مفارقات هوليوودية (30) المخترع توماس إديسون والسينما




محمود الزواوي - يعد المخترع الأميركي توماس إديسون أشهر مخترع وصاحب أكبر عدد من الاختراعات في التاريخ. وسجل باسمه 1093 براءة اختراع في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى عدد آخر من براءات الاختراع التي قام بتسجيلها في بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وكان لتوماس إديسون باع طويل في اختراع الأجهزة السينمائية أو المرتبطة بصناعة السينما وفي الإنتاج السينمائي في الأيام الأولى لنشوء صناعة السينما الأميركية في مدينة نيويورك وفي ولاية نيو جيرزي المجاورة. وكان من أقدم اختراعاته جهاز الفونوغراف أو الحاكي في العام 1877. ومن اختراعاته السينمائية المفصلية جهاز الكينتوغراف أو الكاميرا السينمائية، وجهاز الكينتوسكوب، أو جهاز العرض السينمائي في العام 1891.
وقام إديسون في العام 1892 بتصنيع وتسويق جهاز كينتوسكوب ثوري جديد للمخترع توماس أرمات، وكان أول جهاز يستخدم لعرض الأفلام على الشاشة في مدينة نيويورك. وانتشر استخدام هذا الجهاز في عدد من الدول الأوروبية في العام 1894. وتم استخدام هذا الجهاز في ما بعد في عرض الأفلام بالتزامن مع التسجيلات الصوتية. ودخل إديسون ميدان إنتاج الأفلام القصيرة التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، قبل انتشار الأفلام الروائية، في العام 1894 لعرضها بواسطة جهاز الكينتوسكوب، بغية ترويج استخدام هذا الجهاز في الأماكن الشعبية.
ومن المفارقات أن إديسون، المخترع والعالم ورجل الأعمال العبقري، كان تلميذا مشوشا ، كما وصفه أحد معلميه، واقتصر تعليمه الرسمي على ثلاثة أشهر فقط، فصل بعدها من المدرسة. وتولت والدته بعد ذلك مسؤولية تعليمه في المنزل، حيث تابع القراءة والتزود بالمعرفة.
من المفارقات أيضا أن إديسون فقد معظم قدرته على السمع في طفولته بعد إصابته بمرض الحمى القرمزية ثم تعرضه لالتهاب الأذن الوسطى بشكل متكرر دون أن يتلقى العلاج اللازم. ونشأ إديسون في أسرة فقيرة، وعمل كبائع للحلوى والجرائد في القطارات وكبائع للخضار.
لعبت الصدفة دورا كبيرا في المسيرة المهنية لتوماس إديسون. فبعد أن أنقذ طفلة أمام قطار مسرع، قام والد الطفلة باحتضانه وعلمه الإرسال البرقي وحصل على وظيفة كعامل تلغراف في شركة وسترن يونيون ثم في وكالة أنباء الأسوشييتدبرس التي طرد منها بسبب إهماله. وتعلم من الإرسال البرقي أسس الكهرباء والاتصالات التي لعبت دورا بالغ الأهمية في اختراعاته المستقبلية.
تحفل حياة إديسون بالمفارقات. فقد أسس هذا الفتى الفقير في الكبر إمبراطورية شملت 14 شركة بينها شركة جنرال إليكتريك العملاقة، وهي من أكبر شركات العالم في هذه الأيام. وعمل في مختبراته ومصانعه مئات العلماء والمخترعين الذين كان يقوم بتوجيههم ثم يسجل معظم اختراعاتهم باسمه. وواجه إديسون في تسعينيات القرن التاسع عشر عشرات القضايا في المحاكم في مواجهات مع موظفيه السابقين أو مع شركات منافسة.
في العام 1902 قام وكلاء إديسون بدفع رشوة لصاحب دار سينما في لندن وحصلوا منه على نسخة من فيلم الخيال العلمي الفرنسي الشهير رحلة إلى القمر للمخرج الرائد جورج ميلييه. واستنسخ إديسون مئات النسخ من هذا الفيلم وقام بعرضها في مدينة نيويورك، وذلك دون أن يحصل ميلييه على أي تعويض. وكان ميلييه يعول على عرض فيلمه بنفسه في الولايات المتحدة ليستعيد التكاليف الضخمة التي أنفقها على إنتاج الفيلم قبل أن يكتشف أن إديسون سبقه إلى ذلك. وتسبب ذلك في إفلاس المخرج ميلييه.
وانتشرت عملية نسخ الأفلام بصورة غير شرعية بين أصحاب دور السينما في نيويورك على أثر ما فعله إديسون. ومن المفارقات أن إديسون، الذي قام بانتهاك حقوق المخرج الفرنسي ميلييه والعديد من المخترعين الذين عملوا في مختبراته، كان شديد الحرص على الأفلام التي قام بإنتاجها، وعمل على حمايتها عن طريق نقلها على قطع ورق تصوير وتسجيلها في مكتب حقوق النشر الأميركي.
كما قام بتأسيس وترؤس شركة براءات الاختراع السينمائية التي ضمت تسعة استوديوهات سينمائية رئيسة، وأصبحت تلك الشركة تعرف باسم وديعة إديسون . وهيمنت هذه الشركة على الإنتاج السينمائي وفرضت قيودا مشددة ورسوما باهظة على الشركات السينمائية المستقلة الصغيرة التي اضطر بعضها إلى الفرار إلى ولاية كاليفورنيا للتخلص من تلك القيود. كما وجدت الشركات الصغيرة العمل في كاليفورنيا على مقربة من حدود المكسيك ميزة إضافية لأن ذلك أتاح لها فرصة الفرار بمعداتها وأفلامها عبر الحدود إلى المكسيك هربا من تسلط شركة الاختراعات السينمائية، إذا دعت الضرورة. وقامت الحكومة الأميركية بحل تلك الشركة في العام 1917 تطبيقا لقانون محاربة الاحتكار.
كان الفيلم الصامت الشهير مولد امة (1915) الفيلم المفضل لدى توماس إديسون الذي اتخذ موقفا متشددا ضد الأفلام الناطقة التي قال عنها إنها أفسدت كل شيء بالنسبة له. ومما قاله بعد ظهور الأفلام الناطقة قبل مماته لم تعد هناك براعة في التمثيل على الشاشة، فالممثلون يركزون الآن على الصوت ونسوا كيف يمثلون. وأنا أشعر بذلك أكثر منكم لأنني أصم .


جريدة الرأي
ابواب