موقوف
- معدل تقييم المستوى
- 0
دور الشباب المسلم تجاه المد التغريبي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
ففي هذا الزمان، علت صيحات منبوذة، وأفكار ممقوتة، تدعو بكل قوة وإصرار إلى اللحاق بركاب الغرب، من أجل إدراك الحضارة العظيمة - كما يزعمون - وكان من لوازم تلك النداءات: التخلي عن القيم والأخلاق، والتنازل عن العقيدة، وجعل الدين هشَّاً لا هوية له، وإنما جسدٌ بلا روح، بل أن بعضهم قد تطاول به الأمر، إلى أن ينسلخ من الروح والجسد، ليُصبح بلا ماهية.
و مع هذه الصيحات، كان على الأمة أن تتخذ الموقف الجاد، وتباشر العمل، في رد هذا العدوان، دفاعاً عن الشريعة، وحماية للتوحيد، وإزهاقاً للباطلِ وأهله، فكان الدور مشتركاً بين العلماء، وكلٌ بحسب طاقته ووسعه - على تفاوتٍ بينهم في ذلك - ولهذا أحببت أن أشارك في بعض ما يتعلق بالشباب من دور، على المدى القريب والبعيد، واخترت بعض الخطوات، التي تحتاج إلى توفيق الله أولاً، ثم الصبر والمصابرة على تحقيق تلك الأهداف، والتي ليست إلا مطيَّة للهدف الأكبر في هذه القضية، فإليكم هذه الخطوات في دور الشباب في مواجهة المد التغريبي:
أولا: الثبات والاستسلام لله:
لما أسلم عمر رضي الله عنه وأرضاه قال المشركون: صبأت؟!، فقال عمر: "كذبتم! ولكني أسلمت وصدَّقت" فثاروا إليه، فما زال يقاتلهم ويقاتلونه حتى قامت الشمس على رؤوسهم، وأعيى من التعب فقعد، فقاموا على رأسه وهو يقول: "افعلوا ما بدا لكم! أحلف بالله أن لو كنا ثلاثمائة لقد تركناها لكم أو تركتموها لنا".
كل هذا يحدث بعد إسلامه بلحظات!.
ولك أن تتأمل حين جاءه أبو سفيان وهو من أشراف قومه ليشفع له عمر الفاروق عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شد عقد الحديبية، فقال له معلناً البراءة من أعداء الله: " أنا أشفع لكم؟! والله الذي لا إله إلا هو لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به".
اجهر بصوتك أمام كل معاند: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ).
يجب أن يكون الشاب المسلم واثقاً بالمبادئ التي يحملها بين جوانحه، راسخاً في أفكاره رسوخ الجبال الراسيات، يستشعر دائماً معنى العبودية لله والانقياد له، ويعرض كل ما يستجد له على دينه فما خالف الدين نبذه ولو كان من أقرب الأقربين قال تعالى: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا).
إنّ مجرد الاتباع لا يكفى، بل إن الغاية هي الاطمئنان إلى العقيدة والسعي الحثيث للتأثير لا التأثر‘ وبهذا تكون القوة.
إننا في هذه الأيام نرى ونسمع في كل يوم من يدعو إلى تنحية كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، بتصريح أو تلميح!. وذلك من خلال دعواتٍ يُظهرها حثالةٌ من العملاء، ممن يدينون بالولاء لأسيادهم في الغرب والشرق!.
فأين هم من الصدِّيق رضي الله عنه وأرضاه إذ يقول: "لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به، إني أخشى إن تركت من أمره شيئاً أن أزيغ ".
(فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
و لما أشار بعض المسلمين على أبي بكر رضي الله عنه بأن لا يبعث جيش أسامة لاحتياجه إليه، قال: "والله لو أن الطير تخطفني، وأن السباع من حول المدينة، وأن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين؛ ما رددتُ جيشاً وجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا حللتُ لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله لو لم يبقَ في القُرَى غيري لأنفذته، أفأطيعه حياً وأعصيه ميتاً!".
فأنفذ رضي الله عنه جيش أسامة، ثم أعلنها حرباً على المرتدين، فقيل له: "إنهم يقولون: لا إله إلا الله، قال: والله لأقاتلنَّ من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عَناقاً أو عِقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه".
وهكذا نصر الله به دينه، فرضي الله عنه وأرضاه.
