كان المحلل النفسي السويسري أرثر كيلهولز قد أدخل مفهوم (اللحظة المناسبة ) عام 1956 للدلالة على اللحظة الإنتقائية حيث يمكن لتدخل علاج نفسي مباشر أن يبلغ مفعولاً علاجياً أمثل ومفارقاً .

وكانت كتابات هيبوقراط ( فيلسوف وطبيب يوناني قديم قبل سقراط ) تُعلم أن في الأمراض الخطيرة لحظة حرجة حيث حالة المريض ينبغي أن تتحسن أو تسوء , وتبدو أعراض ذات مدة قصيرة , وعلى الطبيب الماهر أن يتعرف عليها في لحظة ظهورها حتى يطبق العلاج المنشود المباشر , وذلك ما يعبر عنه القول المأثور (( الفن طويل والزمن قصير والفرصة المناسبة سريعة الزوال والتجربة خادعة )) ويبدو أن هذا الحس الطبي قد زال من الاستخدام .

وقد استخدم فلاسفة ولاهتيون مصطلح اللحظة المناسبة لتحديد اللحظة الانتقائية لهداية دينية .

وإذا لاحظنا أن الدعوية المحمدية بدأت بالسر أولاً ولم تخرج إلى الناس جميعاً إلا حين أمر الله سبحانه وتعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن ينشرها ... فهذا دليل على أن اللحظة المناسبة قد حانت .



اللحظة المناسبة في مفهوم كيلهولز :

المقصود منها مصادفة سيكولوجية خاصة تمثل في لحظة معينة لدى المريض ومن المهم للمعالج النفسي أن يعرف هذه المصادفة بغية القدرة على أن يستخدمها استخداماً مناسباً .



في أي شيء تكمن هذه المصادفة وهذا التدخل ؟

للإجابة على هذا السؤال فلنقرأ معاً القصة التي جرت مع هذا العالم والتي استنتج من خلالها بوجود بفاعلية اللحظة المناسبة

(كان الأمر على علاقة برجل في 43 من العمر .. عازب دخل المستشفى بسبب مرض فصام في الشخصية ( أي لديه شخصيتين ) فهو واهن العزيمة ... كاره لأبويه بسبب مشاكله المستمرة معهم ...عاطل عن العمل ... دون طاقة ... يقضي أيامه في اجترار أفكاره السوداء

فذهب إلى كيلهولز طالباً إليه التدخل الجراحي إن كان ينفع في مثل حالته

دعاه كيلهولز إلى أن يقص تاريخه وأصغى إليه بانتباه وأجابه بهذه الكلمات البسيطة التي كان لها الأثر الناجح << لا تلقِ عبئاً على أبويك ... عد إلى العمل ... ولو أن ذلك يبدو لك عسيراً أو متعذراً إنك بفضل العمل إنما تستعيد ثقتك بنفسك ... كنت عاملاً جيداً ... أصبح عاملاً جيداً ........... من جديد >>

حين سمع المريض هذه الكلمات ذهب إلى أخته وصهره اللذان كانا يعملان في البستنة ويحتاجان إلى اليد العالمة فاستخدماه مباشرةً وشرع منذئذٍ يعمل بكل قواه )

وكانت الدهشة قد أصابت كيلهولز بسبب النتيجة المذهلة الناجمة عن نصف ساعة من الاستشارة الوحيدة التي قضاها مع هذا المريض الذي كان من قبل قد استشار علماء نفس وأطباء نفسيين عديدين ... وكان هؤلاء قدموا له نصائح شبيهة بنصائح كيلهولز ولكن المريض لم يكن قد أخذ بها ... واستنتج كيلهولز من ذلك أن العامل العلاجي الرئيسي كان اللحظة المناسبة لتتدخله الناجح .

وعندما نشر كيلهولز مقاله الذي كان مخصصاً عن ذلك المريض لم يكن هذا الرجل قد أبدى أي عرض من أعراض المرض العقلي منذ ست سنوات أي كانت تلك الكلمات البسيطة هي علاجه الشافي ولم يحتاج لأي عمل جراحي .



ولنقم الآن بتحليل نفسي لهذه القصة لكي تتوضح الآليات السيكولوجية التي قادت مريض كيلهولز إلى الشفاء :

كان المريض مليئاً بالثقة بالنفس مسبقاً بكيلهولز لأنه سمع أن هذا الطبيب قد استطاع أن يشفي زوجة أبيه الثانية المصابة بالإكتئاب ومن الملاحظ أن سيرورة الشفاء كانت قد بدأت من قبل أي من قبل أن يمضي المريض إلى كيلهولز فهو اعتقد في أعماق نفسه أنه سيذهب إلى الشخص الذي سيشفيه من المرض فهذا الإعتقاد يولد في النفس مع اليقين بالشفاء وهذا عامل كبير للشفاء حتى من الأمراض المستعصية وكم سمعنا عن أشخاص هزموا أمراض خبيثة بقوة إيمانهم وبثقتهم الكبيرة بالشفاء ... وكان المريض يبحث وقد فقد الأمل في التخلص من المرض بنفسه ولكنه لم يفقد الأمل بمساعدة خارجية فهو بحاجة لمن يساعده على التخلص من المرض وكانت فكرة ذهابه إلى المحلل النفسي ضرباً من السعي الإيجابي الدال على رغبة حقيقية في إيجاد مخرج لوضعه ..

