يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعوا
وما أدراك ما الوطن بالنسبة للسوريين ..

سورية هي تلك الرغبة التي تعتريك لتناول "كاسة شاي" وأنت تأكل الجبنة البيضاء البلدية،
وذاك الخمول الذي يدفعك بعد وجبة الغذاء الدسمة إلى قيلولة غالية،
هي ذاك المزيج الفوضوي الذي يجري في شوارع العاصمة،
آلاف من السيارات والبشر المختلطة وفق منظومة معقدة لا تستطيع أن تدركها أو
تفهم آلية عملها..
ولكنها في النهاية تعمل، تمتزج، تتحرك، وتنفصل.........
ثم تتلاشى الحركة في الشوارع لتبدأ الحياة في المنازل التي تحب السهر،
وتبقى بيوت دمشق المتراكمة المتسلقة على جبل قاسيون مضاءة حتى يطفئها الفجر
الذي يعلنه صوت الآذان..

سورية هي فيروز في الصباح..
و" سيرة الحب " في ليل دمشقي طويل.. أو موال شجي عتيق على أنغام قدّ حلبي .

سورية.. نشرة الأخبار بين عشق الرجال وكره النساء،
هي السياسة التي ندمنها دون أن نتعاطاها..
هي خوف صبية عائدة إلى البيت في مساء متأخر،
هي حب مراهق لبنت الجيران،
هي وجوه الناس التي ألفناها وقصص البيوت التي تناقلناها،
هي النميمة في صبحية "نسوان"،
و "قعدة" رجالية في مقهى بين
طاولة الزهر وعبق الدخان..

سورية هي جلسة حول" بحرة" في دار قديم تجمعنا "قرقعة " أركيلة عشقناها وهي ترسم
تنهيدة ألم في الهواء،
هي عدوى الضحك على نكتة "بايخة " تنتشر بين الأصحاب وتتمادى لتصبح قهقهة عالية
لا تعبأ بالمكان أو الزمان..

سورية هي محجبة وسافرة تعيش في بيت واحد،
وطبخة "شاكرية" على مائدة كريم دعا إليها كل الجيران،
مسيحي ومسلم.. الكل يحمدون الله على النعمة ويدعون أن يحفظها من الزوال..

سورية هي نزعة طفل للتسرب إلى الشارع واللعب مع أولاد الجيران،
هي رائحة "الطبيخ "تفوح عند باب كل دار وقت الغذاء،
وجلسة دافئة لأفراد العائلة حول مدفأة المازوت في ليلة باردة..

سورية هي الحارة والأصحاب،
المدرسة والطريق الذي "تسكعناه "مئات المرات،
هي الطاولة التي درسنا عليها والغرفة التي تشاركنا بها إخوة وأخوات،
هي همومنا الصغيرة التي كبرت.. وأحلامنا الكبيرة التي تضاءلت،
هي الذكرى التي تجمعنا في الماضي..
والأمل بلقاء في المستقبل قد لا يكون..


سورية هي الحب القديم،
هي القلب الذي خفق في صدورنا أول مرة،
هي الغيرة....................
التي اشتعلت على فتاتنا تضحك لرفيق لتترك في النفس حرقاً لذيذاً،
هي حلاوة اللقاء الذي كان وربما لن يتكرر،
هي الحياة التي انتزعناها من عمر مضى واحتفظنا بها مجرد ذكريات..
هي ضحك، بكاء، مئات الكلمات، أحاديث وصور تبعثرت في ذاكرتنا،
يستحضرها الحنين ويحفظها الشوق ونحن نعرف بأنه لا أمل لنا في اللقاء..

سورية هي أيام عشناها في وطن كان.. ونخاف أن يضيع،

سورية هي الحبيب الذي هجرناه ولم نستطِع أن نعشق سواه،

سورية هي الماضي الذي منه ولدنا..

وعلينا أن نحرص لكي يكون المستقبل الذي يحيا فيه أولادنا..

سورية..


best regards
Julia