق علي "كادلاك" بطريقة أو بأخري، بمعني أنها أصبحت "تصنيفاً خاصاً"، وتم التسويق لها علي أنها " مصممة هندسياً بطريقة مختلفة عن أي سيارة أخري في العالم!! "

التسلق إلي القمة
ونتيجة زيادة أسعار سيارات "مرسيدس"، ارتفعت مبيعاتها بالتدرج البطيء، وها هي الأرقام الدالة علي مبيعاتها كل 10 سنوات :

• 1954 قامت ببيع أقل من 1000 سيارة

• 1964 قامت ببيع 11.234 سيارة

• 1974 قامت ببيع 38.826 سيارة

• 1984 قامت ببيع 79.222 سيارة

• 1994 قامت ببيع 73.002 سيارة

وظلت مرسيدس لمدة 40 سنة بالولايات المتحدة الأمريكية تبيع عدداً من السيارات سنوياً أقل من التي تقوم ببيعها شيفرولية " Chevrolet" في شهر واحد، وهذا ما جعل شركة جنرال موتورز "General Motors" غير قلقة، لكن "مرسيدس" كانت مشغولة آنذاك ببناء ماركتها التجارية التي ستسحق بها الماركات الأخري.

ففي عام 2006 فاقت مبيعات مرسيدس التي بلغت 247,934 مبيعات كادلاك البالغة 227,014، واستخدام ماركة "كادلاك" هنا ما هو إلا كمثال علي إحدي الماركات التي تم مناورتها ومفاجأتها عن طريق استراتيجية أفضل، وما قامت به شركة "مرسيدس" قامت به فودكا "vodka" ، بزيادة أسعارها بنسبة 50% أكثر من "Smirnoff vodka" الأفضل في السوق.

إن تسعير الماركة التجاري بأعلي سعر أو أقل سعر موجود في السوق، ما هي إلا إحدي استراتيجيات بناء ماركة تجارية قوية، ولكنها في بعض الأحيان قد تصبح استراتيجية ضرورية وإجبارية ضمن برنامج الماركة، وإلا فلن تبرح الماركات الجديدة القاع، ويبدو أن الكثيرين لم يتعلموا هذا الدرس بعد ..

وبالنجاح الكبير الذي حققته ماركة "مرسيدس" حول العالم، ربما يظن البعض أن الألمان فهموا الدرس، وأن الماركة أهم من المنتج، وأن أفضل طريقة للارتقاء بها هي وضع أعلي سعر للمنتج، وهو أمر لا يبدو حقيقياً، فطبقاً لكلام أحد مسئولي شركة "مرسيدس" .. فإن تحديد أعلي سعر لمنتجهم ليس هو السمة الرئيسية لماركتهم التجارية، ولكنها "الجودة والتكنولوجيا".

لقد حاولت شركة "مرسيدس" ترقية مستوي موديلات سياراتها(c) ، عن طريق بعض الرسائل الدعائية مثل "صممت كمرسيدس، الأداء كأداء مرسيدس، والسعر كالسيارة العادية "، إلا أن إدارة شركة "مرسيدس" قد أغفلت أن من مباديء التسويق أن "أسعار السيارات العادية كالسيارات العادية وأسعار السيارات الفارهة كالسيارات الفارهة "، إلا أن أخطاء كهذه قد تحدث وستحدث، حتي بالنسبة لماركة قوية كماركة "مرسيدس".

وبمقارنة ماركات " GM, Ford Motors ,Daimler" ، نجد أنه في سنة 2006 باعت كل من " GM" و " Ford" سيارات بما يقدر بـ 14.7 مليون دولار حول العالم، وهو ما يقدر بثلاثة أضعاف ما باعته "Daimler" والمقدر بــ 4.7 مليون دولار، إلا أن " Daimler" تقدر بالبورصة كقيمة مالية بــ94.8 مليار دولار، أي ما يقدر بأكثر من ثلاثة أضعاف شركتي Ford"" و"GM" مجتمعتين ، والتي تقدر قيمتهما بالبورصة بــ 14.1مليار دولار فقط.


