:d:d:d
الشخصية الإجرامية


الإجرام آفة اجتماعية تنخر في الأوطان و تعصف بالطمأنينة. و قد حاول عدة باحثين فهم أسباب هذه الظاهرة لطرح طرق علاجية تساعد الفرد ثم المجتمع من التخلص من هذا "الوباء". و هذه البحوث تتلخص في ثلاث ميادين: الميدان الو راثي و الميدان الاجتماعي و الميدان النفسي، و هناك ميدان متخصص في الإجرام يمسى "بعلم الإجرام".
الميدان الوراثي: ذهب بعض الباحثين إلى القول بوجود "موروث جيني" مسؤول عن الإجرام، و هذا التوجه يعني عدم مسؤولية الفرد على تصرفاته الإجرامية. مما يفتح مجالا واسعا بالنسبة للمسؤولية و دور القانون. و نحن من منطلق إسلامي أولا نرفض هذا التوجه لأن المسؤولية مرتبطة بالإنسان. و الفرد يحاسب انطلاقا من هذه المسؤولية، كما أن هذا التوجه "العلمي" دحض و خبا أثره لأن علماء آخرين أظهروا أن هذا "الجني" موجودا عند أشخاص غير مجرمين، مما جعل البحث يتوجه أو يعود إلى العامل النفسي و الاجتماعي.
و في هذا المقال لن أقسم ما هو نفسي و ما هو اجتماعي فهذان العنصران متلازمان بالضرورة، لهذا فتحليلنا ينصب في تحليل ظاهرة الإجرام من هذين العنصرين.
يمكن تقسيم الإجرام إلى الإجرام الفردي و إجرام الجماعي و إجرام الدولة.
فالإجرام الفردي هو توجه الفرد من تلقاء نفسه إلى إتيان بأعمال إجرامية، لأسباب متعددة، أهمها العوامل التربوية و العوامل التفاعلية التواصلية داخل الأسرة. أما الإجرام الجماعي فيعنى توجه مجموعة من الأفراد إلى سلوكيات إجرامية و لأهمية الكلام عن الجماعة يجدر الإشارة إلى أن هناك بعد الإفراد يتصرفون كمجرمين فقد من داخل هذه الجماعة، بل منهم من يبدأ سلوكه الإجرامي منذ أن تبنته هذه الجماعة، دون أن يكون له سابقة إجرامية و هذا يعني قدرة الجماعة على تغيير سلوك الفرد.
أما إجرام الدولة فيمكن أن نعطي ثلاث أمثلة معروفين هو مثال "النازية و "الصهيونية" و "الأمريكية". و إجرام الدولة يستمد عادة جذوره من توجهات فكرية عقائدية يجد فيها رجال الدولة مصدرا منطقيا لتبرير الإجرام.
الشخصية الإجرامية
تتجلى شخصية المجرم في أنه شخصية تتوجه إلى الاستخفاف بالقانون و يظهر هذا التوجه عند الطفل الذي لا يهتم أبدا بالقواعد اللعب مع الأصدقاء، فإذا كانت هذه حالة دائمة عند الطفل وجب الاهتمام به و تربيته على أساس أن احترام القانون عنصر أساسي للعلاقة الاجتماعية، كما يجب إعطاء المثل من طرف الوالدين، و حين يحتم الطفل القوانين وجب تحفيزه بإظهار الفرحة، و إعطاء الهدايا...الخ.
أشير أني سأقدم بعض العوارض التي تظهر على "شخصية المجرم" و هذه العوارض قد تظهر عند الطفل أيضا و لكن لن أعود إلى الكلام عن الطفل بصفة خاصة، فقط أنصح من يهمهم الأمر أن يلاحظوا سلوك أبنائهم أو تلاميذهم و يحاولون تصحيح هذا السلوك العدواني.
و لكي لا ننظر إلى أي سلوك على أساس أنه سلوك "إجرامي" لا بد من مراعاة قاعدتين مهمتين في الطب النفسي و هما قاعدتي:
-تكرار السلوك
-استمراره على فترة زمنية طويلة.

