الراحة النفسية للموظفين.. سلم المؤسسة للارتقاء






قال مارك توين: (إن سر النجاح يكمن في أن تستمتع بالعمل، كما لو كنت في أجازة)، قد يقضي الفرد في عمله عدد ساعات يفوق التي يقضيها مع عائلته وفي بيته, لهذا يجب أن يتوازن شعور الفرد بالراحة بمنزله مع شعوره بالراحة بعمله, ليستطيع تقديم أكبر قدرة إنتاجية لديه

إن إدارة الموارد البشرية في المؤسسات الناجحة, تلعب دوراً أساسياً ومهماً في التوسع العمودي, لأن تحسين الإنتاج، ورفع مستوى الإنتاجية لا يكون بالآلات الحديثة، والتسهيلات المالية فحسب, بل بشكل رئيسي بالأداء الكفء للعمل من قبل يد عاملة تم اختيارها وتدريبها جيداً، وهُيِّئَت لها ظروف وبيئة عمل مناسبة, ترغّبها في بذل قصارى جهدها وإمكانياتها في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة في التقدم والنجاح.



أهم عناصر الإنتاج..
لقد أصبح من المتعارف عليه في هذا الوقت وخاصة في الدول المتقدمة, أن العنصر الإنساني في العمل هو أهم عناصر الإنتاج، والاستثمار فيه يفوق الاستثمار في باقي العناصر الأخرى.
وذلك تبينه معادلة الأداء التي هي:
مستوى الأداء الجيد= المقدرة × الرغبة
لذلك تسعى الشركات المتميزة والمتفوقة (في سبيل رفع الكفاءة الإنتاجية للعاملين) إلى تقوية وتدعيم طرفي المعادلة سوية، إذ لا غنى عن أحد طرفيها، وتحقيق طرف واحد دون الآخر يخلّ بها.
فلا يمكن حدوث كفاءة وأداء جيد بوجود مقدرة فقط دون الرغبة، والعكس صحيح، فلا يمكن تحقيق ذلك بوجود الرغبة دون وجود المقدرة.
وتحصل المؤسسة على رغبة الموظف من خلال تحقيق جو كبير من الراحة النفسية وإبعاد تأثير التوتر والضغوطات عن العامل بإبدال السجن التقليدي لمكان العمل, المليء بالأوامر والروتين الممل؛ بمنزل ثانٍ يؤمن للموظف راحة البال ويبعد أي ضغوطات عن فكره ويستبدلها بطاقة إنتاجية تخدم مصلحة المؤسسة.
وكانت شركة Google وهي الشركة الأولى عالمياً في مجال البرمجيات من حيث الأرباح، أبرز من ركّز على راحة ورخاء الموظفين لديها, ففتحت الأبواب الواسعة لدراسة هذا المجال وتطبيقه، فبدأت من تأسيس مركز العمل ليشابه البيت بكل أركانه, بل واقتربت من بناء مركز استجمام وترفيه للموظفين أكثر منه مبنى للعمل فقط.
وتأخذ هذه الشركة العالمية بكل طرق رفاهية وراحة موظفيها، إلى درجة لا تصدق, بدءاً من الكبسولة الخاصة بإزالة الضغط والتي تسمى بآلة المحاكاة والتي يتم فيها عرض بالصوت والضوء، إلى الانتقالات بين الطوابق التي تتم بالانزلاق الذي يتيح الوصول السريع، وهناك أيضا أعمدة متاحة وهي مماثلة لتلك التي تستخدم في محطات الإطفاء, كما يتوافر للموظفين الطعام والشراب باختيارات واسعة ومجاناً عبر "بوفيه" مفتوح, وتم تخصيص لوحاتٍ كبيرة متاحة في كل مكان على الجدران لأي أفكار يمكن أن تخطر لأي موظف، يقول أحد مديري غوغل: "إن الأفكار دائماً لا تأتي على المكاتب"، وتهتم هذه الشركة بصحة موظفيها أيضاً، لذلك خصصت منطقة واسعة للفحص الطبي والتدليك, ليس هذا فحسب بل توافر شركة غوغل قاعات للاسترخاء لموظفيها يتمتعون فيها بالمناظر الطبيعية لأحواض السمك والاستماع إلى الموسيقى في هدوء، بالإضافة إلى مكتبة ضخمة تحوي مئات الكتب معظمها عن البرمجة لإشباع الاهتمامات الثقافية لموظفيها، ألا تستحق هذه البيئة وصف البيئة النفسية المثالية التي يعمل فيها أي موظف بعيداً عن أي ضغط أو توتر عصبي، وكذا البيئة المحرضة والمنتجة للإبداع.