الخطأ الذي ارتكبته "كاديلاك" .. ما الذي كان يجب علي "كادلاك" فعله ؟!
هل كان يجب عليها الصعود بمستوي موديلاتها لسد الفجوة بينها وبين "مرسيدس"، فى وقت قللت فيه من مستوي الموديلات بإنتاجها " Cimarron" و " Catera"؟

والحكمة تقول : "لا يمكن كسب الأموال ببناء منتج قوي، ولكن كسب المال يأتي عن طريق بناء ماركة قوية "، ولذلك لن يقنعنا ما كتبه أحد محرري السيارات في وقت سابق قائلاً: "يمكن تلخيص النجاح في المبيعات في كلمة واحدة هي : المنتج ثم المنتج ثم المنتج .. حسناً .. ثلاث كلمات.. ولكنك فهمت الرسالة ".

نعم لقد فهمنا الفكرة، ولكننا لا نتفق معه، ويبدو أن المفهوم السائد في الأوساط التجارية لصناعة السيارات هذه الأيام هو "لا شيء أهم من المنتج"، ولنأخذ ماركة أودي "Audi" كمثال، حيث لا يضاهيها ماركة أخري من حيث التكنولوجيا، كما في "Volkswagen" وبعض الابتكارات الخاصة بعجلة القيادة والحقن المباشر للوقود "direct fuel injection" وتصميمها المتطور لــ "TT coupe 12-cylinder, aluminum-bodied A8 "

وطبقاً لــ "مارتين وينتركورن" رئيس شركة "أودي" ، فإن الهدف من هذا كله هو أن ماركة "أودي" تحاول تصدير الماركات الأعلي من حيث السعر علي مستوي العالم بحلول عام 2010.

وقال رئيس الشركة بالولايات المتحدة الأمريكية العام الماضي، أنه يود أن تتصدر ماركة "أودي" صدارة السيارات الفارهة، وبلوغ مبيعات الشركة 200 ألف سيارة بحلول عام 2015، وللوصول إلي هذا الهدف قامت "أودي" بعرض سيارتها(420 horsepower, space-frame R8 sports car) بسعر 110,000 دولار وسيارتها 420 horsepower RS) 4 cabriolet) بسعر 82,675 دولاراً ، وبعرض سيارتها354) horsepower S5 sports coupe) بسعر 51,275 دولاراً .

وتحتل ماركة "أودى" المرتبة الثانية بالنسبة للسيارات الرياضية في الولايات المتحدة، إلا أن "أودي" لن تتصدر السيارات الأعلي سعراً حول العالم بحلول عام 2010 ، ولن تتمكن من الوصول لهدف بيع 200 ألف سيارة بحلول عام 2015 ، فعلي مدار أكثر من 34 عاماً بالولايات المتحدة الأمريكية، لم تستطع "أودى" بيع أكثر من 100 ألف سيارة في العام .. ففي عام 2006 كانت مبيعاتها 90,116 سيارة ، أي أقل من سوزوكي " Suzuki" التي وصلت مبيعاتها في نفس العام إلي 100,990 سيارة.


ومجال صناعة السيارات كأي مجال آخر، المهم فيه هو "الماركة" وليس "المنتج" .. وتعتبر "أودي" ماركة ضعيفة بعكس "مرسيدس" لسببين:

أولهما لم تحاول "أودي" المناورة بإنتاج أغلي سيارة بالولايات المتحدة الأمريكية، والسبب الآخر هو أن "أودي" ليس بالاسم القوي علي الأقل بأمريكا، فلو قلنا : هودي، أودي ، سوزوكي ..كلها تبدو اسماء لا تحمل لحن وقوة اسم "مرسيدس "هناك.


الرجل نت
تسويق