أبحث عن الأمور المشتركة

آراء مختلفة وعالم واحد
حينما نظرت حولي، شعرت بالسعادة لأن المفوضين بدوا متحمسين ويقظين جراء نوم هانئ. فخلال استراحة القهوة بمنتصف النهار أخبروني بأنهم كانوا جميعًا منهكين بعد يوم أمس وأنهم بعد تناول العشاء وارتداء ملابس النوم خلدوا للنوم فى العاشرة!
لاحظت كذلك وجود إحساس حقيقي بالترابط بينهم جميعًا. قبل ذلك، بدوا كمجموعة من الأفراد المستقلين، ولكن تجربة مشاركة هذه الرحلة العميقة معًا تركت أثرًا كبيرًا على نفسيي المجموعة ككل.
وبينما تجوب هذه الأفكار رأسي، ذهبت إلى اللوحة وبقلم ذي خط أسود سميك كتبت:

60% = بصرا
10% = سمعي
30% = حركي


"في الغرب، يفكر 60% من الناس بطريقة بصرية، أو بمعنى آخر، يفكرون بالصور. قبل أن أواصل كلامي، تذكروا أنه ما من نموذج من نماذج "المعالجة" أفضل من الآخر. فهم فقط مختلفون- وقد تودون أن تعرفوا في هذه المرحلة أن معظمنا لديه أسلوب رئيسي وآخر ثانوي.
"بأية حال، دعونا نعد لحديثنا عن نظام التمثيل المرئي. إن أصحاب التفكير القائم على الرؤية بارعون في تكوين مفهوم عام سريع ولكن عقولهم تصاب بالارتباك عندما تعرض عليهم الكثير من التفاصيل الصغيرة، وخاصة عند إصدار تعليمات لفظية. والأشخاص من أصحاب التفكير القائم على الرؤية عادة من يتأنقون بغرض إبهار الآخرين! وهم ينزعون لاستخدام أيديهم لتوضيح ماذا يعنون حينما يتحدثون. وهم في الغالب ما يكونون منمقين ومنظمين. وللتحدث بلغتهم أنت بحاجة إلى "رسم صورة" لأجلهم أو على الأقل تساعدهم على "رؤية بيت القصيد". سألت المجموعة : " ما الكلمات الأخرى التي تعتقدون أن أصحاب التفكير القائم على الرؤية ينزعون لاستخدامها؟".
بدأ الجميع يرددون على الفور عبارات مثل "أنا بحاجة لتكوين منظور عن ..."، "في مخيلتي..."،"هذا منظور يتسم بقصر النظر". "عظيم، لقد فهمتهم ما أعنيه". أضفت وأنا أضحك:"وانطلاقًا من ملاحظاتكم تلك، أنت محقون، فأنا إنسانة بصرية التفكير! بعد ذلك، دعونا نستعرض الأشخاص السمعيين. كما ترون، بعض الأشخاص ذوى تفكير سمعي، وهو ما يعنى أنهم كثيرًا ما يشعرون بأن الآخرين يسيئون فهمهم. والعديد من الأشخاص السمعيين أخبروني بأنهم يشعرون كما لو أنهم يتحدثون لغة مختلفة للجميع والآن يمكنكم أن تروا السبب!
"الأشخاص السميعون بارعون في الإنصات للتعليمات اللفظية وقادرون على تكرار العبارات ثانية بسهولة. وليس من المدهش أنهم عادة ما يحبون الموسيقى ويمكنهم التحدث لساعات عبر الهاتف! وبمقدورهم الحفظ عن طريق تقسيم الأشياء إلى أجزاء وخطوات وتسلسلات. والأشخاص السمعيون ينزعون للاستجابة إلى نبرات معينة من الصوت ويحبون أن ينصتوا لما ستقوله عن شيء ما. ومن الأحرى أن تجعل الأشياء" تبدو ذات وقع جيد" للأشخاص السمعيين. ما العبارات الأخرى التي تعتقدون أنهم يستخدمونها؟". مرة أخرى، أتاني مزيد من المقترحات:" المحرك يخرخر كالقط". " أسمعني اقتراحًا...".