لقد أسلم ذلك الجيل، واستسلم وانقاد لحكم الله بلا خيار: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ). وبلا تنطع في البحث عن الحكمة والعلة؛ لأن ذلك ينافي التسليم والانقياد: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ). وبلا حرج في النفس عند تطبيق النص الشرعي، يقول تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
ولئن أخذنا نحن يميناً أو شمالاً لقد ضللنا ضلالاً بعيداً.
لم يكن هذا التسليم والانقياد مقصوراً على الرجال فحسب، بل كان للنساء فيه حظ وافر، وضربن بهذا أروع الأمثلة في الانقياد والاستسلام والثبات دون اكتراث لما يحدث في واقعهن، وهذا يتجلى حينما يـختلط الرجال والنساء في الطرق عند الـخروج من الـمسجد، فيقول صلى الله عليه وسلم كما ثبت في سنن أبي داوُد: "استأخرن؛ عليكن بحافَات الطريق". فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من شدة لصوقها به.
ثانياً: العلم الشرعي:
العلم، العلم. وأخص به العلوم الشرعية، ومن أهمها علمُ التوحيد الذي من أجله بعث الله الرسل إلى الناس قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ).
إنك لو تأملت حال الغزو الذي تُحاك خططه بالليل والنهار من الأعداء في الداخل والخارج لوجدتَ مدارَه على أمرٍ واحد، وكله يدور في فلك الإطاحة بالثوابت، التي هي سر البقاء، عن عمر رضي الله عنه أنه قال "إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله هذا". رواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح على شرط الشيخين.
نعم، هذا هو السر!. فكلما كان الناس إلى الله أقرب كانوا على أعدائهم أظهر وأغلب.
ولنتأمل في حال السهام الموجهةِ إلى صدورنا ومنابع عزتنا:
سهم موجهٌ إلى حلقات التحفيظ، أي (القرآن) الذي رفعنا الله به.
وسهمٌ يستهدف العقيدة الصافية.
وسهم يروم ذروة سنام الإسلام، وهو الجهاد في سبيل الله.
وسهمٌ مصوّب نحو الولاء والبراء، تلك المنزلة التي ضرب فيها الأنبياء والصحابة والسلف الصالح أروع الأمثلة، وقد خلّد القرآن شيئاً من ذكرهم لنسير على خطاهم، صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ورضي الله عنهم.
وسهم آخر يتجه صوب المرأة، والتي يصلح المجتمع بصلاحها، فهي كالقلب للجسد، فكما أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، فإن منزلة المرأة في مجتمعها يتوقع منه هذه النتيجة: فإذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، وهذا بالأخص في شأن الأم.
إن الحوارات المؤتمرات والمنتديات التي نرى العدو يسعى حثيثاً لإقامتها هنا وهناك باسم الثقافة والفكر والتواصل بين الحضارات ليست إلا فكرية الاسم عقدية المحتوى في غالبها.
و من هنا تأتي أهمية دراسة كتب العقيدة على منهج السلف الصالح رحمهم الله.
واليوم هاهم دعاة هذا المنهج المنحرف يحذرون العالم من الفِرقة والطائفة المارقة في نظرهم وهي الوهابية كما يسمونها، حيث ألصقوا بدعوة الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب التهم والأباطيل والافتراءات والأقاويل، لأنهم يعلمون أن العقيدة الصافية الناصعة تشكل خطراً عليهم.
وخلاصة القول: إنّ العلم الشرعي هو السلاح، فلنتسلّح به لكي لا ننخدع بمقوله كل فاجر مارق.
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان". [رواه أحمد في مسنده وابن حبان].
ثالثا: الدعوة إلى الله:
والله ما كان الغرب أو الشرق ليثور على البلدان الاسلامية لولا انتشار هذا النور المبين والسراج الوهاج - وهي الدعوة السلفية - في العالم.
فحينما أصبح الإسلام يشكل خطراً عليهم، تعالت صيحات الحاقدين منهم على الإسلام، وتنادوا بوقف المد الإسلامي الذي بدأ ينتزع منهم هيبتهم: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ).
يقول الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله في تفسيره: "والمقصود من أهل الكتب والعلم تمييز الحق من الباطل، وإظهار الحق ليهتدي بذلك المهتدون، ويرجع الضالون، وتقوم الحجة على المعاندين، لأن الله فصّل آياته، وأوضح بيناته، ليميز الحق من الباطل، ولتستبين سبيل المهتدين من سبيل المجرمين، فمن عمل بهذا من أهل العلم فهو من خلفاء الرسل وهداة الأمم". أ.هـ
إذاً فكلٌ بحسب ما حباه الله من إمكانات، وما آتاه من قدرات، ولا عذر لنا في التقاعس عن نصرة دين الله تعالى والدعوة إليه، وأمم الأرض تنتظر منا إيصال الرسالة الربانية، ونشر هذا الخير العميم والكنز العظيم، والدلالة على الصراط المستقيم.
