قصة في مجال التعليم والتعلم


ينمو شبابنا بطريقة أسرع هذه الأيام. لهذا فهم بحاجة إلى مساعدتنا. ولكن مالذي يمكنني عمله ؟ سألني ضميري لماذا لم أكن نموذجاً ومثالاً لجيل اليوم من الشباب . لا ، أنا لا أستطيع أن أفعل ذلك ، فأنا لست عالماً نفسياً وليس لدي ذلك النوع من التأثير لكي أحدث تغييراً شاملاً مثل رجل السياسة .
إنني أعمل مهندساً . وحصلت على درجتي العلمية في هندسة الكهرباء من جامعة " فرجينيا " . وأعمل الآن لشركة " هيوليت باكارد " . لكن هذه الفكرة لم تغادر ذهني ، ولذلك قررت أخيراً أن أفعل شيئاً . اتصلت في صباح ذلك اليوم بالمدرسة الثانوية التي تجاورنا في المنطقة ، وتحدثت مع المدير ، وعبرت له عن رغبتي في المساعدة . فكان سعيداً جداً وأثارته الفكرة ودعاني للحضور أثناء فترة الغداء ، فوافقت .
عند الظهيرة ، توجهت بسيارتي إلى المدرسة . وتزاحمت الأفكار في عقلي : " هل يمكنني أن أحكي لهم ؟ هل يرغب التلاميذ أن يتحدثوا إلى شخص غريب ؟ "
لم أذهب إلى أية مدرسة ثانوية منذ عدة سنوات ، وعندما كنت أسير في مدخل المدرسة كان الطلاب يتهامسون بطريقة مثيرة ، وكان المكان مزدحماً ، وبدوا الطلاب أكبر سناً في نظري ، وكان معظمهم يرتدون ملابس فضفاضة .
أخيراً ، توجهت إلى الفصل ، غرفة رقم 103 ، حيث كان مقرراً أن أشترك مع الطلاب في حل مشاكلهم . أخذت نفساً عميقاً وفتحت الباب ووجدت 32 طالباً يثرثرون . وعندما دخلت توقف كل شيء في المكان وكانت كل العيون موجهة اليّ فقلت : " مرحباً ، أنا مارلون " .
" أهلاً ، مارلون ، تفضل " . وأحسست بالراحة ، فلقد تقبلني التلاميذ . وأثناء تلك الجلسة التي استغرقت ساعة ، تحدثنا بمرح ومزاح عن كيفية تحديد الأهداف ، وأهمية المدرسة ، وحل الصراعات بدون عنف . وعندما دق الجرس وأعلن وقت الانتقال للدرس التالي لم أكن أود أن أترك التلاميذ . لقد مر الوقت بسرعة قبل أن ندرك ذلك ، وحان وقت عودتي لعملي . لم أصدق كم المزاح الذي استمتعت به ، وعدت إلى العمل وأنا ملىء بالحماس .
واستمرت تلك اللقاءات شهوراً وكونت علاقات كثيرة في المدرسة ، وارتبط بي أغلب الطلاب . ولكن لم يكن كل الطلاب متحمسين لحضوري .
فلن أنسى "بول" أبداً. لقد كان شاباً تبدو عليه الخشونة وكان طوله 6 أقدام و2 بوصة ووزنه 220 رطلاً ، وكان قد إنتقل لتوه إلى هذه المدرسة . وكانت الشائعات تدور حوله أنه قد دخل وخرج من مراكز الأحداث . لقد كان المدرسون في الحقيقة يخافونه ، ولم لا ؟ فمنذ عامين دخل السجن لأنه طعن مدرس اللغة الانجليزية في صدره أثناء جدالهما . فكل شخص يتركه يفعل ما يريد يحضر دائماً إلى الفصل متأخراً ، لا يحمل أي كتاب في يده لمجرد أنه لا يحب ذلك .
من وقت لآخر كان يجلس أثناء جلسات الغداء التي أكون موجوداً فيها ولكنه لا يقول شيئاً . وأعتقد أن السبب الوحيد لحضوره كان من " الإطمئنان على زملائه الصغار " .
