سلسلة اصنع نجاحك 1 .. خطة التطوير الشخصي



(كل البشر يفكرون في تغيير العالم، ولكن لا أحد يفكر في تغيير نفسه)
ليو تولستوي
لا شك أن النجاح سبب من أسباب السعادة في هذه الدنيا، وهو مطلب يسعى إليه الجميع بدون استثناء، بطرق متعددة وأساليب متباينة، ومع ذلك فإن البعض لم يصل إلى ما يريد، ولم يحقق ما يتمنى، ولعل هذه سنة الله تعالى في خلقه.
ولكن ليس هناك ما يمنع من التساؤل عن الأسباب: لماذا نجح البعض دون الآخر؟ لماذا أوصلت بعض الطرق أصحابها إلى النجاح، فحققوا ما يصبون إليه، بينما وصل البعض الآخر إلى طرق مسدودة؟ هل الأمر معتمد على الجهد البشري فحسب؟ أم هناك أسبابًا أخرى؟
يقول لنا الدكتور عبد الله السبيعي: (لقد قرأت كثيرًا في هذا الموضوع، وراجعت قصص بعض الناجحين، ثم أعدت النظر في سيرة حياتي الشخصية، وتعرفت على بعض الأخطاء الفادحة التي قمت بها في حق نفسي، وبعض الأخطاء الأخرى التي لا زلت أقوم بها، وبشكل يومي دون أن أدرك أنني أمارس نوعًا من تدمير الذات.
لقد تعجبت فعلًا وأنا هنا انظر إلى نفسي، لكنني أرى ذات الشيء في كل من حولي من الأهل والزملاء والأصدقاء ... وربما تكون أنت أيضًا أيها القاريء الكريم منهم.
كيف كنت أمرُّ ببعض المحطات، دون أن أترك فيها أثرًا؟ كيف كانت تسنح لي بعض الفرص الرائعة، وأتركها تمر من أمامي مرَّ السحاب، وأنا واقف لا أقوم بأكثر من النظر إليها؟
لست هنا أتحسر على الماضي، ولا أمارس نوعًا من جلد الذات، فعندي إن شاء الله من اليقين ما يجعلني أعلم أن ما أصابني لم يكن ليخطئني، وأن ما أخطأني لم يكن ليصيبني، ولكنني أتعجب فقط، وأريد أن أتعلم من أخطائي).
لذا نبدأ في هذه السلسلة المباركة؛ أملًا أن تكون سبيلًا للتغيير الفعال، ووسيلة للقفز إلى قطار النجاح السريع، الذي لا يتوقف لينتظر الكسالى والنائمين.
ليس هناك تعريف عام للنجاح:
ليس هناك تعريف عام للنجاح، فلكل فرد رؤيته الخاصة بالنسبة لما يريد تحقيقه، والنجاح يتم تقييمه بمقاييس خارجية، لكنه أمر تشعر به من داخلك، فهو عملة ذات وجهين؛ إذ يتم تقييمه على أسس موضوعية وذاتية، ويكمن الجوهر الحقيقي للنجاح، وهو شيء أعمق من المعايير، والأهداف الظاهرة في إحساسك الذاتي بالرضا وإشباع الذات.
فيرى البعض النجاح على أنه تربية الأطفال وتنشئتهم تنشئة اجتماعية واعية، وقد يعني النجاح عند البعض أن تعيش حياة أخلاقية شريفة أو طبقًا لقيمهم، وما تمليه عليهم ضمائرهم، وينظر الكثيرون إلى إقامة حياة زوجية الاستمرار فيها على أنه هدف لهم، ويراه آخرون على أنه شيء من قبيل المكاسب اليومية.
بينما يرى البعض الآخر معيار النجاح في التغلب على عجز، أو إعاقة، أو صعوبة، أو تحدٍ، بينما يراه البعض في تحطيم الأرقام القياسية، سواء في مجال العاب القوى، أو تسلق الجبال الشاهقة، ويعتبرون أن إرضاء ذواتهم يكمن في تحقيق هذا الأمر.
قد يعني النجاح عند بعض الناس أحد هذه الأشياء أو كلها، والآن دعني أسألك: ما الذي يتوارد على ذهنك عندما تفكر في النجاح؟ ما هي الصور التي تتجسد أمامك؟ ما الذي تعده نجاحًا في قرارة نفسك؟ هل تراه في الوصول إلى أعلى الدرجات في مهنتك؟ أم أنك تراه في جمع ثروة عظيمة؟ أم أنك تراه في تحقيق إنجاز عظيم؟ أم تراه في تحقيق رسالة مهمة في الحياة؟
إن تحديد مفهومك الخاص للنجاح، يعد أمرًا مهمًا؛ لأن ذلك سوف يوفر عليك قضاء وقت ثمين، وبذل الجهد في السعي وراء أهداف لا تشعر بجاذبية نحوها، ومن السهل أن تساير الوضع الحالي، وتضع أهدافك طبقًا للمقاييس الشائعة، وعلى الرغم من أن العالم قد يشيد بمثل هذه الجهود والإنجازات، فإن كل هدف لا تشعر نحوه بالإنجذاب الحقيقي هو هدف عديم الفائدة والجدوى.
