تذكر القاعدة رقم 6


لا تأخذ الأمور على محمل شخصي
" دون ميجويل روز "

كان هناك إجتماع بين إثنين من المديرين عندما دخل أحد الموظفين لدى المدير الأول مندفعاً وعليه علامات الإنفعال والغضب . نظر إليه المدير الأول وقال : " تذكر القاعدة رقم 6" ، وعلى الفور إستعاد الرجل هدوئه وإعتذر وغادر الغرفة . تكرر هذا الموقف مرتين أخريين ، وفي النهاية لم يستطع المدير الثاني أن يتمالك نفسه فسأل : " ما القاعدة رقم 6 التي تتحدث عنها ؟ " . أجابه المدير الأول : " هذه القاعدة تقول : هون على نفسك ولا تأخذ الأمور بجدية أكثر من اللازم ". رد عليه المدير الثاني قائلاً : " هذه قاعدة جيدة ، فما القواعد التي سبقتها ؟ " ، فأجابه المدير الأول : " نفس القاعدة " .

أحببت تلك القصة عندما صادفت رواية لها في كتاب The Art of Possibility . إن هذه القصة تعلمنا الكثير عن الصبر .
هل لاحظت من قبل أنه كلما كانت قدرة الشخص على الصبر أقل ، زاد ما يحاول إبداءه للآخرين من إعتداده بنفسه ؟ إن لسان حال هذا الشخص يقول : لا يتعين عليّ أن أصبر على هذا الأمر فأنا أستحق أفضل منه " ، أو " لست مضطراً إلى أن أتواجد هنا أو أن أفعل هذا الشيء ؛ فلدي أماكن أفضل يمكنني التواجد بها وأشياء أفضل يمكنني القيام بها " . أو " إنني أهم من أن أنتظر " ، أو " العالم كله يدور حولي ، أو على الأقل يجب أن يكون كذلك " . لي صديقة دأب والدها الذي لا يتحلى بالصبر على الإطلاق على أن يصرخ قائلاً : " ألا تعرف من أنا ؟ " في وجه النادل في المطعم مثلاً أو أي موظف أو أي شخص آخر يراه عقبة في طريقه .

وهناك قصة رائعة أخرى في كتاب The Art of Possibility عن هذه العلاقة بين الإعتداد بالنفس وعدم الصبر . المدير الشهير " هربرت فون كاراجان " قفز مسرعاً ذات مرة في إحدى سيارات الأجرة وصرخ في السائق حتى يسرع وينطلق بسيارته ، وعندما سأله السائق : " إلى أين ؟ " ، أجابه : " لا يهم ، فهم يحتاجونني في كل مكان " .

إن الإنسان لكي يكبر وينضج بشكل صحيح يحتاج إلى أن يكون بداخله شكل من أشكال التوازن بين تقديره لذاته من ناحية وأنانيته وغروره من ناحية أخرى، بين إدراكه لمدى روعته وإدراكه لحقيقة أن العالم بأسره لا يدور حوله .

وأحد الأسباب التي تجعلنا نشعر بعدم القدرة على الصبر أننا في أعماق قلوبنا نؤمن أن الحياة يجب أن تسير دائماً على طريقتنا ، وأنه لو لم يحدث هذا ، لكان دليلاً على وجود خطأ كبير . ومثل هذا المعتقد يكون راجعاً إلى مرحلة الطفولة التي لا زالت آثارها بادية علينا . إن الحياة ونحن أطفال كانت تسير على النحو الذي نريده ( أو كان يجب أن تسير على هذا النحو ). إن من كانوا يقومون برعايتنا لم يكن لهم هم إلا الوفاء بإحتياجاتنا على الفور ، والحياة كانت تدور حولنا بالفعل .

ولكن سرعان ما نجد أن الأمور قد تبدلت ، وأن القواعد قد تغيرت ، وأن الحياة لم تعد أبداً كما كانت ، وأنه قد أصبح يتعين علينا أن نتناغم مع الصورة الأكبر ، أياً كان ما يعنيه ذلك داخل أسرتنا من التعامل مع الإخوة والأخوات والإلتزام بمواعيد الوجبات ، إلخ . عندما نبدأ في النمو والنضج ، يكون لزاماً علينا أن نصالح أنفسنا مع حقيقة أنه رغم ما قد نكون عليه من روعة وجمال ، فنحن لسنا مركز الكون ، وبطريقة أو بأخرى ، نظل نتحسر على هذه الخسارة.

وهذا هو السبب في أنه من المفيد بشكل كبير عندما نشعر بنفاد الصبر أن نذكر أنفسنا بأننا لسنا المعنيين بالتحديد من كل ما يحدث وأن ما يحدث ليس أمراً شخصياً. إن الحياة تمضي في طريقها بدون تحيز لأحد ، وكلما أصبحنا أكثر إنسجاماً وتناغماً مع الطريقة التي تسير بها ، أصبحنا أكثر سعادة ورضا . عندما نتذكر القاعدة رقم 6 ، يمكننا أن نصبح أكثر إبتهاجاَ وصبراً على مصاعب ومحن الحياة .

من كتاب " قوة الصبر "
" M. J. RYAN "