تأثير كبير..
ربما يهمل البعض تأثير البيئة المحيطة بالعاملين والموظفين، ولكن لتلك البيئة تأثير كبير على الكفاءة والأداء، ونعني بالبيئة عدة أمور منها مثلاً: درجة الحرارة التي تؤثر على أداء الفرد، بصفة خاصة عندما يكون العمل خارج المباني، أو في جو شديد الحرارة أو البرودة.
والضوضاء أيضاً فهي سبب رئيس في فقدان التركيز أو ضعفه؛ الأمر الذي يجعل إتمام المهام أشدّ صعوبة، وأكثر إهداراً للوقت والجهد. وللبيئة المادية المحيطة تأثير قوي على الحالة النفسية للموظفين, فطريقة تصميم وتقطيع وإكساء وفرش المكاتب تعطي الانطباع الأهم لنفسية الموظف، ومنه يجب أن نضع في أذهاننا اعتبارات علمية تخص هذا الجانب كإبقاء مساحة عمل كافية لكل موظف تساعده على إتمام مهامه بأفضل وجه وإعطاء الموظفين الأكثر تواجداً في المكتب أولوية في المساحة والموقع والمشهد إن وجد, كما ينبغي التركيز على البساطة في الديكورات المحيطة بالموظفين وعدم إرباكه بديكورات معقدة. وتركيز الديكورات الفخمة في مناطق زيارة المتعاملين وكبار الزبائن قدر الإمكان، كما لابد من الحرص على إعطاء الموظفين مكاتب وزوايا وتوضعات تحفظ لهم خصوصيتهم لاسيما المرئية منها أثناء العمل.



للألوان كلمة..
وإن أهم صلة وصل بين العاملين ومؤسستهم هي الألوان المحيطة بهم والتي تنعكس بشكل مباشر على الحالة النفسية للموظف، فنحن ننعم في هذه الحياة بالعديد من الألوان التي نراها بعيوننا في كل مكان، منها ما هو يشعر الإنسان بالراحة والتفاؤل, ومنها ما يجعل الإنسان مكتئباً بمجرد أن تراها العين, ومنها ما يشعرنا باليأس ومنها ما يشعرنا بالملل والكسل.
وقد أكدت دراسة حديثه أن الألوان تؤثر على مزاج الأشخاص؛ خصوصاً الموظفين منهم, فالذين يعملون في مكاتب مطلية باللون الأزرق يشعرون بالاكتئاب، أما المكاتب المطلية باللون الأصفر فتجعلهم يشعرون بالسعادة والحيوية والنشاط والمزيد من التركيز في العمل,
وأوضح البحث أن المكاتب المطلية باللون الرمادي تجعل الموظفين يشعرون بالملل والكسل والتبلد.
وبالتالي فإن تقلبات مزاج الموظف وإنتاجه الإبداعي مقترن بالضغوطات والتوتر، التي تتأثر بشكل مباشر بالبيئة المحيطة ومدى خلقها للراحة النفسية لهذا الموظف, وبالتالي الحصول على أقصى استفادة من طاقاته الإنتاجية، لأن المؤسسة الحقيقية لا تنهض إلا على أقدام موظفيها.

إعداد: محمد غالب المير