بدون هاتين القاعدتين يمكن أن يكون سلوك الطفل سلوكا عاديا. و على أية حال أنصح في حالة الشك استشارة أخصائي أو طبيب النفساني. فالسلوك المرضي يجبر بسرعة في الطفولة و يصعب في سن متقدمة.
قصور في القدرة على التفريق بين السلوك الأخلاقي و الغير الأخلاقي تبدأ عند المجرم من بين التمظهرات الأولى في سلوكيات الشخصية الإجرامية، مما يجعل هذا الأخير يتعامل بطريقة غير أخلاقية مع الغير، و دون إحساس بأي حرج، و ذلك لأنه لم يستطع استيعاب في فترة من فترات النماء النفسي بأن القواعد الأخلاقية تساعده على احترام الآخر.
و هذا الموقف ينمي عنده السلوك العدواني فيتخذ موقفا معارضا من الأخر، و هذا السلوك العدواني يعطيه شيء من الثقة في النفس و خاصة إذا كان الفرد المجرم قد تعرض للإهانات متكررة في صباه.
قراءة الواقع عند هذه الشخصية تتسم برفضه و محاولة تطويع هذا الواقع حسب رغباته، مما يدفعه إلى استعمال كل الطرق للوصول لغايته، فيصبح الدافع للاكتساب المال هو في الواقع الرغبة الأكيدة في تطويع الواقع ليساير رغباته الغريزية. و هذا أيضا مكون أساسي عند هذه الشخصية فالغريزة الشهوانية تحتل مكانة العقل و يصبح الأخلاق وسيلة لإشباع هذه الشهوة بل لا وجود للأخلاق إلا ما يسمح بإشباع هذه الشهوة.
ويلاحظ علاقة بين تصاعد الشهوة الغريزية و قصور العاطفة الاجتماعية، فإذا كانت هذه العاطفة تساعد الفرد على التآزر و التماسك بل و حتى الإيثار فإن الشخصية المجرمة "تقتل" هذه العاطفة، و يبحث بحتا حثيثا على إشباع الشهوة و إشباع الشهوة يتعارض مع التفاعل الإيجابي.
يتصف المجرم بشيء من الذكاء، و لكن ذكاء يستخدم في تطوير طرق جديدة للابتزاز و الغش، و يقول الأخصائيين في علم الإجرام أن هذا راجع إلى عدم النضج العاطفي، و نقصان النضج يجعل المجرم لا يهدف إلا إلى اللذة القصيرة المدى التي تتطلب الإشباع الآني. و لهذا فالمجرم خاصة المجرم في بداية "تطوره " لا يفكر في الوقت و المكان بل يقفز على الضحية متى و أين سنحت له الفرصة بذلك و لا يفكر في العواقب، لأنه مهووس بفكرة أنه لن يقبض عليه و ثانيا لأن الإشباع الآني يسيطر على التنظيم البعيد المدى.
و هناك عنصر نفسي آخر تتسم به هذه الشخصية هو قدرته على ابتكار روايات تظهر أهميته من الناحية الاجتماعية، و هذه الصورة المغلوطة عن الذات تأخذ توجهين:
1- إما أهمية داخل الجماعة المجرمة، و هو ما يجعل التنافس و التسابق إلى الإجرام، و هي أخطر خاصية يمكن أن تتسم بها هذه الجماعة.
2- أهمية داخل المجتمع السوي، و هي أهمية تدور حول امتلاك المال و السلطة.

