تقدير الذات




التعرف على الذات والغوص في ثناياها لفهم واستيعاب كل تمظهراتها، إنارة مختلف تجويفاتها والقرب من فوهة براكينها واستكشاف كل أسرارها.
عندما يصدق المرء قصده ويجتهد ليبتعد عن كل المغالطات لنفسه عن ذاته؛ يخطو خطواته الثابتة لبناء تقدير حقيقة كيانه.


يبدأ التقدير بفهم التركيبة الجسدية والمهارات العقلية والمميزات الإجتماعية وتقييم كل المكونات الشخصية بالمقارنة مع المنجزات عبر مراحل النمو، وبالقياس والموازاة مع الأقران والمحيط. اكتشاف حقيقة ذاتنا واحترامها يكسبنا مهارة التعلم من كل تجارب حياتنا الإنسانية والتعاطي مع كل الإخفاقات والنجاحات على أساس سيرورة الإرتقاء إلى ذروة الصفاء الذاتي.


الثقة بالذات ليست غرورا ولا تبجحا بالرأي أو بأي تميز مادي أو معنوي، ليست تهجما على الآخرين لإثبات الذات، ليست تهورا ولا مخاطرة غير مدروسة، بل تعبير عن حقيقة المشاعر والأفكار دون أدنى هجوم أو أي خضوع أو تفادي. كلما كان أفراد المجتمع مقدرون لذواتهم، ازداد تفهمهم لاختلافاتهم واحترامهم لبعضهم.


فالمتكبر كما أثبتت الدراسات، غير قادر على تقدير ذاته؛ بسبب بعده عن ذاته كأنه يرغم الآخرين ليكونوا مرآة مضخمة لشخصه. يشعر أن ذاته جد صغيرة لا يستطيع رؤيتها ولا معرفتها، فيلجأ إلى تكبير الصورة عبر الأغيار، ولكن النتيجة تكون دائما غير مرضية لحاجياته، مما يزيد من حنقه ويغرس في أعماقه سلوكيات الكبر والتكبر وتضخيم ذاته المضمحلة. أما السلوك المناقض لذلك فهو الخوف من التعرف على الذات وتقبلها، وكأنها أكبر مما ينبغي للمرء أن يكون عليه، وكأنه لا يحق له أن ينعم بعالمه الفسيح، فيسعى المقصر في حق ذاته إلى استصغار شأنه وتفادي ملاقاة حقيقته؛ مؤنبا وجالدا نفسه باستمرار وكأن أمانه وراحته في شعوره بكسر شوكة نفسه التي لا تجلب عليه إلا المتاعب؛ كل ذلك تفاد لتسمية المسميات بأسماءها وعجز عن المشي في دروب الحياة وجبن عن مواجهة حقيقة الذات وازدراؤها.


يقوم تقدير الذات على إسقاط أقنعة الأدوار والمظاهر العلائقية، قبول حقيقة الإنسان الذي يعيش في واقع يحفزه ويكسبه نضجا وجدانيا، يخطأ فلا يهول زلاته، لا يستغلها ذريعة للإندحار أو الإنفجار، لا يسعى للإلتفاف على الوقائع أوتحريف المعاني، يحب العيش بمصداقية مع نفسه والآخرين، قادر على التساؤل بحرية وعمق، متحاور واضح العبارات محب للمصداقية في كل الأمور.