مشرف
المدربون المعتمدون
- معدل تقييم المستوى
- 35
نكران الجميل غدر أم جحود
نكران الجميل غدر أم جحود
كريم سهر
لكبيرة التونسي
نكران الجميل هو ألا يعترف الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه، يقول تعالى: «يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا»، النحل -83. فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه من الله أو من الناس فهو منكر للجميل جاحد للنعمة.
النفس البشرية السوية تحب من أحسن إليها، بل الإحسان يقلب مشاعرها العدوانية إلى موالاة حميمة، يقول تعالى:« ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ»، فصلت-34. لذا فإن النفس التي تنكر الجميل والإحسان وتتناساه هي نفس لئيمة وجحودة، فالكريم شكور أو مشكور واللئيم كفور أو مكفور، ويسمى هذا الأمر في حق الله تعالى: كفران النعم وجحودها.
هذا ما يفصل فيه البروفيسور كريم سهر استشاري الصحة النفسية والباراسيكولوجي رئيس المعهد الكندي للعلوم الصحية بكندا، سيناتور ووزير مفوض بالبرلمان العالمي للأمن والسلام، نائب الرئيس والمسجل العام، جامعة وستن ريزيرف، فانكوفر، كندا، عميد دراسات العلوم الصحية في الشرق الأوسط، ويقول:
الاعتقاد السائد عند أغلب الناس في الصورة الواجبة لشكر النعم الاكتفاء بقول الحمد لله، دون استكمال أركان الشكر والذي من أهمها أن يتذكر أنه أعطي ما أعطي ليستعين به إلى الوصول لله تعالى ويستخدمه في طاعته، فمن أهم أسباب جحود النعم هو الغفلة عنها لأنها متوافرة لعمومها ومبذولة في الغالب بلا أدنى سبب كالسمع والبصر وغير ذلك.. فلا يرى كل واحد لنفسه منهم اختصاصا بها فيقصرون في الشكر. فإذا سلبت هذه النعمة أو شيئا منها ثم عادت إلى الإنسان قدر ذلك واعتبرها عندئذ نعمة، فأصبح الشكر موقوفا على سلب النعمة ثم ردها، فالإنسان الجحود لنعم الله هو الكنود الذي يعد المصائب وينسى نعم الله عليه»، فلا يرى ولا يبحث إلا عما ينقصه، وهذا مدخل عظيم يوصل إلى نكران النعم.
نكران الجميل مرض
يلفت كريم سهر إلى أن نكران الجميل مرض اجتماعي، إذ يقول: من الأمراض الاجتماعية التي تتفشى وتنتشر بين الناس نكران الجميل وهي صفة مذمومة عند الناس تقشعر لها الأبدان، فإذا كنت قد ابتليت بذلك فكان الله في عونك، لما يتركه ذلك النكران في نفسك من آثار سيئة تحتاج إلى قوة تحمل وصبر مؤمن للتخلص منها، ونكران الجميل يتنافى مع طبائع النفوس السوية، التي طُبعت على حب مَنْ أحسن إليها، والتسامح والعفو مع مَنْ أساء إليها. وكثيرة هي النماذج التي نسمع عنها بين الحين والآخر لما يمثل عقوقاً للوالدين بنكران جميلهما، أو ما نعرفه عن أصدقاء تقطعت بينهم صلات المودة والصداقة بعد أن تنكر بعضهم لبعض في الجحود والنكران، إننا في حاجة إلى أن يقف كل منا وقفة مراجعة مع نفسه من وقت لآخر، ليتأكد أنه في علاقاته مع غيره يسير على الطريق السوي الذي يكون سببا في سعادته، وطريقا لارتقائه في التعامل مع غيره، فلا ينكر لهم حقا، ولا يجحد لهم معروفا، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ استعاذ بالله فأعيذوه، ومَنْ سألكم فأعطوه، ومَنْ دعاكم فأجيبوه، ومَنْ آتى إليكم معروفاً فكافئوه، فإنْ لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه».
ثوب الزور
يضيف كريم سهر في نفس السياق ويقول: نكران الجميل من شيم اللئام، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، وقد وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه: «من أعطي عطاء فوجد فليجز به، ومن لم يجد فليثن فإن من أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلّى بما لم يعطه كان كلابس ثوبي زور». أما أن يحسن الناس إلى آخرين فلا يجدون إلا نكراناً فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها، إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الإحسان بالفضل والامتنان، أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردا، ومن الناس من يسأل الله النعمة سواء من المال أو الصحة أو الولد فإذا أعطاه الله، نسي فضل الله، وبدلا من أن يشكر الله ويوجه ما أعطاه في مرضاته، نراه يستعملها فيما ينافي الشكر بل فيما يغضب الله عز وجل، وحال هذا يشبه حال من قال الله فيهم «ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدّقن ولنكونن من الصالحين، فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون»، التوبة 75-76.
