كيف يُدير الزعماء الغربيون أوقاتهم؟
رغم مشاغلهم فإنهم يركضون ويقرأون وينتجون
الجمعـة 13 شـوال 1430 هـ 2 اكتوبر 2009 العدد 11266
جريدة الشرق الاوسط
الصفحة: الاقتصــــاد
محمد النغيمش*
رغم انشغال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بالتحضير لقمة المناخ العالمية، التي أقيمت أخيرا في أميركا، فإنه لم يهدأ له بال، على ما يبدو، إلا بممارسة رياضة الجري في الصباح الباكر، ولكن هذه المرة ليس في ناديه الرياضي المعتاد بل في حديقة سنترال بارك العامة في نيويورك، وكان يتبعه حراسه الشخصيون، وذلك على مقربة من خيمة الرئيس الليبي معمر القذافي التي اعتاد نصبها أينما ذهب. والناظر إلى جسد الزعيم الفرنسي لا يرى فيه آثارا لسمنة مفرطة اضطرته إلى تكبد عناء الجري الصباحي وسط حراسة أمنية لصيقة، ولكن يظهر أن هذا هو ما يسمى بالدافع أو الالتزام Discipline الذي يتحلى به القياديون الذين لا يؤجلون أهدافهم المتعلقة بصحتهم وتطوير ذاتهم مهما واجهوا من تحديات أو اعترضتهم أهداف أخرى مهمة. فحضور مؤتمر عالمي أو اجتماع مهم لا يعني في نظر هؤلاء أن يلغوا جدولهم المعتاد، خصوصا إذا كان يضم أنشطة مهمة مثل التمارين الرياضية أو القراءة والاطلاع وغيرها مما ينمي مدارك الفكر، فهم يدركون جيدا أن لأبدانهم عليهم حقا وأن لعقولهم عليهم حقا ولذا فهم يعطون لكل ذي حق حقه. ويبدو أن الالتزام والإصرار على حسن إدارة الوقت ليس «نهجا ساركوزيا» بل هو أمر يتمتع به رؤساء أميركيون آخرون، في مقدمتهم الرئيس باراك أوباما الذي أثار ردود أفعال واسعة في الوطن العربي حينما نشرت صوره في أول يوم عقب فوزه بانتخابات الرئاسة الأميركية وهو يهم بالخروج من ناديه الرياضي (الجيم) بعد ممارسة تمارينه الصباحية المعتادة، وكان يحمل صحيفة لمتابعة أصداء فوزه التي أذهلت العالم لكونه أول رئيس أميركي من أصل أفريقي. ولكن حدثا كهذا لم يدفعه للتضحية بعادته الصباحية الإيجابية والتسمر أمام شاشات التلفاز بل قرر أن «يضرب عصفورين بحجر واحد» إذ أخذ صحيفته معه إلى النادي وربما شاهد ما تيسر له من برامج في شاشة التلفاز بالنادي. كما روى لي أحد المصادر في الكويت أنه رأى الأميركي جورج بوش (الأب) ينزل إلى بهو فندق كان يقيم فيه فطلب من المسؤولين المحليين أن يشيروا إليه نحو أقرب مكان عام ليمارس فيه رياضة الجري الصباحي، فصدم المسؤولون خشية على سلامته، وحينما رأوا إصراره أُمر ببعض الحرس المدربين بالجري معه على ضفاف شارع الخليج العربي. وقال أحد الحراس عن نفسه إنه شعر بتعب شديد أثناء الجري مع الرئيس بوش، فيما كان الأخير، الذي تجاوز السبعين من عمره آنذاك، في أوج نشاطه وحيويته حتى أكمل المدة الزمنية المقررة ثم عاد أدراجه إلى مقر إقامته. ومن طرق حسن إدارة الوقت ما يُروى عن الرئيس الأميركي روزفلت الذي كان يقرأ كتابا كاملا أثناء وجبة الإفطار فتحولت تلك إلى إحدى عاداته الشهيرة. أما جون كنيدي فكان يدرك مدى ضيق وقته فتعلم كيف يقرأ بسرعة حتى صارت سرعة قراءته 1200 كلمة في الدقيقة أي خمس صفحات في الدقيقة الواحدة، وهي سرعة غير عادية ولكنها غير مستحيلة، حيث أخبرني أحد المدربين المختصين في مجال القراءة السريعة أن هناك من يقرأ بالفعل بهذه السرعة في الوطن العربي!.
وعودة إلى الرئيس الأميركي الأسمر باراك أوباما، فقد نشرت وسائل الإعلام عنه أنه استغل إجازته التي امتدت لمدة خمسة أيام في قراءة نحو 2300 كلمة وهو عدد كبير جدا بالإضافة إلى ممارسته لبعض الهوايات الرياضية المحببة مع أصدقائه. وكلنا يتذكر اللقطات المعتادة التي تنشر عن عائلة الرئيس الأميركي وهي تقضي عطلة نهاية الأسبوع في مزرعة أو رحلة صيد بحرية حتى في أحلك الأزمات المالية والسياسية، بل حتى في أثناء خوض جيوشها لحروب ضارية في أكثر من دولة في آن واحد. والملاحظ أن ذلك لا يكون على حساب أداء الرئيس، فكثيرا ما نسمع أنه قد قطع إجازته وعاد إلى واشنطن لمتابعة مستجدات سياسية مهمة، وهذا هو الأسلوب الأمثل في إدارة الوقت حيث إن الإنسان مهما كانت مسؤولياته فإنه يبقى بشرا له حاجات نفسية واجتماعية يتطلع إلى تحقيقها حتى يجدد نشاطه ويقبل على عمله بهمة ونشاط، وهو ما يسميه عالم الإدارة الشهير ستيفن كوفي بالأنشطة التي «تسنن المنشار» أو Sharpening the Saw حيث يعتبر أن هذه «العادة» هي إحدى العادات السبع المهمة للأشخاص الناجحين لأنها تبث فيهم الحيوية وتقويهم على تحقيق أهدافهم. ويُذكَر أن ستيفن كوفي قد درس الناجحين في العالم لمدة 25 عاما وخلص إلى بضع عادات وضعها في كتابه الأكثر مبيعا في العالم «العادات السبع للناس الأكثر فعالية».
كما أن مواظبة الزعماء على تقديمهم للأنشطة السابقة، كالقراءة والرياضة، وما ينمي الذات على سائر الأنشطة يساعدهم على تحقيق العادة الثالثة للناجحين وهي «تحديد الأولويات» First Things First فالقراءة تنمي الذهن وتوسع قاعدة المعلومات، والرياضة تقوم بالمحافظة على نشاط الجسم، وهذان النشاطان وغيرهما تعد من الأنشطة «المهمة جدا» ولكنها في الوقت ذاته أنشطة «غير عاجلة» ولذا فإن كثيرا من الناس ينساها أو لا يواظب عليها بإصرار رغم أن الاستمرار عليها يسهم في تغيير مجرى حياة الإنسان، فمن يقرأ بانتظام في مجال تخصصه أو يمارس رياضة تناسبه لا شك في أنه سوف يحصد نتيجة مختلفة كلية ـ بعد مدة زمنية محددة ـ عن آخر لا يُلقي لذلك اهتماما يذكر.
منقول