فقلت: "مذهل، من الواضح أن هذا النوع مألوف لديكم أيها الرفاق". سكت لآخذ رشفة من كوب الماء ثم واصلت كلامي: "وأخيرًا نأتي للنوع الحركي من التفكير. قبل أن تسألوا، حركة تعنى المشاعر – ليس بالمعنى العاطفي ولكن بمعنى إدراك الأحاسيس الجسدية. ويمكنك تمييز الأشخاص الحركيين من خلال الطريقة التي يرتدون بها ملابسهم كذلك، ولكن فقط لأنهم يرتدون ملابسهم من القدمين صعودًا لأعلى. فأولاً، يختارون حذاءً مريحًا وبعد ذلك ينطقون لأعلى بدءًا من هذه النقطة! وهم يتحركون ويتحدثون على نحو شديد البطء، الأمر الذي قد يثير استياء شريكهم في الحوار ذي التفكير القائم على الرؤية والذي ينزع للتحدث بشكل سريع للغاية. وهم يستوعبون مفهومًا ما إما بتجربته بأنفسهم أو على الأقل بخوضه داخل "خيالهم". وهم سيلقون بالاً لما تقوله إن"شرعوا" بأنه صحيح!".
ذكرت المفوضين ثانية لأنه لا يوجد أسلوب تفكير أفضل أو أسوأ من الآخر، ولكنهم ببساطة مختلفون. واصلت كلامي قائلة: "ومع ذلك، هناك احتمال أن تتناقض الأساليب المختلفة مع بعضها البعض". بعد أن حددت بالفعل أن تفكير "مات" كان بصريًّا – شعره المغطى بالجيل بعناية وقميصه ذو المربعات وحذاؤه البراق أخبرتني جميعًا بذلك منذ لحظة التقائي به – توجهت إليه ووقفت على مقربة من مقعده. وقلت شارحة: "الأشخاص البصريون يحبون التمتع بالكثير من الحيز الشخصي حولهم وأنا واثقة من أن "مات" يشعر بأنني أحتل حيزه الآن!".
"حسنًا، لم أكن أريد أكون فظًّا – ولكن يما أنك قلتها، فنعم، هذا صحيح!"."حسنًا، شاهد هذا إذن...". وأثناء خروج هذه الكلمات من فمي توجهت إلى "بيت" والذي عرفت من نماذجه اللغوية أنه حركي. وباقترابي منه أكثر فأكثر لم يتحرك مطلقَا، حتى حينما وضعت يديّ فوق كتفيه فجأة، وقلت: "هذا لا يثير استياءك بالمرة يا "بيت"، أليس كذلك؟". أجابني برزانة: "هذا لا يضايقني بالمرة". فقلت: "وهناك نظام تفكيري آخر يدعى بالنظام الرقمي السمعي. ونحن جميعًا نستخدم هذا الأسلوب من آن لآخر، لأنه لغة "المعالجة". على سبيل المثال، حينما توجه إرشادات لأحدهم فأنت تنشط نظام المعالجة الرقمي السمعي لديك. أما الآن، فسوف نركز على الأنظمة التمثيلية الثلاثة الأخرى".

وضعت"جيني" وجهها بين يديها وكانت ترتسم نظرة ذهول على وجهها. ثم قالت: "لأصدقكم القول، أشعر بأن جميع الفئات تنطبق علىّ"، ثم أضافت وهى تضحك: "ربما لا أعرف من أنا".
"بعض الناس محظوظون حقًّا وتنطبق عليهم بالفعل جميع أساليب التفكير المختلفة. وفى الوقت الذي يزيد فيه هذا من سهوله التواصل والتفاعل مع الآخرين، أفلا تجدين أنك في بعض الأحيان ترضين بالحلول الوسطى بدلاً من المطالبة بما تؤمنين به؟".

ضحكت ثانية وردت: "هذا صحيح! والأسوأ، أنني لا أستطيع فقط فهم أساليب التفكير المختلفة ولكنني أيضًا أجد نفسي أتعاطف مع جميع من أقابلهم. ولأصدقكم القول، في حين يساعدني هذا الجانب من شخصيتي على تكوين علاقات مع العملاء إلا أنه يجعلني ألاقى صعوبة في الدفاع عن نفسي في الموقف الشخصية. فأستطيع أن أرى وجهات نظر الآخرين بوضوح شديد حتى أنني أغض الطرف عن وجهة نظري أنا!". كانت تلك تجربة تعليمية عظيمة. فبعد جلستنا المبدئية الثنائية، علمت "جيني" أنها تملك الحق في أن تجعل احتياجاتها جزءًا من المعادلة كذلك. اقترحت عليها التركيز عن وعى على خلق مواقف يفوز بها جميع الأطراف بدلاً من تلك التي لابد أن يخسر بها أحد الأطراف، وتكون هي دومًا هذا الطرف الخاسر.