عتبة الإجرام
يختلف المجرمون عن بعضهم فمن أعمال الجنوح ... إلى أعمال العنف و القتل. و لهذا لا يمكن قطعا تصنيف الأعمال الإجرامية داخل نفس المستوى. فهناك أفردا يقومون بأعمال إجرامية مرة واحدة في حياتهم و يستطيعون بمساعدة المجتمع و الأسرة الرجوع إلى حظيرة المجتمع السوي، دون تطبيع للسلوك الإجرامي، و هذا من مسؤولية العائلة و لمحيط الاجتماعي الذي ينتمي إليه، بحيث أن هؤلاء يجب أن يعطون انطباع على خطورة السلوك الإجرامي و عدم تطبيعه عكس ما وقع في المغرب للأسف، و أعني عملية تطبيع الرشوة، حيث أصبح هذا السلوك سلوكا عاديا، بل أصبح العكس هو السلوك الغير العادي، لدرجة التباهي بالكمية النقدية التي حصل عليها المرتشي، إذن فالمجتمع و الدولة هنا يصبحان مسئولان على تطبيع السلوك الإجرامي، وخاصة إذا وصل إلى سدة القرار أناس معروفون بالمتاجرة في المخدران و الممنوعات و البغي و الاختلاس أموال الشعبـ فهذا التوجه العام الذي يسود المجمع يجعل السلوك الإجرامي هين و يتبناه العديد من العامة، و يدخل المجتمع حظيرة الشك و فقدان الثقة و الإجرام مما يؤثر سلبا على تنامي الاقتصاد في البلاد.
و هناك أربعة مراحل يمر منها السلوك الإجرامي:
1- مرحلة إطفاء صبغة "الحق" على السلوك الإجرامي كأن يقول الفرد "هذا السلوك هو الطريق الوحيد للعيش" هذا العمل الطريقة الوحيدة لإعالة الأطفال " "كل يسرق حتى كبار القوم و أعيان الدولة، فما أبالي أنا".
2- مرحلة التأرجح بين الخوف من القانون و القدوم على العمل الإجرامي، و يتم عبر سلوكيات عدوانية متدرجة.
3- مرحلة تطبيع السلوك الإجرامي، و يتم الإقدام عليه إما عبر دافع نفسي و هو الوصول إلى حد يعتقد فيه المجرم عدم أهمية التوبة من الفعل الإجرامي، و نبذ المجتمع السوي له، مما "يحفزه " على الإساءة للغير و الوصول به إلى العدوانية الدائمة. أو تشجيعه من طرف الجماعة المجرمة بحيث تتبنى سلوكه الإجرامي.
4- المرحلة الرابعة و تنطبع هذه الشخصية بنوع من عدم الاكتراث لآلم الآخرين، مما يجعل السلوك الإجرامي عمل وظيفي كغيره من الأعمال، حيث لا يفرق بين الشريف و الغير الشريف، و يظهر هنا تقصان كبير للوازع الديني، مما يجعل المجرم كما ذكرت لا يفكر في المستقبل لأن التفكير في المستقبل يفتح عليه باب التفكير في الآخرة بمعنى التفكير في الجنة و النار، الشيء الذي يسبب له صراع داخلي، لهذا فهم منصب على إشباع المادي لشهواته و يصبح هو شغله الشاغل، مما يدفعه للاستعمال الحشيش و الخمور ... حتى يقصر دهنه على التفكير في الحاضر فقط.
النضج الإجرامي
تكلم بعض العلماء على ما يسمونه بالنضج الإجرامي، و هو الدفاع عن هذا السلوك بطريقة منطقية كما فعل النازيون و يفعل حاليا الصهاينة. و الأمريكيون في إطلاق صبغة شرعية على مفهوم "الضربات الاستباقية" و المرحلة الرابعة التي ذكرتها يظهر فيها هذا النضج السلبي حيث تتسم بتطوير طرق "علمية و تقنية" للأداء الوظيفة الإجرامية.
يقع نوع من تفنن و التباهي في هذا السلوك و في هذا المستوى نتكلم على "الشخصية الإجرامية الحقة"، و إن كان الحق لا يتصل بالإجرام.
و يمكن و صف الشخصية في هذه الوضعية:
- بعدم رغبته المطلقة في التكفير عن سلوكه
- تطور منهجي في السلوك الإجرامي
-إحساس باللذة النفسية في قطع العلاقة مع المجتمع السوي، و هو ما يعني قطع الطريق على تحرك الضمير الاجتماعي أو الديني.