صور نكران الجميل متعددة
ويتحدث كريم سهر عن صور نكران الجميل ويقول: أما نكران الجميل مع الناس فله صور متعددة، فقد يكون بين الزوج وزوجته، وبين الآباء والأبناء، وبين عامة الناس، وكم من زوج ينسى ما بينه وبين زوجه من الجميل والإحسان ويبدأ برصد السقطات وإغفال الحسنات وقد يكون بسبب نفسه اللئيمة، والله عز وجل يقول «ولا تنسوا الفضل بينكم»، البقرة. فكم من زوجة يحسن إليها زوجها وعند أول خلاف قالت: ما رأيت منك خيراً قط، وهذا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حفظ جميل سيدتنا خديجة رضي الله عنها حتى بعد وفاتها.
وكم من أم مات زوجها فضحت بنفسها ومالها ليكمل ابنها الطريق، بل ونحتت الصخر حتى ظهر شأنه وعلا، ولما فتح الله عليه، ووسع له في رزقه إذا به يتنكر لتلك الأم الرائعة، بل ويفضل زوجته عليها، بل ربما وصل الأمر لحد العقوق فكم من أم بكت من ولدها.. فالكبائر هي بكاء الوالدين من العقوق، وقد تحدث مثل هذه الصورة وغيرها مع الأب كذلك، وليحمد الله ويشكره كل رجل يرزقه الله بزوجة تذكره وتحرضه على بر والديه، وخاصة الأم، فالزوجة الصالحة تزيد صلة الرحم والسعادة، ومن صور نكران جميل الوالدين: ما يبذله الوالدان من جهدهما ومالهما ووقتهما لصلاح أولادهما، وربما تحملا المشاق ليصل إلى حلقة في مسجد أو مدرسة تعينه على الصلاح فإذا ما يسر الله للابن صحبة طيبة أو شيوخا أفاضل أو معلمين أجلاء، فثبت أقدامه على الطريق وصلح حاله، واستقام، نسب الفضل لهؤلاء بعد الله دون والديه وربما لم ير لهما فضلا في صلاحه. وفي المقابل، من الآباء والأمهات من يرزقه الله بصلاح أولادهم وبرهم، ولكنهم ينكرون ما يقدمه الأولاد لهم، ويتعنتون، ويصبح هذا البر كالسيف المسلط على كل أمر، وإن كان على الأبناء فالصبر والاحتساب فلن يضيع الله أجورهم، إلا أنه قد يدخل الشيطان بينهم، ويقتل الحب بين الآباء والأبناء، وعلى الوالدين أن يحسنا إنزال البر في مواضعه حتى يكونوا عوناً لأولادهم على زيادة البر والعطاء، وهناك صورة أصبحت متفشية للأسف، وهي أن يكون الإنسان في غفلة وتيه عن الحق، منغمساً في ضلالة وعصيان، فيقيض الله له داعية أو مصلحاً فينتشله مما كان فيه، ويكون سبباً في هدايته، حتى إذا ما فتح الله عليه، واستزاد في طريقه وتعرف على من يظن أنه أعلم نسي صاحب الفضل الأول عليه بعد الله بل ربما انقلب عليه وأصبح همه وشغله الشاغل تتبع عوراته وزلاته، ويحرص على فضحه والتشهير به.
عيوب نكران الجميل
ويقول كريم سهر إن هذا العيب له آثار وخيمة منها أنه يؤدي إلى نسيان نعم الله على العبد، وبالتالي إلى الجحود ويقول: فمن كانت عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له. وهذا من أسباب زوال النعمة بعد حصولها، تخلى الناس عنه وخاصة عندما يحتاج إلى المعونة، ويؤدي إلى تولد الكراهية ويقطع الأواصر بين الناس، ويجلب الشقاء ونكد البال وسوء الحال، وينصح كريم سهر ويقول: عليك أن تعاهد النفس بتذكيرها نعم الله عليها دوما، يقول تعالى: «يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم» فاطر 3، نلاحظ قوله تعالى «اذكروا» فيها أمر للإنسان أن يذكر نفسه التي من طبيعتها النسيان، فهي تحتاج إلى وقفات تستعرض النعم استعراضاً نعمة نعمة حتى يثمر ذلك الشكر، وإلا فإن تقلب الإنسان فيها إن لم يذكر نفسه أنها من الله تجعله يركن إليها، وينسى أداء حقها، الحرص على الاتصال بحلقات الذكر ومجالسة من يذكر النفس بالحقوق وأدائها لأصحابها، المسارعة في رد المعروف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «من أتى عليكم معروفاً فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أنكم قد كافأتموه». فالكريم يحفظ ود ساعة، ولا يزهدنك في المعروف كفر من كفره، فإنه يشكرك عليه من لا تصنعه إليه. فأجره عند الله لن يضيع، وسيرفع الله قدره وشأنه عند الناس، ويخذل من ينكر صنيعه، وهذا العيب له آثار وخيمة منها: يؤدي إلى نسيان نعم الله على العبد، وبالتالي إلى الجحود، فمن كانت عادته وطبعه كفران نعمة الناس وترك شكره لهم، كان من عادته كفر نعمة الله عز وجل وترك الشكر له. وهذا من أسباب زوال النعمة بعد حصولها، تخلي الناس عنه وخاصة عندما يحتاج إلى المعونة، ويؤدي إلى تولد الكراهية ويقطع الأواصر بين الناس، ويجلب الشقاء ونكد البال وسوء الحال.
