عضو مميز
- معدل تقييم المستوى
- 24
فن التعامل مع الناس4
( تقدير عواطف الآخرين وعدم جرح مشاعرهم ) :
روى ابن إسحاق عن ابن عباس: رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ( إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أُخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البَخْتَريّ بن هشام فلا يقتله ومن لقي العباس بن عبدالمطلب فلا يقتله فإنه إنما أخرج مستكرهاً). فقال أبو حذيفة بن عتبة: أنقتل آبائنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس, والله لأن لقيته لألحمنه أو لألجمنه بالسيف. فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر بن الخطاب: يا أبا حفص أيضرب وجه عمِّ رسول الله بالسيف, فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقة بالسيف فوالله لقد نافق.
فكان أبو حذيفة يقول:ما أنا بآمنٍ من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ ولا أزال منها خائفاً. إلا أن تكفرها عني الشهادة، فقتل يوم اليمامة شهيداً. (الرحيق المختوم ص: 246)
12ـ الناس يحبون من يُصحح أخطائهم دون جرح مشاعرهم:
ويُضربُ مثلٌ في ذلك في أحد الكتب: أن شخصاً ألقى خطاباً ( محاضرةً ) في عددٍ كبيرٍ، ولكنها كانت طويلةٌ وفيها تفصيلٌ، فملّ الناس, ولما عاد المحاضر إلى منزله سأل زوجته, فقال: ما رأيكِ في المحاضرة ؟ قالت: هذا الموضوع يصلح مقالةً رصيفةً في مجلةٍ علميةٍ متخصصةٍ. وقد فهم المحاضر من كلام زوجته أن الموضوع لا يصلح للمحاضرة.
فإياك وقول: أنت لا تصلح لكذا ، أو أنت تصلح لغير ذلك .
13ـ اكسب الجدال بأن تتجنبه:
جاء في الحديث الصحيح: (( أنا زعيمٌ ببيتٍ في ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقاً )) (18) .
إن حُبَّ الظهور في معظم الأحيان هو الدافع الأول إلى المجادلة, فأنت تود أن تعرض سعة اطلاعك وحُسن تنقيبك في الموضوع المطروح للجدال, ومثل هذا يُحسِّسُ الرجل الآخر الذي تجادله، فإذا قهرته بمنطقك السليم وفزت عليه، فإنه لن يعتبر ذلك إلا إهانةً منك، وجرحاً لكرامته، وهو قلّما يغفر لك ذلك. بهذا تكون قد اشتريت خصومته دون نفعٍ يصيبك من الشراء.
14ـ ابدِ للناس اهتمامك بهم أكثر من اهتمامك بنفسك:
الناس يحبون ذلك الإنسان الذي يهتم بهم، وبما يفكرون، وما الذي يشغل بالهم وحينما يتحدثون ينصت إلى حديثهم وينظر إليهم ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه.
15ـ كُن في حاجة الناس: (مثاله: الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ)
إن الناس يُقدِّرون من يسعى في حاجتهم ويشفع لهم, والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( أحب الناس إلى الله عز وجل أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله سرورٌ تدخله على مسلمٍ ، تكشف عنه كرباً ، أو تقضي عنه ديناً ، أو تطرد عنه جوعاً ، ولو أن تمشي مع أخيك في حاجته أحبُّ إليَّ من أن تعتكف شهراً ) . (19)
ولو أدرك العامل والموظف عظم هذا الحديث لأنهى المعاملات في وقتها.
16ـ قدِّم خدماتٍ للآخرين قبل أن يأمروك:
إن الناس يشيرون بالبنان لمن يعمل ويخدم ويقدم للآخرين لأنه يأسر قلوبهم بفعله, ويكفينا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعليَّ جمع الحطب ) .
17ـ نادِ الناس بأحب أسمائهم, وتعرَّف على أنسابهم:
كان صلى الله عليه وسلم ينادي الناس بأحب أسمائهم, حتى الأطفال الصغار كان يكنيهم أحياناً ( يا أبا عمير ما فعل النغير ؟) وأبو عمير طفلٌ صغير .
