بقلم: ضحى فتاحي

وقت الفراغ هو ذلك الوقت الذي يخلو من الأعمال الواجبة والمقررة المفروضة علينا بشكل من الأشكال, أو هو ذاك الوقت المستقطع بين الأعمال الأساسية, كالوقت الذي نمضيه في وسائل المواصلات, أو في انتظار طابور معاملة في مؤسسة من المؤسسات الدولة, أو في عيادة الطبيب. فماذا نفعل في وقت الفراغ هذا؟

تختلف ردود فعل الناس فمنهم من يقول لك: عن أي وقت فراغٍ تتحدث, فيومي مُترَعٌ بالواجبات من الصباح إلى المساء, ولا أجد وقتاً للراحة. (ملاحظة: قسم من هؤلاء يمضون أكثر من ثلاث ساعات أمام التلفاز, وأكثر من ساعة في مكالمات هاتفية فارغة).

وعلى النقيض من هؤلاء يقول لك بعض الناس: الوقت يمضي بطيئاً ولا أدري ماذا أفعل!! فأقتل وقتي "أقتل نفسي" أحياناً بالزيارات وأحياناً أمام التلفاز أو عبر شبكة الانترنت وغيرها.

وآخرون بين ذلك فلديهم أعمالهم ومشاغلهم إلا أن وقت فراغهم ضائع تائه بين الأعمال دون أي معالم واضحة له, فيُقضى في بعض النشاطات الروتينية وأبرزها على الإطلاق مشاهدة التلفاز.

هذا بالنسبة إلى الكبار... فماذا عن الصغار؟؟

إن جميع الفجوات الممكنة من الوقت عند الصغار تمتلئ غالباً بدوي التلفاز. فمشاهدة التلفاز هي الأسهل والأقرب من بين جميع النشاطات الأخرى مثل القراءة واللعب أو الأنشطة المنزلية والخارجية, فكلها تحتاج إما إلى تركيز ذهنيّ أو تعب جسدي أو معاناة التواصل مع الآخرين. وطبعاً الأفضل من هذا كله هو الاسترخاء أمام التلفاز. وبهذا يكون أغلى وأثمن مورد " وقت الفراغ" قد أُلغي بالكامل تقريباً من حياة الأطفال.

ولكن لنتأمل قليلاً: ما هي الوظيفة الأساسية لوقت الفراغ في حياة الأطفال؟

بالدرجة الأولى: هي توفير الفرص الضرورية لتقليل اعتمادهم على الأهل وتطوير ذواتهم المستقلة. فمن خلال تجارب وقت الفراغ فقط تتكون نشاطات ذاتية الدفع, والتي يبتكر فيها الطفل ألعاباً جديدة ويحلم أحلامه. فتبرز رغباته الخاصة, فيكتشف ذاته وإمكاناته الخاصة وقدراته الذاتية التي يعتمد عليها لِمَدِّه بأسباب الحياة عوضاً عن الناس والأشياء التي ظل عالةً عليها لوقت طويل. وليكون فيما بعد مشاركاً نشطاً فعالاً في الحياة.

إن الأطفال الصغار الذي يشاهدون التلفاز لا يحتاجون إلى تقديم أي شيء أثناء المشاهدة, كما يجب أن يفعلوا مثلاً حين يلعبون مع طفل آخر. ولا يتعرضون لأي من الأخطار الصغيرة التي يستتبعها سلوكهم الاستطلاعي الطبيعي. فلا يتعرضون للأذى ولا يقعون في المتاعب ولا يتسببون بغضب الوالدين. وبهذا فإنهم يخرجون من عجزهم الطفولي واتكالهم على أمهاتهم لينكفئوا إلى السلبية بفعل مغريات جهاز التلفاز. تلك السلبية الممتعة والتي تعتبر غير مجهدة ومأمونة ومستمرة. فالطفل خلال مشاهدة التلفاز يكون مسلوب الإرادة, ولا ينشغل بأفكاره الخاصة مثلما يفعل حينما يبتكر ألعابه الخاصة, لأن البرنامج التلفزيوني هو الذي يفكر لعقله. أما في الأنشطة والألعاب ووسائل التسلية العملية فتبدو وكأنها أشبه بالعمل الذي يحتاج جهداً وأحياناً مخاطرة.

وشيئاً فشيئاً يعتاد الأطفال على الإشباع المباشر عبر جهاز التلفاز إلى حد ضمور قدراتهم على تسلية أنفسهم, ويُحرمون من فرص النمو التي تتاح لهم خلال الوقت الشاغر, مع العلم أن الفترة الأولى في الحياة هي الفترة التي تُنَمَّى رغبات وقدرات ومهارات الطفل خلالها.

فيما مضى كان الأطفال يبتكرون ألعابهم الخاصة من الأدوات والمواد الأولية الموجودة أمامهم, أو يلعبون الألعاب الجماعية مثل الاختباء أو التمثيل وغيرها. ويمارسون هوايات تستحوذ عليهم وتعزز نموهم كالقراءة والرسم والأشغال اليدوية, أو حتى الكتابة إلى الأصدقاء في المجلات, وما شابه ذلك. وكلها انجازات تعطي للطفل شعوراً بالكفاءة وتساعد على إلغاء مشاعر العجز والاعتماد التام التي تسيطر على مرحلة الطفولة المبكرة.

وهكذا نخلص إلى أن التلفاز قد اغتصب وقت الفراغ لدى الطفل بثوب التسلية وأحيانا التعلم, وحرم الطفل من النشاطات التي كان من المفترض أن تملأ وقت الفراغ هذا وتساهم في تنمية شخصية الطفل وقدراته ومهاراته.


المصدر: زاد ترين