منذ زمن ليس بالبعيد كان من الطبيعي أن ترى الموظف أو المدير أمامه تلال من الأوراق والملفات، وكان الموظف أو المدير يتباهى بوجوده بين تلال الورق فهذا مؤشر لحجم العمل الذي ينهض به والمسؤوليات التي يتحملها في العمل، فالمكتب الفارغ من الأوراق يعني أن صاحبه يعيش حياة وظيفية مرفهة إلى أبعد الحدود.

بالفعل.. لم يكن هناك بديل لاستخدام الأوراق في العمل، وقد أظهرت الدراسات أن العاملين في المكاتب في كل أنحاء العالم يستهلكون نحو 15 مليون ميل كل يوم من الورق، ويقضي الموظف في المتوسط 50% من حياته المكتبية وهو يحاول السيطرة على الورق، ويحتفظ الموظف في المتوسط بنحو 18000 ورقة، أما الوقت الذي يقضيه الموظف الذي يعمل على مكتب مبعثر وهو يبحث عن وثائق وأوراق فقدها فيصل إلى 7% من وقته. ولكن تغير الحال وظهرت تكنولوجيا الحاسبات لتشكل نقطة تحول في مجال العمل، ويبدأ الحاسب الآلي ومرفقاته في احتلال مساحة كبيرة من المكتب على حساب الملفات والأوراق، ومن ثم أصبح ليس من الطبيعي أو المنطقي أن ترى تلال الأوراق وهي مكدسة على مكتب موظف أو مدير. وبعد أن كانت الأوراق المكدسة مؤشراً لحجم المسؤوليات التي تقع على عاتق الموظف أو المدير أصبح تكدس الأوراق مؤشراً لعدم كفاءة الموظف أو المدير، وكذلك عدم قدرته على التفاعل مع مخرجات التكنولوجيا، وللأسف الشديد ما زالت الأوراق مكدسة على كثير من المكاتب. قد نرى الحاسب بالفعل على كثير من المكاتب في مؤسساتنا، ولكن يبدو أنه غير مستثمر إلى حد كبير، وأنه يستخدم بنصف طاقاته وإمكانياته، وبالطبع تتحمل الإدارة الجزء الأكبر من المسؤولية في هذا المجال، لأنها لا تدرك كيف تستثمر إمكانيات التكنولوجيا بشكل جيد؛ ومن ثم فهي غير قادرة على ترويج هذا المفهوم بين موظفيها.


الآن أصبحت الفرصة متاحة بدرجة كبيرة لممارسة المهام الإدارية بلا أوراق؛ اعتماداً على استخدام شبكة الإنترانت الداخلية والإنترنت، فالتكنولوجيا والحاسبات الآلية من المفترض أن تكون وسيلة فعالة وكافية لتداول التقارير والمستندات والمكاتبات بين المدير والموظف، وهي أيضاً من الممكن أن تكون وسيلة اتصال فعالة بين المؤسسة وبين عملائها أو بين المؤسسة ومورديها.


تفعيل هذا التصور في ممارسة العمل الإداري والتنفيذي سيحقق منافع عظيمة لجميع الأطراف، فنظام العمل في الشركة سيصبح أكثر مرونة وانسيابية، وكفاءة الأداء والمخرجات سترتفع بشكل واضح، والصورة الذهنية التي يكونها العملاء عن المؤسسة ستكون مميزة للغاية، وستصبح الشركة أكثر قدرة على استثمار مواردها، وبصفة خاصة مورد الوقت، وبالتأكيد ستحقق الشركة وفورات كبيرة في حجم الأموال المنفقة على شراء الأوراق والملفات واستخدام الأدوات المكتبية التقليدية ومساحات التخزين ونظام الأرشفة، وستنخفض إلى حدّ كبير أخطاء الاتصالات داخل الشركة، والتي تتسبب في حدوث مشكلات لا تنتهي في بيئة العمل.


المصدر : موقع د . طارق سويدان


وبالنسبة للموظف فإنه سيستثمر طاقاته أفضل استثمار، وبدلاً من أن يضيع جهده ووقته في البحث عن الأوراق أو إعدادها ستصبح الفرصة متاحة أمامه للتركيز في أداء مهامه الأساسية على أكمل وجه ممكن، كما أن احتكاك الموظف بالمدير سينخفض إلى حد كبير؛ ولهذا بالتأكيد تأثير واضح في تقليل الخلافات بينهما؛ بالنسبة للمدير فمن المتوقع أن يؤدي عمله بقدر كبير من السرعة والفاعلية، وسيمتلك القدرة على إنجاز الكثير من المهام التي تثقل كاهله، وسيختصر وقته بشكل كبير، وسيمنحه ذلك قدرة أكبر على متابعة العمل، وسيتمكن من إنجاز المهام الإدارية وهو خارج المكتب إذا اضطرته الظروف إلى ذلك. أما العميل فسيتمكن من الحصول على خدمة سريعة تختصر وقته وجهده، وستتلاشى العديد من المشكلات التي يواجهها عندما يتفاعل مع الموظفين بشكل مباشر.
دعونا نقوم هذا الأسبوع بتجربة بسيطة وهي أن نحدد الأوراق والمستندات والتقارير والمكاتبات التي يمكن تداولها بين الإدارة والموظفين من ناحية، وبين الموظفين أو الشركة والعملاء من ناحية أخرى، عندها سنكتشف أن هناك كماً كبيراً من الأوراق يمكن تحويله من المكتب إلى الإنترنت وشاشة الكمبيوتر، وبعد ذلك يمكن أن تتوسع التجربة ليتم تحويل الأوراق بالفعل إلى نماذج وملفات على الحاسب الآلي يتم تداولها بسرعة وسهولة. ستكون النتائج مذهلة ويظهر تأثيرها في أيام معدودة.