التاريخ 29/1/2011م
صاح مرسى بأخيه عبد المجيد - ذو ال70 عاماً – هون عليك يا أخي سأذهب أنا لكن عبد المجيد هرول مسرعا وكأنة لا يسمع شيئا إلى مصلحة السجل المدني بحي شبرا عبد المجيد كان ينظر في عيون من حوله في الطريق وكأنه يبشرهم بمولد جديد
وكان من يعرفونه يلاحقونه بنظراتهم ودموع الفرح تأبى أن تخرج من العيون.. كانوا يرددون كلمه واحدة .... مبروك يأبو على مبروك يا حاج ..

انتابت عبد المجيد وهو في طريقة إلى السجل حالة من الشرود
بدأت الصور والأحداث تتزاحم أمام عينيه كأنه يحادث نفسه يااااه يا عبده أخيرا
أصبحت أب كيف سيكون شكله؟ هل سيأخذ جبهتي العريضة؟ أم شعري الذي كان ناعما قبل أن ينحله الزمن,
هل سأعيش لأصطحبه إلى المدرسة؟
كيف سألاعبه الكرة أنا أريده أن يصبح لاعبا مشهورا؟
كيف سأأمره بالذهاب للخلود إلى النوم من اجل أن يصحوا مبكرا للمدرسة ؟
لابد أن يصبح مهندسا مشهورا فقد كان حلمي أن أكون كذلك ولكن لا مشكله ولدى سيحقق هذا الحلم ثم تعلو شفتاه ابتسامة كلما تذكر صراخه في يومه الأول كان صراخ مهندس بالفعل
أكمل عبد المجيد شطحاته الفكرية قائلا- بانفعال- وكأنه يحادث زوجته لا لا لا لا أنا من سأختار لعلى الفتاه المناسبة فأنا اعرف ابني الباشمهندس الكبير أنا اعرف رغباته نحن رجال ونفهم بعضنا أكثر.
+++++++++++++++++
قطع هذه الأحاديث المتداخلة داخل عبد المجيد صوت أجش يقول له أي خدمة يا حاج
عبد المجيد : الشهادات منين وحياتك عايز اطلع شهادة لابني
الرجل : شكلك فرحان يا حاج يبقى ربنا رزقك بص آخر الطرقة يمين أول مكتب على أيدك الشمال حتلاقى .. مقاطعا نفسه طب وليه كل الغلبة دى ادينى عشرين عود واستريح أنت وأنا حخلصلك كل حاجه .
عبد المجيد : عود إيه يا بني ؟
الراجل : جنيه يا حج عشرين جنيه عشان الدمغة والاستمارات والذي منه ..يا
حاج
عبد المجيد : خد يا بني بس بسرعة عشان تقريبا العربية على وصول .
الراجل : توصل بالسلامة يا حاج ..( محدثا نفسه) عربية إيه هي الزفه النهاردة ههها
وبعد 15 دقيقة من الانتظار ( مكتب تسجيل المواليد )
يا حاج عبد المجيد خلاص كله تمام تعالى أستاذ أسامه عايزك في المكتب
أسامة : الاسم يا حاج
عبد المجيد : على عبد المجيد الهوارى قصدي المهندس على عبد المجيد الهوارى
أسامه : هامسا في أذن زميلة والله كنت فاكره بابا جدو
الزميل : هامسا (الدهن في العتاقى ) وتتعالى ضحكات مكتومة
أسامة : عايز كام شهادة يا جامد قصدي يا حاج
عبد المجيد : عادى شوف إيه الصح واعمله يا بنى ما أنت زى ابني .
وبعد 15 دقيقة
أسامة:مبروك ياحاج ومتنساش التطعيم ههه
+++++++++++++++++
يخرج الحاج عبد المجيد مهرولا من باب مكتوب عليه تسجيل المواليد
يصل سريعا الى البيت يبحث عنه
يقول له مرسى أخوه الأصغر مش كنت تخليك هنا مرتاح وأنا أقوم بالمهمة دى
عبد المجيد : لا أنا كده مبسوط
مرسى : المهم جبت التصريح ؟
عبد المجيد : نعم
مرسى : اركب معي السيارة أنا عارف الطريق
عبد المجيد : لا يا مرسى أنا مش حسيبه إلا لما اطمأن عليه حركب العربية اللي حيركبها
عبد المجيد يفتح باب السيارة الخلفي ينظر لابنه وهو ملفوف فى ردائه الأبيض ويقول بصوت مسموع شكله كأنه نايم الله يرحمه ويقبله بين عينة على بعد مليمترات من طلقة القناص ثم يغلق الباب
فى سيارة مكتوب عليها (تحت الطلب125 )
+++++++++++++++++
مرسى : يتعلق نظره بلوحة السيارة في الطريق لدفن ابن اخية المهندس على عبد المجيد تنساب القطرات على وجنتيه
يرجع بذاكرته إلى الوراء من 22 عام
عندما كان يتمنى عبد المجيد أن يرزق بطفل وتحققت المعجزة بمولد في 29/1/1989م
ويكبر الطفل ويدخل الهندسة التي يتفوق فيها
ويحلم والده بيوم زفافه ويختار يوم مولده ليكون
يوم زواجه كان يسعى لان يرى أحفاده
قبل أن يموت ولكن الله يعطى ويختبر في العطاء
ففى يوم زفافه يذهب في الصباح مع أصدقائه ليعبر عن رأيه
يتلقى رصاصة قناص لم تمهل الرصاصة الأب ليفرح بولده
ولكن الصبر في الاختبار كان يتردد على لسان عبد المجيد
الحمد لله وهذا يوم ميلاده الحقيقي
وتعلو الابتسامة وجهه وهاهو يطلب أن يهنئوه الناس
يهرول وحده إلى السجل المدني لاستخراج شهادة الوفاة حتى انه لم يسمع صياح أخيه مرسى هون عليك يا أخي سأذهب أنا.

د/ياسر فاروق
yasserfarouq@gmail.com