مشرف
- معدل تقييم المستوى
- 34
فن «الباتشورك»
«الباتشورك» .. فن يحول القصاقيص وبقايا الأقمشة إلى قطع فنية
قديما كانت الأمهات يلجأن لما يعرف بـ«الرقعة» لمعالجة مشكلات تقطيع ملابس الصغار، بوضع قطعة صغيرة من بقايا الأقمشة فوق الجزء الذي يجب إخفاؤه. أما الآن فقد تحول الترقيع إلى فن، يتم فيه تدوير قصاقيص وبقايا الأقمشة إلى مفارش وألحفة وستائر وسجاجيد ولعب أطفال ولوحات فنية. فن يعرف بـ«الباتشورك».
الدكتورة فادية كوري، فنانة تشكيلية، ومؤسسة أول جمعية مصرية لمحبي فن «الباتشورك»، لفت انتباهها هذا الفن، فدرست أصوله في أوروبا. تقول إنه يعلم الدقة والذوق العام ويغير نظرة الإنسان للألوان والأشكال الهندسية، كما يأخذ الإنسان في جولة حول العالم، لأن جذوره قديمة تنتشر في العالم كله.
لكن اللافت أن «الباتشورك» فن شرقي، وله أصول مصرية قديمة، حسبما تقول كوري: «إذ توجد في المتحف المصري قطعة ملابس لتوت عنخ أمون مصنوعة بطريقة الباتشورك تعود للأسرة الـ18، كما توجد أيضا في المتحف نفسه كسوة لأحد المومياوات من الأسرة الـ21.
وفي لوحات المومياوات المصرية القبطية التي اكتشفت عام 1880 وعرفت بوجوه الفيوم، وجدت وحدة الـ«لودج كابن» وهي أول وأهم وحدة «باتشورك».
تتابع كوري: «تم نقل فن الباتشورك على أيام الحروب الصليبية من الشرق إلى أوروبا، وبدأت كل دولة أوروبية تضيف له وأصبح له صور مختلفة. ففي إيطاليا أضاف وافن (التروبنتو) للباتشورك وهو عبارة عن مربعات تعتمد على لون واحد من القماش والخيط، بينما أدخلت فرنسا فن النجوم عليه.
وكان لهولندا الفضل في إدخال شكل «طواحين الهواء»، بينما أضافت ألمانيا فن «أطباق دريزدن». وهكذا ابتكرت أوروبا صناعة الألحفة بالباتشورك، التي يكون اللحاف فيها عبارة عن ثلاث طبقات هي الباتشورك والحشو والبطانة. في سنة 1500 بدأت هجرة الأوروبيين إلى أميركا، فأخذوا معهم هذه الفنون، وهناك تطور هذا الفن وأقيمت له المتاحف، مما يعطي الانطباع بأنه وُلد في أميركا.
الطريف أن الباتشورك استخدم في أميركا لمكافحة العادات السيئة، كما تقول كوري: «ففي نهاية القرن الـ18 انتشرت صناعة الخمور والكحوليات في البيوت، فقامت النساء بمهاجمة هذه الصناعة، عن طريق ابتكار وحدة جديدة من الباتشورك أطلق عليها (الخط السكران)، وتمت صناعة ألحفة ومفارش عرضت للبيع وتحول نتاج البيع لمحاربة إدمان الخمور».
وتشير كوري إلى وجود أنواع كثيرة للباتشورك، فهو فن كبير جدا، حسب رأيها: «وكل طريقة لتجميع الأقمشة لها اسم، فمثلا طريقة (الهيكساجون) أي السداسي الأضلاع، الذي تكون فيها قصاقيص الأقمشة سداسية الشكل، أما (السيمونول) فهي عبارة عن شرائط من الأقمشة يتم تجميعها بشكل ما، وتعرف مثلثات الأقمشة المتداخلة بطريقة (الويلز)، وتتكون طريقة (المولا) من مجموعة من طبقات الأقمشة تُحاك بطريقة خاصة، كما تعتبر السيرما والخيامية شكلين من أشكال الباتشورك، وهناك الكثير من الأشكال الأخرى».
تستطرد: «يعتمد هذا الفن على قصاقيص الأقمشة في الأساس، ولكن تستخدم بعض الكماليات الأخرى كالخرز والأزرار والخيوط للتطريز. ويتميز بسهولة تعلمه، ولا يحتاج لمهارات خاصة، ويمكن إتقانه في فترة من 3 إلى 4 أشهر، ومع ذلك تتميز منتجاته بجودة عالية، لأنها مصنوعة من القطن المصري، ويمكن غسلها عدة مرات من دون أن تفقد رونقها وألوانها».
من حبها لهذا الفن، تسعى الدكتورة فادية لنشره في مصر والدول العربية، وكانت الخطوة الأولى أنها أسست جمعية مصرية تستهدف تعليم السيدات هذا الفن والإشراف عليهن لتصنيع منتجات من خامات عالية الجودة وبذوق رفيع وتشطيب متميز، تباع في مصر أولا، كما تصدر للخارج.
وبدأت الجمعية فعلا بتطوير المنتجات البدوية وتحويلها باستخدام فن الباتشورك إلى منتجات جديدة يمكن استخدامها في الحياة العملية، مثل حقائب اليد.
المصدر : جريدة «الشرق الأوسط»
Accept the pain and get ready for success
المفضلات