خطة التطوير الشخصي:
(تستطيع أن تمتلك أكثر، وتكون أكثر، وتفعل أكثر؛ لأنك تستطيع تغيير ما أنت عليه)
بريان تراسي
عبارة قصيرة، ولكنها تبدو صعبة، ولا تخلو من الفلسفة؛ ولذلك فقد يكون من المفيد أن نُبسطها حسب عناصرها الثلاثة الآتية:
أولًا: الخطة:
الخطة من "التخطيط"، وهو عمل يسبق التنفيذ، أو بعبارة أخرى، التقرير سلفًا بما يجب عمله مستقبلًا؛ لتحقيق هدف معين، وللأسف فإن الكثير من الناس ينصرف عندما نتحدث عن التخطيط؛ لأنه يعتقد أن التخطيط ليس من شأن عامة الناس، بل يختص بفئة السياسيين أو الإداريين أو من شابههم فقط، وهذا الاعتقاد هو الذي يجعل هؤلاء الناس يتهيبون القراءة في هذا الموضوع، أو التطرق إليه بالحديث، أو حتى التفكير فيه، ناهيك عن القيام بعمل حقيقي ملموس.
والحقيقة أن كلًا منا يمارس نوعًا من التخطيط في بعض الأحيان، عندما يستعد للسفر، أو يأخذ موعدًا في المستشفى، أو يشرع في بناء منزل لأسرته، وفي الجملة فإن التخطيط هو الأساس الذي تنطلق منه، وتسير عليه كثير من الأعمال المنظمة في الحياة.
ثانيًا: التطوير:
التطوير هو العمل الذي يُقصد به التعديل، والتحسين، والنمو، والتقدم للأفضل، ويختلف التطوير عن التطور، بأن التطوير فعل لابد له من فاعل بشري يسير به حسب خطة مرسومة؛ ليحقق الهدف من هذا التخطيط، وهو التطور أو الانتقال من حالة معينة إلى حالة أفضل منها.
ثالثًا: الشخصي:
ومعناه الذاتي أو الخاص، ومنه الشخصية الخاصة بك، التي تشمل الميول والتصرفات والأفكار والصفات التي تختص بها أنت، دون أي شخص آخر.
من هنا يتضح، أن المقصود بخطة التطوير الشخصي هو: الاستعداد المسبق للقيام بعمل ما، بهدف تحسين وضع معين يختص بالشخص ذاته، خلال فترة زمنية معينة.
والآن، هل لديك خطة لتطوير نفسك؟
لا شك أنك قد حققت في حياتك أشياء تدعو للفخر، ولا شك أنك تستحق المزيد، ولكن هل ما حققته جاء نتيجة تخطيط منظم، أم أنه كان نتيجة للصدف المحضة؟ أم لعله كان خليطًا من هذا وذاك؟
هل أنت تسير الآن وفق برنامج عملي محدد، يكفل لك الوصول إلى أهداف محددة، خلال فترة زمنية معينة؟ أم أنك تستسلم للتسويف تارة، وتنحرف بك مشاغل الحياة عن خط سيرك تارة أخرى؟
هناك كتب كثيرة، وبرامج ودورات تدريبية، تتناول موضوع التغيير الفعال، وإدارة الذات، وعادات النجاح، لكنني وجدت أنها إما أن تغوص في تفاصيل معقدة يتوه فيها القاريء عن هدفه من قراءة الكتاب أو الالتحاق بالبرنامج أو الدورة، وإما أن تداعب الأحلام وتعزف على وتر الرغبات، دون أن تعطي خطوات عملية بسيطة، يمكن للشخص العادي فهمها وتطبيقها بسهولة، وهذا ما سنحاول القيام به في هذه السلسلة.
الخطوات العملية للتطوير الشخصي:
بينما لا يجد بعض الناس صعوبة في الخيال، ورسم صورة واضحة الملامح للمستقبل الذي يتمناه في حياته، يعاني البعض الآخر من عدم قدرته على ذلك، ويحتاج إلى ما يثري خيالاته، ويُقرِّب صورة أمانيه إلى ذهنه؛ لتتحول تلك الأماني إلى أهداف واقعية، يمكن الاقتراب منها والتحرك الفعلي باتجاهها.
إذا كنت من الفئة الأولى، فإن الأسئلة الاثنتي عشرة التالية، قد تفيدك في تحديد معالم المستقبل الذي تصبو إليه، أما إن كنت من الفئة الثانية فإن هذه الأسئلة تعد ضرورية بالنسبة لك؛ لأنها ستجعلك ـ إن شاء الله ـ تقوم بعمل يختلف عما قمت به طوال حياتك، وتأخذ بيد نفسك في طريق النجاح خطوة خطوة.
أما الآن فلنتساءل سويًا:
1. ما هي أهدافك المستقبلية؟
2. أين أنت الآن؟
3. ما الذي تريد أن تحققه أولًا؟
4. ما هي الأفكار التي تجذبك إلى الوراء؟
5. ما هي الإصلاحات التي ينبغي أن تجريها على نفسك؟
6. هل أرضك خصبة؟
7. ما هي المدة التي تحتاجها لتنفيذ ما تريد؟
8. متى ستبدأ فعلًا؟
9. إلى أين تتجه؟
10. من المسئول؟
11. هل أنت مرن بما فيه الكفاية؟
12. هل تعتمد فيما تقوم به على نفسك أم على الله عز وجل؟
وختامًا:
تذكر ما قاله المهاتما غاندي: (كن أنت التغيير الذي تود أن تراه في العالم)، وسوف نكمل في المرة القادمة ـ إن شاء الله ـ الجزء الثاني من سلسلة اصنع نجاحك.
أهم المراجع:
1. صناعة النجاح، عبد الله بن سلطان السبيعي.
2. لليوم أهميته، جون سي. ماكسويل
3. جوهر السلوك، كاترين كاريفلاس.
4. إذا كان النجاح لعبة فهذه هي قوانينها، شيري كارتر سكوت.
5. الإنجاز الشخصي، بريان تراسي.