ينشغل الكثيرون منا في واقع الأمر بالتفاصيل الدقيقة وينسون النظر إلى الصورة الكلية، وقد يتضح ذلك في أي شيء، ومن تعليق جارح للمشاعر أبداه أحد الزملاء ( الصورة الكلية: هذا الزميل في المعتاد ودود ومتعاون ) إلى القلق بشأن عيب بسيط في مشروع ما ( الصورة الكلية : باقي المشروع رائع ).

يتحدث هذا المقال في مجمله، بطريقة ما، عن الأمور الصغيرة، حيث يتناول سبل التعامل مع المشكلات من خلال تقسيمها على أجزاء صغيرة وسبل بناء كتل وهياكل صغيرة من الإنجازات والتي عندما تجتمع معاً تجعل منك شخصاً أكثر سعادة، ولكن يوجهك هذا المقال كذلك إلى إدراك حقيقة وجود منهجين مختلفين تماماً للتعامل مع "صغائر الأمور " : يمكن أن يقودك المنهج الأول، كما تم وصفه أعلاه، إلى نوع من التفكير المتوجس غير الدقيق؛ أما المنهج الثاني، وهو النوع الذي يتم وصفه هنا، فيمكن أن يساعدك على التعرف على الأمور الصغيرة في حياتك، ثم استغلال تلك المعرفة المكتسبة من أجل التعامل مع القضايا الكبيرة، بعبارة أخرى، قد يكون مفيداً في بعض الأحيان التفكير في الأمور الصغيرة.
لقد تذكرت ذلك عندما كنت ألعب " بوجل " Boggle مع زوجتي، وبالنسبة إلى هؤلاء الذين لا يعرفون لعبة بوجل، فإنها تتضمن خلطة تسعة مكعبات نرد داخل وعاء، وكل نرد منقوش على كل جوانبه حروف بدلاً من الأرقام، وتهدف اللعبة إلى تكوين أكبر عدد ممكن من الكلمات باستخدام الأحرف التي تظهر على مكعبات النرد خلال دقيقتين، وسوف تحصل على نقاط أكبر عند تكوينك لكلمات أطول، وتحصل على نقاط أقل عند تكوينك لكلمات أقصر، وهناك استراتيجيان لممارسة هذه اللعبة؛ يمكنك أن تركز على الكلمات الطويلة ومن ثم تجمع نقاطاً أكثر ( وسوف تبدو كذلك أكثر
ذكاءً) أو يمكنك تجميع عدد أكبر من النقاط البسيطة سريعاً من خلال تكوين كلمات أقصر.
لقد اتبعت الإستراتيجية الأولى، وركزت على إيجاد كلمات طويلة وصعبة حتى أبهر زوجتي من خلالها وأحصل على درجات عالية في اللعبة، أما زوجتي فعلى نقيض ذلك، قامت بتكوين قائمة أكثر طولاً من الكلمات القصيرة، وحتى أوجز عليك، فازت زوجتي في المسابقة فوزاً ساحقاً.
ما الذي تعلمته من ذلك الموقف ؟
إن بحثك وراء الأشياء الكبيرة والانتصارات العظيمة لا يجدي نفعاً دائماً، ولكن التغيير غالباً ما يحدث من خلال وضع الإنجازات الصغيرة، فوق بعضها البعض حتى يتحقق الإنجاز الكبير.
فكر في مشكلة ما تؤرقك في حياتك الآن، ثم قم بتقسيمها إلى ثلاثة أو أربعة أجزاء يمكن التعامل معها، اكتب كل جزء منها في ورقة منفصلة، قم بوضع الورقة التي تضم أصعب جزء من المشكلة في حافظتك وحدد لنفسك موعداً نهائياً للتعامل معه، وبينما تتعامل مع كل جزء من المشكلة، قم برمي الورقة الخاصة به وضع الورقة التالية في حافظتك، وعندما تنتهي من التعامل مع كافة أجزاء المشكلة، وترمي كل الأوراق المتعلقة بها، كافأ نفسك.
" مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة "
لاوتسو، 604 _531 قبل الميلاد، فيلسوف صيني