ترك الوالدين في دار العجزة جحود
وفي دار العجزة يضع كل مسن وسادته وحسرات الأحلام الجميلة تتبعثر دون أن يسمع كلمة أبي أو أمي من الذين سقاهم خيرا بعرق جبينه ليهتموا به في هذه الأوقات، عندما يأتي الليل بظلامه وتزدان شجون النفس في الحسرة والألم، تجد هناك من يطأطأ رأسه على الوسادة الخاوية كل مساء دون أحلام جميلة وبلا كلمة أبي أو أمي تقول له تصبح على خير، إذا بلغت القمة وتحققت أهدافك واستقرت بك الأحوال فوجه نظرك إلى السفح لترى من عاونك في الصعود إليها بالتضحية والكفاح وانظر إلى السماء وتذكر من كان يناجي رب العرش المبين بالصلاة والدعاء ليثبت الله أقدامك على الأرض، سؤال موجه بأنين السنين ودموع الحنين هو: لماذا لايأتون لزيارتي بعد أن وعدوني أنهم سيكونوا حولي صباحا ومساء، هواجس النفس وعزلة الدعاء مع الله تضج بالمرارة وتعلو بالصبر وتهمس بدمعة حزينة على كل عاق بحق والديه ونكران حسن صنيعهم له، وتمر الأيام متثاقلة وينظر الأب من شباك غرفته لعل الزائر القادم هو أحد أبنائه، وأم تعيش ذكريات الحمل والولادة والرعاية والاهتمام لأبنائها، ولكن هيهات من يسمع نداء الضمير إلا القليل، يبقى الغريب من المسنين في دار العجزة يعبر عن ضالته برحمة رب العالمين ودعاء شجي يرمي برأسه على سجادة الصلاة مع دمعة عتاب صامتة.
الشاكر والناكر
يقول كريم سهر إن الإنسان بطبيعته يعاشر الناس، وفيهم الكريم واللئيم فيهم من إذا أحسنت إليه شكرك وعرف لك الجميل وذكرك بالذكر الحسن وكافأك على المعروف متى ما سنحت له فرصة ولو بكلمة طيبة. ومنهم اللئيم من إذا أحسنت إليه تمرد وكفر معروفك وأنكر جميلك وتناساك وجفاك إذا انتهت مصلحته وتمت فائدته وهذا الضرب كثير في هذا الزمان، كثير من الكرماء لا يميزون بين الناس بين من يستحق الإحسان ومن لا يستحق ولذلك تقع لهم مشاكل وتواجههم عقبات في حياتهم العملية مما تصيبهم بالإحباط أو تسبب لهم الانقطاع عن بذل الخير أو غير ذلك من الآثار النفسية.
ويضيف إن نكران الجميل وقلة الوفاء من الأخلاق الذميمة التي نهى عنها الشرع وحذر منها، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، وهو يدل على سوء الخلق وقلة المروءة وفساد الرأي وأنانية النفس وضعف الإيمان، وإنه إنكار للفضل وجحود بالإحسان الذي من الله به على عباده وفتح عليهم به، وكفران للنعم «من صنع إليه معروفا فوجده فليجز به فإن من أثنى فقد شكره ومن كتم فقد كفره». ومن كانت عادته كفران نعم الخلق وترك شكرهم كانت عادته كفران نعم الله وترك شكره، فلا يليق بالعاقل أبدا أن ينكر الإحسان ويتنكر له، إن اعتراف الإنسان بفضل الغير ومعروفه لا ينقص من قدره ولا يحط من منزلته بل يعلي قدره عند الله وفي عيون الخلق، إن المؤمن ينبغي عليه أن يكون وفيا شاكرا لأهل الإحسان ذاكرا للجميل حسن العهد بمن أحسن إليه يحفظ الود ويرعى حرمة من له صحبة وعشرة طويلة ولا ينسى المعروف لأهله ولو طال به الزمان، «إن حسن العهد من الإيمان».
المصدر جريدة الاتحاد
التعديل الأخير تم بواسطة نادية أمال شرقي ; 10-Jun-2010 الساعة 03:12 AM
كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي
وإذا ما ازددت علماً زادني علماً بجهلي
^______________^ ودمتم سالمين
المفضلات