أضف إلى ذلك ان نصيحة ( عد إلى العمل ) كانت ذات أهمية شخصية للمريض ففي أثناء سني مراهقته وشبابه عانى هذا المريض مرارة البطالة أو إنجاز أعمال مؤقتة كان يكرهها وشعر فيما بعد بعاطفة إنسانية إنه يعمل ويمنح كامل قدرته ولكن على نحو من الأسف كان فصامه الحقيقي أو المزعوم ضرباً دون شك من إنبعاث حياته الحقيقية حياة البطالة وكان شقاؤه بالضرورة أيضاً تحقيقاً متأخراً لرغبته القديمة المحمولة في العمل .



فنحن هنا نميز اللحظة المناسبة بمصادفة مزدوجة ترجع إلى المريض وترجع من جهة أخرى إلى المعالج :

أ*)ومن المريض نجد المجموعة التالية :

1-إنه فقد الأمل العلاج بوسائله الخاصة .

2-لم يفقد كل أمل في الخلاص فقداناً تاماً ولكنه يعتبر أن الخلاص لا يمكنه أن يأتي إلا من عامل خارجي

3-إنه مستعد لقبول هذا العون الخارجي وحتى لإحداثه في بعض الأحيان بمسعى إيجابي

ب*)ونجد من جهة المعالج هذين العنصرين :

1-المعالج يفهم الوضع وكشف الواقع الرئيسي الذي مفاده أن اللحظة المناسبة وصلت

2-إنه قادر على أن يجري التدخل الملائم الذي ينبغي له أن يكون موجزاً وحاسماً .

وخلاصة القول علينا أن نلاحظ أن اللحظة المناسبة مفهوم جيد التحديد , استخدامه يتيح في بعض الأحيان نجاحاً علاجياً باهراً ولكن هذا الاستخدام ينبغي أن يتقرر بدراية ... إنه لوهم مشؤوم أن يتصور المرء أن بمقدوره الحصول غالباً على شفاء سريع نهائي من حالة الطب النفسي المجرد ببعض النصائح الصادرة عن الحس السليم وفكرة المعالجة بواسطة العلاج النفسي تقترن على الأغلب من جهة أخرى بفكرة تطور طويل ينطوي على إعداد بطيء للمريض وعلى كل معالج أن يفهم فكرة مفادها أن ثمة لحظات في الحياة الإنسانية يكتسب الزمن فيها قيمة نوعية جديدة وأن معالجاً نفسياً يمكنه في بعض الأحيان إذا أخذ بالحسبان هذه اللحظات الحرجة أن يحصل على شفاء سريع في حالات تغير خطيرة إن لم تكن لا أمل فيها

**********************




ماذا يفيدنا هذا الكلام في هذا الموضوع بالنسبة للتأثير أو في تطوير الذات


نستنج مما قرأناه:

أننا نمر بلحظات صعبة الجميع والجميع من دون أي استثناء يمر بظروف غير اعتيادية وقد تؤدي هذه الظروف إلى تغير مسار حياته

وخاصة إن خطَّ حياته بهدف معين مستنداً على أفكار وأعمال قد باشر بتنفيذها فيعكر الظرف او المأزق الذي مر فيه صفو هدفه وإندفاعه

البعض يستطيع تجاوز الصعوبات لأنه مستعد دائماً للحظة المناسبة

البعض قد يحتاج إلى مساعدة وقد نكون نحن من نحتاج تلك المساعدة لذلك عندما نقرر أننا يجب أن نحظى بمساعدة أحدهم أن نعرف جيداً من هو الشخص الذي نلتجأ إليه ويجب أن نكون واثقين منه فلا تضع هدفك بين أيادي قد يكون لها الهدف بتدمير هدفك

وقد يعتبرنا البعض مثلاً لهم كما نحن نعتبر بعض الأشخاص مثلاً لنا فنحب أن نقتدي بهم

فعندما يأتي إليك شخص طالباً مساعدتك ومهما كان هذا الشخص فطالما أنه طرق بابك لا تغلق بابك في وجهه

وقدم له النصيحة المفيدة ولا تقابله بعلو واستهجان لشخصه فسوف تقلل من قيمتك أمامه فهو من قَدِمَ إليك طالب المعونة فلو لم يجدك أهلاً للثقة لما إختارك من بين كل الناس

فكن صاحب كلام لين ولبق وحادثه بهدوء وأظهر له الحنان فربما هو اكثر شيء يحتاجه منك وارفع من معنوياته فمن المؤكد أن ذلك جلَّ ما يريده




ولنتذكر أننا قد نكون الأشخاص الذين يستحضرون اللحظة المناسبة للآخرين



وتذكر دائماً



أن تعامل الناس كما تحب أن يعاملوك



ودمتم بكل محبة ,,,,, بجميع اللحظات