واصلت كلامي: "حسنًا اتفقنا إذن أن الناس يتعاملون مع الأمور بطرق مختلفة. ولكن هناك المزيد مما أود أن تعرفوه. أريد منكم أن تتذكروا كيف تحدثنا بالأمس عن قيمتنا وأنظمة معتقداتنا. كما تعلمون. نحن جميعًا نصدر أحكامًا على المواقف والأحداث والآخرين وفقًا لخبراتنا. دعوني أثبت ذلك لكم. فكروا في شخص لم تكونوا تحبونه حقًّا في المدرسة؟ ماذا كان اسمه؟ الآن، فكروا في موقف قابلتم فيه شخصًا يحمل هذا الاسم للمرة الأولى. أنا واثقة أنكم – دون أن تعرفوا السبب في ذلك – وجدتم صعوبة في التعامل مع هذا الشخص يود أكثر مما كنتم لتفعلوا لو كان يحمل اسمًا آخر. أو أنكم جعلتموه يبذل مزيدًا من الجهد لينال تقديركم...".
ابتسم "بيت"، وقال: "نعم، بعد التفكير في هذا الأمر، فإنه صحيح! كان لدينا فتى شنيع بالمدرسة يدعى "سايمون"، والذي حول حياتي إلى جحيم. ولآن، حينما التقى بأحد يدعى "سايمون"، ترتفع بيننا جدران بشكل أوتوماتيكي، ولكن حينما تمعن التفكير في الأمر، ستجد في ذلك ظلمًا للشخص المسكين الذي قابلته للتو". وافقته الرأي قائلة :"نعم، في هذا ظلم، ولكن على الأقل الآن – بخلاف معظم الناس – أنت تدرك هذا!".
قالت "جيني": "وربما هذا هو السبب الذي يجعل الناس يبدون وكأنهم لا يحبوننا كثيرًا، فقط لأننا نذكرهم بشخص ما من ماضيهم. فعلى الأرجح، ليست الأسماء فقط هي التي تثيرنا – ولكن كذلك نبرة صوت شخص ما أو شكله؟".قلت: "أحسنت صنعًا ثانية يا"جيني"".

بعد أن عدت إلى مكاني في مقدمة الغرفة قلت: "دعونا نتفحص بعض الصعاب المحتملة الأخرى. هل تتذكرون أنني قلت إن الأشخاص البصريين يتحدثون بسرعة في حين يتحدث الأشخاص الحركيون بمزيد من البطء؟ في بعض الأحيان يرى البصريون هذا البطء غباء – ويتدخلون إنهاء عبارات هؤلاء لأجلهم. وكما يمكنكم أن تتخيلوا، يستاء الحركيون لذلك ويشعرون بأن ذلك يحط من شأنهم.

"ينظر البصريون كذلك للأمور من منظور "الصورة الكبرى". فهم عادة ما ينتقلون من المشكلة إلى الحل دفعة واحدة – دون أن يتمهلوا لشرح ما فعلوا لزملائهم من أصحاب التفكير السمعي والحركي. والنوع الأخير، والذي لا يبهره ذلك بالمرة، يعتقد أن البصريين ما هم إلا أشخاص تافهون! والبصريون يتحدثون كذلك على نحو أكبر سرعة حينما يكونون متحمسين، فتجدهم لا ينهون العبارات بشكل سليم. والبصريون الآخرون لا يأبهون لذلك لأنهم اعتادوا التفكير والتحدث بطريقة لفظية بها قصور، على الرغم من احتمال بزوغ سوء فهم حينما يرى اثنان من البصريين صورًا مختلفة تمامًا. من السهل أن نرى كيف تبدأ المجادلات – ولا يكون ذلك بسبب ما نقول ولكن بسبب الطريقة التي نقوله بها!".