رابعاً: اليقين بالحق:
يقول شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "لا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها كما قال تعالى: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا)".
قال بعض المفسرين: "هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة".
فلا يضق صدرك بما ترى وتسمع ولا تأبه كثيراً بما يقوله المرجفون المنافقون لأن الله تعالى يقول: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ).
ولا شك في أن وعد الله بالنصر واقع قاطع جازم: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا). وكلمة الله قائمة سابقة (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمْ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُم الْغَالِبُونَ). وهذه حقيقة ثابتة، فلله الحمد.
خامساً: صفاء مصدر التلقي لدى المسلم:
إن على المسلم أن يتلقى من الدستور الذي ارتضاه الله له، وهو أكمل دستور وأصفى منبع وأعذب منهل قال تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ).
وهذا هو الثبات الحقيقي وهو الانتصار الذي هو مطلب كل إنسان، فحقيقة الانتصار أن تموت وأنت على مبادئك دون مساومة، ودون تنازل أو تراجع عن الحق.
ثبت عند البخاري من حديث عبدِ الله بن سَلامٍ قال: "رأيتُ كأني في روضةٍ، ووسَط الروضةِ عمودٌ، في أعلى العمود عروةٌ، فقيل لي: ارقهْ، قلت لا أستطيع، فأَتاني وصيفٌ فرفعَ ثيابي فرقيتُ، فاستمسكتُ بالعروة، فانتبهتُ وأنا مستمسكٌ بها. فقَصَصْتها على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: تلك الروضة روضة الإسلام، وذلك العمودُ عمودُ الإسلام، وتلك العروةُ العروةُ الوُثْقى لا تزال مستمسكاً بالإسلام حتى تموت".
اللهم ثبتنا على الحق حتى نلقاك وأنت راضٍ عنا.
لقد حرصت الشريعة كل الحرص أن تُبعد أبناءها عمّا يزعزع هذا المبدأ، ويهز تلك الحقيقة، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يثبت في أصحابه هذا الأمر حتى بعد إيمانهم بسنوات، تأكيداً منه صلى الله عليه وسلم على ضرورة استصحابه، بل كان يأطرهم عليه، ويحذرهم من مصادر التلقي الأخرى.
روى الإمام أحمد في مسنده والدارمي في سننه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنسخة من التوراة، فقال: يا رسول الله! هذه نسخة من التوراة، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فجعل عمر يقرأ، ووجه رسول الله صلى الله عليه وسلم- يتمعّر ويتغيّر، فقال أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه: ثكلتك الثواكل يا ابن الخطاب! ألا ترى ما لوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!.".
وفي رواية: "أن عبد الله بـن زيد قال: أمسخ الله عقلك! ألا ترى ما بوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!، فنظر عمر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فقال صلى الله عليه وسلم: أمُتَهَوِّكون فيها يا بـن الخطاب؟! ألَمْ آتكم بها بيضاء نقية؟! والذي نفسي بيده! لو بدا لكم موسى فتبعتموه وتركتموني لضللتم سواء السبيل، والله لو كان موسى حياً ما وسعه إلا أن يتبعني".
سادسا: الالتفاف حول العلماء الربانيين:
لأنهم أفقه الأمة، وأبرّهم قلوباً وأعمقهم علماً وأصلحهم تصوراً، فلا نجاة للأمة إلا بهم إذا أنهم ورثة الأنبياء، والعلماء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنّما ورَّثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر.
إنّ العالم الرباني هو خير ما يُرجع إليه عند تلاطم أمواج الفتن، والتباس الحق بالباطل لما يحمله من كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
إن العلماء يُبصرون مالا يُبصره طلاب العلم وعامة الناس، بل أنهم يُبصرون ما يخفى على كثيرٍ من كبار طلاب العلم.
وللعلماء مواقف في الشدائد وقف التاريخ متعجباً لها وخلّدها في جبين صفحاته، علماء عاملون دعاة مخلصون، ربانيون راسخون لقد كان علماء الإسلام في المحن من أشـــد الناس ثباتاً على الدين وأقوى تمسكاً بالسنة، فالمواقف ليست إلا جرعاً تزيد في صلابتهم وقوَّتهم.