"جيم فارلي" ما إن بلغ الأربعين من عمره حتى منحته أربع جامعاتٍ درجاتها الفخرية, وتم تعينه مدير البريد العام في الولايات المتحدة... فما سر نجاحه ؟؟ كان يتملك مقدرةً فائقةً على تذكُّر أسماء الناس. كان يلقى الرجل فيتعرف على اسمه الكامل, وأسماء أولاده وأهله المقربين, ويستفسر عن عمله, وميوله السياسية، ونزعاته الفكرية، ثم يختزن كل ذلك في ذاكرته حتى إذا التقى به ثانية سار الحديث بينهما وكأنه لم ينقطع عنه. فيسأله "جيم" عن أولاده وزوجته وأزهار حديقته, وفي لغة يشعر معها المسئول بقرابته الفعلية من قلب "جيم" وعواطفه. وهكذا إذا أردت أن يحبك الناس فاذكر أسماءهم لأن اسم الرجل هو من أقرب الطرق لكسبه.
18ـ أخلق في الآخر رغبةً جامحةً في أن يفعل ما تريد منه:
وهي أن تشعر الإنسان بمحبة الأمر حين تعطيه إياه وكان ذلك هو دأب الرسول صلى الله عليه وسلم فكان يشوق الناس لما يأمرهم به, فلما أراد أن يُسيّر جيشاً قال: ( لأعطين الراية غداً رجلاً يحبه الله ورسوله ) (20) فسار كلُّ فردٍ يتمنى ذلك.
إذا أراد إنسانٌ أن يصرف شخصاً عن طبع سيئ مثلاً فمن الخطأ أن يقف موقف المرشد الناصح في الوعظ، فتِّش عن رغبةٍ يود هذا الشخص بلوغها ثم اربط تلك الغاية بالإقلاع عن هذا الطبع السيئ, وستجده ينصرف عنه فعلاً؛ طمعاً في الوصول إلى الغاية لا تأثراً بصواب رأيك ابتداءاً. (ولا يُفهم من هذا التقليل من شأن الوعظ).
19ـ البراعة في الحديث:
إن الناس لا يريدون منك أن تتحدث عن تجاربك وخبراتك,فلهم خبرات أيضاً,وخير مُحدِّثٍ هو من يستمع بشغفٍ إلى الآخرين، اسأل مقابلك سؤالاً ودعه يتحدث في تخصصه، بذلك يشعر بالامتنان لك وتظفر بصداقته سريعاً، إذا أتحتَ له فرصة التحدث عن تجاربه وظللت مصغياً له باهتمامٍ، إن الاستماع المشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي يمكن أن تضفيه على محدثك فالناس يحبون من يفتح لهم المجال لتحقيق ذواتهم .
20ـ قدّر غيرك تفز بتقديره لك:
إن التقدير من الغير غذاءٌ للنفس كما هو الطعام للجسد، بل إن النفس أرهف حساسيةً وأحلُّ شأناً؛ قد يصوم المرء وينقطع عن الطعام والشراب، أما عن حاجته إلى تقدير الغير له فلن يستطيع. إذاً... لماذا لا ندع الآخرين يختزنون في ذاكرتهم أنغاماً حلوةً وكلماتٍ محببةٍ عن تقديرنا لهم وشعورنا بأهميتهم ؟ .
21ـ تكلم فيما تظن أنه يسر محدثك:
إذا أردت إدخال السرور إلى قلوب الناس حدِّثهم فيما تظنهم يودون الاستماع إليه أولاً، وبذلك تستدرجهم إلى التحدث, والحديث الشيِّق اللذيذ فتصغي إليهم بشغف، ويعتبرونك محدثاً بارعاً تستطيع جلب مسرتهم.
22ـ امتدح الناس فيما يجيدونه:
اختر شيئاً جميلاً فيهم وحدثهم عنه ولن تُعدمَ ذلك الشيء الجميل. فالناس يختلفون ويتفاوتون، ولكنه لا يمكن إلا أن تجد شيئاً جميلاً في كل فردٍ منهم, فالناس يحبون أن تمدح الناحية الجميلة فيهم.
23ـ الناس يحبون الشكر والتشجيع:
وإن كان الأصل في المسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضا الله ولا ينتظر شكر الناس، ولكن ذلك طبعٌ في البشر وذلك لا بأس منه شرعاً. روى أحمد والترمذي: (( من لم يشكر الناس لا يشكره الله )) (21) .وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم التعامل الناس( اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة ، فأكرم الأنصار والمهاجرة )) (22) .وكذلك حديث: (( من صنع إليكم معروفاً فكافئوه... )) الحديث.