الآن كان دور "بيت" للبدء في الضحك . ثم قال: "أدركت لتوى أنني حركي في الوقت الذي يتسم فيه مديري بأنه بصري. فيبدو دومًا نافد الصبر وينهى لي عبارتي – وأنت محقة، أجد ذلك مزعجًا للغاية! أعتقد أننا محفوظون لأنه لم تحدث بيننا صدمات بعد..." "هذه ملحوظة جديدة يا "بيت" –أنا واثقة أنكم جميعًا ستوافقونني الرأي أن حياتنا اليومية زاخرة بالأشياء التي من شأنها أن تفجر الاحتكاكات – ناهيكم عن اضطرارنا خوض هذه المواقف التي نجدها عصبية! " والبراعة تكمن في أن تدركوا أنكم إذا أردتم التأثير على شخص ما أنتم إذن بحاجة لتعديل أسلوبكم في التواصل ليصبح مقاربًا لأسلوبه المفضل.

وتلك هي الطريقة التي يمكنكم من خلالها تكوين الألفة معه. وأنا لا أقترح عليكم أن تتقلدوا شخصيات أخرى مغايرة لشخصياتكم! ولكن حينما تذهبون إلى فرنسا مثلاً، تجدون أن الفرنسيين يقدرون محاولاتكم لتحدث لغتهم – وهم بالتأكيد يفضلونها على صياحكم بالإنجليزية!". سألت "جيني" :"أليس في محاولة التأثير شيء من التلاعب؟". ملحوظة جيدة. هل يعرف أحدكم الفارق بين التأثير والتلاعب؟". لم يجبني أحد، لذا واصلت كلامي: "إن سعيت وراء التأثير عليك، أنا أريد إذن ما فيه صالحي وصالحك. ولكن إن أردت التلاعب بك فأنا أريد تحقيق ما في صالحي ولكن ليس ما في صالحك. هل فهمتم الفرق؟
"وإن رغبتم النجاح في الحياة حقًّا، عليكم أن تتذكروا أن الطرف الآخر بحاجة لأن يعرف دومًا – حتى وإن كان ذلك على مستوى اللاوعي – ما الذي سيجنيه. فإن اكتشفتم ما يريد شخص آخر تحقيقه – وساعدتموه على تحقيق هذا، أؤكد لكم يا أصدقائي أن العالم سيصبح في قبضة يدكم!".

كان ذلك يبدوا وقتًا مناسبًا للخروج لتناول الغداء." حسنًا، سوف نتحدث بمزيد من الإسهاب عن العلاقات في فترة بعد الظهيرة، وسوف تذهلون حينما تكتشفون كيف تغوصون داخل حدسكم والأثر الذي يحدثه ذلك على علاقاتكم..".


نقاط للتأمل عند بدئك في تقلد دور مرشد نفسك

انصت لأنواع النماذج اللغوية التي يستخدمها الآخرون. هل يستخدمون أنماطًا لغوية بصرية أم سمعية أم عاطفية؟ عندما نلتقي شخصًا جديدًا، تقمص دور المحقق الشخصي وتبين عدد الدلائل التي يمكنك استنباطها عن شخصيته. وسوف تكتشف المزيد بإنصاتك للطريقة التي يتحدث بها، وملاحظتك للغة جسده وما يرتديه. ويمكن اكتشاف مزيد من الدلائل من خلال تفحص بيئة شخص ما بتمعن. هل هناك إشارات على التفوق الرياضي (ميداليات) أو حب السفر (تذكارات) أم أنه يفضل البقاء بالمنزل وتدلل على ذلك صور الأصدقاء والأسرة المنتشرة بكل مكان؟

ابدأ في البحث عن الأمور المشتركة. فكر في أصدقائك وابحث عن عشرة أشياء مشتركة بينكم. الآن فكر في الأشخاص ممن وجدت صعوبة في تكوين رابط معهم وابذل قصارى جهدك لإيجاد عشرة أشياء مشتركة معهم. وأنت ستشعر على الأرجح بمزيد من القرب لهم إن نجحت في ذلك – وكما تعلم، المشاعر التي تراود الآخرين إزاءك هي نفس المشاعر التي تراودك إزاءهم، لذا فإن البحث عن أسباب لإحداث تناغم بينك وبين شخص ما سيصب في صالحك بدون شك!