سأل الشافعيَّ رجلٌ عن مسألة، فأفتاه بقول النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، فقال الرجل: أتقول بهذا؟! فارتَعَدَ الإمام الشافعي، واصفر لونه، وقال: "أرأيت في وسطي زناراً؟! أرأيتني خرجت من كنيسة؟! ويحك! أيُّ أرض تقلني، وأي سماء تظلني إن رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم أقل به؟! نعم! أقول به وعلى الرأس والعينين، متى رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ولم آخذ به، فأشهدكم أيها الناس- أن عقلي قد ذهب."
قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً).
قال بعض المفسرين: "أولو الأمر هم العلماء والامراء".
وفي تفسير قوله تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ). قال السعدي رحمه الله: "أي يستخرجونه بفكرهم وآرائهم السديدة". أ.هـ
ولأن العلماء فهموا مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم كما فهمه السلف الصالح، فهم أقوى الناس ثباتاً على هذا الدّين.
وللأسف ينادي بعض المنافقين التغريبيين اليوم بدعوة جديدة وهي أن نبقي النصوص كما هي، وأن نرجع إليها، لكن بفهمنا بما يوافق مقتضيات العصر – بزعمهم - لا بفهم أسلافنا، وهذه دعوة خبيثة.
إذا أردت أن تنظر إلى مكانة أمةٍ ما بين الشعوب فانظر إلى مكانةِ علمائها في المجتمع الذي يعيشونه.
لقد أصبح كثيرٌ من السفهاء من أمم الشرق والغرب، بل ممن هم بين ظهرانينا، أصبح كثيرٌ منهم يُجترئ على الثلب والطعن في علماء الأمّة، ونرى من الجهلاء انشغالاً بأخطائهم، وهذا إذا سلّمنا أنها أخطاء فقد تكون غير ذلك.
فكثير من الجهلة اليوم يُبيحون لأنفسهم الثلب في عالمٍ ما لأنه أخطأ!. وفي النهاية قد نجد المسألة التي جزم هذا الجاهل بأنها خطأ، ليست إلا مسألة خلافية أخذ الشيخ فيها بقول مرجوح. ومَن يسلم من هذا؟!.
ومما يؤسف له أن أهل البدع والخلل العقدي يُكنون لأئمتهم ومشايخهم الولاء والحب، وبعض أهل السنة إذا أتت المصيبة يبدأون بعلمائهم وقادتهم فيهاجمونهم، وهذا مما يندى له الجبين.
سابعاً: الاستعداد العلمي والإيماني لصدِّ التغريب:
لا أنصح الشباب بالخوض في النقاشات الفكرية في سنٍ مبكرة، وهذا أمرٌ انتشر في الآونة الأخيرة.
فقد نجد شاباً ضعيفاً من ناحية الرصيد العلمي، أو حتى بلا رصيدٍ من علم، نجده يحاول التصدّي لمثل هذه القضايا، فيستمع لهذه الشُبَهِ التي تُلقى في قلبه فتبقى منها رواسب تجتمع ثم تتراكم في قلبه شيئاً فشيئاً، حتى تأتي ساعة لا يجد إلا أن يخضع لمثل هذه الأفكار والآراء. وكم من رجل فاق الناس علماً وتقوى، فإذا به في طرفة عين ينكص على عقبيه، ويتخذ هواه إلهاً من دون الله، والله المستعان.
لقد أصبحت المجالس اليوم كأنها منتديات للمضرّة، يُطرح فيها الغث والسمين، فيتفرق الناس، وقد اكتسبوا ما يضرهم في دينهم ودنياهم، وما يحبط عملهم في أخراهم، فالحجة هي السلاح في مثل هذه المواضع، ومن لا حجة لديه فكأنما دخل معركةً بلا سلاح، فهو هالكٌ لا محالة.
و كم تأثر متأثر نتيجة جهله وإقدامه على مثل هذه الأمور من دون مشورة أو علم، فضلَّ وأضل.
و أخيراً:
هذا جهدي، فما كان من صواب فمن الله، وما كان من زلل أو خطأ فمن نفسي والشيطان.
أسأل المولى القدير بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُعز الإسلام والمسلمين، وأن يُمكّن لعباده الصالحين في الأرض، وأن يُصلح أحوالنا، إنه ولىُّ ذلك والقادرُ عليه.
و صلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المفضلات