بسم الله الرحمن الرحيم ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

لا أحد يستطيع أن يمنع وقوع بعض الحوادث المؤسفة له كموت صديق، أو حدوث زلزال، أو هبوب الرياح، أو أمور أخرى من هذا القبيل، فتلك أمور ترتبط بالقضاء والقدر.

وإذا كان البعض غير مرتاح مما هو حادث له ـ سواء فيما يرتبط بمواصفاته الجسدية أو فيما يرتبط بالحوادث التي تقع ـ فإن من الأفضل أن يقارن نفسه بمن هو أكثر ابتلاءً منه ويرضى بالقضاء والقدر، إذ ليس له خيار آخر غير هذا الخيار.

يقال: إن رجلاً وقع في بئر، فأخذ يصرخ ويطالب كل مَن يمرّ به أن يخلّصه، فقال له رجل سمع استغاثته: اصبر حتى آتيك بحبل وأرفعك به.

فقال الرجل: وإذا لم اصبر، فماذا أفعل؟

إنك أحياناً لا تملك إلا أن تصبر على ما أنت عليه، إذ لا تملك إلا هذا الخيار.

ثم إن علينا أن لا نعتبر ما نحن فيه من الأمور التي لا ترضينا هي أسوأ ما يمكن أن يحدث لنا "فربّ ضارة نافعة" كما يقول المثل. فكم من أمور اعتبرناها (نقمة) ثم تبين أنها كانت في حقيقة الأمر (نعمة) والعكس أيضاً ممكن.

ويذكر في هذا الموضوع عن قرية كان فيها عجوز حكيم وكان أهل القرية يثقون به، في الإجابة على اسئلتهم ومخاوفهم.

وفي أحد الأيام؛ ذهب فلاح من القرية إلى العجوز وقال بصوت محموم: "أيها الحكيم؛ ساعدني، لقد حدث لي شيء فظيع. لقد هلك ثوري وليس عندي حيوان يساعدني على حرث أرضي! أليس ذلك أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي؟".

فأجاب الحكيم: "ربما كان ذلك صحيحاً، وربما كان غير صحيح".

فأسرع الفلاح عائداً لقريته وأخبر جيرانه أن الحكيم قد جن، لأنه كان يظن أن ذلك أسوأ شيء يمكن أن يحدث للفلاح، فكيف لم يتسنّ للحكيم أن يرى ذلك؟

إلا أنه في اليوم ذاته، شاهد الناس حصاناً صغيراً قوياً بالقرب من مزرعة الرجل. ولأن الرجل لم يعد عنده ثور ليعينه في عمله، فقد أتت الرجل فكرة اصطياد الحصان لحيل محل الثور، وهو ما قام به فعلاً.

وقد كانت سعادة الفلاح بالغة، فلم يحرث الأرض بمثل هذا اليسر من قبل. وما كان الفلاح إلا أن عاد للحكيم وقدم إليه أسفه قائلاً: "لقد كنت محقاً أيها الحكيم، إن فقداني للثور لم يكن أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي، لقد كان نعمة لم أستطع فمهما فلو لم يحدث ذلك لما فكرت لي أبداً أن أصيد حصاناً جديداً، لابد أن توافقني على أن ذلك هو أفضل شيء يمكن أن يحدث لي".

فأجاب الحكيم: "ربما نعم، وربما لا".

فقال الفلاح لنفسه: "لا؛ ثانية؟!، لابدّ أن الحكيم قد فقد صوابه هذه المرة".

لم يدرك الفلاح ما سيحدث. وبعد مرور بضعة أيام سقط ابن الفلاح من فوق صهوة الحصان، فكسرت ساقه، ولم يعد بمقدوره المساعدة في حصاد المحصول.

ومرة أخرى، ذهب الفلاح إلى الحكيم وقال له: "كيف عرفت أن اصطيادي للحصان لن يكون أمراً جيداً؟ لقد كنت على صواب ثانية، فلقد جرح ابني ولن يتمكن من مساعدتي في الحصاد. هذه المرة أنا على يقين بأن هذا هو أسوأ شيء يمكن أن يحدث لي، لابد أنك توافقني هذه المرة".

ولكن، كما حدث من قبل، نظر الحكيم إلى الفلاح وأجابه بصوت ملؤه الشفقة وقال: "ربما نعم، وربما لا".

استشاط الفلاح غضباً من جهل الحكيم وعاد من فوره إلى القرية.

في اليوم التالي، قدم أفراد الجيش واقتادوا جميع الرجال القادرين للمشاركة في الحرب التي اندلعت للتو، وكان ابن الفلاح الشاب الوحيد الذي لم يصطحبوه معهم، ومن هنا كتب له أن يبقى في منزله في حين أصبح محتماً على الباقين أن يذهبوا إلى الحرب.

إن المغزى الأخلاقي لهذه القصة يعد درساً نافعاً للغاية. وحقيقة الأمر، إننا لا ندري ماذا سيحدث غداً، نحن فقط نعتقد أننا نعلم ذلك، وغالباً ما نضخّم من شيء ما، ونخترع أحداثاً مبالغاً فيها في عقولنا عن أشياء بشعة سوف تحدث. أما إذا احتفظنا برباطة جأشنا وفتحنا عقولنا أمام كل الاحتمالات، لتأكدنا من أن كل شيء سيصبح على ما يرام في نهاية المطاف. وتذكر: "قد يكون الأمر كذلك، وقد لا يكون".