( التشجيع يسر الآخرين ):
في روايةٍ أن سعد بن معاذ رضي الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقاً عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم, وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم, فأضعن حيث شئت ، وصِل حبل من شئت ، واقطع حبل من شئت ، وخُذ من أموالنا ما شئت, واعطنا ما شئت, وما أخذت منا كان أحبَّ إلينا مما تركت, وما أمرت فيه من أمرٍ فأمرنا تبعٌ لأمرك, فوالله لئن سرت حتى تبلغ البَركَ من غمدان لنسيرنّ معك, و والله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك). فسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعدٍ ونشطّه ذلك, ثم قالالتعامل الناسسيروا و أبشروا فإن الله تعالى قد وعدني إحدى الطائفتين) . (الرحيق المختوم ص:232)
24ـ ابتسم للناس, يبتسمون لك :
إن قسمات الوجه خيرُ معبِّرٍ عن مشاعر صاحبه, فالوجه الصبوح ذو الابتسامة الطبيعية الصادقة خير وسيلةٍ لكسب الصداقة والتعاون مع الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم في الحث على البشر والتلاطف: (( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة )). (23)
25ـ تهادوا تحابوا:
الهدية قد تكون بسيطةً جداً في قيمتها ولكنها تُدخل سروراً وتُظهر مدى الاهتمامِ بالمهدى إليه, ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن المصطفى صلى الله عليه وسلم التعامل الناس(تهادوا تحابوا)) . (24)
26ـ دع الغير يظنُ أن الفكرة هي فكرته:
إذا أردت أن تكسب روح التعاون عند الآخرين فاجعل الشخص الآخر يحس أن الفكرة هي فكرته ؛ فالرجل العاقل إذا أراد أن بتصدر الناس جعل نَفْسَه خلفهم .
27ـ تفهَّم عواطف الآخرين، واستثر عواطفهم النبيلة:
كما أن لك عاطفة تسوقك في كثيرٍ من الأحيان إلى اتخاذ موقفٍ معينٍ، أو تبني رأيٍ خاصٍ, فإن للآخرين عواطف أيضاً، وكما يسرك بأن يراعي الآخرين عاطفتك، فإنهم يسرهم أن تراعي عواطفهم بنفس المقدار.
مهما بدا الناس عتاةً قساةَ القلوب أو لامنطقيين، فإن طبيعتهم الإنسانية هي التي تسود آخر الأمر، إنهم ضعفاء، إنهم يطلبون التعاطف معهم بل والعطف عليهم فإذا قلت لمحدثك:إني لا أوجه إليك اللومَ، إذ إنني سأفعل مثل ما فعلت، لو كنتُ مكانك. فإن هذا كفيلٌ بضمان انجذابه إلى جانبك، واستلالِ كل حقدٍ أو تصورٍ كان من الممكن أن ينشأ بينكما، إذا كنتما مختلفين على أمرٍ من الأمور.
إن استثارة العواطف النبيلة في قلوب الآخرين طريقةٌ ناجحةٌ تماماً في كسب الناس إلى وجهة نظرك، كما أنها لن تؤدي إلى مضرَّةٍ لو قُدِّر لها الفشل.
وخـتـامـاً:
ليس المقصود من هذا البحث أن تلُّمَ ببعض الحقائق العامة حول السلوك الإنساني، بل إن التطبيق العملي لتلك الحقائق والأساليب هو ما أبتغيه من كتابة البحث.
ولكن لمّا كان اكتساب العادة صعباً، نظل في حاجةٍ إلى يقظةٍ ذاتيةٍ ومحاسبةٍ دائمةٍ فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك ، وجاهد نفسك ألا تميل مع التخاذل, وطبِّق ذلك مع أبيك, وأمك، وإخوانك، وأقربائك, وأصدقائك ؛ لأنهم ألصقُ الناس بك ومن ثم تتحول هذه الحقائق والأساليب إلى مهاراتٍ اجتماعيةٍ عملية .
* هذا والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين.
المفضلات