وكلما حاولت أن أجعله يشارك ، كان فقط يحملق فيّ بعينيه النفاذتين . لقد كان يرعبني ، فقد كان يشبه القنبلة الموقوته . ولكني لم أستسلم له ، فكنت أحاول أن أدخله في المنافسة ولكنه لم يكن مهتماً . وفي يوم من الأيام طفح الكيل وانفجرت القنبلة ، فأثناء إحدى اللقاءات على وجه الخصوص كنا نعد " قصاصات أهدافنا " . فكان التلاميذ يقطعون صور أهدافهم من المجلات ويضعونها على لوحة الملصقات ، وواصلنا العمل في هذه الجلسة لمدة عشرين دقيقة عندما دخل " بول " .
طلبت أن يتقدم أحد المتطوعين لكي يتحدث مع بقية الصف عن أهدافه وأحلامه، وقفت "جوليا " وهي فتاة صغيرة وبدأت الحديث عن أحلامها ، وكنت سعيداً لوقوف " جوليا " لأنها كانت خجولة جداً عندما رأيتها لأول مرة .
قالت : " إنني سألتحق بكلية الطب لأصبح طبيبة "
وفجأة إنفجر الضحك من آخر الصف .
وقال أحدهم : " أنت تصبحين طبيبة ؟! كوني واقعية لن تكوني أي شيء " .
واستدارت الرؤوس إلى آخر الصف ، حيث كان " بول " يضحك بعدما قال هذه الجملة .
لقد صدمت ، ولم أستطع أن أصدق ما حدث ، وعم صمت تام . ماذا يجب أن أفعل ؟ لقد بدأ الخوف يتملكني .
" ما قلته يا " بول " ليس صواباً " ، من أنت حتى تقلل من شأن أي إنسان ؟ "
قال بول : " أنت لا تحترمني يا أيها المدرس ؟ هل تعرف من أنا ... انتبه ، إنني قاطع طريق ، لا تتدخل في شئوني ولا تعاملني بخشونة وإلا فستؤذي نفسك " واتجه نحو الباب .
قلت : " لا ، هذا لا يجوز ، ليس من حقك أن تقلل من شأن أي شخص آخر ، يكفي هذا . لا يجب أن تكون في هذا المكان . فإما أن تكون فرداً في المجموعة وإما لا . إننا هنا فريق يؤازر كل منا بعضه البعض ، وأنت يا "بول " لديك طاقة وقدرة كبيرة ، إننا نريد مشاركتك ، فأنت تمتلك الكثير الذي يمكن أن تقدمه للفريق ، إنني أهتم بك وبهذه المجموعة كلها ، وهذا هو سبب في وجودي هنا ، هل تريد أن تكون عضواً في الفريق ؟"
نظر " بول " إليّ من أعلى ورماني بنظرة تهديد ثم فتح الباب وخرج ، وأغلق الباب بعنف خلفه .
لقد اهتز طلاب الفصل وكذلك أنا لهذا المنظر الدرامي . وبعد إنتهاء اليوم الدراسي جمعت كل أشيائي وأخذت طريقي إلى مرآب السيارات . وعندما اقتربت من سيارتي سمعت شخصاً يناديني .
فإستدرت لأعرف صاحب الصوت ولدهشتي كان " بول " ، وكان يسير بسرعة نحوي فشعرت بحالة من الخوف ، لقد كنت أريد من ينجدني ولكن الأمور جرت بسرعة فلم أستطع الحراك .
قال : " يا سيد " سميث " هل تذكر ما قلته لي ؟ "
قلت : " نعم يا بول "
" هل كنت تعني ما قلت من أنك تهتم بي وتريد أن أكون واحداً من الفريق ؟ "
" نعم ، طبعاً يا بول " .
" لم يسبق أن أخبرني من قبل بأنه يهتم بي ، إنك أول شخص يقول لي ذلك . أنا أريد أن أكون واحداً من الفريق . شكراً إهتمامك ووقوفك بجانبي . وسوف أعتذر ل " جوليا " غداً أمام كل التلاميذ " .
لم أصدق أذني . لقد أصبت بصدمة ولم أستطع الكلام . انهمرت دموع الفرح من عيني . لقد كان لذلك أكبر أثر في حياتي . لذلك قررت منذ ذلك اليوم أن أكرس حياتي لمساعدة شبابنا لكي يحققوا ويدركوا قواهم الحقيقية .

" مارلون سميث "